|
عن الخلافة وأوهامها (١)
رفعت السعيد
الحوار المتمدن-العدد: 3600 - 2012 / 1 / 7 - 11:36
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
وما إن اتسعت رقعة النشاط السلفى حتى اتسعت رقعة الحديث عن الخلافة والقول بأنها فريضة، وما لم ينهض المسلم بالدعوة إليها فهو آثم، الأمر الذى يدفعنا إلى الكتابة فى هذا الأمر، ولا نزعم قبل أن نمضى فى الكتابة أننا نمتلك القول الفصل، ولكنها محاولة لفتح حوار حول هذا الأمر ربما ينهض به من هم أجدر منا بفهمه والإحاطة بأمره.
ونبدأ كالعادة بتعريف كلمة الخلافة، وفى القاموس الوسيط نقرأ: «الخلافة هى الإمامة، والخليفة هو المستخلف والسلطان الأعظم» لكن الشائع فى القواميس الأخرى هو: «أن الخلافة هى رئاسة عامة للمسلمين فى كل الدنيا» بمعنى «أنه لا يجوز لبلد أو جماعة من المسلمين أن ينفردوا باختيار الخليفة، بل يتعين أن يبايعه المسلمون فى كل بقاع الأرض. ومن لا يبايعه يكون آثماً» «ومن مات وليس فى عنقه بيعة فقد مات ميتة جاهلية».
وفور وفاة الرسول الكريم ثارت هذه المسألة، وتطلع آل البيت إليها خاصة على بن أبى طالب، لكن عمر بن الخطاب خشى أن يتحول الأمر إلى تقليد، ثم إلى عرف، فقال لابن عباس «إن قومكم كرهوا أن تجتمع لكم النبوة والخلافة فتذهبوا فى السماء شمخاً بذخاً» (ابن أبى الحديد- شرح نهج البلاغة- جزء ٢- صـ٩).
وأتى أبوبكر بعد ملاسنة شديدة وربما قاسية مع سعد بن عبادة الذى طالب بها للأنصار ثم طالب ببعض منها لهم «لكم أمير ولنا وزير». ومنذ اليوم الأول عرف أبوبكر حدوده فوقف فى الناس قائلاً: «أما والله ما أنا بخيركم، ولقد كنت لمقامى هذا كارها ولوددت أن فيكم ما يكفينى» ثم «أتظنون أنى أعمل فيكم بسنة رسول الله؟
إذن لا أقوم بها. إن رسول الله كان يعصم بالوحى، وكان معه ملك، وإن لى شيطاناً يعترينى. ألا فراعونى وإن زغت فقومونى» (أبوجعفر الطوسى- تلخيص الشافى- الجزء الأول صـ١٠). وهكذا ومنذ اليوم الأول تحول الحكم والأحكام إلى مسألة إنسانية فالوحى انقطع. وحكم الحكام بالرأى أو بالدقة بما يعتقدون هم أنه مستمد من الشرع. لكن هذا الاعتقاد فعل إنسانى يحتمل الخطأ والصواب. وتوالى الخلفاء الواحد تلو الآخر، ولكل منهم رأيه ورؤيته وممارساته التى تختلف عن الآخرين. ويورد الإمام السيوطى أن عبدالملك بن مروان (حكم ٧٣ هجرية) خطب فى الناس يوم ولايته قائلاً «أيها الناس: لست بالخليفة المستضعف (عثمان) ولا بالخليفة المداهن (معاوية) ولا بالخليفة المأفون (يزيد) ألا أنى لا أداوى هذه الأمة إلا بالسيف حتى تستقيم لى قناتكم. والله لا يفعلن أحد فعلة إلا وجعلتها فى عنقه، والله ما يأمرنى أحد بتقوى الله بعد مقامى هذا إلا ضربت عنقه».
أما قصة عبدالملك بن مروان هذا، فتبدأ بأنه انتقل إلى المدينة شاباً وأقام فى مسجد الرسول يقضى يومه وليله يصلى ويقرأ القرآن، حتى سموه «حمامة المسجد»، واستبشر الناس خيراً إذ تولى الخلافة، فإذا به يقول ما قال «والله ما يأمرنى أحد بتقوى الله بعد مقامى هذا إلا ضربت عنقه».
وأول من قال بالخلافة الخليفة معاوية ورجاله فمعاوية يزعم «والله ما أردتها لنفسى لولا أنى سمعت رسول الله يقول: يا معاوية إن حكمت فاعدل». ثم ابتدع رجاله حديثاً مكذوباً «الخلافة بعدى ثلاثون عاماً وبعدها ملك عضوض» وإذ أوفى الثلاثين عاماً وقف ابن المقفع فى مجلسه قائلاً «خليفة رسول الله هذا وأشار إلى معاوية، فإن هلك فهذا وأشار إلى يزيد، ومن أبى فهذا وأشرع سيفه فى وجه الجميع». ثم تحدث فقهاؤه عن مشروعية ولاية المتغلب. ودخلوا بالمسلمين إلى زمان ما سمى بالخلافة والخلفاء، لكن المسلمين كانوا أكثر ذكاء فسموا الخلافات بمسماها الحقيقى، فنسبت الخلافات إلى العصور والأسماء البشرية، الخلافة الأموية- العباسية- السلجوقية- العثمانية، ويبقى بعد ذلك حقيقة الموقف الفقهى من الخلافة. ونقرأ:
الشهرستانى يقول فى كتابه «نهاية الإقدام» «إن الإمامة ليست من أصول الاعتقاد».
الجرجانى يقول فى «شرح المواقف» «إن الخلافة ليست من أصول الديانات والعقائد، بل هى من الفروع المتعلقة بأفعال المكلفين».
الإمام الغزالى يقول فى «الاقتصاد فى الاعتقاد» «الإمامة ليست من المعتقدات».
أبوحفص بن جميع يقول فى «عقيدة التوحيد» «إن الإمامة مستخرجة من الرأى وليست مستخرجة من الكتاب والسنة».
الآمدى يقول فى «غاية المرام فى علم الكلام» «واعلم أن الكلام فى الإمامة ليس من أصول الديانات، بل لعمرى فإن المعرض عنها لأرجى حالا من الواغل فيها، فإنها لا تنفك عن التعصب والأهواء وإثارة الفتن والشحناء».
ويستند كل هؤلاء الفقهاء إلى فهم صحيح لآيات القرآن الكريم. فالكثيرون من دعاة الخلافة يستندون إلى الآية الكريمة «إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله» (النساء- ١٠٥) لكن البيضاوى فى تفسيره والقرطبى فى «الجامع لأحكام القرآن» يؤكدان أن كلمة «تحكم» هنا كانت تعنى أن تكون قاضيا بينهم. ويؤكد أغلب الفقهاء أن كلمة «الحكم» قد أتت فى القرآن الكريم فى كثير من الآيات بمعنى الحكمة أو الرأى السديد، ويستدلون على ذلك بآيات عدة منها «يا يحيى خذ الكتاب بقوة. وآتيناه الحكم صبياً» (مريم: ١٢) ولم يكن يحيى حاكماً بل منحه الله الحكمة وهو صبى.
وآية أخرى عن عيسى بن مريم نقرأ فيها «ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عباداً لى» (آل عمران- ٧٩). ولم يكن السيد المسيح حاكماً. وكذلك لوط «ولوطاً آتيناه حكماً وعلماً» (الأنبياء: ٧٤) وموسى أيضاً «ولما بلغ أشده واستوى آتيناه حكماً وعلماً» (القصص-١٤).
وكلما أطلنا فإننا سنكتشف أن البعض يوهمنا بضرورة «الخلافة» والإيمان بها وأنها شعيرة من شعائر الإسلام لا مناص منها. لكن كل ما سبق وأضعاف أضعاف غيره تنفى نفياً قاطعاً فكرة الحاكم المطلق والخليفة المتحدث باسم السماء والحاكم بأمرها.
ويبقى أن نشير فى كلمة قادمة إلى النتائج المأساوية لحكم الخلافة والخلفاء.
#رفعت_السعيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل هى الفوضوية؟
-
لماذا تخلّفنا؟
-
عيده المئوى .. نجيب محفوظ والمسيحيون
-
بيزنس الإفتاء
-
مرة أخرى.. هل الليبرالية كفر؟
-
الإخوان - الجهاديون - السلفيون .. العلاقات المتشابكة
-
محاولة لفهم ما يجرى
-
هل الليبرالية كفر؟
-
عن الإرهاب الإخوانى
-
المتأسلمون وتحالفاتهم
-
الشيخ صفوان أبوالفتح
-
فلماذا أسميناهم متأسلمين؟
-
عن تجديد الفكر الديني
-
ومهما كان الثمن.. وكانت التضحيات سنمضي إلى الأمام
-
حول تعديل الدستور - جحا الاخر
-
حول تعديلات الدستور : جحا .. والجمل .. والحمار ... هل أصبح ا
...
-
حول تعديل الدستور:حكاية جحا .. ولجنة الدكتورة أمال
-
كائن لامحل له من الإعراب.. يتخطي القواعد ويستولي علي مقاليد
...
المزيد.....
-
تسليم الأسيرة الإسرائيلية أربيل يهود للصليب الأحمر في خان يو
...
-
تردد قناة طيور الجنة الجديد على القمر الصناعي النايل سات وال
...
-
مستعمرون يقطعون أشجار زيتون غرب سلفيت
-
تسليم رهينتين في خان يونس.. ونشر فيديو ليهود وموزيس
-
بالفيديو.. تسليم أربيل يهود للصليب الأحمر في خان يونس
-
الصليب الأحمر يتسلم المحتجزين الإسرائيليين أربيل يهود وجادي
...
-
القناة 13 العبرية: وصول الاسيرين يهود وموسيس الى نقطة التسلي
...
-
الكنائس المصرية تصدر بيانا بعد حديث السيسي عن تهجير الفلسطين
...
-
وصول المحتجزين الإسرائيليين أربيل يهود وغادي موزيس إلى خان ي
...
-
سرايا القدس تبث فيديو للأسيرة أربيل يهود قبيل إطلاق سراحها
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|