نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 1065 - 2005 / 1 / 1 - 05:36
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
وهانحن نوشك أن نغلق باب العمر وراءنا والقلب تموت أمانيه, كما قال شاعر الخمرة والنخلة البصري الرائع الحزين, ونصل الى محطة جديدة في رحلة العمر العبثية المضنية هذه غير آبهين, وغير عارفين أين ستكون المحطة القادمة المقبلة, وهل سنكمل الرحلة حتى المحطة الأخيرة؟ أم سنتساقط كما تتساقط أوراق التوت المتهادية في البيوت العتيقة المهجورة والمظلمة؟ وهل سيكون السقوط مدويا وعنيفا وخاطفا وكما جرت العادة لهؤلاء البؤساء المنكوبين؟ أوكما تنزل "بركات"وهدايا الحروب المجنونة الطاحنة من الفضاءات,التي لم تعد تتسع لتك الأرواح الصاعدة, والضيوف الجدد الكثيرون المنطلقون في كل ثانية للقاء وجه ربهم ذي الإكرام والجلال. وتشهد دروب السماء الرحبة زحمة أرواح متصاعدة خانقة من كثرة ما فاضت من الأرواح إلى باريها ,أم سيكون الرحيل الأخيرهادئا وبطيئا وصامتا؟ فيما يتوق بقية المنتظرين الى الإنطلاق وامتطاء تلك الرحلة الأبدية السرمدية كونها الحل الأخير, والنبلة الباقية في هذه الجعب الخاوية المقفرة.
فهاهي الحروب القدرية الإنكشارية مازالت مستعرة, وها هوالجرح الدامي مايزال نازفا, وهاهي الأحلام ماتزال مستحيلة وعصية,وهاهو التشرذم والإنشطار ما زال في حالة انفلات دائم , وكان "تسونامي" الغاضب الجامح المدمر مسك الختام, وتتويجا مأساويا مرعبا لمهرجانات الموت واستعراضاتها الفاجرة, وحقب الفناء التي لم تتوقف يوما وبعد يوم, وكأنه ما كان ينقصنا سوى هذا القاتل الماحق الجديد ليكمل اللوحة السوريالية المقيتة المتفحمة أساسا. فلقد مل الجميع من مشاهد الموت, ولون الدماء الذي غطى وجه الأرض,واختفت عن المشهد البائس الحزين تلك النفحات الجميلة من الحب, والخير, والفرح, وزمن الطهر والنقاء, والبراءة الطفولي الغابر السحيق والوجوه الباسمة الصبوح.ويتسائل الحيارى المحبطون أين ذهبت تلك الأيام الرومانسية الحالمة الهادئة؟ وهل لها من إياب ولو قصير؟وأصبح الجميع حائلرا ومترددا من تكرارعبارة "كل عام وأنتم بخير" المحرجة ,بعد أن أصبح الخير عملة نادرة,وصعبة في البورصات العربنجية التي لم تفلح كل الطفرات, والفورات النفطية المتكررة من توفيرها للجمهور المفلس الشحيح ,والعازم على السفر للعالم الآخر المجهول, وفي أول رحلة قادمة ,ولو على ظهر البعير. وأصبحت جميع المحطات سيان وذات لون واحد عنوانه القهر والإحباط والغضب. وفي أية محطة ترجلت سيكون الإستقبال واحدا وبنفس "الحفاوة والتكريم والاطناب" . وأصبحت عبارة "الحمد على السلامة "هي البديل المنطقي نظرا لما يترصد الجميع من مخاطر ومطبات ,وألغام, وقرارات تعسفية, وظلم كبير, وعبوات ناسفة, وسكاكين, وخناجر مشرعة وفي كل الطرقات والدروب والبساتين, ووصل الجميع الى حافة الهاوية ووجها لوجه مع العدم واللاشيء. واسمحوا لي أن أقول لكم بهذه المناسبة "الحمد عا السلامة للجميع".أما الخير فاعذروني لأني ما اعتدت أن أروج للأوهام والدجل والنفاق والأكاذيب.
وبحثت, ونبشت, وفتشت, و"بحبشت" عن بقية باقية من خير,أوجمال,أو بركات أوزعها أوأزرعها في هذه التربة القاحلة الماحلة الجرداء الصفراء المنكوبة, علها تتوالد وتتكاثر وتستنبت خيرا يعم الجميع,فلم أر سوى الحزن والدم والدموع والولولات والخراب وصرخات الألم والعذاب. فالنفوس خربت ويئست,والحريات اغتصبت,والخوابي سرقت, والأموال شفطت,والجيوش هزمت, والأسلحة صدئت ,والأطفال يتمت,والنساء ترملت,والقراقوشيات تفننت,والإنتخابات زورت,والجميلات عنست,والرجولة عقمت,والأشجار يبست, والشعارات استهلكت,والبلاد استعمرت,والديكتاتوريات كرست, والمقدسات "غربلت",والميزانيات نهبت,والحياة اختصرت,والمسلسلات كثرت, والوجوه اكفهرت,والعربان تبهدلت,والمذيعات تحجبت,والفنانات اعتزلت, والأنوف الشم مرغت,والقلوب تحجرت,والشموليات شرشت,والأصوليات تفرعنت,والزعامات تشرشحت,والعيون تسمرت,والأدمغة غسلت,والعقول استهبلت, والدماء سفحت, والأرواح زهقت,والأحلام تبددت,والأوهام سوقت , والعمامات استطالت ,والجلاليب قصرت, واللحى أطلقت,والخزعبلات تسرطنت ,والفتاوى كثرت,والأحقاد ضمرت,والإبتسامات اختفت, والحكومات فجرت,والقبائل بطرت,والمخافر اكتظت,والشعوب أفقرت, والفضائيات تشرشحت,والمعامل توقفت, والارض أمحلت,والزلازل زلزلت,والبراكين تفجرت,والعيون تسمرت, والنفوس شحنت,والموؤودة قتلت ,والجبال جردت, والسهول طمرت ,والينابيع نضبت,والأنهار جفت,والأحزاب فرخت,والمخابرات استفشرت,والأيام اسودت,والعبقريات هجرت,واللقاءات منعت,والحقوق انتهكت,والأسئلة حرمت,والمدارس اغلقت, والأمعاء خوت,والحلوق ظمئت, والبرلمانات خلدت,والأنظمة أبدت,والميزانيات افلست, وإنه مشهد فوضوي عبثي قدري لانهائي ولامحدود.
وأصبح الجميع في حالة من الترقب والخوف والهلع انتظارا للمجهول الغامض الحامل للموت والدم والحزن. وأصبح "غودو" الحاضر الغائب الأكبر في هذه "الأرض اليباب" المقفرة,والكل يحملق في الأفق البعيد اللامتناهي ينتظر غودو,أي غودو ,ومن أي نوع كان,ولو كان غودو معدل بسيط ,وصغير,ويحقق أي من الأحلام الصغيرة, ويستعمل لمرة واحدة ويرمى في الزبالة بعد ذلك.ويأتي في الليل أوالنهار, وعلى الفطور,أو عند المساء, المهم أن يتخطى كل الحواجز الأمنية والمخافر والكلاب البوليسية ليقدم لنا هدية الأعياد ,ولكن بقيت الحياة مسرحية عبثية من فصلين لا ثالث لهما, ولا حل للمشاكل العويصة المستعصية المزمنة وأصبح الحفاظ على ماتبقى من شرف وعرض وأرض هو نصر بحد ذاته, وكما قال الشاعر المنكوب ونرضى من الغنيمة فقط بالإياب, وفي كل يوم تتقلص مساحة الأوطان وينهش الناهشون من الأطراف الدسمة واللذيذة ويتركون لنا العظام والفتات. وهل سيكون غودو الغائب الذي انتظرناه طويلا مثل "الغودوات" الجاثمات والرابضات على صدورنا كما تربض "ثوابت الجامعة" الأبديات فوق الجميع, وقد أصبح من الواضح والثابت, أن لا شيء سيتغير ,أو يتبدل لأن ذلك حرام ومنكر, وذلك حسب "فتوى الثوابت العربيات " التي أصدرتها كل مرجعيات وفقهيات وحوزات وأزهريات القمم القدرية والزعامات, والكل هنا متفق على صحة هذه الفتوى وكل "المذاهب الشمولية" المتعددة تستبيح فرح وحياة ودماء هؤلاء الرعايا المنكوبين ولا خلاف فيما بينها إطلاقا, فمثلها مثل "الشهادتان".
فمع وجود بوش ,وشارون,وتسونامي ,والمدمرات الرابضة بالقرب منا,وبن لادن , والظواهري ,وعتاة الشموليين والقتلة,والمفاعلات النووية,ومكامن الخطر, وماكينات الفرم والقتل الأخرى وهذا المشهد كما بدا عشية رأس السنة الميلادية سوداويا, مظلما, كئيبا, وحزينا يتكرر أبديا وكل سنة ببرودة, وبلادة, وتكاسل, ونحن نتكبد مزيدا من الخسائر, ونفقد الكثير من أرصدتنا الشحيحة أصلا,والذي هو في أركان وأصقاع أخرى يوما جميلا للفرح , والإحتفال ,والتجديد,وعناقات الأحلام الورديات صارت, لديهم, واقعا معاش,ومع هذا الهبوط الاضطراري المفاجىء,والمشهد الرهيب, والوداع الحزين عشية رأس السنة الميلادية,مع هذا كله ألا يحق لنا القول "الحمد عا السلامة للجميع" .
وكل عام وأنتم....................والثوابت صنوان.
نضال نعيسة كاتب سوري مستقل
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟