|
بنكيران يقود حكومة الواجهة: زواج العدالة بالاستبداد .. والتنمية لجيوب الاغنياء
نبيل عثمان
الحوار المتمدن-العدد: 3599 - 2012 / 1 / 6 - 06:56
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
النشأة و المسار
يعتبر حزب العدالة و التنمية أحد مكونات الحركة "الاسلامية" ، التي اختارت ومنذ مدة خيار العمل من داخل المؤسسات القائمة ، والقبول بقواعد اللعبة السياسية كما تنظمها الملكية . فبعد ضمان قطيعة العديد من قيادات الحزب مع التوجهات الراديكالية لحركة الشبيبة الإسلامية ، و الانتقال من العمل السري سنوات السبعينات إلى القبول بالعمل في مؤسسات الملكية ، بما يستدعيه ذلك من قطيعة ومراجعة للقناعات الفكرية و السياسية السابقة المشككة في الشرعية الدينية للملكية (إمارة المؤمنين). بدأ مسلسل انبطاح هذا المكون مع الرسائل التي وجهها منذ منتصف الثمانينات عبد الإله بن كيران لوزير الداخلية أنداك إدريس البصري ، رسائل تطمئن و تستجدي السلطات العليا بالسماح بتأسيس حزب سياسي . و في سنة 1992 لم تفلح مساعي حركة الإصلاح والتجديد (الجماعة الإسلامية سابقا) في تأسيس حزب التجديد الوطني ، لعدم تأكد الدولة من "نضج" هؤلاء الإسلاميين و بلوغهم نقطة اللاعودة في مسار انبطاحهم ،فكان أن التحق إخوان بن كيران(بتوجيه من إدريس البصري) بحركة الخطيب الشعبية الدستورية ، بشروط ثلاثة، هي: إسلامية الدولة والاعتراف بالملكية الدستورية ونبْـذ العنف، ليتم عقد مؤتمر إسثتنائي للحزب سنة 1996 لتنظيم التحاقهم. سنة بعد ذلك سيشاركون في انتخابات 1997 ، ليحققوا فوزا مهما قياسا لحجم الدوائر المحدودة والتي ترشحوا فيها( 24 من أصل 325 دائرة) ، حيث حصد الحزب 14 مقعد في مجلس النواب و مقعد واحد للنقابة الموازية الإتحاد الوطني للشغل في مجلس المستشارين. سنة 1998 سيصادق المجلس الوطني للحزب على تغيير اسمه ليصبح "حزب العدالة والتنمية" فيواصل خيار المشاركة في كل الانتخابات التشريعية و البلدية.وفي انتخابات 2002 حصد 42 مقعدا ، ثم 46 سنة 2007 ليصل الى107 مقعد في الانتخابات الأخيرة سنة 2011 ، مقدما للملكية الترياق الذي كان ينقصها، في ظل سياق سياسي دقيق على المستويين المحلي و العالمي ، ليتأكد ما قاله عبد الإله بن كيران في مقابلة مع جريدة "الوطن الآن" أن حزب العدالة والتنمية هبة من السماء للدولة لأنه قام بالمراجعات النقدية واستوعب طبيعة المنظومة الوطنية واقتنع بأهمية النظام الملكي بالمغرب وبدوره الكبير في الحفاظ على الإسلام دينا للدولة وعلى وحدة المغاربة و استقرار المغرب".
الطبيعة الطبقية للحزب
منذ بروزها في عشرينيات القرن الماضي( الإخوان المسلمين بمصر)، ظهرت الحركات الدينية الرجعية كحركات برجوازية صغيرة سواء من خلال برامجها و إيديولوجيتها أو بطبيعة تركيبتها الإجتماعية و حتى بالأصول الإجتماعية لمؤسسيها . تجند هذه التيارات في صفوفها صغار التجار و الصناع ، الحرفيين و حتى "المثقفيين التقلديين"(العلماء) بالإضافة الى المدرسين و صغار الموظفين، وفي فترة صعود هذه التيارات لا تكتفي بإستقطاب هذه الفئات فقط بل يمتد تأثيرها الى الجامعات وتستطيع جر حتى أقسام من الطبقة العاملة (3)بفعل تفاقم شروط العيش جراء ما يطبق من سياسات نيوليبرالية . تتميز القاعدة الإجتماعية للرجعية الدينية بتقلبها السياسي ،ففي فترات الإزدهار و الإستقرار الإقتصادي و الإجتماعي، تستنكف عن النضال بعدم إعتراضها عما هو قائم و بلعبها دور" الأغلبية الصامتة "، لكن ما أن تطحنها الأزمة الإقتصادية ، وبالتالي تتدهور شروط حياتها ، حتى تصبح قوة معارضة تضع النظام القائم موضع تساؤل . ليس إرتماء هذه الفئات في أحضان الرجعية الدينية بالأمر المحتوم ، بل يتوقف مدى تجاوبها مع الشعارات الدينية على مدى توفر قيادة سياسية ثورية ذات مصداقية تستطيع الدفاع عن مطالب هذه الفئات الوطنية و الديموقراطية .
لا يرتبط التقدم الإنتخابي لحزب العدالة و التنمية بتزايد جرعة الدين في المجتمع ، بل بثقل الازمة و مساسها بالفئات البرجوازية المدينية بإعتبارها قاعدة تنظيمية للحزب الى جانب قسم من الشغيلة الذهنية لاسيما المدرسيين، حيثما يتراجع "اليسار اللبيرالي" يتقدم العدالة و التنمية الإسلامي خصوصا بالمدن عكس القرى التي لم يسجل بها أية نتائج حاسمة ، ففي إنتخابات يونيو2009 الجماعية حقق الحزب الرتبة الأولى في الجماعات ذات الاقتراع اللائحي، وحصل على 734 مقعدا متقدما على حزب الاستقلال ،الذي احتل المرتبة الثانية بـ 655 مقعدا ،وحزب الأصالة والمعاصرة ب 648 مقعدا.
بالرغم من هذا الإكتساح الانتخابي لا يبدي هذا الحزب أية معارضة حازمة للنظام بل سعى دوما الى إسداء خدمات جليلة للملكية ، وحتى البروز بمظهر الحزب الاكثر ملكية بالبلاد ، فيما يشبه تبادلا للمواقع والأدوار مع الإتحاد الاشتراكي المحال على التقاعد بعد سنوات من خدمة البرجوازية و معاداة القوات الشعبية .
يكمن المشكل هنا في فهم أن الطابع المتجذر للخطاب السلفي الاسلامي في مناهضة الفساد الاخلاقي والزيغ عن الدين ، لن يوازيه تجذر على صعيد البرنامج الاقتصادي الاجتماعي ، بل على العكس تمنحها المعركة في الحقل الديني و الاخلاقي فرصة تفادي أي مطلب ملموس يعبر عن الحاجات الاجتماعية للجماهير التي تؤطرها و تقودها في هذه المعركة . بل إن المفارقة هنا تكمن في أن أي تحول نوعي في وعي الجماهير المسحوقة عبر بروز حركة شعبية مكافحة و جذرية في البرنامج الاقتصادي الاجتماعي الديموقراطي سيدفع الحركات السلفية الرجعية نحو التحالف مع الأنظمة الحاكمة لوأد تلك الحركة . ففي تلك الحالة يقع تحولها النوعي نحو دورها كخزان احتياطي للنظام البورجوازي. وهذا ما وقع في الحالة المغربية ، فأمام حركة ديموقراطية شعبية تعبر عنها 20 فبراير ، وامام الانتفاضات الشعبية التي تطيح بالديكتاتوريات في المنطقة ، لجأ النظام الى حيلة قيادة الاسلاميين لحكومة الواجهة ، لكونهم الخزان الاحتياطي الذي يحظى ببعض المصداقية في اعين الشعب الكادح ، وهو ما سيعطي للملكية متنفسا لربح سنوات اخرى ،إن لم تتشكل معارضة جذرية حازمة تسقط هذا الرهان.
برنامج العدالة والتنمية : أداة لتكريس الاستبداد السياسي والاجتماعي
"مواصلة بناء دولة المؤسسات والديموقراطية ومكافحة الفساد، وبناء اقتصاد وطني قوي وتنافسي ومنتج وضامن للعدالة الاجتماعية، وبناء مجتمع متماسك ومتضامن ومزدهر، قوامه أسرة قوية وشباب رائد، وأساسه مدرسة التميز ومقومات الكرامة، وإحياء وتجديد نظام القيم المغربية الأصيلة على أساس من الهوية الإسلامية، وصيانة السيادة وتعزيز الإشعاع المغربي والريادة الخارجية"(4)
تعتبر هذه النقاط بمثابة الأهداف الخمسة الكبرى لبرنامج حزب العدالة و التنمية ،أغلبها سبق وأن طرحها في برنامجه الإنتخابي سنة 2007 ، الفكرة الاساسية التي يقوم عليها هذا البرنامج هي أن" المغرب بإمكاناته البشرية ورصيده الحضاري وقدراته الطبيعية وموقعه الجغرافي مؤهل لضمان الكرامة لأبنائه وتحقيق التنمية واكتساب موقع متميز ضمن الدول الصاعدة، إلا أن الحكومات السابقة بالرغم من توفرها على هذه الإمكانات الإستثنائية فقد أخفقت في تحقيق التنمية الموعودة وفرطت في التوازنات الاقتصادية التي كلفت الشعب المغربي تضحيات كبيرة، هذا الإخفاق جاء بسبب الاختلالات الحادة في مقاربة تدبير الشأن العام والقائمة على التحكم والريع والفساد".
دأب الحزب ومنذ دخوله غمار الإنتخابات على طمأنة البورجوازية داخليا و خارجيا ،على أن الحزب لا يشكل اي خطر على مصالحها ، بل هو خير من يصونها و يدافع عنها خصوصا إبان ثورات الشعوب العربية والمغاربية .
نعم المغرب له إمكانات بشرية هائلة و خيرات طبيعية في البر و البحر كافية لضمان العيش الكريم ، لكن من يستحوذ عليها ؟ من يمتلك السلطة الإقتصادية وبالتالي السياسية ؟ فثروة أثرياء المغرب تفوق 137 مليار دولار حسب دراسة لـ”مركز "ANEKI" حيث أن المغرب حل خامسا على الصعيد العربي بـ137.4 مليار دولار . هذا رقم واحد يدل على ان الثروة موجودة لكن من يستفيد منها وكيف نبني نظاما سياسيا ينظم الاستفادة العادلة من ثروات الوطن ؟
كل من يمارس السياسة بالمغرب يعرف جيدا الاجوبة الحقيقية عن هذا السؤال . لكن خوفا من الصدام مع الملكية ، وخوفا من خروج الجماهير الكادحة من "قمقمها" لتتجاوزه ، يتحاشى حزب العدالة والتنمية حقيقة عدم امكانية أي تغيير ديموقراطي دون قطيعة جذرية مع نظام الاستبداد والحكم الفردي ، ليهرب في برنامجه نحو الشعارات الجوفاء المجردة من أي معنى ملموس .
على المستوى السياسي ، يطرح الحزب شعار "استكمال بناء المؤسسات و الديمقراطية ، تخليق الحياة السياسية وتعزيز المشاركة السياسية وإعادة الاعتبار لدور المؤسسات، إضافة إلى تبسيط المساطير وتعزيز استقلال القضاء وجعل المواطن في صلب السياسات العمومية، مع اعتماد نظام الاستحقاق والكفاءات على المستوى الوطني" هذا الكلام ليس سوى تكرارا لمضامين خطاب 09 مارس و التوجيهات الملكية . فكيف سيستكمل الحزب بناء مؤسسات ديموقراطية عبر تأييد بقاء حكم الفرد ؟ اية مؤسسات ديموقراطية والمغرب يحكمه القصر ومستشاروه ولجانه الملكية ،الوطنية،الاستشارية (حكومة الظل) في حين تبقى المؤسسات "المنتخبة" من حكومة وبرلمان وبلديات فاقدة لأي سلطة حقيقية للقرار وهي مجرد ادوات لتنفيذ السياسات العامة التي يطرحها الملك ومجلسه الوزاري ؟
على المستوى الاقتصادي، أبرز الحزب أن برنامجه الانتخابي سينصب أساسا على "بناء اقتصاد وطني قوي وتنافسي ومنتج وضامن للعدالة الاجتماعية من خلال اعتماد مقاربة جديدة ومندمجة، ورفع التنافسية وإرساء قواعد الشفافية والفعالية والحكامة الجيدة وتحسين مناخ الأعمال ، مشددا على التزامه بإحداث نظام جديد للمالية العمومية وللإطار الضريبي الذي يتعين أن يكون قائما على الفعالية والاندماج" .وفي هذا الصدد، أكد البرنامج على" أهمية رفع تنافسية الاقتصاد الوطني وتمتين العلاقات الاقتصادية مع بعض الدول النامية، خاصة وأنها أصبحت تضطلع بدور مهم في الاقتصاد العالمي".
يلخص هذا البرنامج الاقتصادي جوهر العدالة و التنمية كحزب برجوازي ليبرالي إقتصاديا ، فالإجراءات الإقتصادية المبشر بها لا تضع التفاوتات الصارخة بين من يملك ومن لا يملك موضع نقد ومسائلة ، بل غايتها بناء إقتصاد موغل في التبعية للدوائر المالية العالمية ، فالمشكل الإقتصادي في نظر الإخوان ليس في ما يطبق من نمادج ليبرالية للتنمية ، أغرقت البلد في التخلف و المديونية و التبعية ، بل يتمثل في ما يشوب الإقتصاد المغربي من فساد و غياب لقواعد الشفافية و الفعالية و الحكامة الجيدة ، أما الحلول فهي تطهير الإقتصاد من كل هذه الشوائب عبر إحتكام جميع البرجوازيين الى قواعد شفافة فيما يتعلق بالصفقات العمومية و الضريبة... ،بما يضمن منافسة شريفة بين أصحاب المال و الأعمال على تسخير مقدرات البلد الإقتصادية لخدمة مصالحهم الطبقية . بذلك يطمئن العدالة و التنمية قسما من البرجوازية التي يعرف أنها متضررة من سيطرة الملكية على دواليب الإقتصاد . لقد سبقه الإتحاد الإشتراكي لذلك بتبني مقولة الإقتصاد الوطني القوي ،و طبق إبان حكومة التناوب كل وصفات المؤسسات المالية العالمية لكن بدون جدوى .
حين ننفض كل المساحيق الدينية عن هذا البرنامج الإقتصادي ، يظهر جوهره البرجوازي الليبرالي المعادي لطموحات العمال و سائر الجماهير الشعبية ، البرنامج لا ينطق بجملة واحدة حول كماشة المديونية التي يرزح تحتها بلدنا وبفضلها تذهب العديد من إمكانيات و ثروات البلد لحسابات البنوك العالمية ، فكيف نبني الإقتصاد الوطني القوي؟ كيف نطبق نموذجا للتنمية يلبي حاجات الناس ،دون معالجة جذرية لمعضلة المديونية و دون التحكم في الإختيارات و الأولويات الإقتصادية ؟
لايستطيع العدالة و التنمية و الحالة هذه سوى استبدال وجوه رجال حكومة جلالة الملك من حالي الدقن الى اصحاب لحية سيكونون اكثر فسادا واستبدادا منهم ، وإستكمال ما بدأه سلفه الإتحاد الإشتراكي ، بشن المزيد من الغارات على من هم في الأسفل.
إدا كان الشق الإقتصادي موجها بالأساس لتطمين الأسواق الخارجية و البرجوازية المحلية فإن الجانب الإجتماعي من البرنامج موجه للإستقطاب الإنتخابي ،حيث أكد بالخصوص، على" التزام الحزب بتحسين مؤشر التنمية إلى ما دون مرتبة 90، وتقليص نسبة الأمية إلى 20 بالمائة في أفق 2015 و10 بالمائة في أفق 2020 ، ورفع الحد الأدنى للأجور إلى 3000 درهم والحد الأدنى للمعاشات إلى 1500 درهم، علاوة على مضاعفة الرعاية الصحية للطفل والأم".و"التزم الحزب، أيضا، بالدفع في اتجاه بناء مجتمع متماسك ومتضامن ومزدهر قوامه أسرة قوية ومرأة مكرمة وشباب رائد، مع تعزيز دور المدرسة لكي يكون متميزا، علاوة على تجديد نظام القيم المغربية الأصيلة على أساس المرجعية الإسلامية والهوية المغربية والكرامة"
الحزب لا يضع ما طبق من إجراءات إجتماعية في التعليم ، الصحة ، الشغل ...موضع تساؤل و يعترف أمام الشعب بأن السياسات السابقة لم تجلب سوى الدمار ، نراه يتشبت بالإستمرارية على نفس البرامج السابقة ، في التعليم لا حديث عن ضرب مجانية التعليم و تشجيع التعليم الخصوصي و رصد المزيد من الإمكانات المادية و البشرية لهذا القطاع ، بل ما نجده هو نفس جمل الميثاق وبعده المخطط الإستعجالي الذي خرب المدرسة العمومية و ناضل ضده التلاميذ و الطلبة و النقابات التعليمية . وفي قطاع الصحة العمومية لا حديث عن المشاكل الحقيقية للقطاع الصحي : وجود نظامين للصحة بالمغرب نظام للعموم و لآخر للأغنياء ما فتئت الهوة بينهما تتسع ، ثم الميزانية الهزيلة و نقص في الأطر الصحية و عدم وجود شبكات للمؤسسات الصحية تغطي كل التراب الوطني ووضع حد لجشع المصحات الخاصة و أطباء القطاع الخاص الذين يتاجرون في صحة البشر .أما فيما يتعلق بالتشغيل و الزيادة في الأجور ، فقد أعمت متطلبات الدعاية الإنتخابية عيون إخوان العدالة و التنمية .
ان كل الكلام المعسول حول التنمية ومحاربة الفساد واستفادة الشعب من الخدمات الاجتماعية من تعليم وصحة وسكن وتشغيل ، لا معنى له دون مراجعة جذرية للسياسات العامة للدولة والقائمة على بناء اقتصاد برجوازي تبعي في اطار سلطة استبدادية فردية. فكيف يمكن تحقيق المطالب الشعبية بميزانية عمومية يوجه ثلثها لخدمة الديون الخارجية خدمة الدين؟
فخدمة الديون (فوائد +حصة الدين الاصلي ) امتصت سنويا 88,3 مليار دهم سنويا كمعدل لخمس سنوات 2004-2008
20,2 مليار درهم مخصصة للدين الخارجي - 68مليار درهم للدين الداخلي )
ونضيف بأن خدمات الدين العمومي سنة 2008 كمثال دال بلغت 10 مرات ميزانية الصحة الضعف ونصف ميزانية ومرتين ونصف ميزانية التعليم وثمثل 55.87 من المداخل الجبائية . ونضيف رقما آخر لاستيعاب حجم الكارثة : فقد سدد المغرب بين 1983 -2008 إلى الخارج 69 مليار دولار ما يعادل 6 مرات الدين الأصلي .
ورغم أن الديون كارثة كبرى دمرت الاقتصاد الوطني وهي العائق الاكبر امام أي تنمية اقتصادية لصالح الشعب الفقير ، فان حزب العدالة والتنمية لا يقدم لنا في برنامجه اية حلول لها على طريق من يريد "التغيير في ظل الاستمرارية" أي استمرارية اقتصاد الديون والنهب والفساد .
حين تمتص خدمة الديون هذه المبالغ الكبرى من الميزانية العمومية ، وتمتص مزانية القصور والتشريفات والاوسمة ، والميزانية العسكرية ، ووزارة الداخلية اقساطا اخرى ، فماذا سيبقى لحكومة بنكيران من ميزانية ليقدم للناخبين خدمات صحية وتعليم جيدين ؟
وإذا علمنا أن سكان المدن المغربية يزداد بوتيرة سريعة ،حيث انتقلت نسبة الساكنة الحضرية من 5 % سنة 1900 الى 55% سنة 2004 . وأن المغرب يحتاج إلى إحداث 130 ألف سكن سنويا، لتدارك العجز المتراكم في مجال السكن الاجتماعي، وتلبية 70 ألف طلب متزايد، كل سنة. وأن الطلب السنوي على السكن يبلغ 123 ألف وحدة، ويشكل السكن الاجتماعي 60 في المائة منها (70 ألف وحدة). وبما أن مليون أسرة مغربية تقطن في مدن الصفيح ناهيك عن رقم آخر يسكن بالكراء ، فإن العجز المسجل في القطاع السكني يقدر بمليون وحدة، أي أنه يتعين إنجاز 216 ألف وحدة سنويا خلال الفترة الممتدة من 2007 إلى 2012، زيادة على 36 ألفا، وهو عدد الأسر التي يتعين تلبية طلبها كل سنة.
فمن أين سيأتي بنكيران بالموارد لكي يحقق ما وعد به حول تحقيق مطالب الشعب في السكن ؟
هذه امثلة حية استعملنا فيها الارقام الرسمية (والحقيقة اكبر من ذلك بكثير) ليس لكي نوصل للجماهير فكرة استحالة تحقيق مطالب الشعب انطلاقا من مواردنا الاقتصادية المحلية ، ولكن لكي نشرح للشعب ان تحقيق ذلك رهين بوجود نظام حكم يقطع مع السياسات الحالية ، وهو ما لا يتوفر في حكومة الواجهة التي يرأسها بنكيران .
للاجابة على المعضلة يرى برنامج العدالة والتنمير ان تنمية الموارد المالية للميزانية العمومية سيتم من خلال تخفيض الضريبة على الشركات الى 30 % وفرض الضريبة على الاقتصد غير المهيكل . هذا ما يعني ان حكومة الاسلاميين لن تغير شيئا من السياسة الضريبية القائمة حاليا ، فالشعب هو من يدفع النسب المهمة من المدخول الضريبي للدولة إذ أن الضرائب غير المباشرة تمثل حوالي 30 في المائة من الميزانية العامة أي أن الضريبة على الدخل تمثل اكثر من 40 في المائة . في حين الاغنياء يستفيدون ولا يودون بل يعفون ، فقد بلغت الاعفاءات الضريبية 30 مليار درهم أي 15 في المائة من الموارد الجبائية في 2009. وفي المحصلة يعني الامر بان اغنياء المغرب لا يدفعون الضريبة سواء عبر التهرب او الغش الضريبي .
الكارثة الكبرى في هذا المجال هي غياب أي نقطة تهم الغاء الاعفاء الضريبي على الفلاحين الكبار فهم لا يودون الضريبة منذ سنة 1984 حين قرر الحسن الثاني ذلك ومددها محمد السادس في خطاب ملكي لغاية 2013 . فكيف نعفي اغنياء الفلاحة من الضريبة ليصدروا منتوجاتهم للاسواق الخارجية ويراكموا ثرواتهم الخاصة دون حتى ان تكون فلاحة موجهة نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي . اين هي الضريبة على الثروة ؟ كيف سيتم محاربة التهرب من الضريبة الذي يعني حربا سياسية واجتماعية ضد الطبقة الاجتماعية التي تعد الملكية معبرها السياسي ؟ ذلك ما لن يستطيع حزب العدالة والتنمية الدخول في غمارها لكونه الحزب الاكثر تزلفا للاستبداد .
ما يوضح اكثر حقيقة السياسة الاجتماعية لحكومة الاسلاميين هو تضمينهم نقطتي اصلاح صندوق المقاصة ونظام التقاعد في برنامجهم الانتخابي ، وهو ما يضعهم بوضوح في صف خدام البنك العالمي (للتوسع في هاتين النقطتين انظر مقالات حولهما في جريدة المناضل- ة ) أما الحديث عن بدائل جديدة ستكون هي "صندوق الزكاة" فلا اظن انها تستحق اكثر من سطر واحد من طالب مبتدئ في علم الاقتصاد.
على سبيل الختام
سيسعى قادة العدالة والتنمية لتبرير عدم الوفاء بوعوده الانتخابية بدعوى وجود حلفاء آخرين في الحكومة ، وهو مبرر غير صحيح لان الحلفاء لهم نفس المنظورات في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية ، وسيتحججون غدا بوجود جيوب "مقاومة التغيير" لكن كل ذلك لن يؤكد سوى الشعارات التي تصدح بها حناجر شباب وشابات 20 فبراير المناضلين من اجل تغيير جذري وشامل . ستؤكد حكومة الاسلاميين ما سبق ان اكدته حكومة الاتحاديين بأن الحكومة والبرلمان والبلديات ليست سوى ادوات ديموقراطية الواجهة وان الحكم الحقيقي بيد الملك ، وأن التغيير الحقيقي سياتي من الشارع وليس من خلال المؤسسات.
الجديد الوحيد اليوم هو انتقال الاسلاميين من الخطاب الديني وبروزهم بمظهر من يمثل الاسلام ، الى وضعية حزب سياسي ملزم ببرنامج ملموس حول المعيش اليومي لكادحي المغرب ، وهو فرصة ستوضح للكادحين (إن وجدت قوة تشرح لهم هذه المضامين) أن الاسلاميين لن يغيرو شيئا بعبائتهم الدينية ، وهم بمختلف تشكيلاتهم ليسوا سوى نموذج احزاب برجوازية تستعمل الاسلام كوسيلة لتجييش الكادحين ورائهم.
هوامش :
1- أنظر كتاب محمد ضريف : الإسلام السياسي بالمغرب.
2- جريدة "الوطن الآن" يوم 22 سبتمبر 2009
3- 11 اطروحة حول الانبعاث الراهن للسلفية الاسلامية
4- مقتطفات من البرنامج الانتخابي للحزب 2011
#نبيل_عثمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ملاحظات حول حركة مناهضة الغلاء على ضوء ورقة المناضل عبد الحم
...
المزيد.....
-
-حزب الله ما زال موجودا-.. محلل سياسي يعلق لـCNN عن وقف إطلا
...
-
روسيا تجهّز صاروخ -سويوز- لإطلاق قمر Condor-FKA
-
عائدون إلى جنوب لبنان: -نريد أن نشمّ رائحة الأرض-
-
كشف المزيد من -الأثر الأوكراني- في المقابر الأمريكية (صور)
-
زوكربيرغ يتقرب من ترامب
-
ثعبان ضخم يبتلع رجلا بالكامل في إندونيسيا (صور)
-
الجيش الروسي يعبر نهر أوسكول ويخترق الدفاعات الأوكرانية قرب
...
-
-هآرتس-: شركات الطيران الأجنبية لن تعود إلى إسرائيل حتى عام
...
-
Xiaomi تطلق أجهزة تلفاز مدعومة بالذكاء الاصطناعي
-
مخبأة بطريقة احترافية.. الجهات الأمنية في اليمن تضبط شحنة مخ
...
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|