أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - ربيعة العربي - الحجاج و إشكال التأثير















المزيد.....



الحجاج و إشكال التأثير


ربيعة العربي

الحوار المتمدن-العدد: 3597 - 2012 / 1 / 4 - 21:45
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


الحجاج و إشكال التأثير(1)
باتريك شارودو
ترجمة ربيعة العربي

منذ مدة ليست بالقصيرة و أنا منكب على إدماج أسئلة اللغة – وبالتالي [أسئلة] الخطاب - في إشكال التأثير النفسي و الاجتماعي. توجد أدبيات كثيرة حول علم النفس و علم الاجتماع، لكن لاشيء يذكر بخصوص علم اللغة. هذا يفترض، من منظور تحليل الخطاب، مسألتين: من جهة هذا الأخير يتطور بطريقة تشابكية interdisciplinaireو من جهة أخرى، المقولات التي حددت عادة لأوصاف اللغة، أو تلك التي تم اقتراضها من حقول مجاورة كالبلاغة، قد أعيد تحديدها في إطار هذا الإشكال.
يقصد بالتشابكية النظر في وسائل التحليل المستعملة في التخصصات الأخرى و التفكير في المفاهيم التي يمكن استعمالها في الحقل العلمي الخاص. بعد ذلك يمكن اقتراضها و إعادة تحديدها، مع التنصيص على النظرية التي اقترضت منها و كيف سيعاد تحديدها، و ذلك درءا لالتباس المفاهيم ذاتها. هذا ما أسميه « تشابكية مبأرة ». فيما يخصني هذا هو نهجي بخصوص إشكال التأثير و مفاهيم التواصل و التمثيلات و الآثار التي أقترضها بكثرة من علم النفس الاجتماعي و علم الاجتماع، لكن مع إعادة تحديدها في الحقل اللغوي.
إن إعادة النظر في المقولات الرائجة في تخصصنا تعني ضبط تحديدها، بل إعادة تحديدها لتراعي الإشكال الذي نتموضع فيه. إن مفهومي المحورةthematisation و الحمل predication مثلا، اللذين راجا في لسانيات اللسان (أو لسانيات الجملة) ينبغي إعادة تحديدهما تماما في إطار لسانيات الخطاب، لأن علاقة محور- محمول يمكن أن تشكل وحدة جملية، لكنها لا تشكل وحدة تواصلية. يصدق هذا على ما سأعرضه هنا: أي رفضي الاندماج في تقليد البلاغة الحجاجية التي ترتكز على تصور جزئي للتواصل (النقاشات العامة و النقاشات القانونية)، مع استرداد أنماط الحجج المحددة بشكل واف في هذا التقليد.

1 . إشكال التأثير
تقتضي دراسة أفعال اللغة في إطار إشكال التأثير، الإجابة عن سؤالين متكاملين: ما هو الرهان النفسي و الاجتماعي للفعل اللغوي؟ ما هي الإجراءات اللغوية المتضمنة في فعل التأثير هذا؟
يكفي للإجابة عن السؤال الأول الرجوع إلى تاريخ البلاغة الحجاجية، التي اقتبس التقليد المدرسي و النقد الأدبي جزءا منها، بحيث سعى الأول إلى أن يرسخ في أذهان التلاميذ صيغ تحليل النصوص الأدبية القائمة على كشف صور و تأثيرات الأسلوب، و اعتبر الثاني أن بلاغة الاستعاراتtropes مقتصرة على الفعل الأدبي. لكن نلاحظ بوضوح عند أرسطو أن الهم الأول كان هو إتاحة التداول الجماعي لتكوين رأي الأغلبية. لم يكن يهتم بالحق بقدر اهتمامه بما يظهر أنه حق، أي ما ينبغي أن يظهر أنه حق لإقناع الآخر في إطار ديموقراطية أثينا. يمكن القول إن مشروعه يندرج في إطار إشكال التأثير.
يضع برلمان من جهته، مشروعه البلاغي في إطار إشكال قانوني، يتسم بالخصوص بإجراء نورانبرغNuremberg الذي يعد مجالا لمجابهة الحجج في لعبة سؤال/جواب المغلقة تقريبا، [لهذا] يصف الآليات الحجاجية التي توظف للتدليل، و في نهاية المطاف لإثبات الجرم. لم يكن همه هو تحديد الحقيقة و إنما تحديد ما يسمح باتخاذ قرار» معقول« (مثلا قرار العقوبة)، و ذلك بموازنة الحجج على محور المحتمل.
كل هذا هو في منأى عن طرح أفلاطون لنموذج منطقي – رياضي يسعى إلى أن يبرهن على الحقيقة. مع أرسطو و برلمان توجهت البلاغة الحجاجية نحو الآخر لإقناعه بتبني موقف. هذا ما يمكن أن نسميه النشاط اللغوي الإقناعي. لكن ينبغي أن نعمق االنظر، لأنه كما رأينا رغم اندماج هذين المؤلفين في وضع تواصلي ما (نقاش سياسي ، نقاش قانوني) فإنهما يقيدان نطاقه.
منذ ذلك الحين، بينت العلوم الإنسانية و الاجتماعية أن المجتمعات مركبة و مجزأة و مكونة من مجالات أنشطة متعددة يؤالف بينها الأفراد بطريقة تشاركية لينظموا اجتماعيا علاقات القوة القائمة. إن نموذج مداولات ميدان أثينا و نموذج الإقناع في النقاشات القانونية بالإضافة إلى نموذج البرهان في التواصل العلمي ليست وحدها الموجودة، بل إنها ليست المهيمنة. إنها مازالت قائمة لكنها تسهم في مجموعة أوسع من الأوضاع التي تفرض عقودا تفاعلية متنوعة، تتعلق أحيانا بالبرهان و أحيانا بالإقناع و أحيانا بالتفسير. [و هي] الفئات الحجاجية الكبرى التي يصعب على البلاغة التقليدية تمييزها.
لا تراهن العلاقات الاجتماعية على صيغة «حقيقي»أكثر من صيغة « اعتقاد أنه حقيقي». لم نعد نراهن على «القوة المنطقية» للحجج أكثر من قوة إقناعها. لا نبحث عن دليل مطلق يحيل على الكلي بقدر [ما نبحث عن] « صحة ظرفية» في الإطار المحدود للوضعي. طبعا هذه الجوانب المختلفة تتعايش، لأنه يتعذر على أي مجتمع كيفما كان ألا يعتقد في قيم مطلقة. لكن من اللافت للنظر أن تنشأ لعبة الأقنعة في مجتمعاتنا المعاصرة بين الحقيقة المطلقة و [الحقيقة] النسبية . ليس على تحليل الخطاب دائما أن يجعل موضوعه هو الكشف عن الحقيقة، و إنما[عليه] كشف آليات تفعيل الحقيقة نحو« اعتقد» و «جعل يعتقد »، و هو ما أسميه «إشكال التأثير».
للإجابة عن السؤال الثاني (ما هي الإجراءات اللغوية المتضمنة في فعل التأثير هذا؟). و بتبني منظور فاعل الخطاب يكفي أن نعاين المشاكل التي تعترضه عندما يريد أن يخاطب أحدا في وضع تواصلي ما. يمكن أن نعاين أربعة منها:

* كيف نتصل بالآخر، عبر أي علاقة؟ يتعلق الأمر هنا بالتساؤل عن إجراءات الاتصال، علما بأن الاتصال بالآخر هو بالنسبة إلى المتكلم فعل فرض لحضوره على الآخر، و علما بأن أي إقامة لعلاقة تؤسس موقعي أعلى/أدنى. تخفي الطقوس السوسيولغوية التي درستها المنهجية الإثنية للغة هذه الصعوبة و تحاول تبرير ما يبيح للمتكلم إجبار الآخر على إقامة علاقة معه.
* ما هو موقع السلطة المتبنى بالنظر إلى الآخر؟ يتعلق الأمر هنا بالتساؤل عن إجراء رسم صورة للمتكلم، بشكل يقود الآخر إلى تصديقه أو قد يذهب إلى حد التماهي معه. نجد الأخلاقي ethos البلاغي(3) الذي يؤسس كل فعل لغوي، لكنه يأخذ مميزاته الخاصة وفق الوضع التواصلي الذي يندرج فيه (4).
* كيف نؤثر في الآخر؟ علما بأنه لا نضمن بشكل مسبق التأثير في الآخر. يتعلق الأمر بالتساؤل عن الإجراء اللغوي الذي يتيح جعل الآخر يقتنع عفويا بمنظور المتكلم. نجد هنا العاطفي pathos البلاغي الذي بالارتكاز على الأحاسيس الكفيلة بحث الفرد على التحرك في هذا الاتجاه أو ذاك، يضع استراتيجيات خطابية تهويلية لحصر الآخر في محيط انفعالي يخضعه للمتكلم.
* و أخيرا، كيف ينظم القول ليخدم إجراء تأثير الفاعل ؟ إذ ينبغي فعلا التحدث عن العالم و نقله إلى الآخر لكي يكون مفهوما لديه. يتعلق الأمر هنا بالتساؤل عن صيغ تنظيم الخطاب حسب اختيارنا لأن نحكي أو نحاجج. يقتضي المحكي أن ننظم خطابنا بطريقة وصفية و سردية. يقتضي الحجاج أن ننظم خطابنا بكيفية حجاجية.
لكل من صيغ التنظيم هاته- كما سنرى- خصوصيات تنفرد بها. غير أنها، كما سنلاحظ، تتمايز في كون الأولى مماثلة identificatoire تخول للآخر بأن ينساق عفويا نحو المحكي المقترح و بأن يتماثل أو لا [يتماثل] مع جانب أو آخر من المحكي. و الثانية " فارضة " impositif تفرض على الآخر الاندماج في صيغة تفكير و تقويمها انطلاقا من منظوره الخاص. لهذا تكون الأولى مولدة للخطاب الأسطوري و الثانية

[مولدة] للخطاب العالم. لكن كلتاهما تتضمن إجراء عقلنة rationalisation.
يشكل كل من هذين الإجراءين (انظر البيان 1) موضوع تفعيل يخضع لآلية معينة، و يعتمد بعض الأساليب التي يمكن وصفها و تصنيفها: التفعيل و أصناف طقوس الاتصال، و التفعيل و أصناف الأخلاقيethos، و أساليب استراتيجيات العاطفي pathos و آلية و أصناف تفعيل السردي و الحجاجي. سنقتصر على النقطة الأخيرة.

2- التنظيم الحجاجي لإجراء التأثير
لا تكمن العلة الحجاجية raison argumentative، بالنظر إليها من منظور إشكال التأثير، في قوة الاستدلالraisonnement فحسب،(هل يوجد استدلال حتمي) و لا في القوة الوحيدة للأفكار(ما هي فكرة قوية؟). إذا كان الأمر على هذه الشاكلة فسنعرف مسبقا ما هو الاستدلال الحتمي و سنستخدمه جميعا، أو ما هي الفكرة القوية و سنلجأ إليها جميعا. يمكن أن يخدم استدلال واحد أفكارا متعارضة و يمكن للفكرة نفسها أن تدرج في استدلالات متعارضة. سنخلص إلى أنه لا وجود لأي استدلال و لا لأي فكرة تملك قوة في حد ذاتها. حينما تريد دولة ما أن تدافع عن حقها في امتلاك قوة نووية فستستعمل حجة «الوطنية» مع شعبها ضد التدخل الأجنبي. نوافق على أن الحجة المقصودة لا قوة لها إلا في إطار هذه الوضعية و في علاقة مع الشعب المعني و [ليس] في حد ذاتها ما دام يمكن رفضها في سياق آخر باعتبارها سلبية. إذن لن نبقي على هذه الفكرة التي لا زالت متداولة في البلاغة الحجاجية ، و المتمثلة في أنه يمكن أن نقيم سلمية بين صيغ الاستدلالات و أنماط الحجج.

البيان 1

الوضع التواصلي

تعليمات خطابية

فاعل

إجراء


ضبط مماثلة تهويل عقلنة
(اتصال) (صورة) (انفعال) ( مك-حجا)
(علاقة) (أخلاقي) (عاطفي) (منطقي)



نفرض إذن أن الاستدلال الحجاجي مرتبط بالاعتبارات التالية:
* ينتج كل فعل لغوي داخل وضع تواصلي يمد المشاركين في التبادل بتعليمات إنتاج و تأويل المعنى . ينتج المعنى عن تركيب- مشترك co-construction، و بالتالي يكتسب الفعل الحجاجي المتضمن فيه صحته (و ليس أبدا قيمته) من تعليمات هذا الوضع.

* يخضع إجراء عقلنة الحجاج لبعض شروط التفعيل الخطابي بشكل يستحيل معه
الحكم على ملاءمة الحجاج إلا بإرجاعه إلى شروط هذا التفعيل.
* يستمد الإجراء الحجاجي قوة تأثيره من نمط معين من الحجج في وضعية معينة و حسب الوظيفة التي تقوم بها الحجة المعنية في التفعيل الخطابي.
سنثير بعجالة الحيثية الأولى لنرتبط بشكل خاص بالحيثيتين الأخريين.

3- صحة الفعل الحجاجي و الوضع التواصلي
من المهم الإشارة إلى الفرق بين مفهوم القيمة و الصحة. تحيل القيمة على دلالية إحالية ومخلقةaxiologisé في الآن ذاته، تكرسها الكلمات بفعل استعمالها الاجتماعي، كما هو الشأن مثلا بالنسبة لكلمة «جرم» الحاملة، بفعل استعمالها الاجتماعي، لدلالة ذات قيمة سلبية. تتعلق الصحة بأثر دلالي ينتج بتلاحم مع الوضع الذي تستعمل فيه الكلمات، و الذي يؤخذ فيه المشاركون في الفعل اللغوي بعين الاعتبار. و هكذا سيؤول الشعار الإشهاري «لا متعة حقيقية بدون بيريي» وستتحقق صحته على نحو «إذا أردت متعة حقيقية اشرب بيريي»، لأن لدينا تعليمات بالوضع التواصلي الإشهاري، الذي يخبرنا بأن « لا يمكننا ألا نكون راغبين في التمتع» و أيضا «بيريي هو الذي يمكنه إمتاعكم»(5) . لكن بإخراج هذا اللفظ من وضعه و إدراجه في وضع آخر سيدل على شيء آخر و ستختلف الاستنتاجات التي سيسمح بها هذا الوضع الجديد و ستحقق صحة الفعل الاحتجاجي بشكل مختلف.
لن نتمكن من الإسهاب في هذه النقطة هنا. إن اعتبار أن الوضع التواصلي هو الذي يقوي صحة الفعل الحجاجي يتيح تحديد ثلاثة أنظمة حجاجية: البرهانdémonstration و التفسير و الإقناع. يوازي نظام البرهان الأوضاع التي يتوخى فيها إنشاء حقيقة (مقال علمي). يوازي نظام التفسير الأوضاع التي يتوخى فيها الإخبار بحقيقة قائمة سلفا (كتيب فيزياء مدرسي). يوازي نظام الإقناع الأوضاع التي يتوخى فيها جعل [الآخر] يعتقد (إشهار، بيان سياسي). إذن لا يرتبط هذا التمييز بين «الأنواع» (إذا جاز لنا القول) داخل النشاط الحجاجي بالخصائص اللغوية للألفاظ ، بل برهانات الأوضاع.

4- شروط التفعيل الخطابي للفعل الحجاجي
بتبني منظور فاعل الحجاج، نفرض أن هذا الأخير ينبغي، بانطلاقه من تعليمات الوضع التواصلي الذي يوجد فيه، أن ينصرف إلى نشاط خطابي ثلاثي لتفعيل الحجاج (بيان 2). ينبغي أن يعرف الآخر(مخاطب وحيد أو سامعون متعددون) ب: (1) بم يتعلق الأمر (طرح الإشكال) (2) ما هو الموقف المتبنى (تحديد الموقف).(3) ما هي قوته الحجاجية (التدليل).

البيان2


تعليمات خطابية

فاعل

إجراء العقلنة الحجاجية

طرح الإشكال
(تساؤل)
تحديد موقف
(اختيار)
تدليل
استدلال


4-1- طرح الإشكال
إن طرح الإشكال نشاط خطابي غير مقتصر على عرض السؤال على شخص ما و لكن أيضا [عرض] كيف يجب التفكير في السؤال: من جهة جعل المخاطب (أو السامع) يعرف بم يتعلق الأمر، أي المجال المحوري الذي يقترح عليه أن يأخذه بعين الاعتبار، و من جهة أخرى إخباره بالسؤال الذي يطرح بخصوصه.
بالفعل، لا نناقش أي إثبات ما لم نضعه موضع شك محتمل: يمكن أن يكون اللفظ «استقال الوزير الأول» حقيقة constat بسيطة، و لا يصبح إشكالا إلا إذا راعينا الخبر المعارض« لم يستقل الوزير الأول». يضعنا هذا أمام التساؤل عن أسباب (لماذا) و نتائج (إذن) هذا التعارض. كلما نطق المتكلم بلفظ و رد عليه المخاطب «و إذن؟»، فهذا يعني أن هذا الأخير لم يستوعب الإشكال المطروح. من ثمة، الخطاب الذي هو ظاهريا حجاجي نحو:
أ – لماذا تأخر عن الاجتماع؟
ب – لأنه خرج متأخرا من منزله.
لا يطرح أي إشكال، على الأقل إذا استبعدنا المسائل الضمنية التي تضع موضع شك الجواب أو نتائج الجواب، و بالتالي يحق لنا التساؤل عما إذا كان الأمر هنا يتعلق بفعل حجاجي أم أنه لا يعدو أن يكون فعلا إخباريا محضا، مما سيفضي بنا إلى القول إنه ليس من الضروري أن تكون لكل تعبير عن السببية صحة حجاجية.
وضع الإشكال إذن، هو فرض لمجال محوري (مقترح) و لإطار تساؤل (6) (قضية)(7) ، يرتبط بمساءلة الخبر الذي قاد الفاعل المخاطب إلى التساؤل عن « ما الذي يسمح بهذا الخبر؟ « أو » ما الذي يسمح بالإدلاء بهذه القضية؟ » أو «ما الذي يخول اقتراح هذه النتيجة؟ ». هذا ما يسمى ب «شرط الجدالdisputabilité.(8 توجد مثلا طرق متعددة لنقاش محور « التدخل الإنساني»، لكن التساؤل حول هل يجب التدخل في بلد أجنبي حين يقوم بابتزاز سكانه أو باسم ماذا نبيح التدخل، أو ما هي نتائج تدخلنا ؟ إننا في كل مرة نستحضر على الأقل خبرين، و بالتالي نقترح على المخاطب إطار تساؤل يعلل نقاش فعل الخبر.

4 – 2 – تحديد الموقف
غير أن هذا لا يكفي، إذ يفرض أيضا على الفاعل الذي يرغب في الحجاج أن يحدد طرف التعارض الذي يود الدفاع عنه. إنه يجب عليه أن يحدد موقفا في ارتباط مع طرح الإشكال المقترح، أن يدلي برأيه بخصوص الإثباتين الموجودين. إنه بالدفاع عن أحد الخبرين يلتزم باتخاذ موقف، و هذا يؤدي به في الآن ذاته إلى معارضة الآخر. يمكنه نظريا إما الحجاج لصالح موقف ما (هو مع) أو ضد موقف ما (هو ضد). لصالح أحدهما، و بالموازاة مع ذلك ضد الآخر . يخضع هذا لرهانات فاعل الحجاج. في نقاش ما، لا يمكن أن نتخذ إلا موقفا واحدا في اتجاه أحد الموقفين.
بيد أن فاعل الحجاج يمكنه أيضا ألا يتخذ موقفا ، لأن مبتغاه هو فحص خصائص كل موقف لكي يبين في نهاية المطاف إيجابيات و سلبيات كل منهما. في ما يخص النقاش حول انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، يمكن أن نجادل لصالح انضمامها، كما يمكن أن نجادل ضد انضمامها أو يمكن أن نبين إيجابيات و سلبيات كل موقف دون تبني أي منهما في حد ذاته. سنقول في هذه الحالة إن فاعل الحجاج يتخذ موقف الحياد الخاص بالموازنة بين المنظورين و فحص مختلف المواقف المحددة. نصادف هنا الرهان الوضعي للتفسير الذي كنت قد أثرته أعلاه: التفسير هو عدم تبني موقف و توضيح مختلف المواقف المتخذة.

4 – 3 – التدليل
التدليل نشاط خطابي يتوخى منه تبرير اختيار تحديد موقف ما. في الواقع لا يشكل طرح الإشكال و تحديد الموقف كل الفعل الحجاجي. ينبغي أيضا لفاعل الحجاج أن يضمن صحة موقفه، و أن يقدم في الآن نفسه للمخاطب وسائل للحكم عليه، لأنه ينبغي لهذا الأخير بدوره أن يكون قادرا إما على الاقتناع بالموقف المتخذ أو دحضه.
طبعا، يمكن أن نناقش اختيار هذا الحد « دلل،» لأنه بالرجوع إلى تقليد البلاغة
الحجاجية، يمكن أن ندافع عن فكرة ضرورة التمييز بين الدليلpreuve و الحجة argument .الدليل ذو طابع متعذر دحضه لأنه يتأسس على صدقه، كما هو الشأن في حالة دليل الإثبات (أداة الجريمة)، أو على معيار منطقي مطلق معروف للجميع (الإنسان فان(، بينما الحجة قابلة دوما للنقاش، لأنها تتأسس على معرفة نسبية. لكن يمكن أن نؤكد بأن الدليل هو الآخر يمكن التشكيك فيه، ليس في صدقه و إنما لأنه يخضع دائما للتأويل. أود أن أشير هنا أيضا، إلى أن الأمر لا يتعلق بلعبة استراتيجية داخل النشاط نفسه الذي هو التدليل. إن الكيفية التي تعرض بها بعض الحجج هي التي تظهرها – استراتيجيا – كما لو أنها غير قابلة للدحض.
للتدليل يمارس فاعل الحجاج نمطين من العمليات:
* عمليات الاستدلال التي تستدعي إقامة علاقات السببية (سبب/نتيجة) بين خبرين أو أكثر و ضمان قوة الربط (إمكان أو احتمال أو ضرورة أو حتمية). مثلا، لا يكفي أن نربط بين التدخين و الصحة، كما في « يضر التدخين كثيرا بالصحة»، و إنما ينبغي أيضا التنصيص على هل هذا الربط ذو طابع ممكن أو حتمي(9).
* الاختيار من ضمن الحجج تلك التي ستبدو هي الأفضل لضمان الاستدلال(10) أو على أي، تبدو قادرة على أن يكون لها أثر حاسم على الفاعل المتلقي. لا يمكن الحكم على الاستدلال إلا انطلاقا من محتوى الدليل.
سنرى مم تتشكل هذه الحجج، لكن نخلص هنا إلى أن نشاط التدليل هذا هو الذي سيتيح لفاعل الحجاج في محاولته تبرير موقفه و إشراك مخاطبه فيه، الكشف في الآن نفسه عن موقفه المحدد من أنسقة القيم الرائجة في المجتمع الذي ينتمي إليه.

4 –4- الاستراتيجيات الحجاجية
الاستراتيجيات الحجاجية هي طريقة تخصيص استراتيجيات التأثير(11) . إنها تخدم هذه الأخيرة ،شأنها في ذلك شأن استراتيجيات أخرى (سردية و وصفية و تلفظية).
قد تتدخل هذه الاستراتيجيات- لن نخصص الآن أساسها- في مستويات مختلفة من التفعيل الحجاجي: في مستوى طرح الإشكال و في مستوى موقف الفاعل المتخذ و في مستوى التدليلprobation .

4 - 4-1 –استراتيجيات طرح الإشكال
كما أسلفنا القول إذا كان الوضع التواصلي يفرض جزئيا طرح الإشكال، فإن تخصيص[هذا الإشكال] يتم دائما في إطاره. إن كيفية طرح الإشكال إذن، تتعلق باختيارات يجريها فاعل الحجاج: إن في مقدوره أن يقترح – يفرض طرح إشكال معين.
غير أن هذا الطرح للإشكال يمكن أن يعترض عليه المشاركون الآخرون في تحليل السؤال، و بالتالي سينكب كل منهم على استراتيجيات تأطير و إعادة تأطير طرح الإشكال، بنقله أو بإضافة إشكال جديد أو باستبدال الإشكال المطروح بآخر.
رأينا مثلا في الصحف النقاش الدائر حول «الاستنساخ». يمكن أن نلحظ أن جزءا من النقاش قد انصب على معرفة هل يجب مناقشة الاستنساخ عموما: يفرض طرح الإشكال، إذن التساؤل عن: «هل يجب قبول الاستنساخ بدعوى التقدم العلمي ؟ هل يجب رفضه بدعوى الأخلاق الاجتماعية؟» أم هل يلزمنا مناقشة الاختلاف بين الاستنساخ الإنجابي و الاستنساخ العلاجي. يصب الاستفهام الثاني في اتجاه الاستفهام الأول. بعبارة أخرى، تركز جزء مهم من النقاش على الإطار النظري الذي يجب أن يطرح فيه.
ذلك لأن وظيفة استراتيجيات التأطير و إعادة التأطير [هي] شرعنة النقاش باسم ما هو جدير حقا أو ملائم للنقاش. طبعا، يتعلق الأمر في الواقع، بالنسبة لكل فاعل حجاج بالسعي في استدراج طرح الإشكال إلى ميدانه و بالطريقة نفسها، استدراج المجادل الآخر إلى مجال اختصاصه: إنه يفرض على الآخر إطارا للتساؤل يتوجب عليه أن يتقاسمه. يغلب أن يكون الصراع حول فرض الإطار الخاص للنقاش موسوما بعبارات من قبيل «لم يتم طرح السؤال بشكل جيد.» [ أو ] «السؤال الحقيقي هو » [أو] «ربما، لكن هناك سؤال آخر أهم.» [أو] «يجب أن نكون جادين.»الخ، و هذا ما يمارسه بكثرة رجال السياسة أثناء النقاش وجها لوجه.


4 – 4 – 2 – استراتيجيات تحديد الموقف
تهم الطريقة التي يحدد بها فاعل الحجاج موقفا. ينتج اتخاذ الموقف عن إقرار فاعل الحجاج الخاص بطرح الإشكال، لكن قد يحدث أن ينساق إلى تبريره، و إذن إلى توضيحه لمقاصد [ترتبط ب]المصداقية. سيحدد مثلا «باعتبار ماذا » يتكلم، ما هي الصفة التي تسمح له بالحجاج. ربما باعتباره شخصا معنيا (شاهدا، ضحية، منفذا لأحداث معيشة) أو باعتباره متخصصا تم اللجوء إليه (خبيرا – عالما)، أو باعتباره ممثلا مفوضا لمجموعة (مندوبا) أو ناطقا بلسان السلطة المؤسسية (القانون). و [هي] استراتيجية تخول له استعمال ما يسمى في البلاغة التقليدية «حجة السلطة»، أي توضيح أن ما يتم الإقرار به قائم و يخول اتخاذ موقف بدون حكم مسبق أو إرادة سجالية، و إلا فإن المخاطب أو السامع سيكون لهما الحق في الشك في صحة الحجاج، فينتج عن ذلك فقد الثقة في فاعل الحجاج.
يمكن أيضا لهذا الأخير تأكيد موقفه بالاستناد إلى أقوال أخرى، إما لإقامة تحالفات «كما قال زميلي.»، أو(«سأنحو نفس منحى السيدة و أضيف»)، وإما بالإشارة إلى تعارضات مع مشاركين آخرين للتركيز على مصداقيته الخاصة («لا أدري ما الذي يسمح لكم بهذا القول، لكن أنا الذي أجري يوميا إحصائيات أستطيع أن أقول لكم إن ...»).

4 – 4 – 3 – استراتيجيات الدليل و أنماط الحجج
يتحدد مفهوم الحجة بحسب مجالات التخصص التي يستخدم فيها ، إنها تعد «محمولا »في المنطق و «خطاطة الحبكة » في الأدب و هي تقوم بدور«الدليل»في البلاغة (ينظر شارودو و منغونو 2005). أشرنا أعلاه إلى المعنى الذي نسنده إلى مفهوم الدليل، و الذي لا نقابله بالحجة.
يتعلق الأمر هنا بالتساؤل عن مم تستمد الحجج قوتها. سنجيب بأنها تستمدها من ثلاثة مسائل: صيغة الاستدلال التي تدرج فيها الحجة المستعملة، أي قوة الرابط السببي الذي يربط الحجة بسياقها [ و] نمط المعرفة المتضمنة أي القوة القيمية الكفيلة بإنتاج أثر انضمام المتلقي [و] النمذجة التلفظية التي تظهر فيها الحجة. ننضوي إذن، في إطار التقليد البلاغي مع إجراء بعض التعديلات بهدف التلاحم الإجرائي.

4 – 5 – صيغ الاستدلال
لا يمكنني في هذا العرض وصف جزئيات صيغ الاستدلال التي استخلصتها من التقليد البلاغي، فهناك كتابات كثيرة حول المسألة، يقترح فيها كل كاتب التصنيف الذي يراه أكثر ملاءمة. لنقل إنه فيما يتعلق بي جمعت أشكال الاستدلال في أربعة صيغ: استدلال بالاستنباط واستدلال بالمقايسة و استدلال بالمعارضة و استدلال بالحساب. سأقتصر هنا على التمثيل لكل من هذه الصيغ.
يهم الاستدلال بالاستنباط أنماط الروابط السببية التي يمكن إقامتها بين الخبر و سببه أو الخبر و نتيجته.
أ – لماذا يجب أن أصوت؟
ب – لأنك مواطن صالح.
تقوم قوة هذه الحجة على الضامن «إذا كنا مواطنين صالحين ينبغي أن نصوت.» و الرابط هو الحتمية، لكن هناك طريقتان لتقديم علاقة السببية هاته إحداهما مبدئية (أخلاقية) بقولنا « لأنك مواطن صالح ينبغي أن تصوت.» هنا السبب أصلي، و لا نستطيع الإفلات منه، و هذا ما يمده بقوة بديهية كبيرة. [الطريقة] الأخرى عملية، بقولنا ينبغي أن تصوت لتبين أنك مواطن صالح». [هنا] توازي علاقة السبب بالنتيجة سببية قصدية، هي أقل قوة من سابقتها. يمكن إذن، أن نمد الحجة «أن تكون مواطنا صالحا» بقوة بديهية تقوى أو تضعف بحسب صيغة الاستنباط المختارة.
الاستدلال بالمقايسة هو التقريب على الأقل بين معطيين أو معرفتين أو حكمين أو سلوكين الخ، لوجود نوع من التماثل بينهما، حيث يقدم أحدهما كما لو أنه يملك سلطة معينة مؤسسة سلفا، و هذا ما يمنح الحجة المقارنة (12) به قوة السلطة. صرح جورج فريش رئيس المجلس الإقليمي للوندكك - روسيلان المهدد بالمثول أمام لجنة النزاعات في الحزب الاشتراكي لكونه هاجم هركيز قائلا : ساركوزي [رغم] كارشيتهkarcherisation و شيراك [رغم] صيته، هل مثلا أمام لجنة نزاعات ا ح ش [اتحاد الحركة الشعبية] ؟ لا، تم التغاضي. هنا أقيمت مقايسة ذات غايات أربعة (تناظر): تصريحات ساركوزي و شيراك هي في لجنة نزاعات ا ح ش و هذا يستوجب أن يكون تصريح فريش في لجنة نزاعات الحزب الاشتراكي. طبعا [إقامة] هذا التقريب ليس في صالحه، لكن رجال السياسة الحانقين إلى حد ما قد يقترفون أخطاء في الاستدلال. هذا لا ينفي أن الحجة هنا تقتضي الاستناد على معطى قائم سلفا لاستعماله بوصفه مرجعا أو نموذجا(13). قد يكون الاستدلال بالمقايسة كـ«ذر الرماد في العيون. »، لكنه ذر قد يعطي للحجة قوتها.
يتأسس الاستدلال بالتعارض على البحث في المعطيات و الحالات و الأحكام المعارضة التي ينفي بعضها البعض، و هذا يتيح الحجاج بتوضيح التناقضات أو التنافرات. يغلب استعمال هذه الصيغة من الاستدلال أمام الخصم في تقديم الاعتراضات أو في الحجاج المضاد. إنه المثل «لا نستطيع أن نتوفر على الشيء و مقابله.» و في هذا الحال، «لا يمكن أن نصرح بأننا مؤيدون لأوروبا و التصويت ب« لاعلى الاستفتاء. »
يتأسس الاستدلال بالحساب على الارتكاز تقريبا على عملية مساواة رياضية (« للعمل المتساوي أجر متساوي») وإلحاق متبادل («العين بالعين و السن بالسن» ) و التعدية « أصدقاء أصدقائي هم أصدقائي») و التناسب («بقدر ما نربح بقدر ما نؤدي الضرائب، إذا ربحنا أقل ندفع أقل»). تتسم هذه الصيغة من الاستدلال بأنها تسم الحجة على الأقل ظاهريا، بكل رهانات الصرامة الرياضية.
أخيرا سنشير إلى أنه انطلاقا من صيغ الاستدلال هاته، يمكن لفاعل الحجاج أن يجري، سواء شاء أو لا، انزياحات ورد أغلبها مبوبا في البلاغة الحجاجية، من ذلك [انزياح] التعميم المفرط لعلاقة السببية. هذا ما يتيح لرجل سياسة شعبوي بأن يصرح (« مليون مهاجر،مليون عاطل.»)

4 – 6 – أنماط المعرفة
تخضع قوة الحجة أيضا لطبيعتها الدلالية، أي لصنف من المعرفة ذي قسط معين من الحقيقة. إذن يجب أن تكون هذه المعرفة مشتركة بين فاعل الحجاج و سامعه. يتعلق الأمر بهذا المعنى ب « بؤر» و « أحياز مشتركة» لا أثر للحجة بدونها.
نعرف أن البلاغة القديمة (أرسطو و شيشرون) اقترحت التمييز بين أنماط الأدلة
و أنماط الأحياز. [هناك ] من جهة أدلة «خارج-تقنية (atechnoi)تسمى طبيعية و خارجية، أي تحيل على الواقع ، وأدلة «داخل – تقنية» ( ( entechnoi تعد مصطنعة و ضمنية، أي تحيل على الفكر. من جهة أخرى [هناك] أحياز نوعية تتسم بالعموم و الكلية، وأحياز «خاصة»، تتسم بالخصوصية و المحلية. يتحدث بارلمان من جهته عن القيم المجردة (العدل) التي يقابلها بالقيم «الملموسة» (الكنيسة، فرنسا). نظرا لصعوبة تناول هذه الأصناف (صعوبة التمييز بين الملموس و المجرد و صعوبة وضع حد بين النوعي و الخاص)، أقترح منظورا سيميائيا- انثروبولوجيا يرتكز على التمثيلات الاجتماعية التي تنتجها الفئات الاجتماعية في صورة خطاب يدور بين أعضاء هذه المجموعات. تشكل هذه الخطابات أنماط معرفة أقترح تصنيفها إلى معارف « إدراك » و معارف «اعتقاد».
انطلاقا من أنه سبق لي أن حددت هذه الأنماط من المعرفة في كتابات و محاضرات سابقة ، أقتصر على التمثيل لكل منها. في النقاشات التي أثارتها الصحافة حول الاستنساخ، أقترح التمييز بين «استنساخ إنجابي» و «استنساخ علاجي». ينطلق الأول من الجنين و الثاني من الخلايا الجذعية. غير أن أحد الأخصائيين في البيولوجيا الذرية تدخل لمعارضة هذا التمييز بتقديم حجة مفادها أن «الخلية الجذعية أو الجنين شيء واحد ». مرتكز هذه الحجة معرفة عالمة، يفترض أنها تفرض نفسها على كل فاعل حجاج لأنها غير مرتبطة برأي شخص ما و إنما [هي مرتبطة] بالعلم. كذلك حينما يجادل أحد في وصف السرقة ب «الجرم» و يعوضه ب «الجنحة»، فإنه يفيد من معرفة إدراكية توجد مرمزة في النصوص القانونية.
لكن تفسيرا من نحو «صوتت ب «لا» على الاستفتاء حول الدستور الأوروبي، لأني لا أريد أن تمنعني بروكسيل من أكل الجبن بالحليب الطازج»، يرتكز على معرفة اعتقادية هي تلك المرتبطة بقيم السيادة الوطنية. طبعا الأمر نفسه يصدق على الحجج المرتكزة على اعتقادات دينية أو مذهبية أو قناعات أخلاقية، كما هو الشأن بالنسبة إلى الأشخاص الذين إذا سألناهم لم أنقذوا اليهود إبان الحرب العالمية الثانية أجابوا «لم يكن في وسعنا فعل غير ذلك.»
تخصص هذه المعارف الاعتقادية بدورها حسب تعدد مجالات القيم : معنوية (أو أخلاقية) الخير/الشر (العدل،الحرية السلم، العفو، الفضيلة، التحضر، التأدب، التآزر، التسامح،لاعنف،الشجاعة،الجبنالخ)عمليا: النافع/غير النافع، المفضل، الفعال/غير الفعال، الممتع: المشاعر، الانفعالي، الحساس ،المرغوب فيه، التهديد، الشفقة، الخوف الجمالي : الجميل/ القبيح.

4 – 7 – النمذجة التلفظية
تتدخل طريقة نمذجة التلفظ أيضا في القوة التي نسندها إلى الحجج. يمكن لفاعل الحجاج بالفعل أن يزاوج بين ظاهر الخطاب و باطنيه، لينوع هذه القوة. مثلا قد يكون للصورة الاستفهامية («هل هو مخطىء؟»)»قوة أكثر، و هذا على الرغم مما تبدو عليه الصورة الخبرية (« هو مخطىء»). يصدق الأمر نفسه على استعمال الحجج. في تصريح تلفزي بخصوص الاستفتاء الأوروبي لسنة 1972 ، وبخ جورج بونبيدو الذي كان آنذاك رئيس الجمهورية المعارضين على الموافقة قائلا : «هناك من يوصيكم بالامتناع. ألا رأي لهم في أوروبا؟ ». من المؤكد أن هذه النمذجة التعبيرية allocutive في صورة استفهام تمنح الحجة قوة أكثر. «حينما نكون مواطنين مسؤولين لا يمكن إلا أن يكون لنا رأي في أوروبا» أكثر من التعبير عن هذه الحجة بطريقة ابتدائية delocutive« ليس لهم رأي في أوروبا. »

خلاصة
إن الفصل بين صيغة الاستدلال و نمط المعرفة و النمذجة هو الذي يمكن إذن، من تقويم قوة الحجة في إطار إشكال التأثير. أضف إلى ذلك أنه يمكن إتمام هذا العمل بأن نطلب من السيكواجتماعيين تقدير آثار الحجج الحاسمة، و ذلك بتنويع مختلف هذه الوسائط .
لكن أريد أن أختم هذا العرض بالتمثيل بمقتطف قصير من مناظرة فالادوديد (كاريير 1992 : 168 – 169). دار النقاش حول مسألة معرفة فيما إذا كان هنود أمريكا المستعمرة حديثا ينتمون إلى الجنس البشري و لهم روح تستحق رحمة الله.

قابلت هذه المناظرة بطريقة جدالية شديدة بين الأب دومينكان و لاس كازا و المدافع عن الهنود و بين لويس سلديفا الفيلسوف، الذي صرح علاوة عن ذلك، أنه أرسطي و ذلك بحضور الكاردينال نائب البابا. في هذه اللحظة من النقاش، اقترح الفيلسوف إجمال الموضوع.
- سأحاول للإيضاح، تلخيص هذا النقاش في بعض الجمل، على الأقل كما فهمتها.
ضم سبولفيدا كفيه تحت ذقنه و فكر برهة و قال :
- أولا أذكر مبدأ منطقيا أفكر فيه. أعتقد أننا يجب أن نؤيد مسألة واحدة فقط من بين مسألتين.
وافق الجميع بمن فيهم لاس كازاس.[إذ] كيف يعترض على ما هو بديهي.
و هكذا تابع المنطقي:
- إما أنهم يشبهوننا، خلقهم الله على صورته و فداهم بدم ابنه و في هذه الحالة ليس لهم أي سبب لرفض الحقيقة.
و توقف قليلا و استأنف الكلام بهدوء و ثقة:
- و إما هم من جنس آخر.
[...] توجه الكاردينال إلى الفيلسوف و سأله، كما لو أنه يريد أن ينهي الموضوع:
- ما هو شعورك الحقيقي، أستاذ؟
- إنهم من صنف آخر. ولدوا لكي يخدموا و لكي تتم السيطرة عليهم.
قدم طرح الإشكال وتحديد المواقف، منذ بداية المحكي، إطار تساؤل حول طبيعة الهنود « هل ينتمون إلى الجنس البشري أم لا؟ »، «هل لهم ضمير أم لا؟ » . حدد الوكيل لويس سبولوفا موقفه في «لا، ليسوا مثلنا.» [أما] لاس كازاس المدافع فحدد موقفه في «نعم إنهم مثلنا». إذن السياق – في هذا المقطع – هو الذي يقتضي طرح الإشكال و تحديد المواقف.
إن إستراتيجية تحديد الموقف التي اتخذها سيلفيا : بذكر. «مبدأ منطقي اعتقد أننا جميعا ينبغي أن يتفق عليه: من بين مسألتين [ننتقي] واحدة وواحدة فقط. » يفرض (صيغة إلزامmodalité déontique ) على الحضور و خصمه مسبقا تبني استدلاله، و في نفس الوقت إحكام سيطرته ب[القول]إنه فيلسوف يحيل على معرفة مطلقة: المنطق. بالإضافة إلى ذلك من المهم، في حديثه مع الكاردينال أن ينجز فعل تواضع:

« أعتقد » صيغة تعبير عن افتراض ذي أثر تواضع.
تقتضي استراتيجية التدليل بدءا، استعمال حجة تتأسس على معرفة اعتقادية بالاستناد إلى عقيدة تقول إن أبناء الله هم أناس «خلقهم على صورته و فداهم بدم ابنه » ، و من ثم لا يمكن أن يرفضوا الحقيقة. بعد ذلك يدرج هذا النمط من المعرفة في استدلال يفصل بين الصيغتين: صيغة استنباط (بطلان قياسي لكن الأثر موجود): كل ابن الله يقبل بالحقيقة هو من الجنس البشري. أو « الهنود لا يقبلون الحقيقة، إذن هم ليسوا أبناء الله و لا ينتمون أبدا إلى الجنس البشري. بالموازاة مع ذلك تترك المجال للتنبؤ، كمقتضى، بصيغة تعارض: « إذا كنا مؤمنين، نكون بشرا، إذا لم نكن مؤمنين لا نكون بشرا. »
إن التوليف بين موقع السلطة المطلقة لفاعل الحجاج بالإحالة على المنطق [وهو] إجبار الحضور على الامتثال للمعرفة المنطقية و الرجوع إلى معرفة اعتقا دية، يفترض أنها متقاسمة بين الحاضرين باسم كلام الوحي [و هو] استدلال يبدو قياسيا، له أثر خطابي- اجتماعي (أثر التأثير) يتمثل في إيقاف كل نقاش و منع استمراره. و بالتالي ما يتقيد به لاس كازاز، الذي لا يملك إستراتيجية غير التشكيك في الموقف حتى و إن كان موقف الفيلسوف، هو الحجاج على أن مسألة الإنسان لا ترتبط بالمنطق.
تكمن أهم ايجابيات هذا الإجراء المتمثل في إدماج أسئلة الحجاج في إشكال التأثير في أنه لم يعد هناك داع للتمييز بين تحليل الحجاج و تحليل الخطاب. [ف]الأول مندرج في الثاني، باعتباره من بين وسائل تفعيل تحليل كل الإجراءات الخطابية التي تتدخل في التركيب- المشترك للمعنى الذي ينشغل به المشاركون بهدف التأثير (16)

1- عرض جزء من هذه المداخلة في ندوة أخرى نظمتها جامعة بو في مارس- أبريل 2005. مضى عامان و لم تظهر أشغال الندوة، فسمحت لنفسي أن أعرض من جديد رأيي في مسألة الحجاج. لكن حينما انتهيت من التحرير علمت أن أشغال الندوة ستنشر أخيرا. أعتذر للذين قد يطلعون على المقالين معا، لكن يمكن في الآن نفسه أن يجدوا فيهما تكاملا.
2- في إطار هذا العداء ظهرت رسومات تسىء إلى [الرسول] محمد[ص].
3 - مسألة أعاد إثارتها بعض محللي الخطاب كروت أموسي (1999) و دومنيك منكونو (1998) ، و هي أيضا مناقشة في هذا العدد.
4 - انظر شارودو 2005 فيما يخص الأخلاقي في الوضع التواصلي السياسي.
5– بالنسبة إلى لعقد الضمني للخطاب الإشهاري انظر شارودو 1994.
6 - يتحدث س. بلانتان من جهته عن «القضية» و «التعارض.»
7 – بخصوص مفهومي «القصد » و «لقضية » انظر [كتابي] «نحو المعنى و التعبير " 1992 (الجزء
الثالث الفصل 5 تفعيل الحجاج).
8 - نتفق هنا مع منظور س.بلاتان الذي يعد « التشكيك» شرطا أساسيا في تطوير «الحجاج». انظر
المقال «Question » في شارودو و مانغونو 2002 ، لكني وسعت شرط «القابلية للجدال»، لكي
لا يقف عند حدود الألفاظ المتناقضة فقط: ينبثق التشكيك من كون لفظ آخر- مهما كان- ممكنا.
9 – للتفريق بين "ربط ممكن" و " ربط حتمي" انظر شارودو 1992 : 539 و 541.
10 – انظر بخصوص مفهوم " الضامن " تولمان 1958 و 1976.
11 – بخصوص هذه الاستراتيجيات، انظر شارودو 2005.
12 – هنا، لا نميز بين المقارنة و التماثل: قطبا حركة التفسير نفسها.
13– هذا ما نفعله أيضا في الكتابات العلمية في كل مرة نذكر مؤلفا.
14 – في «الطرف الثالث، أين أنت؟ بخصوص الطرف الثالث للخطاب»شارودو 2005 ، و«المنمط
15- بخصوص هذه المقولات التعبيرية ( الكلامي allocutif والتعبيري élocutif و الابتدائي délocutif) انظر شارودو 1992.
16- انظر بهذا الخصوص هنا مقال روث أموسي ، و أيضا مقاله :الحجاج في الخطاب"(2006[2000]).

المراجع

Amossy , Ruth (éd). 1999. Image de soi dans le discours. La construction de l ethos
‘Lausanne : Delachaux et Nietlé)
Amossy , Ruth 2006 (2000). L argumentation dans le discours (Paris : Colin)
Aristote. 1991. Rhétorique, trad.Ruelle,intro.M.Meyer ,commentaire B. Timmermans (Paris : Hachette).
Carriére, Jean-Claude1992 La controverse de Valladolid (Paris :Belfond).
Charaudeau.Patrick. 1992. Grammaire de sens et de l’expression (Paris : Hachette).
Charaudeau.Patrick. 1994 .Le discours publicitaire ; genre discursif. Revue Mscope,8(CRDP de Versailles).
Charaudeau.Patrick et Maingueneau .Dominique 2002 .Dictionnaire d’analyse du discours (Paris : Le Seuil).
Charaudeau.Patrick(éd) 2006. La voix caché de tiers. Les non-dits du discours (Paris: L’Harmatan).
Charaudeau.Patrick(éd). 2008. La médiatisation de la science les medias d’information (clonage,OGM,Manipulations génétiques,(Bruxelles : De Boeck-Ina).
Charaudeau.Patrick ( sous press) . Les stéréotypes c’est bien, les imaginaires, c’est mieux.)Actes de colloque de Montpellier,Juin 2006).
Maingueneau ,Dominique 1998 . Scénographie épistolaire et débat public.Siess, Jürgen(éd). La lettre entre reel et fiction Paris : Sedes).
Perelman , Chaim et Olbrechts Tyteca , Lucie . 1970 1958. Traité de l’argumentation . La nouvelle rhetorique (Bruxelles :Editions de l’université de Bruxelles).
Perelman , Chaim.1977. L4Empire rhétorique et l’argumentation (Paris : Vrin).
Plantin. Christian.1990. L’argumentation.(Paris :Le Seuil,Mémo).
Toulmin.Stephen.19958 . The Uses of Argument(Cambridge :CambridgeUP)
Toulmin.Stephen1976 Knowing and acting (New York :Macmillan).




لذكر هذا المقال:
المرجع الالكتروني
Patrick Charaudeau, L’argumentation dans une problématique d influence, Argumentation et analyse de discours , n º1 ׀ 2008, en ligne, mis en ligne le 02 octobre 2008 . URL :http:// aad/revues. Org/index×193.html.Consulté le 11 mai 2010



#ربيعة_العربي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المصطلحية العسكرية: مقاربة وصفية مقارنة
- الغيرية في الخطاب الروائي : الطيب صالح نموذجا
- صعوبات التعلم و ظاهرة الفشل المدرسي (تتمة)
- نموذج مستعمل اللغة الطبيعية
- بدأ الخطو قصة قصيرة
- الحقيقة و الشبح
- صعوبات التعلم و ظاهرة الفشل الدراسي (2)
- صعوبة التعلم و ظاهرة الفشل الدراسي (1)
- معمارية الخطاب الشعري في ديوان -هسيس الدهشة-للشاعر أحمد بهيش ...
- معمارية الخطاب الشعري في ديوان -هسيس الدهشة- للشاعر أحمد بهي ...
- هجرة القاصرين : قراءة في المعاهدات و المواثيق الدولية(3)
- هجرة القاصرين: قراءة في المعاهدات و المواثيق الدولية (2)
- هجرة القاصرين : قراءة في المواثيق و المعاهدات الدولية
- الخطاب الإسلامي و تحديات العولمة (2)
- الخطاب الإسلامي و تحديات العولمة
- لحم يستباح
- حريق أينع
- أنا في جنة الخلد قصة قصيرة
- سقط القناع
- أبي و الشجرة قصة قصيرة


المزيد.....




- -لا خطوط حمراء-.. فرنسا تسمح لأوكرانيا بإطلاق صواريخها بعيدة ...
- الإمارات ترسل 4 قوافل جديدة من المساعدات إلى غزة
- الأمين العام لحلف شمال الأطلسي روته يلتقي الرئيس المنتخب ترا ...
- رداً على -تهديدات إسرائيلية-.. الخارجية العراقية توجه رسالة ...
- ماذا وراء الغارات الإسرائيلية العنيفة في لبنان؟
- زيلينسكي: الحرب مع روسيا قد تنتهي في هذا الموعد وأنتظر مقترح ...
- الإمارات.. بيان من وزارة الداخلية بعد إعلان مكتب نتنياهو فقد ...
- طهران: نخصب اليورانيوم بنسبة 60% وزدنا السرعة والقدرة
- موسكو.. اللبنانيون يحيون ذكرى الاستقلال
- بيان رباعي يرحب بقرار الوكالة الذرية بشأن إيران


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - ربيعة العربي - الحجاج و إشكال التأثير