|
بؤس الثقافة أم بؤس المثقفين ؟
محمد ماجد ديُوب
الحوار المتمدن-العدد: 3597 - 2012 / 1 / 4 - 07:25
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
لمن يمتلك القليل من لغة الرياضيات يعرف أنها لغة إبتدعها العقل البشري في محاولة منه لترميز المفاهيم العلمية وبالأحرى لترميز العالم وذلك من أجل تبسيط المفاهيم أو تكوين صورة نمطية للعالم الذي نعيه بشكله الموضوعي بعيداً عن رغبتنا وبالتالي أن نعيه من حيث أنه موضوع بحد ذاته بعيداً عن ذاتيتنا
من ثم تطورت لغة الرياضيات لتصبح وكما بقية لغات العالم علماً قائماً بحد ذاته بغض النظر عن إمكانية واقعيته أو واقعية المفاهيم التي يسقط عليها
في لغة الرياضيات كثيراً ما نجد مفاهيم لاتملك حظاً في أن تكون واقعية حتى الآن على الأقل كمفهوم اللانهاية أو مفهوم الجذر التربيعي للعدد -1 مما حدا بنا إلى القول في إحد مقالاتنا على صفحات الحوار أن هذين المفهومين لايستطيع حتى الله معرفتهما ومن ثم تحويلهما إلى واقع رياضي تطبيقي نستخدمه في حساباتنا لتكون نتائجنا دقيقة جرياً على عادة الحساب الرياضي
ففي حالة اللانهاية لانستطيع عندما نجري عملية تقسيم عدد على اللانهاية أن نقول بدقة تامة أن النتيجة تساوي صفراً تماماً بل نقول أن الجواب يسعى إلى الصفر أو أن الجواب ينتهي إلى الصفر
كذلك هو الحال عندما نقسم عدداً على الصفر فلا نجرؤ على القول أن عملية القسمة لها جواب محدد إذ من حيث المبدأ لايجوز التقسيم على العدد صفر ولكن بدلاً من القول أن العملية غير ممكنة من حيث المبدأ نقول أن حاصل القسمة يسعى إلى اللانهاية أو أن الجواب هو عدد ينتهي إلى اللانهاية
من هنا نجد أن اللانهاية هو مفهوم إفتراضي يرضي غرورنا في إيجاد جوابين لعمليتين غير محددتي الجوابين ولايمكن تحديدهما
أما في الفيزياء فالأمر مختلف تماماً من حيث أن طبيعة الفيزياء هل طبيعة موضوعية واقعية بغض النظر عن رغباتنا لأن تكون على هذا الشكل أو ذاك فالطبيعةوهي الترجمة الحرفية لكلمة فيزياء تعني أنها واقع موضوعي لادخل لذواتنا فيه إلا من حيث أننا في كثير من الأحيان تكون لدينا الرغبة القوية في لي عنقاها لتتوافق مع معلومات مشوهة بسبب خداع حواسنا كما في حالة رؤيتنا أن الشمس هي التي تدور حول الأرض وذلك ما هو توافق مع معلومات ثبتت في الكتب المقدسة فأصبحت هذه المعلومات بدورها مفاهيم مقدسة لايمكننا التنازل عن الإيمان بها حتى لو إضطرنا الأمر إلى مقارعة الحجة العلمية بالخرافة
في الرياضيات لاتوجد خدع يمكن أن تأخذ العقل معها إنما في الفيزياء فالخديعة قائمة وما زالت قائمة حتى الساعة فالطبيعة عادة لاتفصح عن أسرارها بسهولة ويسر
فالرياضيات هي إنتاج العقل البشري وهي منسجمة مع قدرته على التفكير المنطقي السليم وبناؤها هو بناء متماسك لاتجد في أية ثغرة بينما في الفيزياء فكثيراً ما تلعب الذاتية دوراً خطيراً في خلخلة منطقها وما زال العقل البشري يسعى إلى بناء المفاهيم الفيزيائية بطريقة تبدو معها وكأنها من مصدر واحد هو العقل الكلي الذي إشتق منه العقل البشري أو إنحدر منه وهو الله
يسعى العقل البشري وما زال يسعى إلى توحيد قوانين الفيزياء كلها في قانون واحد وكانت آخر المحاولات لعالم ياباني لم أعد أذكر إسمه في أوخر سبعينيات القرن الماضي ولم تنجح محاولته
إذا كانت الرياضيات هي اللغة التي تساعدنا على ترميز مفاهيم الطبيعة لنتمكن من دراستها بسهولة ويسر كما هي الحال في قوانين نيوتن والنسبية والكم فإن الفلسفة هي اللغة التي تمكننا من الربط بين مفاهيم الفيزياء إذ تساعدنا على الإنتقال من الحالات الخاصة الضيقة إلى الحالات العامة الأوسع فالفلسفة تساعدنا على الربط بين العلوم مما يساعدنا على فهم الجوانب المختلفة من الطبيعة بعد معرفة تأثير الجزء في الكل والكل في الجزء ذلك هو الخيط الخفي الذي يضع أقدامنا على طريق فهم العالم بشكل أفضل من حيث هو كل مترابط يفصح عن وحدة في الوجود
يشكل عالما الثقافة والسياسة عالمين يشبهان كثيراً عالمي الرياضيات والفيزياء فالثقافة في الكثير من جوانبها تشبه الرياضيات إذ هي تتحدث دائما وكما في الرياضيات عن عالم مثالي أجوبته محددة وواضحة وشبه دقيقة أما السياسة فهي تشبه الفيزياء من حيث كونها عالم لايفصح في الغالب عن بنيته الداخلية بسهولة بل علينا البحث والتدقيق كثيراً قبل أن نطلق أحكاماً وعلينا التثبت بالبراهين الصارمة ليكون الموقف الذي علينا تبنيه لاتشوبه الأخطاء فالخطأ في السياسة كما هو الخطأ في الفيزياء تبنيه دون إثباتات دقيقة يؤدي إلى كوارث لاتحمد عقباها كما هي الحال في تبني الفكر الديني القائم على معلومات غير محترمة ةلايمكن الإعتداد بها
إن مايلاحظه المتابع للسياسيين المنحدرين من الأوساط الثقافية أنهم في مجملهم يشبهون في مواقفهم في أحسن الأحوال المشتغلين بالرياضيات وفي أكثرها سوءاً رجال الدين فكلتا الحالتين هي أقرب إلى المثالية التي لاتصلح في ميدان العمل الفيزيائي وكذلك السياسي
هل نستطيع القول أنه بؤس الثقافة ؟ أم أنه بؤس المثقفين ؟
#محمد_ماجد_ديُوب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عندما يتكسر المنطق
-
الديموقراطية وعلاقتها المتضادة مع رأس المال
-
اليسار والديموقراطية
-
ولدي وإنفجارا دمشق
-
تباً لأحلامي فقد أرهقتني
-
عندما يهرب العقل
-
بعيداً عن الشعارات هذا ما يجري في الشرق الأوسط
-
التدين عبادة صادقة لله أم خوف من المجهول ؟
-
اليسار وغياب القائد التاريخي
-
الخوف من عري الجسد
-
أنسنة الله والقائد التاريخي
-
عفواً توماس فريدمان : السوريون يكتبون تاريخ القرن الواحد وال
...
-
متى ساعة الصفر ليوم القيامة في الشرق الأوسط ؟
-
زوجُكِ هو إبنك زوجتُكَ هي أمُك
-
الإنسان عارياً
-
جاذبية المرأة وجاذبية الأرض
-
ربيع أمريكا السوري وخيارات بشٌار الأسد
-
الإنسان يصنع قيده
-
إيٌاك أن تعرف الحقيقة
-
إلهكم جزٌار بَشَر
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|