عزام القصير
الحوار المتمدن-العدد: 3596 - 2012 / 1 / 3 - 09:18
المحور:
الصحافة والاعلام
لم تمض ساعات قليلة على توقيع وثيقة الاتفاق بين هيئة التنسيق الوطنية والمجلس الوطني حتى صرح الناطق الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين في سورية زهير سالم أن الجماعة غير ملزمة بهذا الاتفاق الذي لا يخالف اللوائح المقررة في مؤسسات المجلس الوطني فقط, وإنما يسهم في إحداث "إرباك في الصف الوطني" حسب تعبيره.
بداية لابد من الإشارة إلى أن المجلس الوطني السوري المؤسس في مدينة اسطنبول في بداية أكتوبر/تشرين الأول 2011ضم في صفوفه طيفا واسعا من الشخصيات المتعددة المشارب والإيديولوجيات السياسية و أوكل رئاسة المجلس للمعارض المعروف برهان غليون المقيم في فرنسا. تزامن مع الإعلان عن تشكيل هذا الكيان الجديد العديد من الانتقادات حول غياب التوازن والتوزيع العادل للتمثيل داخل المجلس لصالح سيطرة جماعة الإخوان المسلمين, ولكن المجلس رد بشكل مباشر على تلك الشكوك وصرح على لسان رئيسه والعديد من قياداته أن المجلس الوطني هو إطار موحد للمعارضة يضم كافة الأطياف السياسية على الساحة السورية من الليبراليين إلى الإخوان المسلمين إضافة للجان التنسيق المحلية وممثلين عن الأكراد وغيرهم, وأن المجلس يرحب بانضمام المعارضين "الملتزمين بمبادئ الثورة السلمية وأهدافها".
نجح المجلس بنيل تأييد شريحة واسعة من الرأي العام المعارض المتعطش لنشاط سياسي يوازي الحراك الثوري على الأرض بعد أن استطاع احتكار وسائل الإعلام البارزة التي ما انفكت تعرض مواقفه والتصريحات المتكررة لقياداته فيما يخص أنه "الممثل الوحيد للشعب السوري". بعد مضي أكثر من ثلاثة أشهر على ولادة المجلس الوطني بات واضحاً التناقص التدريجي لرصيده الجماهيري خصوصا في صفوف النخب, إضافة لصعوبة حركته وبطء استجابته للمستجدات, فضلا عن تباين رؤى أعضائه ومحاولة القفز على تعقيدات الحالة السورية والسعي لاستنساخ تجربة المجلس الوطني الانتقالي الليبي الذي نجح في نيل اعتراف دولي بتمثيله للشعب الليبي وخلافة نظام القذافي. إن المجلس بوجهه الليبرالي المنفتح متمثلا ببرهان غليون اصطدم مرات عديدة برأي مهيمن يتخلل دهاليز المجلس يضع هدفا أمامه إسقاط النظام دون رسم طرق واستراتيجيات تحقيق الغاية, وفي المقابل عكست مواقف معظم شخصيات المجلس عجزا عن الإدارة السياسية للأزمة المتمثلة بصعوبة ترجمة مطلب الثوار بإسقاط النظام, هذا النظام الذي يظهر بدوره عجزا سياسيا وتمسكا بحل أمني قد يعطيه مزيد من الوقت ولكنه حتما يزيد من النقمة الشعبية ويفسر تطرف آراء وممارسات العديد من الثوار على الأرض, ولكن الغير مبرر هو تطرف كثيرين في المجلس, فما كان محرما بداية بات اليوم مطلبا لا يجوز إسقاطه وإلا باتت الوطنية في موضع شك, والحديث هنا عن التدخل الخارجي.
في المقابل ظهرت هيئة التنسيق الوطنية للتغيير الديمقراطي قبل المجلس الوطني بنحو أسبوعين واتخذت من الداخل ساحة رئيسية لنشاطها مؤكدة على رفض التدخل العسكري الأجنبي ورفض استخدام العنف, ولكن بعد تأسيس المجلس عانت الهيئة من التهميش الإعلامي وصدرت العديد من التصريحات على لسان قيادات الهيئة تشكو من محاولات إقصائهم وتشويه صورتهم أمام الرأي العام الذي يسعى البعض لدفعه نحو التطرف والعنف.
إن معطيات الأشهر الثلاثة السابقة وخاصة ضغط كل من الشارع الثائر والمجتمع الدولي على أطراف المعارضة لتوحيد صفوفها جعل من مسألة التوصل لصيغة توافقية مسألة ملحة, ولكن جهود التنسيق بين مكونات المعارضة وخاصة المجلس الوطني وهيئة التنسيق الوطنية تحت مظلة جامعة الدول العربية لم تثمر حتى الثلاثين من كانون الأول حين تم الإعلان عن وثيقة سياسية مشتركة وقعها كل من برهان غليون رئيس المجلس الوطني وهيثم مناع رئيس هيئة التنسيق الوطنية في المهجر, تحدد قواعد النضال الديمقراطي وشكل المرحلة الانتقالية و معالم سورية المستقبلية, على أن يتم تقديم هذه الوثيقة لمؤتمر المعارضة السوري المزمع عقده في شهر كانون الثاني تحت إشراف الجامعة العربية. ولكن في اليوم التالي لتوقيع الوثيقة أصدر الدكتور برهان غليون بيانا أوضح فيه أن ما تم التوصل له هو مشروع وليس اتفاقا نهائيا, و سيتم عرضه على الأمانة العامة والمكتب التنفيذي في المجلس الوطني ليصار إلى رفضه أو إقراره كوثيقة ناجزه وإطار عمل للهيئة والمجلس.
ليس بخافٍ أن الخلاف كان ولا يزال بشكل رئيسي حول إغلاق أو ترك باب التدخل الخارجي مفتوحاً, وبنظرة سريعة على وثيقة غليون-مناع نجد أن ما حملته من جديد في هذا الخصوص جاء في بندها الأول الذي ينص على رفض التدخل العسكري الذي من شأنه المساس بالسيادة السورية, ولكن ليس كل تدخل عسكري مرفوض وإنما الأجنبي منه فقط, والأجنبي بحسب الوثيقة هو ما ليس عربياً.
تبدو موافقة المكتب التنفيذي للمجلس الوطني على الوثيقة أمراً مستبعداً بناءاً على ما صدر عن جماعة الاخوان المسلمين وبعض أعضاء الأمانة العامة للمجلس الوطني مثل أنس العبده و غيره. إن رفض المكتب التنفيذي للمجلس الوطني إقرار الوثيقة الموقعة بين غليون ومناع يجعل الشكوك حول سيطرة جماعة الإخوان المسلمين على المجلس الوطني واقعا يصعب إنكاره, ويفتح الباب بشكل حقيقي لإرباك صف وطني معارض هو في أحوج ما يكون إلى وحدة قياداته في مواجهة نظام سياسي لطالما راهن على ضيق أفق معارضيه ومراهقتهم السياسية. وكيف لبرهان غليون الاستمرار بالرئاسة الفخرية لمجلس يعكس سياسات إخوانية لم تتغير طيلة عقود, سياسات تتمثل بالرفض وانتظار أخطاء الآخرين والعجز عن وضع البدائل الواقعية. ولكن قد يسأل أحدهم كيف لجماعة الإخوان المسلمين أن تعطل الجهود الرامية لتوحيد رؤى المعارضة مع تمسكها بمطلب التدويل والتدخل العسكري الخارجي أياً كان مصدره؟ إن قراءة مسار الثورة السورية يوضح أن الإخوان انتظروا نحو ثلاثة أشهر ليصدروا موقفاً واضحاً تجاه الحراك الشعبي البعيد عن الإيديولوجية والمدفوع بشعارات الحرية والديمقراطية, كما أن تصريحات أعضاء ومناصري الجماعة تغنت بالانفتاح على الآخر المعارض ومد اليد له للمشاركة في سورية تعددية, ولكن الممارسة العملية والإصرار على مطلب التدخل العسكري لا يصب في صالح الإخوان المسلمين ليس فقط لما يحمله من خطر على السيادة السورية واستقلال القرار الوطني وإنما أيضا لأنه ليس محل إجماع بين صفوف المعارضة وحتى ضمن المجلس الوطني نفسه, بل سيكون لذلك نتائج عكسية على شعبية الجماعة التي نجحت في كسب نوع من التعاطف بعد الإجحاف الذي طالها طيلة السنوات السابقة, كما أن تعنت الإخوان في مسألة التدخل العسكري يرسل اشارات غير مطمئنة لشرائح واسعة شعبية ونخبوية على حدٍ سواء, في ما يتعلق بمبادئ المشاركة وتداول السلطة, فلا أحد يرغب باستبدال دكتاتورية البعث بدكتاتورية الإخوان المسلمين.
أيضاً هل من أفق لمطلب التدخل العسكري الدولي؟ يبدو حتى الآن أن لا رغبة دولية في تكرار التدخل الدولي في ليبيا في الحالة السورية الأكثر تعقيداً خصوصاً بعد الرفض الواضح والمتكرر من قبل قوى دولية على رأسها روسيا والصين لأي تدخل في الشأن الداخلي السوري, إضافة إلى ما أظهره المجتمع الدولي من رغبة في تفويض جامعة الدول العربية للتوصل إلى حل للأزمة السورية. في ضوء ذلك يبدو مستغربا موقف جماعة الإخوان المسلمين ومساعيهم الحثيثة لصناعة رأي عام سوري متطرف داعم لاستجداء التدخل العسكري ورافض لإيجاد مخرج سياسي للأزمة. ولكن هل يكون موقف الإخوان متقدما ومستشرفاً لسيناريو تدخل عسكري يتم رسمه في الكواليس خلال الوقت المستقطع الذي يمنحه عمل بعثة المراقبين العرب !
#عزام_القصير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟