|
هل يمكن أن يتوقف الزمن؟
هشام غصيب
الحوار المتمدن-العدد: 3595 - 2012 / 1 / 2 - 08:21
المحور:
الطب , والعلوم
كيف استفاد آينشتاين من مبدأ التكافؤ وكيف سخره مفتاحا يلج به قارة النسبية العامة؟ للإجابة عن هذا السؤال، نبدأ بالتذكير بنص مبدأ التكافؤ، الذي وضعه آينشتاين عام 1991، والذي ينص على أن التسارع يكافىء الجاذبية تماماً وفيما يتعلق بجميع أصناف الظاهرات الطبيعية. ولتوضيح هذا المبدأ، فلنتدبر مرجعي إسناد مغلقين تماماً (مثلاً غرفتين). وليكن الأول مرجع إسناد يتسارع بالنسبة إلى مراجع الإسناد القصورية بتسارع الجاذبية الأرضية على سطح الأرض (9.8 م/ث2)، بحيث تسقط فيه الأجسام بهذا التسارع بغض النظر عن كتلها. وليكن الثاني مرجع إسناد مثبتا على سطح الأرض وخاضعاً، بالطبع، للجاذبية الأرضية، بحيث تسقط الأجسام جميعاً بتسارع الجاذبية الأرضية (9.8 م/ث2) بغض النظر عن كتلها أيضا. وينص مبدأ التكافؤ على أن المرجعين متكافئان تماماً ولا يمكن لأي تجربة تجرى فيهما أن تميز بينهما. فالعلاقات والظاهرات التي تظهر في الأول لا بدّ أن تظهر بصورة مماثلة تماماً في الثاني. فلا نستطيع التمييز مطلقا بينهما على أساس التجارب والمشاهدات التي تجري فيهما. وعليه، فإذا سلك شيء ما سلوكا معينا في أحدهما، فلا بدّ أن يسلك السلوك ذاته في الآخر. ولنركز على بعض الظاهرات والتجارب في المرجع المتسارع، لكي نستنتج سلوك الأشياء تحت تأثير الجاذبية الأرضية. ولنبدأ بالبحث في سلوك الزمن في المجال الجاذبي. ولنتصور أننا حصلنا على ساعتين مماثلتين لبعضهما، أي صنعتا بالطريقة ذاتها، وأننا وضعنا واحدة على أرض الغرفة المتسارعة والأخرى عند سقفها. ولنفترض أن هناك مشاهداً عند كل من الساعتين، وأن المشاهدين يتبادلان المعلومات بالإشارات الضوئية. ولنفترض أنه عند كل حركة لعقرب الثواني تنطلق إشارة ضوئية صوب الساعة الثانية. وبمقارنة الفترة المنصرمة بين إشارتين يستطيع أن يقارن كل مشاهد بين زمن ساعة زميله وبين ساعته. وهنا نورد ملاحظتين مهمتين: (1) إن سرعة الضوء ثابتة ولامتغيرة بغض النظر عن سرعة مصدرها. (2) إذا انطلقت إشارة ضوئية من الأرض صوب السقف، فإن السقف يتباعد عن هذه الإشارة الصاعدة بمعدل متزايد بالنظر إلى أن الغرفة متسارعة. وعليه، فإن إشارة ضوئية ستأخذ وقتا أطول من سابقتها حتى تصل إلى سقف الغرفة، حيث إن سرعة ابتعاد السقف عن الإشارة الضوئية الصاعدة يتزايد باستمرار بالنظر إلى تسارع الغرفة. وهكذا، تصل الإشارات الضوئية إلى السقف بمعدل أبطأ من معدل تغير الزمن وفق ساعة السقف. لذلك تبدو ساعة أرض الغرفة أبطأ من ساعة سقفها بالنسبة إلى المشاهد عند السقف. وهذا ما يشاهده أيضاً المشاهد عند أرض الغرفة. فأرض الغرفة تسرع بصورة متزايدة صوب الإشارات الضوئية القادمة من سقف الغرفة. لذلك تبدو ساعة السقف أسرع من ساعة الأرض بالنسبة إلى المشاهد عند الأرض. بذلك فهما يتفقان على أن الزمن أبطأ عند أرض الغرفة منه عند السطح، أي إن الزمن عند السقف يمضي بسرعة أكبر منه عند الأرض. هذه نتيجة مذهلة في حدّ ذاتها. لكن تطبيق مبدأ التكافؤ عليها يجعلها تقترب من عالم الخيال العلمي، برغم أنها أضحت حقيقة مختبرة. فإذا كان الزمن يمضي بسرعة أكبر عند سقف الغرفة المتسارعة منه عند أرضها، فلا بدّ أن يكون كذلك أيضا في الغرفة الثابتة المثبتة على سطح الأرض. هذا ما يحتمه مبدأ التكافؤ. فتكافؤ الغرفتين يحتم هذه النتيجة الخارقة للمألوف. وهو يعني أن الزمن يمضي بصورة أبطأ بالنسبة إلى القاطنين في الطابق الأرضي منه في الطوابق العليا. نتيجة مذهلة بحق، لكنها تنبع بالضرورة من مبدأ التكافؤ الذي يؤكده منطق الميكانيك والتجربة العلمية. وبالطبع، فإننا لا نلاحظ ذلك على سطح الأرض لأن الفرق بين الزمنين لا يذكر في حال جاذبية الأرض الضعيفة جداً. لكن النتيجة واضحة لا لبس فيها. إن المجال الجاذبي يبطىء الزمن. ويكون هذا الفرق كبيراً في حال الأجرام التي تولد مجالات جاذبية كبيرة وسريعة التغير، كما هو الحال مع النجوم الكثيفة المادة، أي الكبيرة الكتلة والصغيرة الحجم (الأقزام البيضاء، النجوم النيوترونية، الثقوب السوداء). فالزمن يسير بتثاقل شديد على سطح نجم نيوتروني بالنسبة إلى الزمن على سطح الأرض مثلاً. لكن الأغرب من ذلك أن الزمن يتوقف كليا على سطح ثقب أسود (أي عند ما يسمى أفق الأحداث). أجل! إنه يتوقف أو يتجمد كليا بالنسبة إلى مشاهد خارج الثقب الأسود. فإذا اقترب جسم من سطح ثقب أسود، فإننا لا نشاهده يخترق هذا السطح مهما انتظرنا. إنه يقترب ببطء من هذا السطح ويظل يقترب منه، لكنه لا يخترقه، لأن الزمن يتوقف كليا هناك بالنسبة إلى المشاهد الخارجي.
#هشام_غصيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
انحناء الضوء بفعل الجاذبية
-
هندسة إقليدس
-
الهندسة اللاإقليدية
-
لغز عطارد بين نيوتن وآينشتاين
-
كون آينشتاين
-
لماذا لا تنفجر الشمس ولا تنهار؟
-
هندسة غاوس
-
جاذبية نيوتن
-
العقل من أجل الثورة
-
من نسبية غاليليو إلى نسبية آينشتاين
-
الزمكان المنحني
-
جولة في الزمكان
-
حياة المادة في الزمكان
-
جدل الوجود والعدم في الفيزياء
-
الثورة الدائمة في الوطن العربي
-
الجمعية الفلكية الأردنية
-
كيف ركب آينشتاين نظرية النسبية ؟
-
أزمة الفيزياء الحديثة
-
البحث عن الزمن التائه (سيرة ذاتية فلسفية)
-
تعقيب على ورق د. أومليل حول العولمة
المزيد.....
-
مسيّرةتقصف الكوادر الطبية بمستشفى كمال عدوان لدى محاولةانتشا
...
-
عادات يومية بسيطة للحفاظ على صحة الكلى
-
لماذا يسبب القلق انتفاخ الحلق؟..أعرف العلاقة وطرق العلاج
-
تأجيل عودة رائدي فضاء -ناسا- العالقين في محطة الفضاء الدولية
...
-
جرثومة المعدة.. كيف تتسبب الأوانى غير النظيفة فى نقل العدوى؟
...
-
علاج القولون العصبى.. تغييرات في يومك وعاداتك تساعدك فى تخف
...
-
الشعور بالوحدة يزيد خطر الإصابة بالخرف.. كيف تتغلب عليه؟
-
لمرضى الصدفية.. كيف تسيطر على الأعراض بنظامك الغذائي؟
-
لعبة التجمد مع لولو.. استقبل الآن على جهازك قناة وناسة كيدز
...
-
اختبار المشي لمدة 6 دقائق.. طريقة بسيطة لقياس صحة قلبك ورئتي
...
المزيد.....
-
هل سيتفوق الذكاء الاصطناعي على البشر في يوم ما؟
/ جواد بشارة
-
المركبة الفضائية العسكرية الأمريكية السرية X-37B
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في الهند
-
-;-السيطرة على مرض السكري: يمكنك أن تعيش حياة نشطة وط
...
/ هيثم الفقى
-
بعض الحقائق العلمية الحديثة
/ جواد بشارة
-
هل يمكننا إعادة هيكلة أدمغتنا بشكل أفضل؟
/ مصعب قاسم عزاوي
-
المادة البيضاء والمرض
/ عاهد جمعة الخطيب
-
بروتينات الصدمة الحرارية: التاريخ والاكتشافات والآثار المترت
...
/ عاهد جمعة الخطيب
-
المادة البيضاء والمرض: هل للدماغ دور في بدء المرض
/ عاهد جمعة الخطيب
-
الادوار الفزيولوجية والجزيئية لمستقبلات الاستروجين
/ عاهد جمعة الخطيب
-
دور المايكروبات في المناعة الذاتية
/ عاهد جمعة الخطيب
المزيد.....
|