أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - ماهر شفيق فريد - تصدير















المزيد.....

تصدير


ماهر شفيق فريد

الحوار المتمدن-العدد: 1064 - 2004 / 12 / 31 - 09:20
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


يلتقي القارئُ – على الصفحات التالية– بثلاثة نصوص: "رواية لم تُكتب بعد"، وهي رواية قصيرة أو نوفيللا للروائية الإنجليزية فرجينيا وولف (1) ، ومحاورةٌ تخيّلية مع المؤلفة، وتقْدمة بقلم المُترجِمة (2) تحمل عنوان "جيوبٌ مُثْقلةٌ بالحجارة" في إشارةٍ إلى انتحار فرجينيا وولف المأساوي قبل خمسة وستين عامًا.

الرواية مرويّة بضمير المتكلِم، ومسرحُ أحداثِها – إن صحَّ أن فيها أحداثًا – عربةُ قطارٍ يمرُّ بالجزء الجنوبيّ الشرقيّ من الريف الإنجليزي، منطلقًا من لندن. و الراوية (الأغلب أنها امرأة) تشترك في العربة مع خمسة مسافرين لا يلبثون أن يهبطوا - واحدًا في إثر آخر – في محطاتهم، فلا يتبقى معها سوى امرأة تختارُ الراويةُ أن تدعوها "ميني مارش". وتتخيّل الراوية مواجهةً كبرى بين هذه العانس الفقيرة، ميني مارش، وزوجة أخيها المدعوّة "هيلدا". وثمة لمحاتٌ عن ميني مارش بأعين الآخرين، إلى جانب عينيّ الراوية: فالعاملون في المستشفى يتعجبون من نظافة ثيابها الداخلية مما يدل على أنها (وإن تكن رقيقةَ الحال) سيدةٌ حسنةُ التربية. ولا تلبث تخيّلات الراويةِ الصامتة أن تُقاطع وتنزلُ إلى الأرض من سبحاتها في الفضاء عندما تروح "ميني مارش – إذ تستعدُ لأكل وجبتها الخفيفة: بيضةً مسلوقة – تعلّق بصوتٍ عالٍ: "البيضُ أرخص !". وعلى طريقة تداعي الأفكار، التي شُهِر بها جويس وفرجينيا وولف ووردورثي رتشاردسن، يستثير الفتاتُ الأصفر والأبيض المتساقط من البيضة سلسلةً من الصور.

الرواية عميقةُ الجذور في زمانِها ومكانِها. فهناك، مكانيًّا، إشاراتٌ إلى إيستبورن، وهي منتجع على شاطئ البحر، ولويس، وهي بلدة في شرقيّ مقاطعة سُسيكس، وكاتدرائية القديس بولس في لندن ( المقابل الإنجليزيّ لكاتدرائية القديس بطرس في روما) وغيرها.

وهناك ذِكْرٌ لجريدة "التايمز"، كبرى الجرائد اليومية البريطانية، ولـ" الحقيقة" وهي مجلة أسبوعية كانت ذات رواجٍ شعبيّ في يومها. وهناك ابتعاثٌ لشخصيات من الماضي القريب والبعيد: مثل بول كروجر(1825 -1904)، وهو سياسيٌّ من الترنسفال، كان معارضًا للنفوذ البريطاني في جنوب إفريقيا، ثم صار رئيسًا لجمهورية البوير لمدة عشرين عاما، وتبيّنه صورُه في مِعطفٍ رسميّ بوجهٍ مُلْتحٍ صارم؛ ومثل الأمير ألبرت (1819-1861) زوج الملكة فكتوريا ملكة بريطانيا؛ ومثل السير فرنسيس وريك ( 1540؟ -1596) وكان مستكشفًا إنجليزيا وقبطانا بحريًّا يأسرُ السفنَ الإسبانية عند عودتها من أمريكا الجنوبية، محملةً بالذهب والفضّة المسروقيْن من الهند (من صور الرواية الشعرية: صورة للهنود على شكل كتلٍ متدحرجة من الرخام على جبال "الأنديز" لسحق الغزاة الأوربيين). ومن الشخصيات التخيّلية في الرواية: مندوب مبيعات مسافر، تختار له الراوية اسم "جيمس مجردج"، وتتخيله يبيع أزرارًا، ثم تردف ذلك بوصفٍ وجيز لبضائعه.

هذه - باختصار – قصة إنجليزية مغروسة في تربتها المحليّة، ولا سبيل لتذوّقها تذوّقًا كاملاً – فثمة مستويات عدة للتذوّق – إلا إذا كنت قد ركبت قطارًا إنجليزيًّا يخترق بك الريفَ الإنجليزيّ، وخالطتَ ركّابَه، وعرفت كيف يعيش هؤلاء القوم وكيف يفكرون ويشعرون ويسلكون.

لكن الرواية – وهنا مكمن تشويقها وفرادتها – ثمرةُ حساسيةٍ حداثيةٍ تخترقُ طرائقَ السرد التقليديّ والوصف الخارجي (على طريقة آرنولد بنيت وجولز ورذي و هـ.ج. ولز، ممن اشتدّت المؤلفة في نقدهم)، وتحطّم قواعد المنظور (أستعير العبارة من يوسف الشاروني)، لكي تنفذ من قشرة المظاهر الخارجية إلى اللبِّ الروحيّ العميق، إلى مركز الأرض الباطني الموّار بالحرارة والجيشان والانفعال. هذه بمعنى من المعاني، ميتا رقصة، بمعنى أنها انكفاءٌ على الذات الداخلية، وتأملٌ من جانب الراوية لطريقة كتابة رواية. وأزعم أنها تردّنا إلى مقالةٍ مؤرّخة في عام 1925 لفرجينيا وولف، أُعيد طبعها بعد وفاتها في كتابها المسمى" فراش موت الربان" 1950، وعنوانُها "السيد بنيت والسيدة براون، وفيها تروي الكاتبةُ لقاءً بينها – في عربة قطار متجه من رتشموند إلى وترلو – وبين سيدة ستطلق عليها اسم السيدة براون، وهي نسخةٌ مبكّرة من ميني مارش. تعاني من الفقر، ويبتزها رجل يدعى السيد سميث لأسباب لا تفصح عنها الكاتبة تماما، ولكنها تظلُّ في قلب تعاستها، محتفظةً بكبريائها الإنساني وروحها النبيل. (3)

والحوار التخيليّ الذي يعقبُ الرواية، نقلته فاطمة ناعوت عن شبكة الإنترنت ثم قامت بترجمته. وهو يلقي أضواءً على جوانب من حياة فرجينيا ولف وفكرها وفنّها: صورة الحياة في بريطانيا أثناء سنوات الحرب العالمية الثانية، نزعة الكاتبة النسوية في كتابيْها :" غرفة خاصة" (4)، و"ثلاثة جنيهات"، طفولتها وخلفيتها العائلية، علاقتها بزوجها ليونارد ولف، مقالاتها وقصصها القصيرة، طريقتها في التأليف الروائي، انتحارها غرقًا في نهر أوز القريب من بيتها، مذكراتها التي دأبت على كتابتها منذ سن الخامسة عشرة. وكلها أمور ضرورية لفهم رواياتها الكبرى التي أحلّتها مكانًا رفيعًا بين روائيي النصف الأول من القرن العشرين.

"رواية لم تُكتبْ بعد" (5) – مثل أغلب أعمال فرجينيا ولف – قصيدةُ نثرٍ متطاولة، وجوهرةٌ محكمة الصنع أحسنَ الصائغُ نحتها، ولكنها – إلى جانب إنجازها التقني، (6)، بل قبل ذلك- رحلة في أعماق النفس، تصطنع منهجَ المونولوج الداخليّ وتتوسل بتدفق تيار الشعور والصورة الشعرية المحلّقة والأسلوب الانطباعي إلى الغوص على أعماق الشخصية، وما تموج به من صفاءٍ وكدَر، وما يعتريها من تقلّبات متصلة.

هذه روائية مرهفةُ الحس، حادّة الذكاء (كان عارفوها يخشون سخريتَها اللاذعة)، مصقولةُ الأسلوب، مدربةُ الحساسية، تستحق أن يُذكر اسمها – في نَفَسٍ واحدٍ – مع عمالقة الرواية السيكولوجية من أمثال هنري جميز، وكونراد، وجويس، ولورنس، وبروست.

هذا – في تصوّري – كتابٌ يقدّم للقارئ متعةً ثلاثيّة :
فهناك أولا فنُّ فرجينيا ولف القصصي الذي يمتاز بتقمصّه دخائلَ النفسِ وقصدِه في التعبير وخلوّه من الزوائد والحواشي.
وهناك ثانيًّا تقدمة فاطمة ناعوت الجامعةُ بين سعةِ المعرفةِ بموضوعِها والقدرةِ على تقمّص خبرةِ الكاتبة على نحوٍ يجعلُ من التقدمة أثرًا فنيًّا، بحقِّه الخاص، ليس فيه دوجماطيّة النقاد الأكاديميين، ولا سطحيّة النقاد الانطباعيين.
وهناك ثالثا قصة فرجينيا ولف في ثوبها العربيّ الراهن، حيث جاورت المترجمة فيه بين أمانة النقل مع طلاقة الأداء.

في مؤتمر "الترجمة وتفاعل الثقافات"، الذي أقامه المجلس الأعلى للثقافة على امتداد أربعة أيام من 29 مايو -1 يونيو 2004، ألقتْ فاطمة ناعوت بحثًا بعنوان " ترجمة الشعر: فعلُ إبداع". وأحسبُ أن دعواها في هذا البحث يمكن أن تنسحبَ على كافة ألوان الترجمة الأدبية سواءٌ كان النصُّ المترجَم قصيدةً أو روايةً أو قصةً قصيرة أو مسرحيةً أو مقالةً. ولأن قصة فرجينيا ولف – كما أسلفتُ – تدخل، بمعنىً من المعاني، في باب الشعر المنثور، فقد حرصتْ المترجمة على أن تمتصَّ جزءًا من الطاقةِ الشعريّةِ للنصّ، وسعتْ إلى أن تَخرجَ بإبداعٍ موازٍ، لا مجردَ تابعٍ ذي درجة أدنى. وسيجد القارئُ – الذي يتجشّم جَهدَ معارضةِ ترجمتِها على الأصل – أنها قد وُفقَّتْ في مسعاها وأضافتْ إلى اللغةِ العربية – شأن الصانعِ البارع – جوهرةً صغيرةً محكمةَ الصُنْع.



#ماهر_شفيق_فريد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- بعد استخدامه في أوكرانيا لأول مرة.. لماذا أثار صاروخ -أوريشن ...
- مراسلتنا في لبنان: غارات إسرائيلية تستهدف مناطق عدة في ضاحية ...
- انتشال جثة شاب سعودي من البحر في إيطاليا
- أوربان يدعو نتنياهو لزيارة هنغاريا وسط انقسام أوروبي بشأن مذ ...
- الرئيس المصري يبحث مع رئيس وزراء إسبانيا الوضع في الشرق الأو ...
- -يينها موقعان عسكريان على قمة جبل الشيخ-.. -حزب الله- ينفذ 2 ...
- الرئيس الصيني يزور المغرب ويلتقي ولي العهد
- عدوى الإشريكية القولونية تتفاقم.. سحب 75 ألف كغ من اللحم الم ...
- فولودين: سماح الولايات المتحدة وحلفائها لأوكرانيا باستخدام أ ...
- لافروف: رسالة استخدام أوريشنيك وصلت


المزيد.....

- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - ماهر شفيق فريد - تصدير