أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - علاء اللامي - انتحار مدينة فاضلة !














المزيد.....

انتحار مدينة فاضلة !


علاء اللامي

الحوار المتمدن-العدد: 243 - 2002 / 9 / 11 - 05:17
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


    أخبرت وكالات الأنباء قبل فترة خطيرة  أن الشرطة في "الجمهورية الإسلامية الإيرانية " حظرت على الشابات والشبان الذين تقل أعمارهم عن 25 عاما تدخين النرجيلة في المطاعم والمقاهي في العاصمة طهران . وفي منتصف الشهر المنصرم  كانت الشرطة قد طلبت من أصحاب المحلات العامة إقفال أبواب محلاتهم عند منتصف الليل بعد أن كانت تظل مفتوحة  الى ساعات متأخرة من الليل .وبالإضافة الى ذلك فقد شددت الشرطة من مراقبتها ونشاطاتها بهدف تحقيق أقصى درجات الفصل بين الشبيبة  من الجنسين لتعود الحالة في الشارع والمحلات العامة الى الأيام الأولى للثورة الإيرانية التي أوصلت رجال الدين والإسلاميين الشيعة الى السلطة فعملوا منذ ذلك الحين على إقامة دولة ومجتمع إسلاميين في إيران .

  يبدو للمدقق في هذه الأخبار "الهامشية " أن التيار المتشدد في السلطة قد انتبه الى أن المياه أخذت تنساب من تحت قدميه ، وأن المجتمع بدأ يأخذ أو يستعيد إيقاعا حياتيا طبيعيا فيأكل ويشرب ويدخن ويتنفس ما يعجبه وليس ما يعجب النظام  الشمولي . وأن هذه الظاهرة الآخذة بالتصاعد قد تتحول في يوم قادم الى فيضان أو طوفان سياسي يحمل النظام برمته الى حيث ينبغي أن يكون .غير أن الأمر ليس ذا بعد سياسي فقط بل هو في جوهره قضية إنسانية ووجودية  يمكن الدخول عبرها الى فهم جيد للحداثة كأفق  حضاري ممكن ومرتجي ولكنه ممنوع بقوة الدبابات  الشمولية .

  إن حرمان الشباب من أبسط المسرات والنشاطات البريئة كالذهاب الى المطاعم المقامة قرب ينابيع المياه عند سفوح الجبال لتناول الطعام الشعبي والاسترخاء والهرب من جوف واحدة من أشد المدن تلوثا في العالم  وهي "طهران " لا ينطوي حتى في عرف أشد المتعصبين دينا على انحراف أو إساءة للدين والمقدسات  سيما وأن تدخين تبغ النرجيلة ليس محرما بموجب الفقه الجعفري الذي تعتمده الدولة الإسلامية الإيرانية الساعية لإقامة مدينة فاضلة أخرى خالية من الشرور والانحرافات. إضافة الى ذلك ،فتلك المطاعم والمقاهي لا تقدم أشياء محرمة دينا كالخمر، فلماذا إذن هذه الممنوعات وتلك المراقبة المشددة والفصل بين الشباب على أساس الجنس ؟ أليس حريا بالحكومة أن تبحث عن أسباب انتشار ظاهرة البغاء وتعاطي المخدرات في البلاد الى درجة يصعب تصديقها وتعترف بها السلطات نفسها ؟ إذا كانت الدولة الإسلامية قد فشلت حتى الآن في تقديم علاج لتلك الظواهر التي تعبر عن انتحار مجتمعي بطيء فهل وجدت الحل في قمع الذين يتعاطون النارجيلة والهواء الجبلي النقي وترك الذين يتعاطون أشياء أخرى وشأنهم ؟

  لقد فات القائمين على النظام و تجربة الحكم الإسلامي أن الفرد نقيض بطبعه الإنساني شديد التعقيد للشمولية وبغض النظر عن الأدلوجة التي تحملها. بمعنى ، أن الشمولية موضوع حديثنا تتساوى في السوء مع الشمولية القومية البعثية و قومية أو الستالينية أو السلفية الدينية  أو غير ذلك . ولعل أبسط تعريف للشمولية هي ذلك النظام السياسي والدوغمائي الذي يريد أن يفرض على المواطنين جميعا وبغض النظر عن رغبتهم أم عدمها أو موافقتهم من عدمها  منظومة حياتية معينة محددة التفاصيل والصفات ومشروطة  بقوانين تحدد الثواب والعقاب  .وهكذا يكون الإنسان مضبوطا ومربوطا ومقيدا في حياته بدءاً من طريقة قص شعره الى لون أحلامه وطريقة موته !! إن نظاما كهذا و مهما بلغت نواياه الحسنة ومشاريعه  الطيبة لتحقيق الفردوس الأرضي وإقامة المدينة الفاضلة على الأرض يحكم على نفسه بالموت انتحارا متى ما لجأ الى القسر والقمع وحاول جر الناس بالسلاسل الى جنته الخاصة أو ما تصور أنه جنته الخاصة . وللتذكير فقد انتحر المشروع السوفيتي حين حاولت الشمولية الستالينية تحول الناس الى أرقام أو قطعان مبرمجة في مؤسسات وأجهزة  لا روح فيها ففقدت تعاطف الناس وفشلت في بناء مقابل و عمق  سيكولوجي  وروحي خصب وجميل لمشروعها الإقتصادي المساواتي والذي لا يمكن نكران ما فيه من رحمة وإنسانية .

    حين أرادت الشمولية الستالينية ضمان الخبز للناس مقابل الهيمنة على عقولهم وقلوبهم انتحرت هي  قبل أن يجهز عليها الغرب الرأسمالي  في الحرب البادرة بعدة سنوات . ويبدو أن هذا المآل سيكون بانتظار كل أنواع الشموليات التي ما زالت على قيد الحياة والتي تريد أن تشيد مجتمعا ذا قشرة طاهرة نقية تتألق بالإيمان والورع ولكنه ذو محتويات ومكنونات مقرفة ولا إنسانية  رأينا بعضها في التحقيقات التلفزية المرعبة التي صورت من داخل طهران والمدن الكبرى !



#علاء_اللامي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جريدة ابن الرئيس والتهجم على الشيعة : تخرصات واستفزازات خط ...
- أبو العلاء الآخر ..وهموم الحاضر .
- التاوي والسحّاب والحرب !
- الظاهرة الطائفية في العراق : التحولات والبدائل . - الجزء ال ...
- أول الغيث " بامرني " : تركيا الأطلسية تريد مياه الرافدين ونف ...
- الظاهرة الطائفية في العراق : تفكيك الخطاب والأدلوجة .- الجزء ...
- الظاهرة الطائفية في العرق:محايثة التاريخ والوقائع -الجزء ال ...
- الظاهرة الطائفية في العراق :التشكل الطائفي والرموز . - الجزء ...
- توثيق حول مجزرة الوثبة المجيدة 1948 !
- الظاهرة الطائفية في العراق :المقدمات والجذور - الجزء الأول
- الحصاد المر للتجربة الملكية في العراق :
- دفاعا عن عراقية الشيخ الآصفي !
- ردا على داود السحّاب !
- القاعدة والاستثناء في الغزو الأمريكي القادم للعراق :تفكيك ال ...
- التجربة الإسكندنافية
- تقرير كوفي عنان واغتيال شهداء جنين مجددا !
- تنويه الشيخ الآصفي عودة الى عهد الفتن والفتاوي التكفيرية !
- الفاسية والفاسيون
- يشعياهو يصفع القتلة !
- مجزرة " حي الدرج" في غزة : خطوة أخرى على طريق زوال الدولة ال ...


المزيد.....




- أين بوعلام صنصال؟.. اختفاء كاتب جزائري مؤيد لإسرائيل ومعاد ل ...
- في خطوة تثير التساؤلات.. أمين عام الناتو يزور ترامب في فلوري ...
- ألم الظهر - قلق صامت يؤثر على حياتك اليومية
- كاميرا مراقبة توثق لقطة درامية لأم تطلق كلبها نحو لصوص حاولو ...
- هَنا وسرور.. مبادرة لتوثيق التراث الترفيهي في مصر
- خبير عسكري: اعتماد الاحتلال إستراتيجية -التدمير والسحق- يسته ...
- عاجل | نيويورك تايمز: بدء تبلور ملامح اتفاق محتمل بين إسرائي ...
- الطريقة المثلى لتنظيف الأحذية الرياضية بـ3 مكونات منزلية
- حزب الله يبث مشاهد استهداف قاعدة عسكرية إسرائيلية بصواريخ -ن ...
- أفغانستان بوتين.. لماذا يريد الروس حسم الحرب هذا العام؟


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - علاء اللامي - انتحار مدينة فاضلة !