رولا البلبيسي
الحوار المتمدن-العدد: 3593 - 2011 / 12 / 31 - 10:10
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
انسحاب بعد الخراب
لم يعد التاريخ يُكتب كما يريده المنتصرون. في ظل ثورة المعلومات التي نعيشها، أصبح للتاريخ ذاكرة حقيقية، ذاكرة مستفيئة بوقائع ومعلومات أكيدة. الحقيقة اليوم أشد نورا" من ظلام نفاقهم.
المقال الأخير للكاتب "ثوماس فريدمان" هو المضحك المبكي بكل تفاصيله الشيطانية، مقال يتفنن في النفاق وقلب الحقائق. هذا الكاتب الذي كان من أشد مؤيدي الحرب على العراق منذ البدايات، يصف في آخر مقال له نشر في “NYTimes” إنجازات تحققت بفضل الغزو الأمريكي. وهذه ليست آخر نكتة أو درب من دروب الفكاهة، ولكن إنجازات مبهرة يصفها الكاتب حققها الغزو في إرساء قواعد لديمقراطية حقيقية، وهي (كما يراها) الشعلة التي أضاءت نيران الثورات العربية في المنطقة كلها، تيمنا" بديمقراطية العراق المذبوح. ولا ينسى" فريدمان" بالطبع نجاح أمريكا في القضاء على القاعدة في العراق، وبالتالي تخفيف الأخطار المهولة التي كانت تهدد أمن وسلامة الولايات المتحدة.
والآن، بعد هذا الانسحاب الصوري، يترك الأمريكان مشكورين زمام الأمور بيد العراقيين أنفسهم. دولة بلا حاكم قوي، بلا نظام سياسي مركزي، بلا سلطة تشريعية وتنفيذية، بلا جيش موحد، مطلوب منها أن تقف على قدميها بسرعة، وتشكرهم على رداء ديمقراطية مبطن بأشواك استعمار خفي.
بلا زخرفة وبلا ضجيج، سجل يا تاريخ انجازاتهم العظيمة في هذا الوطن المجروح. بلا رايات خفاقة وشعارات براقة، سجل يا تاريخ حتى اليوم أعداد القتلى والجرحى، اليتامى والمهجرين. صور يا تاريخ مقدار الدمار الذي خلفه غزو طال الحجر والبشر، بنية تحتية مهدمة، مدارس وجامعات مهشمة، متاحف ومكتبات وحضارة آلاف السنين يريدون محوها من الذاكرة.
هذا هو "الانجاز العظيم" الذي وصفه أوباما في خطابه الأخير. هذه هي الديمقراطية التي يتمتع بها العراق بفضل التضحيات الأمريكية. مدن تسبح بدمائها، مسلسلات متواصلة من العنف والتفجيرات، مجازر "بلاك ووتر" وفضائح "سجن أبو غريب" وغيرها الكثير الكثير..... ملعونة ديمقراطيتهم!
رولا البلبيسي
[email protected]
#رولا_البلبيسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟