أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - ميثم الجنابي - الغلاة الجدد وأيديولوجيا الجهاد المقدس















المزيد.....

الغلاة الجدد وأيديولوجيا الجهاد المقدس


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 1063 - 2004 / 12 / 30 - 13:27
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


عندما تواجه الشعوب والأمم والدولة مهمات الانتقال العاصف أو الانقلاب التاريخي الهائل، فان من الصعب توقع أن تكون أفعالهم وأقوالهم عقلانية بالضرورة. بل عادة ما تصبح العقلانية الرؤية الأكثر تعقيدا وندرة. وهو الأمر الذي يشير إلى الحقيقة القائلة، بان الانقلاب العنيف والمفاجئ عادة ما يذهل المرء، ويجبره على الغيبوبة مهملة من الزمن لكي يكون بإمكانه تأمل مقدمات الأحداث ونتائجها الممكنة. وهي حالة اكثر تعقيدا بالنسبة للفئات الاجتماعية والقومية. بل واشد تعقيدا ودرامية في الظروف التي يقف أمامها العراق حاليا. وهو الأمر الذي يجعلها خلافا لحالات الانتقال التي لم يخل منها تاريخ أمة ودولة، حالة فريدة من حيث قواها الاجتماعية والسياسية وسندها الأخلاقي. إذ يقف العراق أمام انتقال جرى بمعزل عن تحكم أرادته الخاصة به وفي ظل ضعف شبه شامل لقواه الاجتماعية والسياسية وهشاشة البنية الاقتصادية للدولة واندثار سندها الأخلاقي والمعنوي. وفي ظل ظرف كهذا فان من الصعب توقع أن تكون ردود الفعل من قبل الجميع متسمة بالقدر الضروري الذي تفترضه الحكمة السياسية والتاريخية للمجتمع وقواه السياسية والفكرية. وهو واقع عادة ما يفرز اشد الصور والنماذج تطرفا وراديكالية في التعامل مع النفس والآخرين. كما انها الحالة التي تجعل من الفكر جزء من الأهواء السياسية. بينما تفقد السياسية أبعادها الاجتماعية. أما تكامل الفكر والاجتماع والسياسة في وحدة مربوطة ومعقولة بفكرة الدولة والهوية الوطنية، فانه يتطلب على الأقل حدا أدنى لتذليل حالة الانتقال ونفسية المؤقت في سلوك وشخصية الأفراد والجماعات والأحزاب السياسية. وهو أمر ممكن فقط من خلال ترسيخ بنية الدولة الشرعية ومؤسساتها المحترفة. فهو الأسلوب القادر على صنع النظام الضروري للحرية الفردية والاجتماعية ومن ثم تأهيل الجميع لرؤية الحد الفاصل بين المفاهيم والقيم. حينذاك يصبح من الممكن رؤية الأبعاد الضرورية في مفاهيم وقيم المجتمع المدني والديمقراطية والعدالة والحق والنضال والجهاد والمقدس وغيرها.
وإذا كانت كلمة الجهاد والمقدس اكثر الكلمات إثارة في مجال الوعي الاجتماعي والسياسي والأخلاقي في ظروف العراق الحالية، فلأنه يعاني من شحة مضمونها الحقيقي بسبب إفراغه شبه التام منهما في زمن التوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الصدامية. فقد ابتذلت الدكتاتورية الصدامية والتوتاليتارية البعثية كل المعاني الإيجابية الممكنة في فكرة الجهاد والمقدس. وجعلت منهما مجرد كلمات مثيرة للتقزز وذلك بسبب رفعها ممارسة كل الأصناف المتخيلة للإرهاب تحت شعارات "الجهاد المقدس". بعبارة أخرى، انها اختزلت الجهاد والمقدس في أفعال تتعارض بصورة مطلقة مع المضمون المتراكم فيهما تاريخيا بدء من عصر الخليقة وانتهاء بالعثور على صدام في مخبئ الفئران! وهي صورة تعبر من الناحية التاريخية عن الضعف الفعلي في بنية الدولة والمجتمع وعدم قدرتهما على تجاوز مرحلة الأسطورة إلى مصاف المنطق في التعامل مع الإشكاليات الواقعية التي تواجهها الدولة والمجتمع. حينذاك يصبح "المقدس" الشعار الذي ينبغي أن يستقطب القوى الكامنة في الأفراد والجماعات والأمة في قبضة واحدة قادرة على التلويح والمواجهة والعراك. حينذاك يصبح المقدس فعلا سياسيا له معناه وقيمته الفعلية. أما في ظل افتقاد الأفراد والجماعات والأمة إلى دولة قادرة على تقديم نفسها باعتبارها حاضنة وجودهم التاريخي وهويتهم الوطنية، فان الكلمات المعلنة والشعارات المدوية في سماء الإعلام تصبح مجرد أصوات مثيرة للسماع فقط. مما يجعل منها صخبا مزعجا ويفقد الكلمات معناها. حينذاك تؤدي بالضرورة إلى إثارة أفعال مضادة لما في أصولها الأولى. ولعل كلمة الجهاد والمقدس من بين أكثرها نموذجية بهذا الصدد في ظروف العراق الحالية.
فإذا كانت كلمة المقدس من بين اكثر الكلمات تعقيدا بالنسبة للتفسير العقلاني والتأويل الوجداني وذلك بسبب صعوبة حصر مضمونها بأمور هي نفسها عرضة للزوال، فان الجهاد يفترض بدوره تحديد الأبعاد الضرورية لما دعته تقاليد الإسلام الفقهية والفلسفية بفكرة الفرض والواجب. في حين إن كل ما هو حولنا من مظاهر الوجود هي دلائل على أن كل ما في الكون عرضة للتغير والتبدل. ومن ثم فان كل القيم التي تبدو في مظهرها شديدة الثبات تنحل كما لو انها من مخلفات الماضي وبقاياه الميتة. وهي حالة تجعل من الضروري أيضا إعادة النظر النقدية بفكرة المقدس وتأويلها الوجداني بالشكل الذي يجعلها حية وإنسانية من حيث دوافعها وغاياتها. لاسيما وان الكثير من الأعمال الإجرامية التي جرى ويجري اقترافها في العراق حاليا عادة ما تؤطر وتقدم على انها جزء من تاريخ "مقدس" و"جهاد" من اجله. وبهذا المعنى يمكن النظر إلى مظاهر الإرهاب والتخريب الحالية في العراق على انها جزء من تقديس العنف المميز لزمن التوتاليتارية والدكتاتورية. بعبارة أخرى، إن ما جرى ويجري من انفلات إرهابي هو التعبير النموذجي عما يمكن دعوته بالاستظهار السياسي العابر للأمراض المزمنة الموروثة من بقايا التوتاليتارية والدكتاتورية وتقاليد الاستبداد. إذ نعثر فيها ليس فقط على محاولة إثارة الفتنة الطائفية، بل واستمرار لها. وذلك يعني أن هذا النوع من "الجهاد" ما هو في الواقع سوى الصيغة الأكثر تطرفا للخروج على إمكانية الإجماع العراقي حول مبادئ وقيم يمكنها أن تعيد إنتاج المعنى الحقيقي لفكرة المقدس بوصفه كل ما لا يمكن ابتذاله، ولفكرة الجهاد بوصفه أسلوبا للمساهمة العقلانية في بناء الذات العراقية. وعي استعادة تفترض الانطلاق من تحديد طبيعة الصراع الحالي وآفاقه. انه يفترض الإقرار بأن جوهر الصراع القائم في العراق اليوم يقوم بين ممثلي تقاليد الاستبداد والتوتاليتارية والتقليدية من جهة، وقوى الديمقراطية والدولة الشرعية والمجتمع المدني من جهة أخرى. وإذا كانت القوى البعثية - الصدامية التي كانت تمثل تاريخ الاستبداد والتوتاليتارية والتقليد قد تعرضت إلى هزيمة سياسية ساحقة، فان رصيدها الأيديولوجي والاجتماعي مازال يتمتع بقوة نسبية في العراق. وهو رصيد له موارده القوية على الصعيد المحلي والعربي والإسلامي المتمثل بالقوى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدينية التي ارتبطت به سياسيا وتاريخيا طوال وجوده في سدة الحكم. وليست هذه القوى في الواقع سوى السبيكة الجديدة من التطرف والإرهاب اللذين يشكل الغلاة الجدد في العراق نواتها الفاعلة. فهي القوى التي تحاول استلهام فكرة المقدس المزيفة والجهاد المقلوب من اجل تحويلهما إلى غطاء سياسي لاستعادة البنية التقليدية وتراث الاستبداد والتوتاليتارية المنحلة.
فهي قوى لا تدرك لحد الآن الحقيقة البسيطة القائلة، بان الاستبداد مصيره الزوال. الا أننا نعرف في الوقت نفسه، بان زواله عادة ما يثير كميات هائلة من المشاكل والمعضلات التي تقع على الأجيال اللاحقة مهمة حلها. وليس ما يجرى في العراق حاليا سوى الاستمرار"الخفي" لتقاليد الاستبداد، التي جرى إعادة إنتاجها من خلال ملابسات تاريخية هائلة، مرتبطة بطبيعة الاحتلال الكولونيالي للعالم العربي وتجزئته وبعثرة التراكم الفكري والاجتماعي والمؤسساتي فيه من خلال الانقلابات العسكرية وصعود الهامشية إلى السلطة وسيادة النزعة الراديكالية. وبمجموعه أدى ذلك إلى صنع توتاليتاريات دنيوية ودينية، ليس الغلاة الجدد سوى الصيغة الأكثر همجية لها. بمعنى انها الحالة التي تشير إلى تزاوج وتوليف التقاليد التوتاليتارية الدينية والدنيوية. وهي ظاهرة يمكن فهم آلية نشوئها وفعلها إذا أخذنا بنظر الاعتبار كون العراق البعثي الصدامي كان "العتبة المقدسة" لهؤلاء الغلاة الجدد، الذين اخذوا يتحسسون سقوطها التاريخي، باعتبارها خيانة تاريخية "لمقدساتهم".
وهنا تجدر الإشارة إلى أن هذا التيار الجديد في الحركة السياسية العراقية والإسلامية وتقاليد المقاومة يشير إلى افتقداه ابسط مقومات العيش والنجاح. وهو تيار لا يمكنه الاكتمال والظهور سياسيا وفكريا بسبب ضعفه مقارنة حتى بأكثر الأشكال تخلفا كما هو الحال في الوهابية المعاصرة وحركة طالبان. وهو الأمر الذي يعطي لنا إمكانية الحكم بزواله السريع مقارنة بأمثاله لأنه يجمع بين قوى متناقضة لا يوحدها سوى العداء العلني والمستتر لفكرة الدولة الشرعية والنظام الديمقراطي والمجتمع المدني، أي ضد التيار الكاسح للتقدم والحرية.
فالالتفاف برداء "المقدس" لا يقدس المرء. وقد رد سلمان الفارسي مرة على من دعاه للعيش في القدس من اجل يحصل على ثواب الموت فيها وتقديسه، قائلا، بان المكان لا يقدس الإنسان، بل العمل هو الذي يقدسه. وليس في أقوال وأعمال الغلاة الجدد ما يمكنه أن يوحي ولو عن بعد بادراك أدنى مستويات المقدس وحقيقة الجهاد. إذ لا يتعدى "مقدسهم" اكثر من كونه الصيغة الأيديولوجية للتعصب والانعزال الثقافي شبه التام، والاغتراب عن قيم الحضارة الإنسانية وتاريخها الموحد. وهو غلو يقف من حيث الجوهر على هامش الحركة العامة للظاهرة الإسلامية الكبرى بوصفها مركزية إسلامية عالمية. ومن ثم ضد التيار العام للتحرر والديمقراطية والنظام الشرعي. لاسيما وانه ليس هناك من مقدس يمكنه أن يرتقي في ظروف العراق الحالية والعقود القليلة القادمة اكثر من وحدة الدولة الشرعية والنظام الديمقراطي الاجتماعي والمجتمع المدني. وهو المقدس الوحيد الذي يستحق الجهاد من اجله.

***



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التصوف الإسلامي وفكرة وحدة الأديان
- محاكمة البعث ورموزه
- استئصال البعث ومهمة البديل الديمقراطي في العراق
- العراق وإشكالية المثلث الهمجي
- القضية الكردية وإشكاليات الوطنية العراقية
- العراق وعقدة الطائفية السياسية
- الغلاة الجدد وأيدبولوجية الإرهاب المقدس
- زمن السلطة
- الطريق المسدود للمؤقتين الجدد
- المثقف والسلطة، أو إشكالية القوة والروح المبدع
- السلام القومي والمصالحة الوطنية في العراق
- المؤقتون القدماء والجدد
- المعارضة والمقاومة – المفهوم والغاية
- الإرهاب والمخاض التاريخي للحرية في العراق
- المهمة التاريخية للمثقف العراقي
- علماء السوء – التدين المفتعل والسياسة المغامرة
- تأجيل الانتخابات ونفسية المصلحة السياسية
- معارك المدن العراقية - الأبعاد الوطنية والاجتماعية
- تأجيل الانتخابات أم تأصيل المغامرات
- خذ ما تراه ودع شيئا سمعت به في طالع الشمس ما يغنيك عن زحل


المزيد.....




- الكرملين يكشف السبب وراء إطلاق الصاروخ الباليستي الجديد على ...
- روسيا تقصف أوكرانيا بصاروخ MIRV لأول مرة.. تحذير -نووي- لأمر ...
- هل تجاوز بوعلام صنصال الخطوط الحمر للجزائر؟
- الشرطة البرازيلية توجه اتهاما من -العيار الثقيل- ضد جايير بو ...
- دوار الحركة: ما هي أسبابه؟ وكيف يمكن علاجه؟
- الناتو يبحث قصف روسيا لأوكرانيا بصاروخ فرط صوتي قادر على حمل ...
- عرض جوي مذهل أثناء حفل افتتاح معرض للأسلحة في كوريا الشمالية ...
- إخلاء مطار بريطاني بعد ساعات من العثور على -طرد مشبوه- خارج ...
- ما مواصفات الأسلاف السوفيتية لصاروخ -أوريشنيك- الباليستي الر ...
- خطأ شائع في محلات الحلاقة قد يصيب الرجال بعدوى فطرية


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - ميثم الجنابي - الغلاة الجدد وأيديولوجيا الجهاد المقدس