|
في ذكرى شهداء كنيسة القديسين: لا للطائفية والتقسيم
وديان حمداش
الحوار المتمدن-العدد: 3591 - 2011 / 12 / 29 - 08:49
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
في صباح السبت 1 يناير 2011 وفي تمام الساعة 12:20 عشية احتفالات رأس السنة الميلادية، إهتز شارع "الإسكندرية" العتيق بأصوات التفجيرات الإرهابية التي إستهدفت كنيسة القديسين بمنطقة سيدي بشر، مسفرة عن وفاة العشرات من الضحايا. هذا التقصير الأمني الملحوظ والغير مبررخلق الكثير من الشكوك والتساؤلات المشروعة في نفوس المصريين الشرفاء، ما دفع العديد منهم إلى مشاركة إخوتهم الأقباط في مظاهراتهم السلمية للضغط على نظام مبارك للتحرك من أجل إيقاف حمام الدم. ولكي لا تسقط ورقة التوت عن عورة النظام الفاشي السابق وكشف المستور، بدأ الإعلام الفاسد بعرض مسلسل التلفيق والتأويل والتزييف لتلميع صورة النظام وطمس الحقائق. لكن بمجرد سقوط هذا النظام وانتصارثورة الحق، سقطت معه الأقنعة وبدأت خيوط المؤامرة والمخططات المسمومة تطفو على السطح وتتضح ملامحها للعالم. ففي (3 مارس 2011 ) نشرت جريدة اليوم السابع ومواقع إلكترونية أخرى، وثائق خطيرة توضح تورط وزير الداخلية الأسبق (حبيب العادلى) في حادث تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية. وبعدها ببضع أشهر، إعترف مقدم الشرطة محمد عبد النبي على الهواء مباشرة (24 /أغسطس 2011) في برنامج "يا مصر قومي" مع الإعلامي محمود سعد، بمسؤولية العادلي الكاملة عن الحادث وسرد معلومات خطيرة كشفت عن حجم الفساد الذي عاشته مصر في تلك الحقبة المشؤومة من تاريخها. حقبة إتسمت بالسمسرة في دماء المصريين الأحرار مقابل الحفاظ على الكراسي.
إن العنف الممنهج والمنظم ضد الأقباط إتضحت مخالبه في عقد التسعينات الأسود، والحوادث كثيرة من أشهرها: (احداث أبوقرقاص بالمنيا 1992 و1994 )، (مذبحة عزبة قبطية في فبراير / 1996 )، (حادثة الكشح الاولى والثانية :1998-1999)، بالإضافة إلى (حادثة نجع حمادي ليلة عيد الميلاد 2010)، (حادثة كنيسة القديسين الاولى 2006 والثانية 1 يناير 2011). وحتى بعد سقوط النظام، لازالت بقاياه (الفلول) تتهم بشكل مباشر بالتورط في أحداث امبابة وماسبيرو (2011). هذا الكلام ليس بجديد فقد نقلت قناة العربية (07 فبراير 2011) عن لسان مسؤول في المخابرات البريطانية، بأنه بعد الإطلاع على المستندات الرسمية المصرية الصوتية والورقية، تبين بأن "حبيب العادلي كان قد شكل منذ ست سنوات جهازاً خاصاً يديره 22 ضابطاً، إضافة لعدد من بعض أفراد الجماعات الإسلامية وعدد من تجار المخدرات وفرق الشركات الأمنية، وأعداد من المسجلين الخطر من أصحاب السوابق، وهذا الجهاز قادر على أن يكون جهازاً تخريباً شاملاً في جميع أنحاء مصر حال تعرض النظام لأي اهتزاز." وهذا ما يفسر عدم إستخدام النظام السابق سيف الطوارئ ،الذي سلطه على رقاب السياسيين والصحفيين، في مواجهة تلك الأزمات التي كادت تجر مصر (بلد الأمن والأمان) الى مستنقع الطائفية، وهذا ما يفسر أيضا حالة البلطجة والفوضى التي تعيشها مصر اليوم.
لعنة الطائفية بالعالم العربي:
إن الصراعات الطائفية ليست جديدة و للأسف في عالمنا العربي فقد عاش لبنان ذو ال 18 طائفة حروبا أهلية كثيرة، لعل أبرزها مجازر 1860-1864 بين الدروز والموارنة، وأحداث 1958 الدامية: بين الدروز و المسلمين السنة من جهة والمسيحيين و الشيعة من جهة اخرى، ثم الحرب الأهلية الطاحنة التي دامت لاكثر من 15 عاما، ( 1975-1990) فانقسمت بيروت ولبنان معها، إلى منطقتين عرفتا بالمنطقة الشرقية وأغلبها مسيحيون، والمنطقة الغربية التي كانت مختلطة مع أكثرية إسلامية، و بسبب التقسيم والفرز كان المسيحي يقتل على الحاجز المسلم ويقتل المسلم على الحاجز المسيحي. ولازالت أصوات الإنفجارات تهز شوارع لبنان كان أبرزها في هاذا العام إنفجار قنبلة أمام كنيسة للسريان الكاثوليك في مدينة زحلة في البقاع شرقي لبنان (27 مارس/ آذار، 2011) ما تسبب بحدوث أضرار جسيمة. وانتقلت العدوى إلى السودان حيث عدد ضحايا العنف الطائفي لايعد ولا يحصى، ومعظمهم من الجنوب - والذى طالما حاولت حكومة الخرطوم فرض أحكام الشريعة الأسلامية عليه بالقوة والعنف أو التجويع ---والذي يعتبر جريمة ضد الإنسانية حسب المادة (8 (2)–(ب) 25 ) من قانون المحكمة الجنائية الدولية. ولا يخفى على أحد عمليات الإختطاف التي تعرض لها أبناء الوطن الواحد، وبيعهم فى الأسواق كعبيد. ولإيقاف حمام الدم وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، قسم السودان وقطعت أوصاله إلى نصفين (الشمال والجنوب)، إلا أن العداوة لازالت قائمة ويزيد من حدتها لعنة الذهب الأسود (النفط).
ولم يسلم مسرح المغرب العربي من مشهد الطائفية بالرغم من أنها من نوع خاص (طائفية سياسية)، فقد شهدت الجزائر( 1997-1998 ) معارك طاحنة بين الحكومة و فصائل متعددة وصفت بأنها تتبنى أفكار الإسلام السياسي منها الجماعة الإسلامية المسلحة والجبهة الإسلامية للإنقاذ و فصائل اخرى انتهت بقتل الالاف بمذابح شهيرة منها: (مذبحة ريس قتل فيها 400مدني)، (مذبحة ولاية غليزان قتل فيها 272 مدنيا)، (مذبحة سيدي حميد)، (مذبحة قويد بواجة,مذبحة تاجينا)...الخ ولا ننسى النزاع المسلح في اليمن ( 1994) وحتى اليوم (الإشتباكات العنيفة بين أنصار قبيلة صالح وأنصارقبيلة حاشد وأولاد الأحمر واخرون)، والمشهد عينه يتكرربليبيا (ما بعد القذافي)، ولازالت العشائرية والقبائلية تدق الأبواب لتفتيت المزيد.
ولا يمكننا الحديث عن لعنة الطائفية بدون ذكر العراق الشقيق، فبالرغم من أن الحضارات العراقية القديمة مثل البابلية والسومرية إحتفظت بإرتباط وثيق بين التعاليم الدينية والنظرة إلى الإنسان وحقوقه كشريعة (لبيث عشتار) و( حمورابي ) الذي حكم الدولة البابلية ( 2067-2025 ق)، إلا أن أرض الرافدين لم تسلم من أنياب الصراعات الطائفية والتي أودت بحياة الآلاف، وحولت حياة ملايين آخرين إلى جحيم بعد أن أجبرتهم على النزوح والرحيل عن الوطن. هذا ما حدث للأشوريين والمسيحيين منذ القرن السابع ق.م.، عندما غزت جيوش تيمور لنك العراق سنة 1392 م. حيث ذبح الآلاف منهم ودمرت كنائسهم و ديارهم، و اضطر الناجين إلى الإحتماء بجبال كردستان ومناطق أخرى خارج سيطرة الجيوش. ولازال مسلسل العنف ضد المسيحيين مستمرا (إستهداف كنيسة سيدة النجاة للسريان الكاثوليك وسط بغداد) كان من أشهر أحداث العام الماضي.
إن معظم الهجمات والتفجيرات بالعراق تستهدف المساجد والحسينيات والكنائس وغيرها من المؤسسات التي ترمز لطائفة معينة، بهدف إعطائها الصبغة الطائفية والدفع بمجموعة من الملشيات المسلحة للقيام بعمليات إنتقامية بحجة الدفاع عن العشيرة والأهل وأفراد الطائفة، لكن الهدف الحقيقي هو بالطبع تقزيم دور الحكومة العراقية والتقليل من هيبتها وإتبات فشلها في السيطرة على الوضع الأمني والسياسي في البلاد. صراع مبهم الهوية أصبح من خلاله المواطنون غير قادرين على التمييز بين الأعداء والأصدقاء---فالكل يرتدي الزي الرسمي والكل يدعي الوطنية. وفي وسط هذا الغموض تظهر التأويلات المختلفة فهناك من يتهم الولايات المتحدة بتأجيج الأحداث الطائفية لتبرر بقاء قواتها في العراق تحت شعار "الإحتلال لا يدوم إلا بالطائفية "، خاصة عندما أفصحت التقارير الدولية على نوايا شركات النفط الأمريكية والبريطانية من إستغلال العنف الدائر في العراق لكسب المفاوضات السرية لتقسيم الإنتاج النفطي من خلال فرض عقود طويلة الأمد لا تقل مدتها عن ( 25- 40 سنة) مع الحكومة العراقية! إلا أن البعض لايرى بأن الطائفية تخدم مصالح الولايات المتحدة بل مصالح سوريا وإيران، فإفشال المخطط الأمريكي في العراق سيعزز مخاوف واشنطن من الدخول في حرب محتملة ضد الدولتين. ويذهب البعض إلى تفسير أبسط وهو أن الطائفية في العراق هي مجرد عمليات إنتقامية وتصفية حسابات سببها الأساسي المجازر التي إرتكبها نظام صدام في حق عشرات الآلاف من الشيعة والأكراد،ابتداء من مذبحة حلابجة (القرية الكردية) فى شمال العراق، وانتهاء بالمذابح التى تمت فى الجنوب لقمع الإنتفاضة الشيعية ضده. وسواء كان المسؤول الأكبر أمريكا أو سوريا أو إيران أو صدام أو...إلا أن الكل يتفق بأن هناك إستراتيجية دولية مرسومة بعناية، تهدف إلى تقسيم العالم العربي الى أقاليم ودويلات، بدءا باتفاقية سايكس-بيكو وبعدها وثيقة ل” برنارد لويس “والذي صرح علانية بأن العرب " قوم فاسدون وفوضويون لا يمكن تحضيرهم الا باعادة احتلالهم واستعمارهم وتدمير ثقافتهم " هذا ما جاء أيضا في نصوص "بروتوكولات حكماء صهيون" الشهيرة. وللأسف هناك (عملاء) يدفعون البلاد العربية في إتجاه الطائفية، بهدف تأمين مصالحهم الشخصية وجني مكاسب سياسية، ولو كان الثمن دماء الأشقاء.
وأخيرا أقول، على مصر الوليدة وأبناءها الشرفاء إستيعاب هذه الدروس، وبدل كل الجهود للتصدي لطوفان هذه المؤامرات. وفي ذكرى شهداء كنيسة القديسين، أناشد أبطال مصر، الذين نزلوا يدا إلى يد في ثورة 25 يناير ودافعوا يدا بيد عن أرض مصر في حرب أكتوبر، أن يتمسكوا بهذه الوحدة الوطنية. فمثلما كان شعار ثورة 1919" يحيا الهلال مع الصليب" كانت مليونيات التحرير شعارها "لا للفتنة الطائفية" "جمعة الوحدة" و"دعم الوحدة الوطنية"، واستشهدوا من أجل رفع تلك الشعارات، وعلى الجيل القادم أن يتذكر تلك التضحيات. إن الهدف الأمثل هوالعمل على إرجاع مصر إلى حقبة الزمن الجميل —زمن محمد علي الذهبي—الرجل الذي منح مصر أولي خطوات المواطنة المتكافئة في دولة ديمقراطية حديثة منذ تسلمه السلطة (1805). ولن يتحقق هذا إلا بتحقيق التكافؤ الفعلي والعملي في كل المجالات بلا أي تمييز بين أبناء الوطن، وإصلاح التعليم ليواكب العصر، وإنشاء إعلاما محايدا خاليا من شوائب التطرف، وتطوير الخطاب الثقافي الذي يعزز مفهوم المواطنة وإدانة خطابات التكفيرالوطني والسياسي والطائفي، وتحويل الملف الأمني إلى أيادٍ مصرية كفوءة ونزيهة، تتمسك بمبدأ المواطنة لا مبدأ الطائفة أو القومية أو الحزب أو العشيرة. فلا مواطنة بلا تكافؤ ومساواة تامة في الحقوق والواجبات، كما قال ألبرت حوراني في كتابه ( الفكر العربي في عصر النهضة ـ ص216) "كان لطفي كغيره من المفكرين المصريين الليبراليين لا يحدد الأمة علي أساس اللغة أو الدين بل علي أساس الانتماء إلي الأرض وهو لم يفكر بأمة إسلامية أو عربية بل بأمة مصرية قال دوما أنها أمة القاطنين علي أرض مصر."
#وديان_حمداش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحجاب والسفور: معركة الربيع العربي الجديدة !!
-
ديمقراطية البطون الجائعة!!!
-
مقتل القذافي وشبح بناء الدولة
-
الصومال والموت البطيء
-
إيران والثورات العربية
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية
/ نجم الدين فارس
-
ايزيدية شنكال-سنجار
/ ممتاز حسين سليمان خلو
-
في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية
/ عبد الحسين شعبان
-
موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية
/ سعيد العليمى
-
كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق
/ كاظم حبيب
-
التطبيع يسري في دمك
/ د. عادل سمارة
-
كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟
/ تاج السر عثمان
-
كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان
/ تاج السر عثمان
-
تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و
...
/ المنصور جعفر
-
محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي
...
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|