أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - نبيل عودة - لا طعم للقهوة ذلك الصباح















المزيد.....

لا طعم للقهوة ذلك الصباح


نبيل عودة
كاتب وباحث

(Nabeel Oudeh)


الحوار المتمدن-العدد: 3588 - 2011 / 12 / 26 - 13:24
المحور: سيرة ذاتية
    




صباح الاثنين (19.12.2011) لم يكن عاديا.
كنت اعد قهوة الصباح حين بعثر صمت الهدوء رنين التلفون. شيء ما أثار الرعشة في جسدي. تجمدت في مكاني متوقعا خبرا . انتظرت أن يرد على التلفون أحد غيري من أهل البيت. لعل الخبر الذي أتوقعه منذ أسابيع، لا يخرج عن حدود التوقع. كنت متأكدا من الدافع لهذا الرنين المزعج في ذلك الصباح الربيعي رغم إننا في أشهر الشتاء الباردة. قلت لنفسي حتى السماء ترفض البكاء. لا يمكن أن يكون هو. سمعت ابنتي تصرخ:"مات". تجمدت أمام فنجان القهوة.
زوجتي تسال بصوت مرعوب:
- من مات؟
- لا اعرف. اتصلت امرأة.. قالت انه مات وأجهشت بالبكاء، ثم أقفلت الخط...
حبست بداخلي دمعة متمردة. كنت أكذب على نفسي، طلبت من زوجتي أن تتصل على نجمة 42 للوصول إلى آخر رقم اتصل بنا.بعد لحظات أكدت لي انه رقم تلفون بيت سالم جبران. رد صوت زوجته ناديا من الطرف الآخر لتؤكد ما أحاول أن أجعله غير قابل للتصديق: "سالم مات"!!
قهوتي فقدت طعمها ذلك الصباح. تركت قهوتي وخرجت متوجها إلى بيت سالم .
*****
بعد وقت قصير طلب مني الحديث عن سالم جبران عبر المذياع، وقعت بحيرة شديدة. فضلت أن لا أتحدث لأن ذهني مليء باستعراض مراحل حياة سالم الذي ربطتني به صداقة شخصية، وإعجاب فكري كان له تاثيرا على تطور رؤيتي الثقافية والاجتماعية والسياسية ، عملنا معا لمدة تزيد عن عشر سنوات، عمقت ثقافتي الإعلامية والمهنية. إلى جانبه خضت أشرس المعارك، كنا وحيدين في مواجهة أجهزة إعلامية وسياسية عديدة ممولة وضخمة. وكانت بالنسبة لي على الأقل تجربة صحفية مهنية خلقت مني إعلاميا وصاحب رؤية لا أخفيها لكسب ود أحد، في كل مجال أخوضه.وحقا برزت كصاحب رسالة صحفية مهنية أعجب بها أصدقائي وغضب من اجلها اعدائي.
القلائل يعرفون إني لم أكن صحفيا، بل مديرا للعمل ، وثم مديرا للإنتاج في الصناعات المعدنية، ومارست الكتابة الأدبية بالأساس في الصحف والمجلات التي حررها سالم جبران في فترة معينة، مثل الاتحاد والجديد. كانت لي تجربة صحفية قصيرة جدا أثناء دراستي الثانوية حين انضممت في عام 1963 ، على أثر نشري لقصة قصيرة في مجلة الجديد، وأنا في الصف التاسع، وكوني عضو الشبيبة الشيوعية، إلى هيئة تحرير مجلة الغد (مجلة شيوعية للشباب) لأمارس الكتابة الصحفية لفترة قصيرة ، كتابة بعض الريبورتاجات التي كان سالم يصحح صياغاتها بموهبة تعلمت منها الكثير، وكتابة فنية عن العروض المسرحية، في فترة شهدت الناصرة نشاطا مسرحيا وفنيا كبيرا، لم يعد من زخمه شيء اليوم، واجراء بعض المقابلات ومراجعات كتب .. وبعدها لم اعمل بالصحافة إطلاقا. قضيت أربعة عقود تقريبا في العمل المهني بمقارعة الحديد!!
في العام 2000 تقاعدت من عملي في مجال الحدادة المهنية أثر إصابة عمل، فأصر سالم أن يأخذني معه للعمل في جريدة مستقلة هي جريدة "الأهالي" التي كان لها دورا إعلاميا مميزا (صدرت بين سنوات 2000 – 2005) لم يستمر إصدار الصحيفة لأسباب عديدة ، أهمها صعوبة التمويل لصحيفة تملك رؤية إستراتيجية وفهم عميق للواقع السياسي والثقافي، وليست مجرد صحيفة همها الأساسي الإعلانات. ربما تكون هناك أسباب أخرى تتعلق بالضغوطات الهائلة التي تعرض لها صاحب الجريدة ، الذي عملت معه فيما بعد، محررا لجريدة يومية هي "المساء" صدرت لنصف سنة بين السنوات ( 2010 – 2011)، وقال لي انه أخطأ بإغلاق الأهالي وقتها ، التي بدأت تتحول إلى يومية ( 3 مرات أسبوعيا)، وانه لو واصل إصدار الأهالي لأصبحت أكبر وأهم صحيفة عربية ، وهذه كانت رؤية سالم أيضا!!.
حين استغرب بعض المنافسين اختياري للعمل في الأهالي ، كنائب لسالم في تحريرها، قال سالم لهم:" نبيل يملك كل المقومات ليكون صحفيا ومحررا لامعا". وقال لصاحب الجريدة المتفاجئ من اصراره علي:" نبيل سيكون الخيار الأفضل"
حيتها شعرت برهبة وتحد كبير، وأنا يُدفع بي لعالم حلمت به في بداية حياتي، ولكن متطلبات الحياة، وغياب عمل وظيفي مكتبي أو تربوي، ارغمتني للإلتحاق بالعمل المهني.. أعني الحدادة.
في بداية عملي في الأهالي نائبا لرئيس تحريرها سالم جبران لم أكن أفقه من تفاصيل عملي المهني أكثر من مجرد كوني كاتب هاو للقصة والمقالة الثقافية ، وخبرة صحفية بسيطة لم أواصلها مضى عليها زمن طويل.
بعد شهر ونصف من بداية عملي اضطر سالم للسفر مع الكاتب العبري سامي ميخائيل إلى الولايات المتحدة لسلسلة محاضرات. تحملت ( أو حُملت) مسؤولية الجريدة وحدي، رافضا أي مساعدة بإضافة صحفي آخر، أو إصدارالصحيفة مؤقتا مرة واحدة أسبوعيا، حتى يعود سالم ( كنا نصدر مرتين كل أسبوع). رفضت تغيير مواعيد الإصدار، وكان ذلك امتحان دخولي للصحافة ،عبرته بنجاح ، بفضل أفضل أكاديمية إعلامية انتسبت إليها : أكاديمية سالم جبران.
*****
هواجس عديدة انتابتني وأنا أعد نفسي للحديث في الراديو: "عن أي سالم أتحدث؟ سالم الإعلامي البارز؟ سالم الشاعر المبدع؟ سالم المفكر والسياسي البارز بقدراته على طرح رؤية تجذب حتى رافضي مواقفه للإنصات إليه بصمت وترقب؟ سالم المثقف والمحاضر البارع في أسلوبه؟ أم سالم الإنسان المحب لكل الناس والذي لا يعرف الحقد، والذي عمل على حذف مقاطع من بعض نصوصي، لأن الغضب المشروع الذي حركني للكتابة تعالى على المنطق السياسي أو الفكري . اذكر قوله أن الكتابة الهادئة المليئة بالحقائق والمنطق السليم والتفكير المتزن أقوى من الكلمات الكبيرة والغاضبة ، حتى لو كانت ردا على أهل السوء!!
أقول بتواضع ان سالم جبران كان مبدعا في كل مجال طرقه. يلفت الانتباه دائما بحضوره القوي والموضوعي. تميز بمعرفته العميقة لنوع الجمهور الذي يخاطبه (كثيرا ما تحدث أمام جمهور يهودي لم يكن من اليسار بل من قوى يمينية أيضا) كان بارعا في اختيار إستراتيجية الحديث الأنسب مع الجمهور الذي يخاطبه، وبدون أي تنازل عن رؤيته الفكرية والفلسفية والسياسية. لا اذكر خلال مرافقتي له للكثير من الندوات في الوسط اليهودي ان هناك من وقف رافضا مواقفه بتعنت، بل ناقشوه بجدية وانتباه واهتمام لما يطرحه ، حتى لو عارضوا مواقفه. سالم كان قادرا أن يخلق خطابا سياسيا وطنيا مميزا للجماهير العربية، وأن يؤثر ايجابيا على الخطاب السياسي اليهودي ، لو أتيح له الوصول إلى الكنيست.
اقصاء سالم عن رئاسة قائمة الجبهة لإنتخابات الكنيست، بطريقة غير شرعية وانقلابية كما جرى داخل صفوف الحزب الشيوعي والجبهة عام 1993، دون ان تقف قيادة حزبه دفاعا عن خيارها له، بصفته مرشح الحزب المعتمد، دفعني لتقديم استقالتي. لم انتظر استقالة سالم التي رأيتها قادمة لا محالة، ويومها أسر لي عضو مكتب سياسي ، رفيق وقائد ومُثقف حزبي، كان من أوائل الذين تثقفت على محاضراتهم وأنا في منظمة الأشبال الشيوعية ، عندما كان معلما وطنيا مفصولا من عمله في فترة الحكم العسكري الأسود، فتحول من معلم للطلاب إلى معلم ومثقف لأبناء شعبه. أحترمه وأكن له تقدير كبير حتى اليوم، ولكني ألومه لعدم جرأته هو ورفاقه الآخرين، في الوقوف ضد اقصاء سالم. وقد قال لي "أثناء تنفيذ الاقصاء": "ما يجري من انقلاب على سالم سيدمر الحزب والجبهة "!!
وكانت رؤيته ثاقبة. ولكنه آثر الصمت!!
الآخرون للأسف ، مثل ذلك الرفيق القائد، اختاروا الصمت. ولم يكن الموضوع سالم جبران الشخص إطلاقا، إنما مصير تنظيم سياسي له تاريخه النضالي البطولي ومسؤولياته في قيادة المجتمع العربي برمته، تحول للأسف إلى ساحة مزايدات طائفية وشخصية انتهازية مخجلة.
لم أعد أجد أن وجودي في تنظيم فقدت الثقة بقدرات واستقامة قادته يفيد، ولم اعد قادرا على احتمال نهج بات رصيده الفكري الشخصي بعيد عن ثقتي الشخصية، وبات منطقه التنظيمي مشكوكا فيه، وقراراته لا تُحترم من قادة الصف الأول، ودستوره الحزبي لا يطبق إلا على الأعضاء العاديين.وبات خاضعا لتجمعات بعض افرادها كانوا عملاء سلطة، تفرض نفسها ضد المنطق السياسي والفكري والتنظيمي . لست ضد شخص محدد اطلاقا. انما ضد نهج لا استطيع التماثل معه حزبيا وتنظيميا وفكريا!!
قدمت استقالتي في نفس اليوم، بعد 30 سنة من النشاط المتفاني في صفوف الحزب الشيوعي. ولم تكن استقالتي سهلة لي. وبعد فترة ، وكما توقعت قدم سالم استقالته من كل مناصبه الحزبية، كعضو في المكتب السياسي ورئيس تحرير الاتحاد، الصحيفة اليومية للحزب الشيوعي. وقد قال لي ما معناه:" أن استقالته ليست من تاريخ الحزب، الذي هو تاريخنا وشرفنا الوطني النضالي، إنما من تنظيم لم يعد يربطه اليوم بالواقع إلا المصالح الإنتهازية".
سياسيا لم نبتعد عن النهج السياسي للحزب الشيوعي، اذكر أن رفاقا شيوعيين ، وبعضهم قياديين، كانوا يتصلون بسالم ليقولوا له إنهم يقرؤون الأهالي : "ليعرفوا الموقف الشيوعي الصحيح من مجريات الأحداث على الساحة السياسية"!!
هل توجد مفارقة أبلغ من ذلك؟!
ونتابع الحديث في حلقة أخرى ..
[email protected]



#نبيل_عودة (هاشتاغ)       Nabeel_Oudeh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نظرة على واقع الصحافة العربية في اسرائيل
- وداعا سالم جبران – شاعر كاتب ومفكر ترك بصماته القوية على واق ...
- -اوراق ملونة- لسليمان جبران بين السياسة والثقافة
- مراجعات ماركسية: ملاحظات حول الماركسية الغربية ونظرية الثورة
- الزكام
- الصراع الطبقي ومسائل ماركسية أخرى !
- كذاب ولا يطاق، وماذا بعد؟
- لا مستقبل للانتفاضة الاجتماعية بدون انتفاضة سياسية
- كمن يصطاد السمك في البحر الميت
- جسر الى أستراليا
- خواطر حول اللغة والهوية القومية
- أمريكا عارية: نتنياهو الرئيس الفعلي للولايات المتحدة!!
- بين كسب اللوبي اليهودي وخسارة مكانة أمريكا
- المشاركة في الانتفاضة الاجتماعية أم سياسة الانعزال القومي ال ...
- الأباتيا والأمباتيا في دنيا العرب (ساتيرا)
- رواية قصيرة جدا: انتفاضة...
- حمير فوق.. وحمير تحت..
- إسرائيل وحماس – من وهم تماثل المصالح إلى الصراع
- بشار الأسد وملاك الموت
- يحدث في سوريا


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - نبيل عودة - لا طعم للقهوة ذلك الصباح