رزاق حمد العوادي
الحوار المتمدن-العدد: 3587 - 2011 / 12 / 25 - 20:25
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
اذا كانت الحربين العالميتين قد أصابت العالم بويلات ومأسي وما ترتب عنها من اثار مدمرة حفزت العالم بضرورة ايجاد تنظيم قادر على منع قيام الحروب وعدم الالتجاء الى القوة لحل المشاكل الدولية وفض النزاعات بالطرق السلمية .
وقد صدر ميثاق الامم المتحدة بعد اعقاب الحرب العالمية الثانية في عام 1945 وقد ورد في الديباجة (نحن شعوب الامم المتحدة وقد الينا على انفسنا ان ننقذ الاجيال المقبلة من ويلات الحرب التي في خلالها جيل واحد جلبت على الانسانية مرتين احزانا يعجز عنها الوصف ......... وفي سبيل هذه اعترفنا ان ناخذ على انفسنا بالتسامح وان نعيش معا في سلام وحسن جوار وان نضم قوانا كي نحتفظ بالسلام والامن الدولي .......وان نستخدم الادارة الدولية في ترقية الشؤون الاقتصادية والاجتماعية للشعوب جميعا ).(1)
ان ميثاق الامم المتحدة اكد في الفصل الاول مقاصد الهيئة العامة ومبادئها كما ورد في المادة (1) وهو حفظ السلم والامن الدولي وانماء العلاقات الدولية بين الامم على اساس الاحترام وتحقيق التعاون الدولي وفقا للفقرات (1)(2) (3) من مادة (1) .
كما ان المادة (2) من الميثاق نصت على تحميل الهيئة واعضائها في سعيها وراء المقاصد المذكورة وفقا للمبادئ التي وردت في الفقرات (1) (2)(3) (4)(5) (6) (7) من المادة الثانية وهذا يؤكد ويؤيد مبدأ جماعية مسوؤلية منظمة الامم المتحدة (يقدم جميع الاعضاء كل ما في وسعهم من عون الامم المتحدة في اي عمل تتخذه وفق هذا الميثاق كما يمتنعون عن مساعدة اية دولة تتخذ الامم المتحدة ازائها عملا من اعمال المنع او القمع فقرة (5) م (2) .
ان اساس المسؤولية الجماعية تقع على كل عضو من اعضاء الهيئة العامة وهو ما اكده الميثاق في النصوص المشار اليها, كما ان الميثاق اشار في الفصل الخامس الى ان مجلس الامن وفقا للمادة (24) ان اعضاء الهيئة العامة تعهد الى مجلس الامن بالتبعات الرئيسية في امر حفظ السلم والامن الدولي ويوافقون على ان يكون هذا المجلس نائبا عنهم في قيامه بواجباته التي تفرضها عليه هذه التبعات وان يتحرك ويعمل المجلس في اداء واجباته وفقا لمقاصد واهداف ومبادئ الامم المتحدة والسلطات الخاصة المخولة للمجلس لتمكينه من القيام بهذه الواجبات التي اشير اليها في الفصول السادس والسابع والثامن والثاني عشر من الميثاق اي بمعنى اخر ان تحمل المسؤولية الدولية جاء بصورة واضحة ضمن هذا الاطار القانوني .
وهذا يدل دلالة قاطعة على ان مجلس الامن كونه نائبا عن المجموعة الدولية ولا يحق للنائب ان يتصرف خلاف لنيابته او وكالته منعا للسلطوية والبيرقراطية وان يتحرك وفقا للمبادئ والاسس التي جاء بها الميثاق .
كما ان مجلس الامن وبما انه احد الهيئات التابعة للامم المتحدة فهو ليس سلطة مطلقة وهذا ما اشارة اليه المادة (28) من الميثاق ( لاينتظم مجلس الامن على وجه يستطيع معه العمل باستمرار ولهذا الغرض يمثل كل عضو من اعضائه تمثيلا دوليا في مقر الهيئة) .
وتاًكيد للدور المهم الذي يفترض ان يلعبه بقيه اعضاء الامم المتحدة في صياغه القرار تضمن الميثاق على ان مجلس الامن يتألف من الاعضاء الاصليين بحيث اصبح عدد اعضاء المجلس (15) عضو منهم عشرة منتخبين ووفقا لما ورد في المادة (23) وقرار الجمعية العامة المرقم (1991) وبذلك تتجسد فكرة شمولية التمثيل والمسؤولية في المجلس .
ان اعتراف ميثاق الامم المتحدة باهمية ودور المنظمة الدولية في تفعيل قرارات مجلس الامن واتخاذ القرار بتظافر الجهود الدولية وهذا ما اكدته المادة (49) ((يتظافر اعضاء الامم المتحدة على تقديم المعونة المتبادلة لتنفيذ التدابير التي قررها مجلس الامن )) وان يضع الاعضاء تحت تصرف مجلس الامن ما يلزم من القوات المسلحة والمساعدات والتسهيلات لحفظ السلم والامن الدولي وهذا ما اشار ه اليه مادة (43) من الميثاق . وكذلك مادة (45) التي اقرت بان يلتزم الاعضاء في وضع القوات والمساعدات والتسهيلات والوحدات الجوية تحت تصرف مجلس الامن ووفقا لاتفاقيات خاصه تشمل احجامها ومدى استعدادها والخطط المتعلقة بهذا الموضوع وفقا للنصوص الشار اليها اعلاه .(2)
وهذا يعني وفق الاسس القانونية المشار اليها المقصود في تكوين مجلس الامن هو مشاركة جميع الاعضاء في رسم قراراته وتنفيذها بعيدا عن الاحاديه والتفرد او التوافق وفقا للمصالح كون ان الميثاق اكد على ان مجلس الامن هو جهاز من اجهزة الامم المتحدة وهو يعمل تحت اشرافها وتوجيهها لا جهاز منفصل يتصرف كيفما يشاء .
الأسس الموضوعية لحق استخدام الفيتو
تضمنت الفقرة الثانية من المادة (27) من الميثاق على ان تصدر قرارات مجلس الامن في المسائل الاجرائية بموافقه تسعة من الاعضاء كما ان الفقرة الثالثة من المادة اعلاه تضمنت (( تصدر قرارات مجلس الامن في المسائل الاخرى كافه بموافقة اصوات تسعة من اعضائه يكون من بينها اصوات الاعضاء الدائميين متفقة بشرط انه في القرارات المتخذه طبعا لاحكام الفصل السادس والفقرة الثالثة من المادة (52) (على مجلس الامن ان يشجع على الاستكثار من الحل السلمي لهذه النزاعات المحلية بطريق هذه التنظيمات الاقليمية او بواسطة تلك الوكالات الاقليمية بطلب من الدول التي يعينها الامر بالاحالة من جانب مجلس الامن .
ان الاسس القانونية التي اشار اليها الميثاق تشتمل كل المسائل المهمة ذات الصلة بمسائل تهم صيانة السلم والامن الدولي اذا ما علمنا بان ميثاق الامم المتحدة لم يحدد المسائل المهمة وغير المهمة وترك الامر لتقدير مجلس الامن كونه نائبا عن المجموعة الدولية .(3)
ان حق الفيتو اعطي للاعضاء الدائميين في مجلس الامن ولم يكن لجميع الاعضاء .اذا ماعلمنا بان ميثاق عصبة الامم الذي تم التواصل اليه بمقتضى معاهدة فرساي والذي تضمن عهد العصبة على (26) مادة وتتكون أجهزة العصبة من الجمعية العمومية التي تمثل مندوبي الدول الاعضاء ولكل دولة صوت واحد وان التصويت في الجمعية تصدر باجماع اصوات الدول الاعضاء الحاضرة في الاجتماع وهناك استثناء على قاعدة الاجماع احدهما قانوني وهو القرارات الاجرائية ((يكتفي باغلبية الاعضاء الحاضرين او قبول الاعضاء او انتخاب اعضاء غير دائميين في مجلس العصبة والثاني الاستثناء العرفي ويقصد به اجماع جميع الدول المشتركه في الاجماع والتصويت معا .
ان العصبة قد اقرت حق الفيتو لجميع الاعضاء وفقا لما ورد اعلاه اذا ما علمنا بان مجلس العصبة باعتباره احد اجهزة العصبة يتكون من الاعضاء الدائميين وهي الدول الكبرى المتحالفة كل من بريطانيا وفرنسا وايطاليا واليابان والولايات المتحدة الامريكية وعضوية غير دائمة لمدة 3 سنوات غير قابلة للتجديد وان التصويت مجلس العصبة يكون طبقا لقاعدة الاجماع مع الاستثناءات التي اشرنا اليها . (4)
اما بصدور ميثاق الامم المتحدة فقد اعطى لمجلس الامن التصويت على قراراته مع الاشارة الى ان يجب التفرقة بين نوعين من التصويت :ـ
الأول :ـ يخص اعضاء المجلس فهم وحدهم الذين يملكون حق التصويت في مجلس الامن ولكل عضو صوت واحد وهنا يمكن القول انه توجد مساواة من حيث المبدا بين اعضاء مجلس الامن . ولكن تختلف قيمة التصويت حسب ما اذا كان الامر يتعلق بمسألة اجرائية او بمسألة موضوعية .
ثانياً :ـ بالنسبة للمسائل الاجرائية تصدر قراراته بموافقة تسعة من الاعضاء اما بالنسبة للمسائل الموضوعية فانها تصدر بموافقة تسعة من اعضائة من بينها اصوات الاعضاء الدائميين متفقة .
وهنا يمكن ظهور فكرة الاعتراض (حق الفيتو) من المسائل الجوهرية والتي بموجبها اعطي الحق لاي دولة من الدول الخمس الدائمة العضوية لمجلس الامن لمنع صدورأي قرار لا يتفق مع مصالحهم الدولية وهو اخلال لمبدا المساواة بين الدول التي اشرنا اليها في المادة (1) والمادة (2) من الميثاق وقد يبرر اعطاء هذا الحق الى الدول الكبرى من مسؤولية حفظ الامن والسلم الدولي أستناداً الى الفصل السابع من الميثاق فضلا عن عدم امكانية تنفيذ اي قرار في هذا المحال لا توافق عليه تلك الدول الكبرى حتى لو صدر عن غالبية الدول الاعضاء الاخرين في المجلس وهذا ما اكده في مؤتمر سان فرانسسكو وتعهد الدول الكبرى بعدم استخدام حق الفيتو الا في اضيق الحدود ومع ذلك فان الطبيعة القانونية والواقع القانوني ان الدول الدائمة العضوية اسرفت كثيرا في استخدام حق الفيتو وتترتب عليه شل حركة مجلس الامن وابتعاده كليا عن الاهداف والمبادى التي جاء بها الميثاق وخاصة مايخص سيادة الدول واستقلالها واصبح عنصر المصلحة والاحادية الدولية هو الغالب على قرارات مجلس الامن .
ان سلطة مجلس الامن تتعدد واتخذت اشكال عدة منها ما ورد في الفقرة (ب) من المادة (13) من نظام روما الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية متصرفاً بموجب أحكام الفصل السابع بشأن جريمة أو اكثر من الجرائم المنصوص عليها من النظام الاساسي اذا قرار المجلس ان الدعوى تتضمن جريمة تشكل خرقاً بالسلم والامن الدوليين .
أن السلطة التقديرية لمجلس الامن في ان حالة ما تنتهك السلم والامن الدوليين تشمل الجرائم الواردة في المادة (5) من النظام الاساسي لا تمنع مجلس الامن في ان يعتبر أو يعد أي حالة تخل بالسلم والامن الدوليين وفقاً للسلطة التقديرية المشار اليها أعلاه ولا توجد رقابة على هذه السلطة من المجموعة الدولية بالرغم من كونه نائباً عن تلك المجموعه الدولية أو وكيلً عنها بموجب المادة (24) من الميثاق . (5)
كما أن بامكان مجلس الامن أن يحقق في أي نزاع وان يوصي في أتخاذ تدابير لتسويته مع الاخذ بنظر الاعتبار بان المنازعات القانونية ووفقا للمادة (33) اشار الى تسوية تلك النزاعات وقد منحُ مجلس الامن بموجب المادة (34) من الميثاق حق التدخل في حالة وجود هكذا نزاع بناءاً على قرار يصدره المجلس أو بناءاً على طلب يتقدم به أي عضو من اعضاء الامم المتحدة وفقا للمادة (35) من الميثاق .
وأخيراً فان مجلس الامن يتمتع بالسلطة القانونية في اتخاذ القرارات وخلافاً لما نصت عليه التوافقات في مؤتمر سان فرانسسكو والتي تعهدت الدول الكبرى بعدم أستخدام حق النقض الا في الحدود الضيقة جداً أنطلاقاً من النص (24) وهو ان المجلس وكيلاً عن المجموعة الدولية ولا يجوز للوكيل أن يتصرف خلافاً لوكالته ووفقاً لمقاصد واهداف الامم المتحدة وهو المساؤاة والسيادة بين الول كبيرها وصغيرها وهذا ما اكدته ديباجة ميثاق الأمم المتحدة .(6)
مصادر البحث
1 ـ ميثاق الامم المتحدة الصادر لعام 1945 .
2 ـ مباحث في القانون الدولي / الدكتور صالح جواد / بغداد / 1991 .
3 ـ مجلة القضاء التي تصدر من قبل نقابة المحامين العددين (3,4) لعام 1984 .
4 ـ ميثاق عصبة الأمم 1919 .
5 ـ هيمنة القانون أم قانون الهيمنة / دكتور ضاري خليل حمود / باسيل يوسف .
6 ـ القانون الدولي العام / دكتور عصام العطية / بغداد /
#رزاق_حمد_العوادي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟