نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 1062 - 2004 / 12 / 29 - 06:58
المحور:
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر
"إذا زلزلت الأرض زلزالها.وأخرجت الأرض أثقالها.وقال الإنسان مالها.يومئذتحدث أخبارها......"س.الزلزلة.
مع هول وروعة وصدمة مشاهد الموت والدمار التي حملتها صور الفضائيات والتي كانت كارثية ومأساوية بكافة المقاييس,لايسع المرء إلا أن يقف مذهولا ,وعاجزا تماما أمام هذه الظواهر الطبيعية, والخوارق الكونية التي لاتبقي ولا تذر, والتي لم يستطع الإنسان ,برغم التقدم العلمي الهائل ,أن يضع حدا لها ,وإن كان قد تنبأ بها أصلا وأحيانا.وهذا بالطبع خارج عن سيطرته وإمكانياته,فأما إذا كان قادرا على التعامل معها ولا يأتي بأية حركة فهنا تكمن الكارثة والطامة الكبرى.وهذا عموما ما حصل ويحصل أمام جميع الزلازل السياسية التدميرية التي تحدث من وقت لآخر هنا وهناك. فقد تابع الجميع الزلزال المدمر الذي حصل في جنوب شرق آسيا والذي كان مركزه في جزيرة سومطرة الإندونيسة وامتدت أصداؤه لحوالي ألفي كيلومتر مسجلا 8,9 درجة على مقياس ريختر في سابقة هي الأولى من نوعها ومنذ نحو مئة عام مخلفا حوالي ثلاثين ألف ضحية, حتى لحظة كتابة هذه السطور, والحصيلة –والعياذ بالله- في تصاعد وازدياد وبكل أسف, هذا اذا علمنا أن القوة التدميرية لبعض الزلازل تصل أحيانا لغاية 200 مليون طن من مادة ال T.N.T شديدة الانفجار.
ولقد كانت الزلازل هاجسا مستمرا, وسببا في الكثير من الكوارث والدمار وفي كثير من دول العالم, وإن استطاعت أحيانا بعض الدول التنبؤ- ومن خلال دراسات جيولوجية مختصة ودقيقة –بمكان وزمان حدوث بعضها فإنها لم تستطع فعل أي شيء حيالها.وقد عمدت بعض الدول المتقدمة لتصميم وإنشاء الأبنية ودور السكن لتتكيف مع شدة الإهتزازات وتوابعها, وقد حققت قدرا لا بأس به من النجاح في هذا الصدد.ونترك أمر الزلازل الجيولوجية لعلماء الجيولوجيا وخبرائها لأننا وبكل بساطة اعتدنا الا ننحشر في قضايا ومشاكل الآخرين والمنكوبين جيولوجيا, لأن المنكوبين وضحايا الهزات والزلازل السياسية والفكرية والشمولية كانوا بالتأكيد دائما أكبر بكثير من ضحايا الزلازل الطبيعية, ومهما بلغت قوتها التدميرية فإنها تعتبر ألعاب بريئة ومسلية قياسا.في الوقت الذي تتباكى فيه الأبواق الإستهبالية على ضحايا هذا الزلزال المدمر ,مبدية,وعلى غير العادة, عوارض نخوة واهتمامات إنسانية مفاجئة أعرضت عنها كثيرا فيما يتعلق الامر بضحايا الزلازل والهزات السياسية التي لم تنقطع يوما في هذه الحزم والصدوع والفوالق "الملخلخلة".
وكان هناك وكما هو معلوم دائما ويدركه البلهاء والأغبياء مناطق آمنة زلزاليا ومناطق هائجة ومتحركة ومضطربة جيولوجيا ولا تعرف الهدوء والسكون. ومن سوء الحظ والطالع ان يعيش الإنسان ويقع ضمن هذه الأحزمة الخطرة والمزلزلة. ولعل نفس الشيء ينطبق على الزلازل السياسية التي تعتمل دائما وتكمن تحت السطح وفي كثير من البؤر المتفجرة والساخنة في العالم.ولقد كان الاستعداد لهذه الزلازل بوسائل صدئة وأساليب هرمة وطرق مندثرة. ولذلك حين وقعت كانت كارثية ومدمرة وشاملة وامتدت ارتداداتها لآلاف الأميال وفي كافة الإتجاهات.
ولقد حدثت زلازل سياسية شديدة عبر التاريخ البشري الطويل احدثت تغييرات كبرى في الخرائط الجغرافية السياسية برغم تمترس أصحابها خلف قلاع مغلقة, وحصون مشيدة, وحاميات محكمة من الغوغائيات والعقائد المعلبة, والأوهام والهمجيات المتخلفة البائدة. وكم كانت سرعة تهاويها واضمحلالها وفناءها كبيرة فدمرت أمواجها العاتية وأصداؤها الإرتجاجية الكثير من البنى المتخلفة السائدة وتركت الكثير من الضحايا والدمار والخراب الذي كان وبلا شك واسعا وكبيرا ,وكان من أبرز ضحاياه بالذات أولئك الذين استبعدوا وتجاهلوا فكرة الزلازل,ورأينا تشاوشيسكو وفي ذروة المد الإرتدادي للزلزال البرويسترويكي الهائج والمدمر وهو يلقي خطبة عصماء عن ديكتاتورية البروليتاريا المدفونة.وبرغم الكثير من التحصينات العقائدية الفولاذية والدموية, أحيانا كثيرة, لم يستطع جهابذة ومنظرو تلك الكرتونيات المتساقطة التنبؤ بشدة الهزات الذي أتى على بعض من تلك الشموليات المغلقة بكل مافيها من جمود وتحجر وغلو. وكانت سرعة رياحه جنونية ولم تعطي أحدا مجالا للتفكير في كيفية درء الأخطار الكبيرة.
وقد غيرت هذه الهزات الكبرى الوجه والسطح السياسي لكثير من الأمم والشعوب, ووضعتهم في حقب سياسية جديدة ومختلفة عن سابقاتها. وبرغم تعرض كثير من المناطق الجغرافية لخطر البراكين والزلازل ووقوعها ضمن الحيز والحزام والبؤر الزلزالية المحتملة فإن "المرجعيات الجيولوجية"ذات الإختصاص, وذات "القشور السياسية" الرقيقة والضعيفة والخلفية الفكرية العقيمة والضحلة والركيكة, مازالت تتصرف بلا مبالاة وتعتمد على فك طلاسم ورموز هذه الكوامن والاحتمالات الشديدة الخطورة, على عرافين, ومتفذلكين ومتنبئين اكدت جميع الاحداث, السابقة واللاحقة, جهلهم لأبسط مبادىء الجغرافيا والتاريخ و"حركة الطبقات الأرضية" وعلم الارصاد السياسية البسيط,من خريجي جامعة باتريس لومومبا للصداقة الكاذبة بين الشعوب ,وذلك عبر اجترار لغة الماوراء الخزعبلاتية والزعبراتية الفطحلاتية الألغازياتيةالمحيرة. وخاصة ذاك "الهلجامة"المتفوه والمتأستذ نصبويا واستهباليا.بل وساهم نظراؤوهم في" فوالق وصدوع" أخرى مشابهة بالكثير من الويلات والمآسي نتيجة لقصور الرؤيا الواضح وعمى الألوان الدائم, والمراهنة الساذجة على احتمالات "كمونية" مستبعدة. ورأينا كيف كانوا يستبعدون حدوث الزلازل في هذه المنطقة البركانية المتزلزلة, وتوقعوا حدوثها فوق تضاريس وأحزمة أخرى, وبزمن ليس بقريب فيما كانت كل المؤشرات والتحركات ومقاييس الريختر البدائية التي تعمل على الزيت وعلى"الدفش" ,وليست تلك الالكترونية, تؤشر على حدوث زلزال سياسي كبير ومدمر في هذه المنطقة المهتزة والمتداعية أصلا.
وقد فاجأ زلزال التاسع من نيسان أبريل 2003 على سطح عروسة الرافدين, قارئي الطبوغرافيا الجيوسياسية المعروفين الذين استبعدوا حدوث أية هزة ومهما كانت ضعيفة’ ونام المغفلون في العسل الاستهبالاتي المخدراتي وكان أن خسفت الأرض بهم خسفا شديدا,وظل "الراصدون المخرفون" حتى لحظة الإنهيارات الأخيرة يجترون نفس النشرات الجيوسياسية الصفراء المهترئة . ولقد أحدثت الموجات الإرتدادية لهذه الزلازل السياسية هلعا وخوفا واضحا على طريقة لعبة الدومينو لكثير من الكرتونيات الأمنية الشمولية المرعبة, وهناك من أعتقد انه بعيد عن مركزوبؤرة الزلزال, لكنه وجد أن بعض الهزات الإرتداداية الضعيفة كانت كفيلة باقتلاعه ورميه على الضفة الأخرى من هذه الطبوغرافية المعقدة وإحداثياتها المبهمة والغامضة ومحاورها المتعرجة والملتوية والزلقة. وإذا كان اليابانيون-أشد الناس تعرضا لخطر الزلازل-قد صمموا بيوتهم ومبانيهم وفق معايير علمية وهندسية دقيقة لدرء مخاطر الزلازل الجغرافية, فإن الكثيرين مازالو يحاولون التصدي لاحتماليات التزلزل ببنى هشة, وأعمدة متهالكة, وجدران آيلة للسقوط لاتحتمل أية صدمة , ومهما كانت بسيطة. وكما رأى الجميع وشاهد- شدة الزلزال الذي تداعى فيه الصنم الفردوسي الأشهر وكانت الهزة والدرجات "الريخترية السياسية والعسكرية" وارتجاجاتها بسيطة جدا بحيث لاتكفي لإسقاط بيت من الطين والقش في قرية قمعستانية نائية.
إن إمكانية حدوث الزلازل في الطبقات والقشور الأرضية "الرخوة والهشة" كبير جدا, لذا فإن التصدي لهذه الزلازل المهلكة لا يتم عبر مهندسين وخبراء وإحداثيين ضحلين, قد خرفوا وهزلوا واضمحلوا وأصبحت معلوماتهم ,ومعطياتهم, وقراءاتهم بالية وقديمة ومن حقب منقرضة جيولوجيا وإحداثيات وطبوغرافيات المد القومي والستاليني الشمولي المتطرف البائد. ويجب على هؤلاء "الجيولوجيين" قراءة التضاريس المتغيرة والمتحركة بفعل الزلازل المتعاقبة وتوابعها الارتدادية وقواها الكامنة جيدا بشكل دقيق وعلمي اكبر قبل التفكير بإشادة أية موانع أو سواتر أو ترقيعات للبنى المتهالكة والقديمة والدعائم الصدئة المعروفة, والتي لن تصمد أمام أي زلزال سياسي ومهما كان بسيطا ,ولو بقوة نصف درجة على مقياس ضغط الشارع المعبأ بكل احتمالات الانفجارات الكارثية البركانية الفوضوية المدمرة, والتي نرى ونلاحظ توابعها وأصدائها في كل مكان, كما ان الجراحات الترقيعية والتجميلية الإستغفالية تزيد من خطورته وقوته التدميرية, وفي نفس الوقت تجب ملاحظة ضغط "القوة النابذة الخارجية" الجديدة التي أصبحت في "فالق جيولوجي" قريب جدا وأصبح الكثيرون داخل المجال "الكهرو- سياسي والعملياتي"الواسع لها ولا طائل من التجاهل والتعامي عن تأثيراته "المغناطيسية" الجاذبة.
الزلازل السياسية..............تهيؤوا لها.
نضال نعيسة كاتب سوري مستقل
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟