أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - الفاشية السورية وحربها ضد العامة!















المزيد.....

الفاشية السورية وحربها ضد العامة!


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 3587 - 2011 / 12 / 25 - 17:20
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


من يُقتَلون في سورية اليوم ومنذ تسعة شهور هم من العامة، الأكثر فقرا والأدنى حماية. هذا ما يوحِّدهم وراء أية فوارق ممكنة. ومن يُعطون الأوامر بالقتل ويخططون للقضاء على تمرد الفقراء هم أغنياء وأصحاب امتيازات، ومسلحون تسليحا هائلا. هذا ما يجمعهم، وما يحرِّكهم في مشروع القتل الجماعي للمحكومين الثائرين. كثير من أدوات القتل التي يستخدمها الأغنياء هم فقراء، بمن فيهم أكثر "الشبيحة"، يقتلون فقراء مثلهم، ويحصل أن يُقتَل بعضهم في مواجهة أشباههم. لكن الأكيد أنه ليس بين المقتولين أغنياء مُنعمين. هؤلاء محصنون بأسلحتهم المتفوقة، وبأموالهم الوفيرة، وبسور من الفقراء يفتدونهم "بالروح والدم"، وبامتلاكهم للدولة. لا شيء بالمقابل يحمي عموم السكان في سورية: لا قضاء، ولا سلاح، ولا مال؛ ولا أخلاق حاكمين لا أخلاق لهم. ليس لهم غير تضامنهم، ولقد أظهروا أشكالا رائعة منه؛ وليس لهم غير الله، واللجوء السياسي إليه يسجل اتساعا لا جدال فيه.
لكن ليس العنف المنفلت من كل عقال هو وحده ما مارسته طغمة الأغنياء الحاكمين ضد عموم المحكومين؛ بل بخاصة الكراهية. رأى كل مهتم أمثلة مريعة عنها: الدوس على قرويين عزل، اللعب برأس رجل مسن بأحذية العساكر، الأشكال الفظيعة من التعذيب والإذلال كتلك التي تكلم عليها تقرير لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة قبل أكثر من شهر من اليوم، ومن هذه اغتصاب أطفال (في حالة واحدة على الأقل جرى ذلك أمام عيني الأب، وفي حالة أخرى تعاقب ثلاثة من سفاحي المخابرات على اغتصاب طفل عمره 11 عاما)، إطفاء السكائر في مؤخرات بعض المعتقلين، والخوزقة بأجسام خشنة؛ ومنها أيضا إجبار الأعداء المفترضين على إعلان أن لا إله إلا بشار وأخيه. وهذا الأخير أكثر من تعبير أقصى عن الكراهية، هو بالفعل قطع رأس معنوي لمن أُكرِهوا عليه.
والدلالة نفسها للشتم المفرط في الإقذاع الذي تمرس فيه أسافل عناصر الأمن في سورية (ولا يبدو أن بينهم غير الأسافل) ضد جميع من يقعون بأيديهم، وهو شتم لا يبدأ من الأم والأخت ولا ينتهي عند الدين والرب.
والدلالة نفسها أيضا لتفرغ وسائل الإعلام السورية، العامة و"المستقلة"، طوال أكثر من تسعة شهور للتحريض على الثورة وإشاعة كل أنوع الأكاذيب، وتعبئة الموالين للنظام ضد الثائرين وشحنهم بالكراهية والبغض لهم، وإطلاق عبارات من نوع رعاع وحثالة وجهلة ومتخلفين ومتعصبين وسلفيين وإرهابيين عليهم، مع انخفاض شديد في عتبة التلميحات الطائفية في وسائل الإعلام العامة، التي يموّلها عموم السوريون.
الغرض من حملات الكراهية والتحريض هذه هو خفض الحواجز الأخلاقية والمعنوية التي تحمي حياة عموم الثائرين وبيئاتهم الاجتماعية، وتاليا تسهيل قتلهم. فحياة الرعاع والمتعصبين والجهلة ليست مهمة، أو أقل قيمة من حياة الأكابر، "المنفتحين" و"المثقفين"، الذين يحكمون البلد ويملكونه، ويُعرّفونه. وما يوسع الشقة بين الطرفين أن الأخيرين هم التجسد الصافي للوطنية، فوق اتصافهم بالحكمة النادرة والعبقرية الفذة والكمال الذي لا تشوبه شائبة. ولذلك فإن الشيء العادل والصحيح هو حمايتهم، وقتل الرعاع والجهلة الذين يثورون عليهم.
لعل المفهوم المناسب لتوحيد ظواهر القتل الواسع النطاق للأفقر والأدنى حماية، وحملات الكراهية التي تشنها طغمة من الأغنياء المسلحين على قطاعات واسعة من السكان، هو الفاشية، بالدلالة التي حازها المفهوم في سبعينات القرن العشرين وثمانيناته في أميركا اللاتينية. الفاشية هنا نمط لممارسة السلطة، موجه نحو حماية كبار المالكين وأصحاب الامتيازات، مع وحشية لا حدود لها في التعامل مع الضعفاء، ومع توسع بلا ضفاف في قتل واعتقال وتعذيب الناشطين السياسيين. لقد سبق أن عرفت بلدان مثل البرازيل والأرجنتين والأورغواي والتشيلي والسفادور مثل هذه الحكومات القاتلة.
لكن للفاشية السورية خصوصيات تميزها عن الفاشيات الأميركية اللاتينية قبل حين.
أولا، كانت هذه مدعومة من الولايات المتحدة ومندرجة في منطق الحرب الباردة، وخصت بالوطأة الأقسى لوحشيتها اليساريين ومن اعتبرتهم عملاء للشيوعية. الفاشية السورية ليست مندرجة في منطق الحرب الباردة، وحملاتها للتخوين والتحريض تنسب بالأحرى معارضي النظام إلى مؤامرة دولية كبرى، تقودها أميركا. تستفيد في هذا الشأن من توجس عريق في الثقافة والسيكولوجية العربية حيال الغرب، لكن النظام السوري اجتهد كثيرا على تغذيته وتحويله إلى بارانويا حادة، تسهيلا لعزل محكوميه عن العالم، وتسليما بأوضاع لم يكد يبق ما يشبهها في العالم.
ثانيا يمتزج المضمون الطبقي للفاشية السورية ببعد طائفي. وبينما تخاطب عبارات مثل متعصبين وجهلة ومتخلفين وسلفيين حساسيات طائفية، فإن مضمونها الطبقي أقوى في الواقع. يتعلق الأمر بازدراء شبه عنصري للقطاعات الاجتماعية الأكثر حرمانا والأضعف حماية، والتي تعيش حصرا من عملها، وتسكن في الضواحي والأحياء المتدهورة. وتلعب الإيديولوجية الحداثية هنا دورا مهما في تغذية الالتباس بين الطائفي والطبقي، وإضفاء شرعية "حضارية" على التمييز الطبقي. والنقطة المهمة في الإيديولوجية الحداثية أنها موجهة بصورة حصرية ضد "الأصولية" و"الظلامية" الإسلاميتين، بينما يقع الطغيان والفساد والطائفية على النقطة العمياء في عينها. وهذا ما يجعلها مناسبة جدا لأغراض الفاشية السورية والإيديولوجيين السائرين في ركابها. ويزيد من ملاءمتها أن قضايا القيم، الحرية والعدالة والمساواة والكرامة والإنسانية، غريبة عليها بدورها.
وفي المقام الثالث ربما تختلف الفاشية السورية اليوم عن الفاشيات الأميركية اللاتينية في أن الأغنياء وأصحاب الامتيازات السوريين يدينون بثرواتهم ومكانتهم بصورة شبه حصرية لـ"النظام"، فليسوا بأصحاب ملكيات تقليديين، ولا هم مصنّعون مرتبطون بشركات متعددة الجنسيات، ولذلك لا وزن ذاتيا لهم من غير النظام. ولذلك ارتباطهم بالنظام مصيري. وبينما قد يكون كبار أصحاب الملكيات الزراعية وصناعيون مرتبطون بالسوق الدولية هم القاعدة النوعية للفاشيات الأميركية اللاتينية، فإن القاعدة الخاصة بالفاشية السورية هي "النظام" ذاته، أي النواة السياسة الأمنية التي تدير آلة القتل اليوم. و"القاعدة المادية" للنظام هي امتلاك "السلطة العمومية".
بعبارة أخرى، أساس الفاشية لدينا هو "السلطة" (الثروة تتبعها)، فيما أساس الفاشية في أميركا اللاتينية هو "الثروة" (السلطة هي التابعة). وربما لذلك الثورة لدينا موجهة أولا ضد نمط ممارسة السلطة، على نحو ربما يتكثف في شعار "الشعب يريد إسقاط النظام". في أميركا اللاتينية المحتوى الاجتماعي أقوى، وهو ما تأكد كظاهرة لافتة مع صعود اليسار الاجتماعي في بضع السنوات الأخيرة.
لكن الفاشية هي الفاشية هنا وهناك: حرب الطغمة الثرية المسلحة ضد العامة الثائرة.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محاولة لشرح القضية السورية للمنصفين
- حوار في شان الطغيان والأخلاق
- عن حال مؤسسات الحكم البعثي بين عهدين أسديين
- العصيان المدني أو الإضراب الوطني العام
- وطنيّتان: من الوطنية الممانعة إلى الوطنية الاجتماعية
- الطغيان والأخلاق في -سورية الأسد-
- اليسار موقع وعمل ودور، وليس نسبا أو هوية!
- نظرة من خارج إلى الأزمة السورية
- في شأن سورية وإسلامييها والمستقبل
- الثورة السورية تنظر في نفسها
- من الشخصي إلى العالم الواسع: حوار في شأن الثورة السورية
- ملامح طور جديد للثورة السورية...
- في أصول انقسامات المعارضة السورية وخصوماتها
- المبادرة العربية والمعارضة السورية
- -قنطرة-...
- جوانب من سيرة المجتمع المفخخ
- حوار في شؤون الثورة السورية
- حوار في شان السجن والثورة والمثقفين
- الثورة السورية بوصفها كثورة وطنية
- جبهات عمل المجلس الوطني السوري


المزيد.....




- بدولار واحد فقط.. قرية إيطالية تُغري الأمريكيين المستائين من ...
- عوامل مغرية شجعت هؤلاء الأمريكيين على الانتقال إلى أوروبا بش ...
- فُقد بالإمارات.. إسرائيل تعلن العثور على جثة المواطن الإسرائ ...
- واتسآب يطلق خاصية تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص
- بعد العثور على جثته.. إسرائيل تندد بمقتل إسرائيلي في الإمارا ...
- إسرائيل تعلن العثور على جثة الحاخام المختفي في الإمارات
- هكذا يحوّل الاحتلال القدس إلى بيئة طاردة للفلسطينيين
- هآرتس: كاهانا مسيحهم ونتنياهو حماره
- -مخدرات-.. تفاصيل جديدة بشأن مهاجم السفارة الإسرائيلية في ال ...
- كيف تحوّلت تايوان إلى وجهة تستقطب عشاق تجارب المغامرات؟


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - الفاشية السورية وحربها ضد العامة!