جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3586 - 2011 / 12 / 24 - 17:39
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
دخلت اليوم إلى متجر لشراء كيلو لحم عجل وبمجرد ما دخلت المحل شعرت بالتقزز وأنا أتخيل بنفسي كم هو أنا فعلا طماع وجشع وأناني ومفرط جدا في حبي لنفسي ولأولادي حيث سأقوم بتبذير وبتحويل ما قيمته عشرة كيلو من الذرة مع 100لتر من الماء عدى الأدوية والأملاح لكي أحصل على كيلو لحم واحد, والنظرية كالآتي: بروتين، ، كربوهيدرات، فيتامينات, أملاح، ماء، دهون, لحوم,وعامل يغرق بدمه وهو يعمل ليل نهار.
وصدقوني أنني غادرت المكان ورفضت الشراء وقلت لأمي هذه الحقيقة ولم تصدقني أو تعلم بالموضوع ولكنها تريد أن تأكل ولا يهمها ما الذي يجري أو كيف تتم عملية صناعة اللحوم فذهبت هي بنفسها واشترت كيلو اللحم وأكلت هي وأولادي وزوجتي ما عدى ولدي علي فهو يرفض أكل اللحوم ويتقيأ من رائحتها أما أنا فقد امتنعتُ عن الطعام ليس للأسباب التي يمتنع عنها علي بل احتجاجا على سوء الأحوال المعيشية للذين لا يستطيعون الحصول ولا حتى على خبز الذرة أو زيت الذرة, الذي نهدره هنا من أجل صناعة نصف كيلو من اللحم والذي هو أصلا من حق الفقراء, وقريبا جدا ستحصل أزمة جديدة في العالم حول الحبوب ومصانع التحويل التي تحول الحبوب إلى لحوم كما كان يحلم الفيزيائيون الأوائل بتحويل بعض الفلزات إلى ذهب أو أحجار سحرية.
وللحصول على نصف كيلو من لحم العجل يجب أن نقدم للعجل خمسة كيلو من الذرة الصفراء و100لتر من الماء العذب,مع بوسة لحيه على خده, هذا عدى الأدوية وعدى الفيتامينات اللازمة لنمو العجل الرضيع وكذلك يجب هدر كمية كبيرة من الطاقة ومن الوقود الأحفوري لكي نشارك أكثر في عملية الاحتباس الحراري, مع الشكر ومع الرجاء الحار للعجل لكي يأكلهن ليس من أجل صحته بل من أجل صحة من يريد أن يأكل لحم العجل بكل شراهة دون أن يشعر بوخز الضمير ودون أن يتملكه أي شعور بالرهبة وبالفاجعة على الذين ينزفون من أقدامهم وهم يزرعون الذرة ويحصدونها, ويجب علينا أن نقوم أيضا بتبخير العجل أو العجول -التي تسمن بسرعة- ضد العين وضد الحسد,وكل ذاك يحصل في معامل ومصانع التحويل من حبوب نباتية إلى شرائح لحوم ,وللحصول على كيلو دجاج واحد يجب أن ننفق ما قيمته 3 كيلو غرامات من العلف على الدجاج في فصل الصيف طبعا وفي الشتاء بحاجة إلى أكثر من ذلك عدى الأدوية والمضادات الحيوية... وفي القرية التي أسكن فيها مصانع أو مزارع مدهشة يبلغ تعدادها بالعشرات منتشرة على أكتاف الوديان والجرارات التي نقوم بنقل العلف إليهن مدهشة جدا وتبلغ الكمية يوميا بعشرات الأطنان من الأعلاف التي ننفقها على مصانع التحويل أو مزارع التدجين والتسمين,وإذا كنت في عائلة تأكل يوميا 3 كيلو من لحوم الدجاج فعليك أن تعرف بأنك تأكل 12 كيلو من العلف يومياً, وبهذه الحالة تكون أنت من يأكل العلف ولبس الدجاج, أما إذا كنتَ نباتيا مثل (برنارد شو) فيجب عليك أن توصي بعد موتك بأن يمشي في تشييع جنازتك الدجاج والعجول والأبقار كونك كنت مشتركا مع هذه المخلوقات في نوعية الغذاء ,وبالعودة إلى الموضوع نجدُ بأن هذا بحد ذاته أنانية مفرطة وجريمة ترتكب بحق الإنسانية وبحق الذين لا يستطيعون الحصول على كيلو ذرة واحد أو نصف كيلو من لحم العجل, ولو شاهدت يا عزيزي القارئ كيف تتم عملية ذبح الدجاج وتغليفه في أكياس لتقيأت كل ما بجوفك من دجاج أكلته طوال عمرك حين تعلم بأن من يقوم بذبح الدجاج وبتربيته يستحق أن نشفق عليه قبل أن نشفق على الدجاج بحيث لا يحصل العامل المسكين طوال النهار أو طوال ال 8 ساعات عمل إلا على ما يسد به جوع بطنه مع علبة سجائر من النوع الرديء, وهنا في هذه الحالة يجب أن لا نشفق على العجل الذي نقتله بقدر ما نشفق على العامل والعاملة الذين نقتلهم ونحن نسرق بحقهم أو بحصتهم من حبوب القمح والذرة والشعير,هؤلاء الذين ينزفون من تحت أظافرهم ومن أقدامهم المتورمة وهم يعملون أعمالا شاقة من أجل تسمين العجول وتسمين الدجاج في مصانع الدجاج وفي مصانع أو مزارع الدجاج والعجول يجب أن نطلب منه السماح قبل أن نموت على جرائمنا التي نرتكبها بحقهم يوميا.
المشكلة ليست عند الذين يقفون على الطوابير في مصر للحصول على نصف كيلو من لحم العجل أو من لحم الحزب الوطني دعما للانتخابات, وفي بلدتنا المشكلة ليست في الطوابير وليست في الجماهير الغفيرة التي تقف وراء بعضها أو التي تتزاحم وتتدافش بأسلوب غير حضاري أو وهي تقف صامتة من التعب ومن الإرهاق وهي فعلا تحبس بأنفاسها الأخيرة للحصول على كيلو لحم من لحم الملك أو الديوان الملكي الأردني,المشكلة ليست في هذا بل المشكلة هنا في الخروف نفسه أو عند العجل نفسه الذي يبتلع كمية كبيرة من الحبوب -والتي هي حق للفقراء- لكي يصنع لنا من جسده كيلو لحم واحد ليأكله مواطن جشع وخسيس ونذل وهو لا يفكر بأولئك الذين يندى لهم الجبين وهم يسعون ليل نهار للحصول على تلك الحبوب التي تأكلها الحيوانات فبدل أن تأكل العجول الحبوب يجب أن يأكلها الإنسان الجائع أولا ومن ثم نفكر في كيفية تغذية العجول وتحويل صناعة الحبوب إلى لحوم لصالح الذين لا يرحمون الفقراء,وفي كل مرة بشبع فيها الانتهازي يفقد الضعفاء قدرتهم على شراء الخبز نتيجة تحويل تلك الحبوب إلى مصانع تسمين الدواجن والعجول والأبقار,فأين نحن من الإنسانية؟.
ونفس القصة ونفس المأساة تتكرر يوميا ونحن نشرب بالقهوة الأصلية ذات النكهة العالية الجودة, فيجب علينا أن نستحي على دمنا ويجب أن نخجل من أنفسنا ونحن نشرب بالقهوة وعلينا أن نتخيل أنفسنا بأننا الآن لا نشرب بالقهوة بل نحن نشرب دماء الذين يصنعوها لنا دون أن يتمتعوا ولا بأي امتيازات ولا بأي حقوق تحفظ لهم الحياة الكريمة, ويجب أن نخجل وأن نستحي ونحن نركب بسيارات فارهة على حساب العمال والشغيلة الذين يجهدون أنفسهم ليل نهار من أجل أن نركب ونقود بالسيارات وعلينا أن نتخيل أنفسنا بأننا ما زلنا في عصر العبيد وعلينا أن نتخيل أنفسنا بأننا لا نركب بالسيارات بل تركب أكتاف العمال والعاملات الذين يعملون بأجور متدنية.
ونفس الشيء للذين يسكنون الفلل الأمريكية أو المصرية الطيراز فهؤلاء يسكنون تلك المساكن على حساب عرق ودموع وكفاح العمال والشغيلة ويجب أن نشفق على أولئك العمال والشغيلة الذين يعملون بأجور متدنية جدا من أجل أن يحصل الانتهازيون على شقق فاخرة,وفي مثل تلك الظروف في المجتمعات الرأسمالية يجد الإنسان المعدم في جسده خلاصه من العذاب حيث يتجه للتجارة بأعضاءه في المستشفيات الصغيرة المتنقلة أو ببيع أجساد النساء في الكبريهات وفي الفنادق الفاخرة وفي الشقق السكنية التي لا يعلم فيها أحد غير الله,وتكون الفائدة عظيمة جدا حيث ستحصل المرأة الجميلة في اليوم الواحد أكثر مما يحصل عليه عامل في جاروشة أعلاف طوال الشهر أو عامل في مصنع قهوة طوال الشهر أو عامل وعاملة في مصانع تحويل البروتينات والكيربوهيدرات من حبوب إلى لحوم,ولن نجد أي مقارنة بين دخل عاهرة في الشهر الواحد وبين دخل عاملة في مذبح للدواجن طوال السنة.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟