أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة - جگر الريكاني - العراق العظيم الذي لا يقدر أن يصدر جواز مرور لمواطنيه















المزيد.....

العراق العظيم الذي لا يقدر أن يصدر جواز مرور لمواطنيه


جگر الريكاني

الحوار المتمدن-العدد: 3585 - 2011 / 12 / 23 - 21:22
المحور: الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
    


من المعلوم أن أول محطة يلجأ إليها أي مواطن مغترب في العالم حال تعرضه إلى مشكلة أو حالة طارئة هي سفارة بلده والقنصليات الملحقة بها في تلك الدولة، وهذا بالذات ما فعلته عندما فقدت جواز سفري العراقي الشهر الماضي، والذي كان بمثابة البطاقة الشحصية الوحيدة لي، أحتفظت به وحملته معي في كل أسفاري الداخلية طيلة الخمس عشرة شهرا فائتا قضيتها كطالب ماجسيتر عراقي ضمن بعثة الفولبرايت الأمريكية في ولاية نبراسكا بعد صعوبة حصولي على هوية أمريكية بديلة كوني من بلد موبوء بالإرهاب والعنف والدموية-كما يسود الظن هنا في أمريكا. وبعد تفقد طويل ومقلق، أكد أحد أستاذتي (أمريكي من أصل بنغلاديشي) أن الحالة طارئة إذ لا يمكننني أن أؤدي أمتحاناتي بلا هوية شخصية كما لا يمكنني السفر داخل الولايات المتحدة وخارجها دونها، لكنه طمأنني في الوقت ذاته أن العملية ليست بصعبة إذ سبق له أن تعامل مع حالات مشابهة لمواطنين من بلده فقدوا جوازاتهم في أمريكا فحصلوا على جواز بديل خلال 24 ساعة، كما جاءني التشجيع من زميل آخر لي يعمل في القنصلية المكسيكية في نبراسكا إذ أكد لي أن عملية إصدار جواز جديد لا يستغرق أكثر من 6 ساعات في قنصلية بلده.
لا أخفي أنني كنت أتوقع أن أواجه صعوبات في عملية إصدار جواز جديد من قنصلية بلدي- من باب الحدس كعراقي يعرف مشقة إجراء المعاملات الروتينية الحكومية في بلداننا، ربما منذ استحداث منصب الحاجب للحيلولة دون الوصول إلى صاحب الشأن من قبل معاوية بن أبي سفيان إلى يوم الناس هذا، لكني لم أكن أتوقع أن العملية مستحيلة بالأساس! كانت خيبة الأمل الأولى التي واجهتني هي شحة المعلومات في موقع السفارة العراقية في واشنطن- أو بالأحرى عدم وجود أية معلومة أو جملة مفيدة بشأن الإجراءات اللازمة في مثل حالاتي، فللوهلة الأولى نسيت مشكلتي الشخصية وأنا أفكر بمصيبة أن يكون موقع سفارة بلدي (العراق العظيم) في أكبر دولة بالعالم (أمريكا العظمى) بهذه البدائية في التصميم والقصور بالغرض، إذ تبدو عليه مظاهر الإهمال الواضح والمتعمَّد وهو يحوي روابط غير فعالة وعناوين بريد ألكتروني وهمية، بل الطريف أنه مكتوب فيه خيار اللغة التي تريد انتقاءها ثم تفاجأ بظهور كتابات إنجليزية بعد الضغط على خيار اللغة الكردية أعلى الصفحة! لكن للأمانة، حصلت من خلال هذا الموقع على أرقام القنصليات العراقية في كل من واشنطن وديترويت ولوس أنجلوس، ولكن دون أن أعرف أنها الأخرى سراب يحسبه الظمآن ماءا، بل كانت البداية الفعلية للمعاناة!
بدأت بالاتصال بالقنصلية العراقية في واشنطن، فكانت الرسالة الآلية التي أخبرتني باللغة الأنجليزية ما مفاده أن "أرقام القنصلية مشغولة حاليا، فيرجى إعطاء أسمك ورقمك وسوف يعاود الاتصال بك في أقصر فترة ممكنة"، كما لم يكن حظي بأوفر لدى إتصالي بقنصلية ديترويت التي ردت عليَّ برسالة آلية مماثلة، في حين ظل هاتف قنصلية لوس أنجلوس يرن دون أن أحصل من خلاله على رد بشري أو آلي (والغريب أنه لم يكن ينقطع آليا كذلك، فكأنه كان يرن إلى ما لا نهاية)! لكن كعادة الغريق وهو متعلق بقشة، أملت أن يكون إنشغال الخطوط دليلا على همة "جماعتنا" وموظفينا في خدمة الجالية العراقية في أمريكا، وحرصهم على تعميق العلاقات العراقية-الأمريكية (مع الإعتذار لعادل إمام لإقتباس فكرته القاضية بتعميق العلاقات المصرية-السنغافورية)، فهم بالنهاية يحلون رواتبهم الوفيرة التي يجنونها من وراء خدمتهم تلك وإنشغالهم ذاك –اللهم لا حسد!
وكما يمكن أن يتوقع القارئ العزيز، دام ذاك "الإنشغال" وتلك "الفترة القصيرة القصوى الممكنة" أياما وأسابيعَ بطولها دون أن أتلقى منهم ردا، بل ظللت أتصل بهذه القنصليات كل يوم (عدا أيام العطل) فكنت كل مرة أتلقى منها الصفعة ذاتها: قنصليتان مشغولتان عن الرد وثالثة تجبرك أن تغلق الهاتف بوجهك شخصيا بعد أن يظل يرن قرابة الربع ساعة!
بعد أن يأست من أية وسيلة بالتواصل معهم، وبعد إنقضاء وقت ثمين وجهد جهيد أستقطعه من دراستي ونومي وراحتي، كان الأقتراح المثالي من مدراء بعثة الفولبرايت بوزارة الخارجية الأمريكية، إذ أفادوا بأنهم يعانون من ذات المشكلة مع القنصليات العراقية بحيث أنهم لم يعودوا يتصلون بهم بالطرق الرسمية، مؤكدين أن وسيلة "الواسطة" السحرية هي الحل الأمثل في هذه الحالة. وبالفعل تعجبت كيف تقافزت كلمة "واسطة" العربية ضمن سياق حديثنا الإنجليزي مع موظفي البعثة، ولكني لم أتعجب من الفكرة البتة، إذ لم تغب هذه الوسيلة عن بالي منذ البداية، لكن لم أرد أن أستعمل "الواسطة" لأمر حسبته أول الأمر مقضيا بالطرق القانونية الرسمية، فبحسب معرفتي المتواضعة عن "الواسطة" أنها تستخدم للإلتفاف حول القانون وليس لتنفيذ القانون نفسه.وبالفعل، فعلت الواسطة فعلتها، وتمكنت من الحصول على الرقم الشخصي لأحد موظفي السفارة من خلال الجهود الشخصية المشكورة لطبيب عراقي مرموق في أمريكا، وكان سعادة الدبلوماسي واضحا بأن القنصليات العراقية في أمريكا لم تستلم "جهاز إصدار الجوازات" رغم توزيعه على معظم القنصليات في الدول الأخرى، ولكنه حولني إلى موظف آخر متخصص بالتعامل مع هكذا حالات "مستعصية". وفعلا، خاطبني حضرة الدبلوماسي المتخصص بنبرة المستعطف الذي ليست بيده حيلة، وهو يؤكد لي إستحالة مطلبي، ولكن هذه المرة لسبب مختلف: "جهاز إصدار الجوازات موجود فعلا في ديترويت لكننا لم نتلق الإذن (القانوني) من وزارة الداخلية للعمل به، وبالنسبة لحالتك، يمكننا أن نعطيك مستمسكا لإداء أمتحانك به ومن ثم لكل حادث حديث، لكنني لن أعدك بشئ!" ولن أخفي عليكم أنني حاولت أن أحصل على الجواز من العراق غيابيا، فكان "القانون" لي بالمرصاد من جديد! وهكذا ظلت القوانين تلاحقني وأنا أتصل بالموظفين بطرق "غير قانونية". وفعلا تذكرت كيف أن القانون كان السائد منذ القدم في أوطاننا، فحتى الجزار العثماني سليمان باشا كان يلقب نفسه بـ"القانوني"!
بعد مرارة المحاولات، قررت أن أكتب وفي رأسي تساؤلات لا حصر لها: هل أنني الوحيد الذي يفقد جوازه في العالم؟ أليس من حقي "القانوني" أن أحصل على جواز سفر "بدل فاقد" في هذه الحالة؟ هل أنني أقترفت جريمة حتى يكون "طريقي مسدودا مسدودا" وأنا التائه "بلا عنوان" في أمريكا؟ أليس من المجحف أن أتلقى كل التشجيع والتقدير من الجهات الرسمية الأمريكية في محنتي هذه وكذلك الأكاديمية منها بعد أن حصدت أعلى الدرجات في دراستي للماجستير وكذلك في تحضيراتي لإمتحانات البورد الطبي الأمريكي ونشري لبحث كامل –وربما للمرة الأولى- في مجلة علمية دولية مرموقة عن أمراض إنتقالية متسعصية في العراق بالتعاون مع وزارة الصحة العراقية، في حين أتلقى هذا الإهمال من أبناء بلدي أنفسهم؟ إلى متى يعتكف المسؤول منا في أبراج عاجية قاطعا كل سبل التواصل مع المواطن في حين أن الموظف في البلد الغربي يعمل خادما لأبناء شعبه بل ولضيوفه من الأجانب كذلك؟ ما الفائدة من وجود سفارة وقنصليات مترامية يركن فيها أعداد هائلة من الموظفين ندفع لهم من أموالنا وطاقاتنا دون أن يقدروا أن يصدروا جواز سفر "قانوني" لمواطن مغترب؟ ماذا يمكن أن يحصل لي بعد أن أنهي دراستي ولا أملك جواز سفر يرجعني لبلدي؟ ألن أفقد إقامتي "القانونية" في أمريكا دون أن أقدر على الرحيل عنها؟ وأخيرا: من الملام لو آثرت الطاقات العراقية البقاء في دول أخرى تحترمهم وتوفر لهم سبل التطور والتقدم، والأهم من كل ذلك: تحسسهم أنهم بشر لديهم حقوق "قانونية"؟ يعلم الله أنني لم أكتب هذه المقالة إلا حبا بوطني وحفظا لكرامته من الفساد والتقاعس والهيمنة الشخصية، وكما قال الشاعر:
ظلم ذوي القربى أشد مضاضة.....على المرء من وقع الحسام المهند



#جگر_الريكاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- أمريكا تكشف معلومات جديدة عن الضربة الصاروخية الروسية على دن ...
- -سقوط مباشر-..-حزب الله- يعرض مشاهد استهدافه مقرا لقيادة لوا ...
- -الغارديان-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي ل ...
- صاروخ أوريشنيك.. رد روسي على التصعيد
- هكذا تبدو غزة.. إما دمارٌ ودماء.. وإما طوابير من أجل ربطة خ ...
- بيب غوارديولا يُجدّد عقده مع مانشستر سيتي لعامين حتى 2027
- مصدر طبي: الغارات الإسرائيلية على غزة أودت بحياة 90 شخصا منذ ...
- الولايات المتحدة.. السيناتور غايتز ينسحب من الترشح لمنصب الم ...
- البنتاغون: لا نسعى إلى صراع واسع مع روسيا
- قديروف: بعد استخدام -أوريشنيك- سيبدأ الغرب في التلميح إلى ال ...


المزيد.....

- العلاقة البنيوية بين الرأسمالية والهجرة الدولية / هاشم نعمة
- من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية / مرزوق الحلالي
- الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها ... / علي الجلولي
- السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق ... / رشيد غويلب
- المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور ... / كاظم حبيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟ / هوازن خداج
- حتما ستشرق الشمس / عيد الماجد
- تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017 / الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
- كارل ماركس: حول الهجرة / ديفد إل. ويلسون


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة - جگر الريكاني - العراق العظيم الذي لا يقدر أن يصدر جواز مرور لمواطنيه