محمود عليان
الحوار المتمدن-العدد: 3584 - 2011 / 12 / 22 - 23:47
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
العلمانية سيئة السيط والسمعة..في المخ العربي.
استذكر في بداية الحديث تلك القصة خلاصتها أنه حدث أن تزوج رجل قصير بإمرأة طويلة وعندما ناما على سريرهما وجد ذلك الرجل أن رجلا زوجته كانتا خارج السرير..فقام بقصهما..كي يتناسب طول زوجته مع طول السرير.
حال هذا الرجل في مجتمعاتنا العربية أكثر الناس,حيث أنهم يقيسون بالمقاييس الخاطئة..وبالتالي تكون استنتاجاتهم وحلولهم مشوهة وخاطئة وابعد ما تكون عن الصواب والحقيقة...
نعم فأكثر العرب,مع الأسف, يعممون الخاص..ويخصصون العام ليصبح الاستنتاج على مقاس معتقدهم أو رأيهم..وهذا إما انه يكون بقصد منهم,وهذه كارثة,وإما أن يكون بغير قصد لأنهم لا يعرفون أين هو الخلل بالتحديد..ربما تكون أيضا كارثة.
ومن غير تثبت أو برهان..يكيلون الإتهام لهذا الفكر ويحاربون ذلك الفكر ويطعنون بفكر ثالث..لأن هذه الأفكار فقط ليست من بنات أفكارهم وأنها ليست من قيمهم وعاداتهم..وينسون..أو يتناسون أنها من أفكار بشر اخرين..وكل ما هو بشري لا يمكن أن يكون غريبا" عن باقي البشر..حتى ولو استغربوه.
كثيرا" منهم هاجم العلمانية من هذا المنطلق: هي أفكار غربية,وغريبة عن واقعنا ايضا..ولا تتناسب وقيم مجتمعنا...وفي نهاية الأمر يأتي أحدهم ويستشهد ببرنامج تلفزيوني تكلم يوما ما عن أطفال غير شرعيين في ألمانيا,فيبني توقعاته ( المدهشة) أن العلمانية (عديمة الشرف والحياء) هي من فعلت ذلك!!!
وهي (للأمانة)بريئة من ذلك براءة الذئب من دم يوسف كما يقولون.
ولكن هل يعرف هؤلاء الذين يصفون العلمانية بالغريبة والغربية وأنها لا تتناسب ومجتمعنا أن الافكار الإنسانية ليست لباس نفصله كي يتناسب مع حجم عقولنا ومفاهيمنا..وأن الأفكار ليست طبخة نتحكم في كيفية طبخها ومقاديرها!!
يكفي القول أن الأفكار ليست حكرا" على أحد..ولا ملك يمين أحد..والتاريخ يزخر بالتأثر والتأثير من الناحية الفكرية للحضارات..لا يوجد هناك حضارة لم تتأثر بغيرها..لأن الأفكار الإنسانية بطبيعتها عامة..بمعنى أنه لا يمكن تصنيفها حسب الجغرافيا فنقول هذه الأفكار خاصة بالشرق ولا تصلح للغرب,لأن الأفكار تحاكي عقل الإنسان وليس بلده..فإن اقتنع بها حملها..وإن لم يقتنع تركها.
ومن أكبر الادلة على ذلك هو وجود المسلمين في الشيشان والصين والهند و غيرها من البلاد..مع أن الإسلام كان موطنه الأصلي شبه الجزيرة العربية.
هذا حال كل الأفكار تنتقل من أمة الى أمة ومن شعب الى شعب ومن حضارة الى أخرى
ومن الشرق الى الغرب والعكس.. ولا يمكن ايقاف هذا الزحف العكسي أبدا" حيث أنه طبيعة إنسانية وسنة كونية محتمة.
هذا (وفعلا) حال الفكر ينتقل بين الناس بغض النظر عن ميول بعضهم ورغباتهم ..وعراقيلهم في بعض الأحيان.
وربما تصل عراقيل بعض الناس إلى حد إلصاق التهم للعلمانية ..(قد تكون تهم ساذجة)..فها هم أصحاب النظرية الإنغلاقية يتمسكون في تهمة الجنس الغير شرعي في اوروبا كدليل على شهوانية العلمانية وعدم كفايتها لتنظيم علاقات الناس بعضهم ببعض.
نعم هم يحاولون الصاق هذه التهمة للعلمانية من خلال شواهد فعلية تحدث في اوروبا والغرب بشكل عام..وللموضوعية نقول أن العلاقات الجنسية في هذه المناطق من العالم مفتوحة فعلا" ولكن هل تتحمل العلمانية مسؤولية هذه العلاقات؟
بالطبع لا..فلو بحثنا في تاريخ العلاقات الجنسية (الغير شرعية) وأقصد بها تلك العلاقات التي تحدث خارج مؤسسة الزواج لوجدناها ضاربة في القدم..قدمها قدم الإنسان.
فكيف نربطها بالعلمانية التي لم يمض على تبلورها أكثر من 500 عام على الأكثر!!
ولو غالطنا انفسنا وحاولنا ربط هذه العلاقات بالعلمانية فلماذا نجد أن بعض المجتمعات تعاني من هذه الافة..وهي(أي المجتمعات)غير علمانية..فيمكن أن تكون اشتراكية كالصين وكوبا وفيتنام والاتحاد السوفيتي سابقا"..وقد تكون مجتمعات بلا لون لا هي اشتراكية ولا علمانية ولا دينية ايضا"..كروسيا اليوم وبلاد المغرب العربي(المغرب وتونس والجزائر..) ولن أبالغ لو قلت بلاد المشرق أيضا(مصر وسوريا ولبنان وغيرها)..في الإسكندرية لوحدها كان هناك ما يقارب ال12000 مومس في عام 1945 حسب ما قال هيكل في إحدى محاضراته.. هذا قبل 55 عام من الان..لك أن تتخيل مقدار التطور الطبيعي بالنسبة لحجم السكان في هذه الألفية!!!
تكاد من وجهة نظر، أن لا تخلى كل مجتمعات العالم اليوم من هذه العلاقات السيئة..ومن الحقيقي أن نقول أن هذه العلاقات كانت (وعلى مدى التاريخ) موجودة في كل المجتمعات مع الأسف..ولكن طبعا بصورة ونسب متفاوتة.
إنه من الظلم المجحف حقا" أن نربط هذه العلاقات بالعلمانية, لأن العلمانية هي في النهاية نظرية ونظام,فإن أساء البشر تطبيق النظرية هم من يتحمل المسؤولية وليس النظرية ذاتها..
إن الأنظمة وجدت لتنظيم حياة البشر من كافة المحاور..ومن هذا الباب كانت الانظمة الثلاث وأقصد ( الدين والعلمانية والإشتراكية) قد نبذت العلاقات الجنسية خارج طاق الزواج..فالدين سماها(زنى)والعلمانية سمتها(خيانة) والاشتراكية ام تعطها أي اهمية لأن الفرد يجب أن يذوب في الجماعة ولا قيمة للفرد هناك وبالتالي يجب أن تكون أفعاله منضبطة لمصلحة الجماعة.
ومع أن كل الانظمة نبذت هذه العلاقات واعتبرتها أقبح ما في الوجود..إلا أن هذه العلاقات موجودة مع الأسف..وهذا يؤكد أن الصاق هذه التهمة بأي نظام هو ظلم كبير..فلماذا تدفع العلمانية أو غيرها ثمن شهوة ليس لها دين أو فكر أو لون؟؟؟!!!
قد أثار اشمئزازي مقال بعثه لي صديق حميم..هذا المقال يتكلم عن أب اغتصب ابنته الصغيرة وزوجته نائمة في الغرفة الاخرى من البيت..هذا الرجل عربي..وفلسطيني..وهو مسلم أو مسيحي لا أعرف..هل نشتم العروبة وفلسطين وغيرها؟!!!
إن المقاييس الخاطئة هي التي توقعنا في مجال الشك بالاخر وهي التي تبعدنا عن موضوعيتنا وتدفعنا باتجاه الرفض من دون تمحيص..وتجعلنا باستمرار نقطع ارجل زوجاتنا لتتناسب مع حجم السرير
في النهاية إن القوانين هي التي تمنع كل أنواع الإستغلال وتحد منها وليست الأنظمة..لأن الأنظمة مجردة وتبقى مجردة بدون القوانين.
وللقوانين قيمة حقيقية في تسيير الحياة ..قد ورد في ذهني قصة الورد في الاتحاد السوفييتي سابقا..حيث كان شعب الاتحاد السوفييتي يحب الورد بشكل كبير وكانوا يقطعونه من الاماكن العامة لدرجة أن هذه الأماكن أصبحت قاحلة من الزهور..قرر ستالين أن جزاء من يقطف زهرة من مكان عام سيكون عقابه 15 عاما في السجن مع الأشغال الشاقة وطبق هذا القانون فعليا"...ها هي روسيا اليوم...كلها زهور.
لنترك أخطاء الاخرين.. ولنبحث عن الأشياء القيمة ذات المعنى..ولنتوقف عن البحث بتوافه الأمور لأن واقعنا العربي يحتاج أكثر بكثير من البحث عن زلّات الاخرين وهفواتهم..وما دمنا سنفكر على اية حال ... فالنفكر بأمور عظيمة.
#محمود_عليان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟