في بلاد العرب الثورة هي فورة والتحرر هو الانحلال والمواطنة هو الفلتان

سامي كاب
(Ss)

الحوار المتمدن-العدد: 3584 - 2011 / 12 / 22 - 10:01
المحور: المجتمع المدني
    

زمن انقلاب المفاهيم واسس المنطق في بلاد العرب هذا الزمن الحالي المسمى بالربيع العربي ينتج عنه مخترعات منطقية جديدة منها :
1- المواطنة :- مخدر ثقيل يباع مجانا بالشوارع للفقراء والشباب العاطل عن العمل والمندفعين والاوفياء والمخلصين والسذج والبسطاء
2- الثورة :- خيمة بدوية واسعة منصوبة في ارض صحراوية خلاء يرتادها الهمج والرعاع والضائعين والتائهين والبائسين وقطاع الطرق والرعيان والصيادين والتجار والسواح والمتسوقين والمتطفلين والامعة والانقياديين والهواة والمحاربين والعجزة والجياع واصحاب رؤوس الاموال المتاجرين بالبشر والذمم والوطن والشرف والدين
ويرتادها الصبيان والاطفال للعب والتسلية والبطالين والاستهلاكيين والسلبيين وبعض الحكماء الموهومين وفلاسفة الشوارع ومنظري المجالس وشبيحة الحارات وشخصيات المقاهي وبلطجية البارات والكباريهات ونباشي القبور والباحثين عن النفائس بالمزابل وعن لقمة عيش مرمية من فضلات المترفين
ويرتادها الشباب العازب ومن فقد الامل بالزواج والتاهيل للحياة الاسرية الاجتماعية وترتادها العوانس البائسة والارامل والمطلقات والعجائز اليائسات
الثورة تمثل في بلاد العرب خليط متنوع من كل الالوان والاطياف واسراب من طيور مختلفة الاصول والمشارب والصنف والنوع والغاية والهدف تطير بلا وجهة وبلا خط سير واحد محدد تملاء السماء صخبا وفوضى والارض نعيقا وهمجية وتطير بحركة موجية متدفقة في كل الاتجاهات بعشوائية مرتفعة هابطة بايقاع فوضي عارم

الثورة في بلاد العرب اصبحت ارضا ومكانا ملائما تعرض به كل القيم العربية الاسلامية الحبيسة بالصدور والعقول منذ عقود والممنوعة من الانفلات وكانها بقر وحشي تم حشره في حظائر للتدجين والتانيس والتهجين من قبل حكم العسكر والدكتاتورية والحكام التسلطيين اصحاب الحزب الواحد والنظام الواحد
اصبحت الثورة انفلات وتحرر من قبضة النظام وخروج عن الدستور والقانون وتسيب وتملص من مسؤوليات الحياة الفردية والجماعية وخروج من دائرة الانتماء الوطنية

الثورة في بلاد العرب اسمها الحقيقي فورة
نعم انها فورة تشبه تماما فورة ماء يغلي على نار وهي حالة تغيير بمواصفات المادة من سائل الى بخار
الجماهير العربية تمر الان بمرحلة التغيير من حالة الى اخرى وهذه الحالة ليست بالضرورة ان تكون ثورة بمعنى ثورة الشعوب باتجاه الرقي والتطور والانتقال من محطة حضارية دنيا الى محطة عليا في طريق التطور التصاعدي لحضارة الانسان عموما ورقيه نحو الافضل
الثورة بتعريفها الدقيق هي حالة تغير حضارية شاملة لكل جوانب الحياة وتركيبة الانسان الفردية والاجتماعية بشكل متوافق ومتناغم ومتلائم مع حيثيات الواقع والظرف زمانيا ومكانيا في اطار حضارة الانسان عموما وسياق التطور والنمو الانساني والحداثة المتواصلة لغاية تحقيق الحياة الكريمة والرخاء والسعادة والهناء للفرد والمجتمع الانساني
ومن هنا فان اي حركة تغيير في مجتمع ما لا ينطبق عليها هذا التعريف لا تسمى ثورة انما تسمى بتصنيفها الحيثي ومعطياتها وصياغتها وواقعها ومسارها وسياق عملها واطارها ومكانها وزمانها وعناصر تشكيلها وآلية تشغيلها وادوات تشغيلها وبرنامج عملها والقائمين عليها وطاقتها وزخمها ووجهتها وهدفها ومنطلقاتها واسبابها

وانا شخصيا اطلقت اسم ( فورة ) على مجريات الحركة الشعبية الحاصلة في الوطن العربي بداية من تونس ثم مصر ثم ليبيا ثم اليمن ثم سوريا ثم البحرين ثم الكويت ثم العراق ثم المغرب

والفورة هي حركة تغيير لا يوجد لها مسار محدد وواضح ولا هدف ولا غاية ولا تجانس في مادتها وادواتها ولا برنامج عمل مصاغ على اسس حضارية ذات جدوى انما هي ردة فعل شعبوية اتجاه الضغط السياسي والاقتصادي على الشعوب الى درجة عدم الاحتمال بالمواصلة في الحياة اليومية ضمن هذا الواقع
والسبب ايضا في هذا الوقت بالذات ظهور قيم العولمة مثل الديمقراطية وحقوق الانسان الحياتية والعدالة الاجتماعية والحرية والكرامة الانسانية وغيرها واللتي اصبحت متداولة للجميع بفضل الانفتاح العالمي عبر وسائل الاعلام والاتصالات المختلفة من فضائيات وانترنت ومجلات وكتب واذاعات وغيرها وبفعل التطور التقني والمعلوماتي وطغيان العولمة في كافة مجالات الحياة وتشابك المصالح الانسانية واندماج الشعوب مع بعضها في المجالات الاقتصادية والعلمية والتقنية ومختلف جوانب الحياة الاخرى
وهنا نفهم بان الشعوب العربية تمر بمرحلة تغيير فقط لمجرد التغيير كمن يريد ان يخرج من سجن مؤبد ولا يهم لاين يخرج بل المهم فقط الخروج
وهنا ايضا الدور الحقيقي للقادة السياسيين والمفكرين والمثقفين والمتعلمين والاكاديميين والحرفيين والصناع والمنتجين وطلائع المجتمع والكوادر والقيادات في مختلف الميادين والمتنفذين واصحاب القرار وهنا ايضا دور الضمير الانساني الوطني الايجابي
وكل هذه المسؤوليات يجب ان تجتمع بحزمة واحدة لتشكل مجموعة قيادة شعوبية لتقود الجماهير المنفلتة السائبة التائهة الرعناء بعد خروجها من سجن وقيد الحكام العرب الطغاة وان توفر لها المكان والبرنامج والهدف والوجهة والهداية وان تحدد مسارها وترسم لها غايتها بوضوح وتقنعها ببرنامجها الحضاري المتلائم مع شخصيتها الذاتية الفردية والعامة
وما دون ذلك ستكون هذه الفورة في حياة الشعوب العربية بمثابة حركة تغيير تقود نحو الضياع والتشتت والتشرذم والتقسيم والانفلات من سياق المواطنة والانتماء والمظلة الحضارية الجامعة والخروج عن طريق التطور والنمو والرفعة للانسان في هذه الاوطان وتدخل الشعوب في عصور الظلام والانحطاط والتخلف المزمن.

#سامي_كاب (هاشتاغ)       Ss#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات