|
ضرورة مراجعة استراتيجيات العمل الوطني في حوارات القاهرة
ابراهيم ابراش
الحوار المتمدن-العدد: 3582 - 2011 / 12 / 20 - 20:16
المحور:
القضية الفلسطينية
خلط خطير يشوب الخطاب السياسي للقادة والمسئولين الفلسطينيين عندما يتحدثون عن الأهداف الإستراتيجية وسبل تحقيقها مما يرتب تداعيات خطيرة على الأداء السياسي وكيفية إدارة الصراع داخليا ومع الإسرائيليين .لن نتوسع بالحديث عن الأهداف الوطنية العليا للشعب إن كان الهدف تحرير كامل فلسطين من البحر إلى النهر أو إقامة دولة في الضفة والقطاع،فهذه محل خلاف مزمن ومحل حوارات اليوم التي نتمنى أن تُكلل بالنجاح،وهو إشكال يمكن حله وفك التعارض بين الهدفين لو توفرت إرادة المصالحة وتحرير الخطاب من الأيديولوجيا والارتهان للخارج،فكل الشعوب والدول لها أهداف معلنة يتم الاشتغال عليها في التعامل الدولي والعلاقات الدبلوماسية وأهداف مبطنة لا يتم التصريح بها وتبقى في حالة كمون في العقل الجمعي للأمة إلى حين ظهور متغيرات في موازين القوى آنذاك يمكن الإفصاح عنها،وعلى هذا المستوى يمكن توظيف مقولة (السياسة فن الممكن ). ما نود الحديث عنه هو الخلط ما بين الاستراتيجي والتكتيكي،أو الهدف والوسيلة في مواقف الأحزاب والقادة من مسألتي المفاوضات والمقاومة،حيث تعلن منظمة التحرير بان المفاوضات خيار استراتيجي،فيما تقول حركة حماس وفصائل أخرى، إن المقاومة خيار استراتيجي.في رأينا أن كلا الأطروحتين خاطئة علميا وخطيرة سياسيا.الخطأ لا يكمن في المقاومة أو التسوية السياسية والمفاوضات بل في وضعهما كحالتين متعارضتين تنفي كل منهما الأخرى. الطبيعة البشرية تقوم على نوازع الخير ونوازع الشر،على القوة العقلية والقوة الجسدية،أيضا المجتمعات والدول بها نوازع خير ونوازع شر وتتضارب عندها المصالح ،وبالتالي لا يمكن إسقاط أية وسيلة يمكنها تحقيق المصالح القومية .وفي نفس السياق ،كما أن الإسلام الذي هو دين سلام ومحبة ومن خلال القرآن الكريم قال : "أعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم" فالقوة هنا ليست دعوة للعدوان والحرب بل لاستعمالها عند الضرورة،فإن الشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة الذي يدعو للسلام ويحث الشعوب على حل مشاكلها بالطرق السلمية أكد على حق الدول والشعوب بامتلاك كل أشكال القوة بما فيها العسكرية ليس للحرب والعدوان بل للدفاع عن النفس كما شرعن اللجوء للقوة في بعض الحالات ومنها حق الشعوب الخاضعة للاحتلال بمقاومة الاحتلال بكل الوسائل. وعليه ،لا بأس من الحديث عن السلام كخيار استراتيجي لأن كل الشعوب تنشد السلام حتى وهي تمارس الحرب،لكن السلام هدف لا يتحقق من تلقاء ذاته بل يحتاج لوسائل لتحقيقه ويجب عدم الخلط بين السلام والتسوية والمفاوضات،فالتسوية السلمية وسيلة لتحقيق السلام والمفاوضات أداة من أدواتها، كما أن القوة بكل أشكالها أداة من أدوات التسوية ولكنها لا توضع على طاولة المفاوضات بل تحت الطاولة كورق قوة كامنة أو مُهدد بها في حالة فشل التسوية السلمية،وفي حالة عدم تحقيق التسوية والمفاوضات للأهداف الوطنية لا يتم تغيير الأهداف الوطنية بما يرضى الخصم ويتوافق مع شروطه بل يتم تغيير نهج التسوية والمفاوضات والبحث عن وسائل أخرى. وعليه من الخطأ الحديث عن المفاوضات كخيار استراتيجي لأن المفاوضات وسيلة ترتبط بسلوك الخصم ومدى رغبته بالحل السلمي عن طريق المفاوضات ولا تنفصل عن المتغيرات في موازين القوى وفي السياسيات والمواقف الدولية.إن الذي يقول بأن المفاوضات خيار استراتيجي إنما يصادر حقا من حقوق الشعب تقرها جميع الشرائع الدينية والدولية وهو حق الدفاع عن النفس بكل الوسائل،والمقاومة في الحالة الفلسطينية شكل من أشكال الدفاع عن النفس للحفاظ على الوجود القومي في مواجهة خصم لا يعترف بهذا الوجود.وحيث أنه ثبت أن إسرائيل لا تريد السلام وتتلاعب بالمفاوضات فلا يجوز لمسئول فلسطيني أن ينهج نهجا غير مسبوق في تاريخ البشرية وهو مواجهة الاحتلال بالمفاوضات فقط ومصادرة حق الأجيال القادمة بتوظيف كل الوسائل التي تعترف بها الشرائع الدينية والدنيوية بما فيها المقاومة بكل أشكالها لتحقيق ما تعجز القيادة الحالة عن تحقيقه. كون حركة المقاومة الفلسطينية وخصوصا حركة فتح قالت في بداية انطلاقتها بأن الكفاح المسلح هدف استراتيجي،وفشلت في هذا النهج فذلك لا يبرر إسقاط الكفاح المسلح (المقاومة) استراتيجيا ولكن كان يمكن إعادة النظر فيها تكتيكيا أو تأجيلها مؤقتا لفتح المجال للوسائل الأخرى كالمفاوضات أو الشرعية الدولية،لأن إسقاط المقاومة كحق أو التخلي عنها استراتيجيا يُضعف من إمكانية تحقيق نهج المفاوضات والتسوية للأهداف المنشودة منه. نفس الخطأ وقعت فيه حركة حماس وغيرها من الفصائل التي تحدثت عن المقاومة (الجهاد) كخيار استراتيجي ورهنت مصير الشعب والقضية بما يمكن أن تنجزه المقاومة التي تم اختزالها أخيرا بعمليات إطلاق صواريخ .فلأكثر من عقدين وحركة حماس تعلن أن المقاومة المسلحة خيار استراتيجي لا تراجع عنه وشنت حربا إعلامية على من يقول بالسلام ويدعو إليه، وخلال هذه الفترة أدارت الظهر للشرعية الدولية ولنهج التسوية سواء كانت تسوية أوسلو أو أية تسوية ،وخلال هذه الفترة أيضا سقط آلاف الشهداء والجرحى وآلاف الأسرى وتدمير فضيع حاق بقطاع غزة والضفة ،وبعد كل هذا الدمار قررت إعادة النظر في خيار المقاومة ليس لأن هذا الخيار حقق الأهداف الوطنية بالحرية والاستقلال بل لأنها شعرت بأنها تسير لطريق مسدود ولأنه يصعب حصد نتائج سياسية بدون رؤية واضحة للسلام والتسوية السياسية. نتيجة الخطأ السابق بالخلط بين الوسائل والخيارات الإستراتيجية وصل اللذين يقولون بالمفاوضات كخيار استراتيجي لطريق مسدود ووصل الذين يقولون بالمقاومة كخيار استراتيجي لطريق مسدود. نتمنى أن تتمخض حوارات القاهرة عن إعادة نظر إستراتيجية لخيارات الطرفين تؤسس لإستراتيجية وطنية جديدة تعيد الاعتبار لخياري السلام والمقاومة في إطار إستراتيجية واحدة . هذه الإستراتيجية الوطنية الجديدة إن كان عليها عدم تجاهل النتائج الكارثية للخيارين السابقين وخصوصا الانقسام وتداعياته والسلطتين وارتباطاتهما الخارجية،إلا أن على هذه الإستراتيجية أن تأخذ بعين الاعتبار بان القضية الوطنية ليست سلطة وحكومة وانتخابات ومعتقلين وتمويل خارجي،بل قضية أكبر وأكثر عمقا قد يستمر الصراع عليها لعقود قادمة.نتمنى من الفصائل المجتمعة في القاهرة أن تنصب جهودها على مستويين: الأول : الاشتغال على الإستراتيجية الوطنية بعيدة المدى من خلال إعادة بناء وبتفعيل منظمة التحرير كممثل للشعب وقائدة نضاله بكل أشكاله وككيان معنوي للفلسطينيين إلى حين قيام الدولة الفلسطينية المستقلة كما يتم التوافق عليها وطنيا، والتي يبدو أن قيامها تحتاج لوقت ليس بالقصير. والثاني : الاشتغال على القضايا الراهنة والعاجلة كملف المعتقلين – للأسف توافقنا مع الإسرائيليين على اتفاقات تبادل إطلاق سراح أسرى وغير قادرين على انجاز اتفاق بيننا على إطلاق سراح أبنائنا- وجوازات السفر وإعمار غزة والانتخابات والحكومة الخ،فهذه إفراز للخلل الاستراتيجي المشار إليه وليس لب القضية.ويجب أن يكون الاشتغال على هذا الملف جزءا مكملا للملف الأول وليس بديلا عنه حتى لا تؤول الأمور لمصالحة إدارة الانقسام.
#ابراهيم_ابراش (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تصريحات المرشح الجمهوري الأمريكي غينغريتش أخطر من مجرد دعاية
...
-
الإسلام السياسي والغرب بين نظرية المؤامرة والواقعية السياسية
-
في تفسير الانقلاب في سياسة جامعة الدول العربية
-
التوظيف السياسي للملف النووي الإيراني
-
ماذا بعد اعتراف اليونيسكو بدولة فلسطين؟
-
لماذا قُتل القذافي ؟ومن قتله؟
-
انجازات قد يبددها الانقسام
-
هل من استراتيجية فلسطينية لمواجهة استحقاقات المرحلة؟
-
الثورات العربية تربك العقل السياسي العربي
-
ما بعد خطاب أبو مازن وما قبل الدولة
-
استحقاق الدولة الفلسطينية يكشف مستورا ويثير تخوفات
-
واشنطن واستحقاق الدولة الفلسطينية
-
لا مجال للحياد في معركة استحقاق الدولة الفلسطينية
-
تقرير بالمر واستحقاق الدولة الفلسطينية
-
استحقاق الدولة الفلسطينية وليس استحقاق أيلول
-
الجامعات الفلسطينية:تحديات ومسؤوليات
-
هل ستسير حركة حماس على هدى إخوان مصر والأردن؟
-
استحقاق أيلول والتلاعب بمصير (وطن)
-
ثورات ... ولكن
-
حتى يكون أيلول استحقاقا
المزيد.....
-
الرفيق جمال كريمي بنشقرون يحمل الحكومة مسؤولية أزمة قطاع الص
...
-
مجلس الشيوخ الأمريكي يهدد بتشديد العقوبات على الدول التي تشت
...
-
ما حقيقة تعرض مصر ثالث أيام عيد الفطر لـ-أعنف- عاصفة ترابية
...
-
محكمة فرنسية تعتزم البت في طعن لوبان في صيف 2026
-
الولايات المتحدة تعزز وجودها العسكري في الشرق الأوسط
-
واشنطن مستعدة لدراسة توسيع عدد المشاركين في البعثات النووية
...
-
توقع -العرافة العمياء- لعام 2025 يتحقق والباقي عن مستقبل قات
...
-
رويترز: ترامب يعتزم تخفيف قواعد تصدير الأسلحة الأمريكية
-
السوداني والشرع يبحثان العلاقات الثنائية
-
الحوثيون يعلنون استهداف حاملة الطائرات الأميركية ترومان
المزيد.....
-
تلخيص كتاب : دولة لليهود - تأليف : تيودور هرتزل
/ غازي الصوراني
-
حرب إسرائيل على وكالة الغوث.. حرب على الحقوق الوطنية
/ فتحي كليب و محمود خلف
-
اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني
/ غازي الصوراني
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|