تتميز
الشخصية العراقية بالرغم من ثبات استقرارها منذ القدم كونها من الشخصيات المثيرة
للجدل ، فهي الى جانب حبها للمدينة والاستقرار لجأت الى الهجرة والعودة مجددا الى
الريف والى جانب شجاعتها وصرامتها لجأت الى التقية والمهادنة والى جانب ثرائها
وغناها وما منحها الله والطبيعة من خيرات عانت وتعاني مرارة الفقر والحاجة والى
جانب كرمها وعطائها عاشت العوز والحرمان والى جانب كونها من أوجد القيم والعدالة
فقد أنتشر الظلم والدماء في مسامات الهواء التي تغطيها وعلى مساحة زمنية كبيرة الى
جانب الكثير من المفارقات والمتناقضات ، وعليه أصبحت دراسة الشخصية العراقية من
الدراسات المهمة والتي تكشف التدقيق الصحيح لمعالم هذه الشخصية ، وحين يكون علم
الاجتماع المرتع والمختص لمثل هذه الدراسات فأن العالم الجليل المرحوم الدكتور علي
الوردي قد اجاد بدراساته عن الشخصية العراقية والمجتمع العراقي .
يتفرد الدكتور علي الوردي في تمكنه الولوج الى أعماق الشخصية العراقية فيقترب منها
يتلمس حقيقتها بصراحته المعهودة وتشخيصه الدقيق فينقل للقارئ نتائج عملية وقراءة
علمية وتدقيق لما يدور في دواخل هذه الشخصية من خلال محاولة الغوص داخل سلبيات
المجتمع العراقي وإيجابياته معتمداً على أسس منطقية للاستقراء والتوصيف واضعاً بعين
الاعتبار أهمية ارتباط العراقي بالبيئة غير مكترث للفقاعات التي تصادفه أثناء بحوثه
العلمية المستندة على حقائق الحياة العراقية .
وأستطاع الوردي أن يوضح خلال نتاجه العلمي ليس فقط الأسس التي تقوم عليها دراسة
الشخصية ومعاناتها وسلبياتها بل يتطرق من ضمن بحوثه الى الطروحات الجريئة
والمعالجات الشجاعة لمشكلات الإنسان في العراق .
نستطيع
القول بأن الدكتور علي الوردي توسع في هذه البحوث لمعالجة الواقع الاجتماعي للفرد
ضمن حالات الحياة في المدينة والريف والبادية ، وبهذا استطاع أن يضيف الى المعالجات
التي قدمها أبن خلدون إضافات متميزة لمعالجة منطق أبن خلدون الاجتماعي على ضوء تطور
الشخصية وما أفرزته الحضارة الإنسانية من إفرازات تنعكس على حياة الناس وهي العمود
الفقري و محور بحوثه ودراساته .
حينما عالج
الوردي الشخصية العراقية نزع عن ذاته انتماءه الى هذه الشخصية وسلك في التشخيص
منهجاً متفرداً حينما وضع إصبعه على الجرح ليؤكد بأنه يشير بصدق لما يدور حقيقة
بهذا المجتمع ، فيتطرق للمعالجات الإنسانية والتشخيص الدقيق لكوامن الشخصية
العراقية من خلال السرد التاريخي والاجتماعي لنتاج هذا المجتمع منذ بدء تكوين
الدولة العراقية وما بعدها فتأتي اللمحات عن تأريخ العراق الحديث معالجة إنسانية
عميقة وتشخيص صادق ودقيق لإيجابيات وسلبيات الشخصية العراقية داخل إطار المجتمع
المحكوم بضوابط وأعراف وقيم صارمة ومظاهر عاطفية تتحكم بحياة أفراده مع إعطاء أهمية
أساسية لواقع المنطقة الجغرافية التي تتحكم بمجتمعها بسبب الطبيعة الزراعية أو
العمرانية أو شكل الملكية فيها .
يتخلل لمحات اجتماعية من تاريخ
العراق الحديث سرد ممتع لقصص ووقائع أستند فيها الوردي لما يطرحه من أراء وأفكار
مثلاً لدعم تشخيصه وهذه القصص والحوادث لم تكن مثار خلاف أو عدم معرفة أودراية أو
ضعف روايتها عند الناس أنما يختار الوردي المشهور والمعروف من القصص العراقية
والعربية التاريخية .
وفي دراسته ( مهزلة العقل
البشري ) يحاول وضع النقاط فوق الحروف فيعلن بجرأة كون المفاهيم الحديثة التي تأتي
بها الحضارة العربية لابد آتية قريبا وأن قدومها لاريب فيه وقد آن الآوان لكي نفهم
هذه الحقيقة قبل الآوان .
ويؤكد الوردي بأن مرحلة
الانتقال التي نعاني منها قاسية وصعبة ، وهذه المرحلة تشبه بآلامها الآم المخاض ،
وأن الإنسان حين أبتكر المدينة دخل في ورطة لا يدري كيف يخرج منها وليس أكثر دلالة
على هذا كون الهندسة والحساب والفلك تؤدي آخر الأمر الى التفلسف ، وهذا التفلسف
يؤدي بدوره الى الشك والتساؤل والقلق ، وعليه فقد كان على الإنسان أن يدرك بأنه
مقبل على عصر جديد لا تصلح فيه الأفكار المحدودة التي كان يتباهى بها أجداده .
وحول بناء الحقيقة المطلقة يؤكد
الوردي بأن المنطق الحديث قد أنكر وجودها عملياً ونظرياً وهو يرى في كل فكرة جانباً
من الصواب في حدود الإطار الخاص بالفكرة ، حيث أن الفكرة المغلوطة في نظرك قد تكون
صحيحة في نظر غيرك لأنه يراها بمنظاره الذي فرضه عليه المجتمع أو المصالح
الخاصة أو عقده النفسية .
ومن خلال هذا الأمر نستطيع أن نتلمس أبعاد
الحقيقة النسبية المحدودة المتطورة وغير الثابتة لأن الأفكار مثل الأسلحة تتبدل
بتبدل الأيام والزمان والمكان ، والشخص الذي يريد أن يبقى حقائقه على أساس مطلق أي
مع قدمها كمن يريد أن يحارب الرشاش بالسيف والمدفع بالخنجر والطائرة بالمقلاع
.
وحتى نؤكد تشخيص الوردي بدقة لمعاناة
المجتمع العراقي فأنه يرى بأن الديمقراطية وقبل أن تكون فكرة خيالية أبتدعها
الإنسان فأنها عادة اجتماعية ، وأن الإنسان يحتاج لممارسة التجارب القاسية جيلاً
بعد جيل ومن الممكن أن نفشل في ممارستنا لهذه الديمقراطية نسبياً ومؤقتا ولكن
الإصرار والتواصل والإصرار على أكمال المشوار يجعلان منطق الديمقراطية يتغلغل في
قناعتنا ورغبة متجددة في نفوسنا وفي صميم مفاهيمنا وتقاليدنا ، عندئذ نخرج من
التقوقع الذي يحيط بنا من خلال الفكرية القديمة التي تأسر أيامنا وصولا للعبور نحو
فضاء أوسع وعالم أكثر سعة ورحبة ، ألا أن صلب مشكلتنا هي أننا نتمشدق بأفكار
الحضارة ثم نجري في حياتنا العملية على أسس وعادات وأعراف بدوية قديمة ، وهذا ما
سيولد في مسيرة الحضارة الى أيجاد ناس يدفعونها الى أمام وهم وقود هذه الحضارة لابل
هم وقود التطور والانتقال .
وحتى يبقى المتلقي واثقا
بقدرة الدكتور علي الوردي على الكشف والتشخيص فأنه يبحث في طبيعة الأنسان من خلال
عدم قدرة الأنسان على ترك عاداته وتقاليده واعتباراته القديمة بإرادته واختياره ،
فهذه العادات والاعتبارات مغروزة في أعماق العقل الباطن ولهذا فهو لا يتأثر بها
ويندفع تحت هذا التأثير بتيارها اندفاعا عاطفياً لاشعورياً لاسيطرة للتفكير
أو المنطق أو الإرادة عليه بل يتم كل هذا غريزياً .
ويعالج
المشكلة الأساسية للمعاناة الإنسانية لحياة الأنسان في العراق خصوصاً وفي الوطن
العربي عموماً حينما يسحب البساط من تحت طبقة تختفي عن الأنظار وتمد أصابعها تتحكم
بالرقاب فهم كما يسميهم ( وعاظ السلاطين ) ويؤكد بأن مشكلة هؤلاء عندنا أنهم
يأخذون جانب الحاكم ويحاربون المحكوم ، فتجدهم يعترفون بنقائص الطبيعة البشرية حين
يستعرضون أعمال الحكام ، فأذا ظلم الحاكم رعيته أو ألقى بها في مهاوى السوء ، قالوا
بأن الحاكم قد أجتهد فأخطأ وكل أنسان يخطئ والعصمة لله وحده (( من عمل فأخطأ فله
أجر فأن أصاب فله أجران )) أما حين يخطئ المحكوم فيتم وصمهم بأسباب البلاء وعقاب
الله ومن ثم عقاب الدنيا .
هؤلاء الوعاظ يتطورون مع تطور الزمن
وينتقلون انتقالا زمنياً ينســــجم مع ازدواج الشخصية ، وحين نلمس أن الحاكم ينهب
أموال الأمة ويبذرها على ملذاته وتحقيق أحلامه المريضة وشهواته فأننا نلاحظ أن
الوعاظ يتلمسون الأعذار والأسباب التي يحاولون بها ستر العورات وإيجاد تبريرات لما
يفعله الحاكم بينما نجد أن المنهوب معاقباً .
والزعامة ظاهرة اجتماعية تبعث من المجتمع وتنمو به ، وأننا لن نجد زعيماً يظهر في
مجتمع لا يقدره ، وأن مظاهر التسلط ليس الا مظهر من مظاهر الشخصية المزدوجة لأن
الأنسان بوجه عام يحب مصلحته قبل أن يحب مصلحة غيره ، فهو إذا رأى المصلحتين
متناقضتين أثر طبعا مصلحته الخاصة ، كما أن منطق التناقض يحكم منطق العلم الحديث ،
فكل شيء يحمل نقيضه في صميم تكوينه ولا يكاد ينمو حتى ينمو نقيضه معه وبذا يصير
الشر خيراً بمجرد نموه وتحركه حيث أن نزعة الشر كامنة في أعماق كل أنسان ، فأن وجدت
لها متنفسا أو منفذا أو مجالا ظهرت فيه واندفعت الى ذلك المجال لا يردعها رادع من
دين ولاضمير .
ما يريده الوردي هو أن نصحو على حقائق قد
تغيب عن بالنا ونحن نعيش في خضم الارتطام والتلاطم الذي يعيشه النفس البشرية وسط
ركام التراكمات والسلبيات والنوازع النفسية المقلقة لحياة الفرد من خلال الامتيازات
الطبقية والنزاع المادي والتسلط .
ولهذا يريد الدكتور الوردي أن
نحدث انقلابا في أسلوب تفكيرنا ، فقد ذهب زمان السلاطين وحل محله زمان الشعوب وليس
من الجدير بنا ونحن نلج القرن الجديد أن نفكر على نمط ما كان يفكر به قبلنا وعاظ
السلاطين .
وقد آن لنا أن نفهم الطبيعة البشرية كما هي في
الواقع ونعترف بما فيها من سلبيات ونقائض غريزية وغرائز مكتسبة حتى يمكن التخلص
منها مع أيجاد خطط وبدائل لأصلاح واقع حال هذه الطبائع البشرية
، كذلك أن لا نعتبر الأنسان ملاكا ونطلب منه أن يسير
بحياته سيرة القديسين ونطلب منه المستحيل .
ولأن الوردي
توغل عميقاً في أعماق النفس البشرية – العراقية بوجه الخصوص – فقد عرف مواطن ومكامن
هذه الشخصية ورغباتها ، ومقاييسها و طبيعتها وظروفها ولأن خوارق اللاشعور من بين
الأمور التي تبحث عنها الشخصية العراقية فتبحث عنها ومعها وفق تقاليدها وطقوسها
وأعرافها الاجتماعية فيتمكن الوردي بما عرف عنه من سعة إطلاع وصراحة وتشخيص دقيق
تقديم بحث يحمل الإطار الفكري للعقل الباطن وخوارق اللاشعور والنفس والمادة ورغبات
الأنسان ، فيميز بين المستحيل والممكن بمقاييس نسبية إذ هي منبعثة من التقاليد
والمصطلحات والمواصفات الاجتماعية التي تعود عليها الفرد أو تم الإيحاء بها اليه
بواسطة بيئته أو مدرسته أو ناديه ، وأن التطور قائم مع تطور المجتمع البشري الناشئ
من المنافسة الحادة التي تدفع كل فرد للإبداع والبراعة والتفوق .
ويمكن تشبيه العقل البشري بجبل الجليد
الطافي لا يظهر منه الا جزء صغير فوق سطح الماء ، أما الجزء الأكبر فقد أنغمس في
الماء لايرى منه شيئا ، وعلى هذا الأساس يمكن أن نعتبر أغلب حركات الأنسان وسكناته
يسيرها ذلك الجزء المنغمس الغاطس من العقل وليس العقل الظاهر وأن الأنسان يسير بوحي
العقل الباطن أولا ثم يأتي العقل الظاهر أخيرا لكي يبرر ما يفعل أو ما فعل ويظهر
أمام الناس بالمظهر المقبول .
وأن خوارق اللاشعور
تتقيد في أن العقل الباطن لا يعرف البرهان المنطقي ولا يستفيد منه ، ولا ينفع في
العقل الباطن الا تكرار الفكرة التي لاجدال فيها ولاريب ، ولهذا الأمر يعزو الدكتور
الوردي نجاح البلهاء من البشر في هذه الأمور التي تحتاج الى الثقة ولا تحتاج الى
التفكير أو الى التبرير ، ولعل الدكتور الوردي لا يغالي إذا قال أن المدرسة لاتبغي
الا طلاء الأنسان ولا تزوق الا مظهره أما النفس وأعماق العقل الباطن فالمدرسة
لاتمسها الا قليلا .
وحين نستعيد ما ذكرناه في أول المادة
حين أستعرضنا معالجة الوردي للشخصية العراقية حيث يرى بأن الحضارة تتميز بوجود دولة
بينما تنتفي صفة الدولة المنتظمة في الريف أو البادية التي تحكمها خصال وقيم بظل
ظروف جديدة وحينما تحل الدولة وتمتد الى الريف والمدينة فقد تتقلص بعض قيمها
وأعرافها .
فالبدوي على سبيل المثال تقاس شجاعته بمدى
رجولته وفروسيته وشهامته وكرمه وهذه من أهم صفات الشخصية العراقية ولهذا نرى أن هذه
القياسات تتقلص أن لم تندثر في مواجهة سلطة الدولة في المدينة وأن قدرة العصبية على
السيطرة والتغلب على سلطة الدولة المدنية يعني أنها تتمكن من إخضاع سلطة الإدارة
لها ولايمكن أن ينسحب هذا الى سيطرتها على التطور والتقدم الحضاري ولا الى خلق كيان
بدائي بديل بهذه السيطرة .
خلص الدكتور الوردي من ضمن ماخلص اليه في أبحاثه الى اكتشاف ظواهر في
عمق الشخصية العراقية ، من أخطر هذه الظواهر هو ترددها وتناقضها رغم أن هذه الشخصية
تبحث عن ذاتها فطريا أي بمعنى أن الذي يكون عاقلا في كل حين هو كالذي يكون مجنونا
دائما، لا ينتج من الخير الا قليلا ، كما أن صاحب التفكير العلمي قد لا يفوز بفرص
ونجاح الحياة أكثر مما يفوز به صاحب التفكير الفطري فهو يربح جانبا منها ويخسر
جانبا .
وأن ما يحكم الأنسان هي شهواته
ورغباته وهذه الرغبات هي :-
1- الرغبة المعاشية
2- الرغبة الجنسية
3-
الرغبة الاعتبارية
وأن الرغبة المعاشية تعني عند الوردي الخبز ، فبعد أن يشبع الأنسان من
الرغبة المعاشية والجنسية يسعى وراء الشهرة فهو يريد أن يكون معتبرا بين قومه ويشار
له بالبنان .
أن هذه الرغبات الثلاث موجودة في دواخل كل أنسان تقريبا وعلى درجات
متفاوتة أو متقاربة وبصور مختلفة ، وهي قد نكون كامنة في العقل الباطن تدفع الأنسان
نحو أغراضها دفعا فيما هو يتصور بأنه مدفوع في سبيل الحق والحقيقة .
وعلى أسس التشخيص استطاع
الوردي أن يخلق مدرسة اجتماعية تبحث في علم الاجتماع استطاعت أن تجعل من الأنسان
العراقي أساس بحثها والنفس العراقية كنموذج انتقائي لمعالجة الذات الإنسانية سواء
منها العربية أو العراقية .
وحينما يحاول الدكتور علي الوردي نقد المنطق القديم نقدا
موضوعيا مدعما بوقائع تاريخية وحياتية يشعرها القارئ ، فأنه بذلك المنحى يتجه لخلق
مذهب متميز يبني أسسه بطرق علمية تبحث في سلوك وأعماق النفس العراقية وتكوينها
الاجتماعي ، وأستطاع أن يجمع نقائض الشخصية وطبيعتها ويقدم لكل الوقائع التي يذكرها
أساسا تاريخيا لأثبات منطقه وصحة حججه فبات متميزا بالواقع المادي الذي يشكل الإطار
العملي لهذه البحوث وأطارا علميا لطريقة البحث والسرد والإثبات .
وأذا قلنا أن المدرسة التي
خلفها الوردي في علم الاجتماع أتبعت منهجا سلسا دون تعقيدات تؤطر أسس البحث
فاعتماده على بساطة الأسلوب والسرد السهل والدعم التاريخي للأثر المدون أو المتعارف
عليه بين الناس وتجميع الحوادث والقصص والوقائع يجعل من هذه المدرسة حريا أن نسميها
بمدرسة الوردي للعلوم الاجتماعية لتفردها في الطريقة والأسلوب والأعمدة التي تستند
أليها ، فالوردي حين يحدثك عن مفاهيم التطور وطبيعة المدينة ومنطق المتعصبين يقفز
الى موضوع مهم حين يقرن سرد لحياة الأمام علي بن أبي طالب وكيف تم التعامل معه
وأنواع التنازع ثم ما حدث من تطابق لمهزلة العقل البشري من خلال الأحداث التي وقعت
.
ولا يفوت
الوردي أن يتطرق الى مارا فق الشخصية العراقية من حياة تنقلت بين البداوة والمدينة
في حين يعتبر المصدر الرئيس للنظرية في واقع الشخصية العراقية وطبيعتها الحقيقية بل
والطبيعة البشرية في أحيان كثيرة وأبراز التناشز الاجتماعي في حياة المجتمع وتحليل
هذه الطبيعة الإنسانية وتشخيص أسبابها ثم نجاحه ليس فقط في استكشاف وتشخيص واقع
الذات العراقية بإطار علمي متطور يعتمد الصراحة والعرض السهل ، وقد تطرق الى شخصيات
التاريخ التي كان لها التأثير الواضح على حياة العراقي ثم عالج مفهوم المدنية
والحضارة والتعصب وطبيعة الريف والبادية ثم المدينة المتريفة والهجرة ومشكلة ازدواج
الشخصية والمدينة الفاضلة والتقوقع البشري وتأثير ( الخوارق والأحلام ) على الأنسان
وسط التزاحم والكم الهائل من الجوانب الاجتماعية والفلسفية بجرأة غير مبالي بمسائل
قد تعود بنتائج سلبية على الباحث وهما مسألتين مهمتين هما تأثير الأديان ودور رجال
الدين والانحراف الجنسي وإبداء أراء صريحة ومنطقية بهذا الصدد .
وليس أكثر تطابقاً وانسجاما
مع مدرسة علي الوردي ما يرد من دراسات فلسفية واجتماعية للباحث العراقي الدكتور علي
كريم سعيد في دراساته الفلسفية ذات العمق الاجتماعي في أصول الضعف وأثر الماضي على
الشخصية العربية بشكل عام .
أن قراءة مستعجلة وموجزة في فكر الدكتور علي الوردي لا
ستقراء جوانب من الحياة الاجتماعية في العراق لاتشكل دراسة من دراسات علم الاجتماع
فقط بل تشكل فضاء وأسس معالم المنطق الذي أعتمده الوردي في التشخيص والصراحة وفي
الأسباب والنتائج لنظرية ذات أبعاد وإطار تتزامن مع المنطق الحديث والقرن المقبل
لتكون أساسا للدراسات المستقبلية في علم الاجتماع وخاصة ما تدور محاورها حول
الشخصية العراقية .
ترك علي الوردي بمعالجاته الاجتماعية ثروة هائلة من العطاء أتحف بها
العلم الحديث حينما اكتملت عنده أكثر جوانب ( اللمحات الاجتماعية عن تاريخ العراق
الحديث ) وكذلك تطرقه لفلسفة أبن خلدون رائد علم الاجتماع في كتابه ( منطق أبن
خلدون في ضوء حضارته وشخصيته ) ثم محاولته في نقد المنطق القديم في كتابه ( مهزلة
العقل البشري ) وعرض رأي صريح في تأريخ الفكر الإسلامي يسبق به الكثير من المهتمين
والمختصين والدراسات الفلسفية في هذا الشأن ويتضمن أراء جريئة وفي ضوء المنطق
الحديث في كتابه ( وعاظ السلاطين ) وغوره الى عمق الشخصية في كتاب ( خوارق اللاشعور
) أو أسرار الشخصية الناجحة ومن خلال عرض واستقراء لاراء ومقالات الوردي ( لأسطورة
الأدب الرفيع ) وهي مناقشة صريحة في الأدب العربي وتقاليده العتيقة في ضوء علم
الاجتماع الحديث ، ثم يبحث في الأحلام من حيث تأثيرها في عقائد الناس وعاداتهم وما
توصل اليه العلم الحديث في هذا المضمار من نظريات وتبسيط في كتابه ( الأحلام بين
العلم والعقيدة ) .
حقا قدم العالم علي الوردي لعلم الاجتماع في العراق والمنطقة العربية
والدراسات الإنسانية بشكلها العام تشخيصا دقيقا صادقا لواقع الشخصية العراقية
والتأثيرات التي تؤثر فيها ومنها وعليها فأضاف لكل ما قدمه السلف الصالح إضافات
ودراسات عملية وعلمية مهمة بأتباعه منهجا سلسا وبسيطا تتفهمه مدارك كل الناس على
اختلاف ثقافاتهم وتلك ميزة مهمة لانتشار فكر الوردي في عموم المجتمع مع أنه يختص
بعلم الاجتماع وأيضا جانب مهم من جوانب شخصية علي الوردي بالذات
.