أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - ميس إيجيبت وجدل العلاقة بين الثقافتين المصرية والعربية















المزيد.....



ميس إيجيبت وجدل العلاقة بين الثقافتين المصرية والعربية


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 3579 - 2011 / 12 / 17 - 10:31
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



هل يستطيع المبدع أنْ يُنتج فنًا أو أدبًا ، له خاصية الأصالة والصمود عبر الزمن ، وقد أغلق وجدانه عن مجمل التغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التى مرّ بها وطنه ، وعانى منها شعبه ؟ أعتقد أنّ المبدع الذى يتجاهل هذه المتغيرات ، يكتب (تهويمات) لا علاقة لها بالأدب مثله مثل (الفنان) الذى يرسم تجريدات منقولة عن آخرين ، وبالتالى لايكون لها أدنى علاقة لا بالفن التشكيلى ولا بالواقع الذى يعيش على أرضه . وعندما تتسبب المتغيرات الاجتماعية والسياسية فى الانحدار الأخلاقى (على المستوى الفردى والمؤسسى) وعندما يصل هذا الانحدار إلى جوهر وروح الوطن ، أى إلى ثقافته القومية ، وإلى التهديد بالقضاء على مجمل تراثه الحضارى ، لايكون أمام المبدع المؤمن بأنّ للفن رسالة فى مقاومة كل أشكال القبح ، لبناء عالم أقل قبحًا وأكثر جمالا ، إلاّ ملاحقة هذه التغيرات والوعى بها ، وهى المرحلة الأولى من تفاعله مع هموم شعبه والمخاطر التى تهدد وطنه ، ثم تأتى المرحلة الثانية : مرحلة الإبداع ، أى إعادة صياغة هذا الواقع بمتغيراته إبداعيًا .
الوعى بمتغيرات الواقع المصرى ، والنتائج المدمرة لهذه المتغيرات ، هو جوهر رواية الأديبة سهير المصادفة (ميس إيجيبت) الصادرة عن (الدار للنشر والتوزيع) عام 2008 .
تدور أحداث الرواية حول اغتيال الفتاة ( نفرت جاد ) وبالأدق فإنّ هذا الاغتيال هو الحجر الذى حرّك الدوامات وأظهر الكامن والمسكوت عنه تحت السطح . فمن هى نفرت جاد ؟ إنها الفتاة المصرية العصرية الجميلة المصممة على أنْ تكتسح مسابقة للجمال تحت اسم Miss Egypt كى تنافس على لقب ملكة جمال العالم ، وبالتالى تُسجّل أول سبق لمصر منذ آلاف السنين ، منذ أنْ كانت نفرتيتى هى جميلة الجميلات ( ص35 ، 36) هذا هو الحجر الذى ألقته المبدعة ببراعة ، لتكشف الدوامات عن شخصيات الرواية : من مع الجمال ( نفرت الفتاة والرمــز ) ؟ ومن مع القبح ( تعمد اغتيالها ) ؟
والأديبة كى تُعمّق الرمز ، فإنها تجعل نفرت تظهر للإنسان الذى أحبها بعد اغتيالها ( عارف تاج العريان ) وهى واقفة على الماء ، وسط أغصان البردى ، وقد ارتدت فستانًا أبيض خفيفًا يشف عن أعضائها الفاتنة ، ومزخرفًا بأغصان ذهبية وأوراق اللوتس ، ذراعاها العاريتان ممتلئتان بأساور على شكل ثعابين تلتف حتى مفصل كتفيها إلخ ( ص56 ، 155) إنّ هذا الوصف يؤكد وعى المبدعة بمفردات الحضارة المصرية ( البردى ، زهرة اللوتس ، الفستان الشفاف ، الأساور على شكل ثعابين ) وبالتالى تمكنتْ من توظيف الرمز لتعميق الشخصية الروائية (نفرت جاد) وأكثر من ذلك عندما يطرح أحد شخصيات الرواية هذا السؤال على نفسه (( كيف أغمض أبو الهول عينيه أمام جمال ميس إيجيبت ، ولم يستطع حمايتها ؟ )) (ص16) .
وإذا كان لكل جريمة فاعل محدد ، فإننا نجد أنّ قاتل نفرت أكثر من شخص ، وإذا كانت الرواية أشارت إلى بعض الأشخاص ، فإننا نجد (كذلك) أنّ الإتهام (على الشيوع) وقد ربطت المبدعة بين غموض شخصية القاتل ، وسبب القتل ، ربطًا عضويًا ، لأننا إذا عرفنا سبب اغتيال نفرت ، عرفنا (بالتالى) لماذا كانت شخصية القاتل (على الشيوع) : ففى تفسيره لاغتيال نفرت قال د. عبدالرحمن ، أحد الشخصيات المحورية فى الرواية : (( قتلها هذا القبح . إنّ الجميع يتسابقون لتحقيق أكبر قدر من القبح . مبانى قذرة منفرة . أكوام القمامة تحتل كل الشوارع . أناشيد مدرسية حمقاء . مستحيل أنْ يخرج من كل هذا رمز واحد للجمال . أى خيار هذا يا نفرت أنْ يكون قاتلك كل هؤلاء أو لا يظهر أبدًا)) (ص107 ، 108) وعندما تم القبض على (عونى حافظ) أحد الأصوليين الإسلاميين المعادين للحداثة ، والذى قتل المفكر د. سيد الجيزاوى (وفق قانون التداعى الحر، يُحيلنا اسم د. سيد الجيزاوى فى الرواية وقصة اغتياله ، إلى اغتيال المفكر الراحل فرج فوده) فإنّ هذا الأصولى (فى الرواية) ينفى باستماتة وازدراء أنه قتل نفرت ، وقال لوكيل النيابة ((ولماذا أقتل نسوان ناقصات عقل ودين ؟)) وفى الوقت الذى ينفى فيه أنه قتل نفرت ، فإنه يدلى بتفاصيل ارتكابه ثلاث جرائم ، مع تأكيده على عدم ندمه على ارتكابه هذه الجرائم ، ويحمد الله أنه استطاع تفجير الكفرة من القردة والخنازير(ص191 ،192) وهنا يكون دور الفن الذى يعتمد على الإيحاء ، كبلاغة تُغنى عن الإفصاح .
اغتيال نفرت أسفر عن محوريْن تسببا فى تعاظم القبح الاجتماعى والسياسى الجاثم على صدور المصريين : الأول محور الأصولية الإسلامية بأفكارها التى تعاند مجرى التاريخ ، وتحلم بحلم طوباوى مريض ، يتصور إمكانية عودة عقارب الزمن أربعة عشر قرنًا إلى الوراء . ترصد المبدعة دور أجهزة الإعلام فى تعظيم الأصولية الإسلامية ، وأنّ كثيرين أصبحوا يُقلّدون دعاة الفضائيات الإسلاميين ، فنجد رجلا يجلس فى صالون حلاقة فاخر يقول إنّ عمر بن الخطاب سمع عن رجل جميل الوجه وتتمناه النساء ، فاستدعاه وطلب منه أنْ يعتم (أى يلبس عمامة) فزادته العمامة زينة وغواية ، فقال عمر((لايسكن معى رجل تهتف به العواتق فى خدورها)) ثم يُعقب الداعية الإسلامى قائلا ((يا أخى هذا هو الإسلام . يحارب فيه جمال الرجل ، فما بالك بجمال المرأة التى هى أساس الغواية وكل الشرور ؟ يا أخى إنّ من قتلها (أى من قتل نفرت جاد) قد أعزّ دينك . وأنت تكاد تبكى على امرأة من الكاسيات العاريات ، كانت تُحضر نفسها للسفر والتهادى على مسارح الدول الكافرة بالخارج مع عاهرات العالم يفسدن لنا نساءنا )) هذا الحديث المعادى لقيم الجمال والحداثة والعصرنة ، والمُردّد لخطاب تكفير كل مختلف مع توجهات الأصوليين الإسلاميين ، أعجب الحاضرين فقال رجلان كانا يستمعان إلى الداعية الإسلامى (( أحسنت والله يا مولانا )) (ص79 ، 80 ) .
أما د. عبدالرحمن ( الوجه النقيض للأصوليين ) فإنه يخاطب محمد تاج ( لواء على المعاش وأحد الذين باركوا انقلاب أبيب / يوليو 1952) قائلا ((بعد أنْ أفرجتم عن الأصوليين المسلمين يا باشا . ورحتم تشجعون الإتجاهات الدينية المتعصبة . وترسمون علامات الصلاة وسط جباهكم لتساعدوا أمريكا فى حربها الضروس على عدوها الأول – المعسكر الشيوعى – هل فكرتم أنتم وأمريكا فى مصير هذا الوحش الذى أخرجتموه من القفص ؟ الوحش يرتع الآن فى الشوارع يا باشا. يأكل الأخضر واليابس)) (ص90) د. عبدالرحمن ألف كتابًا بعنوان ( جمود مفهوم الجنس عند العرب قبل وبعد ظهور الإسلام) هذا الكتاب كان مجرد مخطوط بخط اليد . تسطو عليه سلمى ابنة اللواء تاج العريان وتنشره باسمها بعد وفاة مؤلفه ، تمت مصادرة الكتاب فور صدوره. وظلّ المتشددون من الجماعات الإسلامية يولولون على منابرهم مطالبين برأسها . وظلّ الصحفيون من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار يُسوّدون مئات الأعمدة فى عشرات الصحف ، عن مؤامرة ضد هذه (الأمة) وأنّ مؤلفة الكتاب قبضت الثمن من جهة ما . ولكن أحدًا لم يستطع أنْ ينفى ما احتواه الكتاب أو حتى يتحاور معه (ص172) وهكذا تتغلغل أفكار الأصوليين الإسلاميين إلى أدمغة الغالبية العظمى من الكتاب والصحفيين .
ولأنّ الأصوليين فى كل دين يتشابهون ، فإنّ المبدعة تجعل أحد المحققين وهو يفتش متعلقات نفرت ، يعثر على مجلة بها موضوع عن أفغانستان ، وفى نفس الصفحة صورة لعدد من الجميلات يرتدين البكينى ، وتحت الصورة الخبر التالى (( فى مستوطنة إسرائيلية فى الضفة الغربية تعرّضت المتسابقات الإسرائيليات لاختيار ملكة الجمال إلى هجوم عنيف من قِبل المستوطنين اليهود المتشددين دينيًا واعتدوا عليهن ، باعتبار أنّ هذه المسابقة منافية للدين والشرائع اليهودية )) (ص51) ويذهب ظنى (وفق قراءاتى فى الإبداع المصرى) أنّ ما أشارت إليه المبدعة سهير المصادفة فى هذه الرواية ، عن تطابق الأصوليين فى كل دين ، هى المرة الأولى فى الإبداع المصرى ، وأنّ إشارتها هذه دليل على وعيها بما يحدث من الأصوليين فى إسرائيل والأمثلة كثيرة منها فتوى دينية تُبيح لليهود (لأول مرة) تركيب أجهزة تكييف فى المعابـــد (صحيفة معاريف الإسرائيلية 23/10/2010) وفتوى أخرى تُحرّم على الفتاة الإسرائيلية ((القفز الحر بالمظلة مع مدرب رجل)) (صحيفة معاريف الإسرائيلية 24/8/2010) كما يُطالب الأصوليون اليهود بتخصيص سيارات نقل عام مخصصة للنساء لا يركبها الرجال (صحيفة ها آرتس فى افتتاحيتها يوم 25/8/2010) (نقلا عن مجلة مختارات إسرائيلية- الصادرة عن مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام – عدد رقم 190 أكتوبر 2010 ص 88، 89 وهذه المجلة المهمة نشرت – طوال السنوات الماضية – وقبل صدور رواية المبدعة سهير المصادفة- الكثير من نماذج الفتاوى الدينية التى يُصدرها الحاخامات المتطابقون تمامًا مع فتاوى الأصوليين الإسلاميين) .
وإذا كان ثمة علاقة عضوية بين الأصولية الإسلامية ، وبين الثقافة العربية التى غزت مصر خاصة فى طبعتها الوهابية ، فإنّ المبدعة فى هذا المحور الثانى ، ترصد على لسان شخصيات الرواية ، موقف العرب من المرأة ، لدرجة أنّ أحدهم يتساءل هل صحيح أنّ شاعرًا عربيًا تغنى بلحم المرأة ؟ وهل هو قرأ ذلك فى يوم من الأيام ، أم أنّ الذاكرة تخونه ؟ وهل هناك بالفعل بيت شعرى يتحدث عن امرأة تدخل بصدرها فى يوم وفى اليوم التالى تدخل بأردافها ؟ وهل هذا هو مقياس الجمال عند العرب ؟ (ص22) وتجعل المبدعة د. عبدالرحمن فى كتابه (جمود مفهوم الجنس عند العرب قبل وبعد ظهور الإسلام) ينقل الواقعة التالية نقلا عن الإمام ابن كثير فــــــى ( البداية والنهاية ) الواقعة عن قطع رأسىْ جاريتين ووضعهما فى طست أمام الخليفة الهادى . أما السبب فلأنّ هذا الخليفة علم أنّ هاتين المرأتين تفعلان الفاحشة. فما هى هذه الفاحشة ؟ أنّ إحداهما تركب الأخرى . لذلك أمر بقطع رأسيهما (ص171)
فى هذا المشهد تأكيد على أنّ المبدعة قارئة جيدة للتراث العربى ، وموقفه المعادى للمرأة ، ونظرته إليها باعتبارها مجرد موضوع للفراش ، وليس باعتبارها إنسانة (أنظر – على سبيل المثال – كتاب " العرب والمرأة – حفرية فى الإسطير المخيم " تأليف المفكر الراحل خليل عبد الكريم – دار الانتشار العربى ، سينا للنشر – ط 1 عام 98 ، وبعمق نظرته للفرق بين التراث المصرى والتراث العربى ونظرة كل منهما للمرأة كتب عن الفرق بين المرأة المصرية والمرأة العربية (( إنه ببساطة الفرق بين الحضارة بل أعرق حضارة عرفها التاريخ ، وبين البداوة )) (ص 230)
كما أنّ د. سيد الجيزاوى ( نقيض الأصوليين) له كتاب بعنوان ( مصر الآن ) وهو الكتاب الذى اعتبره الأصوليون من الكتب المحرمة قراءتها ، لذلك يهتم عارف (أحد الشخصيات المحورية فى الرواية) بقراءة هذا الكتاب فيقرأ فيه (( إنّ العرب يقفون كالبلهاء على أرض مطار أقلعت منه بالفعل طائرة الحضارة . إنهم لايريدون الاعتراف أمام أنفسهم وأمام العالم بأنهم انتهوا منذ زمن طويل . لماذا لا يريدون الاعتراف ؟ أليس من النبل أنْ يتقبل المرء موته كما اعترف له العالم بميلاده ؟ إنّ اعترافهم ربما كان البداية الصحيحة . فكم من حضارات ماتت وبدأ أصحابها فى تشكيل ملامح جديدة لولادة حضارة أخرى)) كما أنّ د . عبد الرحمن يربط بين الثقافة العربية المتخلفة التى غزت مصر، والأصولية الإسلامية ، فيتساءل فى الفقرة التالية مباشرة ((ماذا تريد الجماعات الإسلامية من مصر الآن ؟ لقد أخذت فرصتها كاملة ولقرون طويلــة )) (ص193 ، 194 ) رؤية المبدعة سهير المصادفة من الثقافة العربية أصيلة فى تكوين رؤيتها لخصوصية مصر، فنجد نفس الرؤية فى روايتها البديعة ( لهو الأبالسة ) حيث تقول مها (( العرب سيموتون بإرثهم العقائدى مثلهم مثل الهنود الحمر)) .
المحور الثانى ( الثقافة العربية المتخلفة ) ينقلنا إلى المحور الثالث : موقف المبدعة من الحضارة المصرية على لسان بعض الشخصيات . إذْ فى الوقت الذى يدين فيه المجتمع مدام لوسى لأنها عاهرة ، فإنّ د. عبدالرحمن له رأى آخر فيقول (( لم تخرج لوسى من بطن أمها عاهرة . ومصر لم تولد من بطن التاريخ دولة متخلفة . كانت أم الحضارات وبداية البدايات . نعم كل الناس ساهموا فى تخلفها ابتداءً بالهكسوس ومرورًا بالمماليك والعثمانيين . وانتهاءً بتعلم العسكر قيادة البلاد )) (ص109) هذا الموقف من الحضارة المصرية أصيل أيضًا فى المكون الثقافى للمبدعة سهير المصادفة ، فنجد الطبيب الروسى فى رواية ( لهو الأبالسة ) عندما عرف أنّ مها مصرية قال ((من بداية البدايات أنتِ إذن )) وأخبرها أنها (( تشبه نفرتيتى . أنت مثلها تحتفظين فقط بما هو جميل وجوهرى يا جميلة الجميلات )) قبلها بدقائق كانت مها تفكر فى نفس السؤال المتوقع : من أين أنتِ ؟ ووفقًا لقانون التداعى الحر رأتْ أنْ تقول أنّ مصر (( صاحبة أقدم الحضارات )) وإذا كان ابن خلدون ذكر فى مقدمته إنّ ((مصر هى أم العالم)) ( مقدمة ابن خلدون – المكتبة السعيدية بالأزهر ط عام 1930ص481) وذكر أنّ الخليفة المأمون حاول هدم أهرام مصر وجمع الفعله بالفعل لهدمها ولكنهم لم يوفقوا (ص291) لذلك كانت المبدعة موفقة عندما جعلت أحد شخصيات الرواية يتساءل ((كيف ترك أبو الهول صلاح الدين الأيوبى يقتلع الأحجار من الأهرامات ليشيد بها قلعته)) (ص16) .
المحور الرابع يكشف عن وعى المبدعة بالمتغير الكارثة ، أى انقلاب أبيب / يوليــــــو 1952 ، يقول د. عبدالرحمن للواء محمد تاج الذى بارك انقلاب الضباط (( بدأت حياتك يا باشا بمصادرة قصور الباشوات ، وها أنت سوف تموت فى قصر)) وهذا اللواء وزع عزب الباشوات على الضباط . وزرع هو وأمثاله الفواكه التى لا طعم لها ، وأهدروا قيمة القطن المصرى طويل التيلة (ص34) وما ذكرته المبدعة عن تدمير القطن المصرى (طويل التيلة) حقيقة مؤكدة تدل على وعيها بما حدث فى مصر للزراعة المصرية بعد حكم البكباشية عام 1952 وهى الحقيقة التى أكدها أ. عريان نصيف (وهو عضو بارز ومؤسس فى حزب التجمع الناصرى) فى كتابه (لا للتبعية والتطبيع فى الزراعة والغذاء – الصادر عن دار الثقافة الجديدة – ط 1 عام 2001 ص 16) اللواء محمد تاج شيّد بملياراته مجهولة المصدر إمبراطورية مترامية الأطراف . وتفرغ لتجارة حديد التسليح . وكان كل ما يمتلكه فى البداية مجموعة من الأسرار العسكرية وفضائح شخصية لكبار المسئولين . ومحطات مجهولة لم يتوقف عندها قطار تاريخ مصر الحديث . وعندما يواجهه د. عبدالرحمن بهذه الحقائق يقول لابنه اللواء تاج العريان (( أقبض عليه يا تاج . دا عدو الثورة ، لأنه قال لى : باشوات العهد البائد كانوا يشيدون المدارس ويؤسسون الملاجىء للأيتام ويبنون المبرات ويرعون الفنون الراقية ويتبرعون للمرضى ويفتحون الجامعات . أما أنتم فماذا فعلتم يا باشا سوى نكاح الراقصات وتسجيل أعضائكم التناسلية على سيديهات (37 ، 38) .
ورغم أنّ ممتلكات اللواء محمد تاج يصعب حصرها ، فإنه يحقد على زملائه الضباط الذين يراهم استفادوا من انقلاب يوليو أكثر منه ، خاصة لواءات البوليس والجيش المتقاعدين الذين احتلوا كل محافظات مصر كمحافظين . وركبوا بعض الوزارات وهيئة الرقابة على أقلام المبدعين وعلى حناجر المطربين وآلات الموسيقيين . وطردوا الكتاب والصحفيين من جرائدهم واحتلوا كراسيهم بعد أنْ أرسلوهم لأقسام الملابس الداخلية فى عمر أفندى أو باتا للأحذية إلخ (ص97) وفى زيارة أخرى قال د. عبدالرحمن للواء محمد تاج ((لماذا أنت غاضب يا باشا ؟ لماذا لم ترجعوا إلى ثكناتكم العسكرية بعد الثورة ؟ تاركين السلطة لأصحابها الحقيقيين من قوى الشعب ؟ أنتم لصوص يا باشا . لقد سرقتم البلد فى يوم وليلة . وكان يجدر بكم تسليمه لأصحابه . أنظر يا باشا لقد صرنا أقل علمًا وفنًا وحضارة ونظافة وأشد فقرًا . وما كنتم تودون القضاء علــيه ، ها نحن نرزح تحته من جديد . لاتمت الآن يا باشا قبل أنْ تحقق نصف أهدافك الستة. لاتمت قبل أنْ تخبرنا كيف يمكننا التخلص من عشرات الملوك ، لا من ملك واحد)) الجملة الأخيرة التى كتبتها المبدعة على لسان د. عبدالرحمن ، ذكرّتنى بكلمات كتبها اللواء محمد نجيب الذى غدر به عبدالناصر ، وكل ضباط يوليو ، باستثناء خالد محيى الدين ، كتب محمد نجيب ((طردنا ملكًا وجئنا بثلاثة عشر ملكًا آخرين)) (كنتُ رئيسًا لمصر- المكتب المصرى الحديث – ط 1 سبتمبر1984 ص 201) وهو ما يدل على أنّ سهيرالمصادفة اهتمتْ بقراءة تاريخ مصر الحديث والمعاصر، قراءة العقل الحر المتجرد من أية أيديولوجيات أو من أية أفكار سابقة التجهيز، تلقفها الكتاب من الكتاب المدرسى والجامعى ومن الإعلام ، كما يفعل كثيرون .
يُردّدْ اللواء محمد تاج نشيد الثقافة السائد البائسة التى تضحك به على المعتوهين المغيبين فيقول عن د. عبدالرحمن ((الحافى ابن الحافيه . لولا الثورة لا كان إتعلم ولا بقى دكتور. اقبض عليه يا تاج . دا جاسوس لأمريكا وإسرائيل)) (ص 117 ، 118) وعندما يُذكّره الطبيب بأنه هو وضباط يوليو عاملوا كل المختلفين معهم على أنهم أعداء ، واعتقلوهم وعذبوهم وأرسلوا بعضهم إلى مستشفى الأمراض العقلية ، فإنّ اللواء الذى يعيش بعقلية الانقلابيين يتباهى بأنّ مصر كانت يومى 9 ،10 يونيو 67 بدون رئيس أو حكومة أو جيش أو بوليس ، فلماذا لم يقفز أى عنترة مثل د. عبدالرحمن ويستولى على السلطة ويتولى الحكم ثم يذهب إلى ماسبيرو ويذيع البيان الأول مثلما فعلنا ؟ ولأنّ المصريين بلعوا سيناريو التنحى المكتوب بلغة علم (قهر الشعوب النفسى) وصدّقوا أكذوبة أنّ المتسبب فى هزيمة شعبه سوف يتنازل عن كرسى العرش ، لهذا فإنّ سيادة اللواء يرى أنّ يومى 9 ،10 يونيو قدّما لضباط يوليو شرعيتها الأبدية (ص 164) .
وسيادة اللواء يتخيل أنّ أحدًا يخاطبه ، أو أنّ الصوت الذى يسمعه هو صوت نفسه (( يا أفندم أنا أفهم أنّ الاقطاعيين وخدمهم يتحسرون على أيام ما قبل الثورة ، ولكننى لا أفهم لماذا يتحسر عليها الحفاة الجرابيع من جموع الشعب ؟ ولكن الصوت النقيض يسأله : هل كانت هناك استحالة فى القضاء على الظلم الاجتماعى والفساد السياسى بدون أنْ تضعوا البلاد وبهذا العنف على أول عتبات درج جديد ؟ ثم يستمر هذا الصوت فى عقد مقارنة عن أحوال مصر قبل وبعد يوليو 52 فيقول : كانت البلاد (حامل) بثورة حقيقية ، أتتْ بحزب يديرها رغم أنف الملك . وكان الاستعمار يحمل حقائبه ويستعد للجلاء . وكانت القاهرة أجمل مدن الدنيا . وكنا أكثر نظافة ورقيًا . ماذا نفعل الآن يا باشا ونحن لدينا عشرات الكتاب ، وليس لدينا طه حسين واحد ؟ لدينا أحزاب كثيرة ووجهات نظر أضيق . نصلى أكثر ونصوم أكثر ونزكى أكثر ونحج لبيت الله كل عام ، وخراب أرواحنا يزداد أكثر)) ينهض اللواء محمد العريان وهو يتأمل صور الدبابات التى غطى الصدأ جنازيرها ، وبجوارها الزعماء السياسيين الكبار الذين شُنق بعضهم وضُرب بعضهم بالرصاص وحُددت إقامة بعضهم كما الدجاج فى قصور نائية ( إشارة إلى محمد نجيب دون أن تُفصح الكاتبة) ومات أغلبهم مسمومًا (ص185 ، 186) .
وفى إشارة دالة عن الوضع الثقافى قبل يوليو52 ، فإنّ الضابط الذى يُحقق فى اغتيال نفرت يعثر (وهو يفتش فى حجرتها) على نسخة من مجلة (العروسة) المصورة عام 1928 . فى هذا العدد تعلن المجلة عن مسابقة للجمال لصغار البنين والبنات . وهدف المسابقة هو حمل الآباء والأمهات على الاعتناء بصحة أطفالهم ، لأنّ الجمال لا يظهر فى الطفل إلاّ إذا توافرت فيه شروط الصحة بكاملها (ص36) ويكتب د. سيد الجيزاوى فى كتابه (مصر الآن) : (( لم يُخرج البلد من الجهل الكامل والخرافة والشعوذة إلاّ محمد على الذى وضعها على طريق النهضة وأسس مصر الحديثة.. وكادت هذه النهضة أنْ تقود العالم العربى والإسلامى نحو الحداثة ، حتى استولى العسكر وبفظاظة على السلطة عام 1952 فلفظ المشروع النهضوى أنفاسه الأخيرة بعد الإجهاز عليه من الخارج والداخل ، حيث تحالف العسكر والجماعات الأصولية الجديدة )) (194) .
00000
يعتمد بناء رواية ( ميس إيجيبت ) على نظام الدوائر، فتأخذنا دائرة إلى أخرى ، وترتد بنا الدوائر الأخيرة إلى الدوائر الأولى ، فى رحلة البحث عن قاتل نفرت . وإذا كان المشتبه فيهم كثيرين ، فإنّ شخصية عارف المخرج السينمائى ، ابن اللواء تاج العريان ، أهم هذه الشخصــيات ، إذْ أنّ تأثره بحادثة اغتيال نفرت ، جعله يعيش قصة حب ساحرة مع روح القتيلة . رغم أنه لم يعرفها إلاّ من صورها بعد موتها . ويصل هيامه بها إلى درجة أنه عندما يزور منطقة المقابر ، يرى نفرت ، تتقدم نحوه ، تأخذه من يده وتُجلسه على حجر أمام بحر هائج وتجلس على ركبتيه . يصحو بعد هذا اللقاء المتخيل وهو يصيح (( نعم أنت جميلة . فيا أيتها الجميلة ، لماذا لا تدلينى على قاتلك كما اعتدنا فى القصص القديمة ؟ )) ورغم أنه لم يرها قبل اغتيالها ، ورغم أنّ له خطيبة (ميرنا) فإنه عندما انتهى لقاؤه المتخيل مع نفرت (( كأنه حصل لتوه على موعد غرامى من فتاة ظلّ يحبها سنوات طويلة دونما أمل )) (ص56 ،57) ثم يتحول الهيام إلى هلوسة ، حيث ظلّ ( بعد اغتيال نفرت ) معظم الوقت فى سريره على أمل أنْ يداهمه جسدها أطول وقت ممكن (ص76) صلى عشرات الركعات وهو يدعو الله أنْ يساعده فى رحيل نفرت عنه إلى الأبد . ولكنها تهبط عليه كشلال هادر وفى عينيها اللوزيتين عتاب ساخر. التقتْ شفاهما بعنف . اقترب من وجهها وصاح وهو يعلم أنها لن تجيب ((أحبك وأكاد أجن)) (ص85) وفى لحظة مناجاة مع نفسه يقول عارف (( من هجرته حبيبته لديه أمل ما ، ومن لم تحبه حبيبته لديه أخريات . ومن ماتت حبيبته فلديه حفنة ذكريات . أما أنا فليس لى ملاذ : قتيلة تجثم على صدرى وتلون أيامى بصمتها الأخاذ ولا أستطيع إلاّ حبها)) (ص141) وفى مفتتح أحد الفصول يقول عارف ((إمنح نفسك لصاحب حلم كبير فى محبتك . وجرّب أنْ يبتلعك تمامًا . فحتى لو قذفك مجرد جثة ، فحسبك أنك رأيت ما لا عين رأت)) ( ص45) .
عارف الفنان شخصية خالدة فى الأدب المصرى والعالمى ، فهو لم يلتق ب (نفرت) على الاطلاق ولو مرة واحدة ، ثم هو يحبها كل هذا الحب . والأهم أنه وصل فى مرحلة ما إلى الاعتقاد أنه هو الذى قتلها . وكاد أنْ يعترف بذلك للمقربين منه. بل إنه قال لخطيبته ميرنا (( أنا مريض . وتقريبًا أشعر أننى قاتل)) (ص146) وفى لحظة مناجاة أخرى مع نفسه قــــــــــــــــال (( لاخلاص لى إذن . ستظل تطاردنى ليلا ونهارًا . وسأفترض أننى قاتلها كى لا أجن )) (ص114) وأكثر من ذلك فإنه ظلّ طوال صفحات الرواية يسأل نفسه : أين كان وقت اغتيال نفرت ؟ سؤال لا يسأله إلاّ المحقق مع أى متهم . فلماذا كان عارف يتهم نفسه بأنه قاتل نفرت ؟ إنّ شخصية عارف تحتاج إلى قراءة متأنية . وإلى تقليب صفحات الرواية عدة مرات لفهم أبعادها النفسية والعقلية . كانت بداية إهتمام عارف بشخصية نفرت ، أنْ يبحث فى مجمل حياتها . ويتعرف على أسباب اغتيالها . وشخصية القاتل إلخ وكل ذلك من أجل إخراج فيلم عنها . وكان صديقه د. عبدالرحمن يحذره من التكرار، أى من إعادة إنتاج ماسبق إنتاجه ولو على تنويعات مختلفه . ويشرح له ما هى السينما الحقيقية وما هو الفن الحقيقى ، وبعد ست سنوات يتسلم عارف جائزة أحسن فيلم من مهرجان القاهرة السينمائى . ورغم أنّ د. عبدالرحمن قد مات قبل عرض الفيلم ، فإنّ عارف لديه الأمل بأنّ د. عبدالرحمن رأى الفيلم برغم موته وقبل الشروع فى تصويره . ويُمنى نفسه كلما قرأ موضوعًا عن معتقدات إحدى الديانات فى شكل الحياة بعد الموت أنْ يكون الأمر هكذا . وأنّ د. عبدالرحمن استطاع أنْ يرى فيلمه سواء روحًا هائمة أو متناسخًا فى جسد إنسان أو كلب . المهم أنْ يكون قد رآه . نعم لم يستفد عارف من حادثة اغتيال نفرت إلاّ من الحالة النفسية التى وضعته فيها والأجواء المروعة للجريمة ، ولكن ظلت إشارات عبدالرحمن هى السبب فى نجاح فيلمه (ص79) وقرب نهاية الرواية يتذكّر عارف كلمات عبد الرحمن له (( ما هى قصة الفيلم الذى يمكنك تصويره يا عــارف ؟ ما هى القصة التى تستطيع استيعاب كل هذا القبح لتحكى مصرع ملكة الجمال ؟ وكيف ستجد قاتلها ؟ لاشىء يمنع أى أحد ليكون قاتلا ، رغم أنه لا يوجد سبب وحيد يجعل إنسانًا يقتل آخر)) فى هذا المشهد الذى يتذكّره عارف بعد موت عبدالرحمن وقرب نهاية الرواية ، تفتح المبدعة شفرات الغموض حول أسباب اغتيال نفرت . إنّ القارىء يفاجأ بشخصية د. عبدالرحمن ( لأول مرة ) وهو يتشكك فى نفسه حول اغتيال نفرت ، فيقول (( فأنا لو لم أكن معك وقت ارتكاب الجريمة يا عارف ، لظننتُ أننى قاتلها . وهكذا سيفكر كل من انتابته حسرة انتهاكها ، كل من ظنّ أنه كان عليه حمايتها بشكل أو بآخر ، كل من يريد قتل قاتلها فقط ، لكى يستخدم هذه اللحظة المحفورة فى تكوينه ولو على مستوى الخيال)) (ص177 ، 178)
شخصية د. عبدالرحمن أيضًا ثرية بالدلالات ، فهو يبدو فى نظر البعض عدميًا ، ومع ذلك فإنه عندما يعمل يبدو كما لو كان راهبًا فى معبد (ص62) وهو الذى حذر عارف من تقليد السينما الهابطة والتقليدية . ورغم ما يشاع عن مغامراته النسائية ، فهو عندما تلجأ إليه سلمى ابنة صديقه اللواء تاج العريان ، وتشكى له غدر الضابط عمر الجوهرى (المرؤوس تحت قيادة أبيها) الذى أوهمها بحبه ثم اكتشفتْ خداعه ، فإنّ د. عبدالرحمن يعاملها معاملة الأب وينصحها بنسيان هذا الشخص . وهو(د. عبدالرحمن) مهموم بمصر ويستشعر الخطر المهدد لمستقبلها ، لذلك فإنه يُخطط لتأليف كتاب يقول عنه ((أنا عايز متين سنة على الأقل علشان انتهى من مشروع وجــودى ، من تأليف كتاب واحـــد)) (ص74 ، 170) وهو هنا يتشابه مع مها بطلة (لهو الأبالسة) مها كانت أيضًا مشغولة بكتابة مخطوطها الأثير ، الذى تعيد كتابته أكثر من مرة . وأعتقد أنّ هذا التشابه بين د. عبدالرحمن ومها ، فى تأليف كتاب عن مستقبل مصر، يؤكد (أو يوحى) بأنّ الأديبة سهير المصادفة صاحبة مشروع روائى ، وأنها أجادت قراءة الواقع المــصرى ، والمخاطر التى تهدده .
فى رواية (ميس إيجيبت) تبدو السيطرة للقبح كمعبود أوحد ، الذى تجسّد فى قتل رمز الجمال
( نفرت ) ورغم ذلك يبرز وسط هذا القبح من يدافع عن القيم الإنسانية النبيلة ، مثل د.عبدالرحمن وعارف الذى أدان أخته عندما سطتْ على كتاب عبدالرحمن ، وخاصمها لمدة عامين ، ورغم أنه وقف إلى جانبها عندما هددها الأصوليون بقتلها ، فإنه قال لها : إنّ فى كتابها خطأ واحدًا عليها تصحيحه ، هو كتابة اسم مؤلفه الفعلى بدلا من اسمها (ص 173 ) .
000000
وكما أنّ رواية (ميس إيجيبت) بدأتْ ودارت حول اغتيال (نفرت) فإنّ مبدعتها أنهتها (عن قصد فنى بالغ الدلالة) باغتيال د. سيد الجيزاوى أستاذ علم الاجتماع . لماذا كان هذا الاغتيال ؟ د. سيد ألّف كتابًا بعنوان (مصر الآن) قال له قاتله وهو يذبحه : سواء صرختْ أو خرستْ سيسفك دمك اليوم يا دكتور. لقد جئتُ أنفذ الفتوى الخاصة بك . ثم اقترب منه ووضع على صدره كتابه وقال : قابل به الله يا دكتور. عمل إخوان الله على قضيتك كثيرًا . وأنهكتهم والله يا دكتور. واكتشفوا أنك لست جاسوسًا لأى من الجهات ، وإلاّ كانوا رموك ككلب للمخابرات المصرية ولم يدنسوا أيديهم بدمك القذر. هل كل هذا الهراء معتقداتك ونتاج مخك الذى خلقه لك الله ؟ ما الذى يُغضبك من الإسلام والمسلمين يا دكتور؟ ورغم أنّ د. سيد يعلم نهايته قال لمحدثه : أمثالك يُغضبوننى ، أنت وإخوانك . هذا القطيع الجاهل يُغضبنى . وإعلم أننى لا أحب هذه الحياة وأمثالك فيها. فقال له الأصولى : ألم تفكر فى هذا اليوم وأنت تكتب شهادة وفاة المسلمين ؟ رد عليه د. سيد : أنت لم تقرأ كتابى . أنت لا تقرأ على الإطلاق . كلماتى مقابل رصاصتك . لو كانت لديك كلمات لرددت بها علىّ . ولكنك لاتملك إلاّ هذا المسدس . وينتهى هذا المشهد بأنْ يسأل الأصولى نفسه : من أين يُمسك خروف مثلك ؟ وأخرج سكينًا وصاح ((الله أكبر)) (من ص191 – 197) .
اغتيال د. سيد هو المحرك لقانون التداعى الحر، الذى يوقظ الذاكرة القومية عن مسلسل الاغتيالات منذ اغتيال د. محمد حسين الذهبى وزير الأوقاف الأسبق والمفكر فرج فودة ومحاولة اغتيال الأديب نجيب محفوظ إلخ . وتذهب قراءتى لرواية (ميس إيجيبت) أنّ مشهد اغتيال د. سيد هو الوجه الثانى لمشهد اغتيال نفرت . وإذا كانت (نفرت) هى رمز الجمال ، د. سيد رمز الفكر ، فإنّ أعداء الجمال وأعداء الفكر هم أعداء مصر. وإذا كان الفكر فى أبسط تعريفاته يعنى الإيمان بالتعددية ونبذ الأحادية ، وإذا كانت الثقافة العربية تؤمن بالأحادية وتنبذ التعددية ، وإذا كانت المرأة عورة وأصل الشر فى الثقافة العربية والعبرية ، وهى نظرة على النقيض من موقف الثقافة القومية المصرية للمرأة ، فإننى أعتقد أنّ رواية (ميس أيجيبت) طرحتْ المسكوت عنه فى الثقافة السائدة ، منذ انقلاب أبيب / يوليو 52 الذى روّج قادته لعروبة مصر ، بل وشطب اسم مصر. وبالتالى فإنّ الأديبة سهير المصادفة امتلكت (بلغة الفن) شجاعة طرح العلاقة الجدلية بين الثقافة القومية لنا كمصريين ، والثقافة العربية .
*****



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سليمان فياض : الواحد المتعدد
- النص الدينى والتفسيرات المتعددة
- العالمانية والاستقرارالاجتماعى
- هل يؤمن الأصوليون الإسلاميون بالديموقراطية
- مأزق السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل
- الأدب واتعبيرعن التغيرات الاجتماعية
- لاتُصالح ودوائرالثأرالجهنمية
- كفيل مصرى لأى خليجى فى مصر
- رد بأن مقالى عن اللغة القبطية
- المشروع الفكرى للراحل الجليل بيومى قنديل
- سيناريو مُتخيّل عن استقالة شيخ الأزهر والمفتى
- قوى التقدم وقانون التغير الكيفى
- اذا كان المسيحيون مواطنين فلماذا الكتابة عن الجزية
- إرهاصات العالمانية فى مصر
- الحب والظلال للمبدعة إيزابيل اللندى
- الحرام بين النظرة الأحادية وتعدد المنظور
- الأدب التراثى وأنظمة الحكم وجهان لمنظومة واحدة
- جدل العلاقة بين البؤس الاجتماعى والميتافيزيقا
- دستور يحكم الثقافة ويحمى المثقفين
- عقاب الطغاة بين دولة القانون وقانون الغابة


المزيد.....




- وجهتكم الأولى للترفيه والتعليم للأطفال.. استقبلوا قناة طيور ...
- بابا الفاتيكان: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق
- ” فرح واغاني طول اليوم ” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 اس ...
- قائد الثورة الإسلامية: توهم العدو بانتهاء المقاومة خطأ كامل ...
- نائب امين عام حركة الجهاد الاسلامي محمد الهندي: هناك تفاؤل ب ...
- اتصالات أوروبية مع -حكام سوريا الإسلاميين- وقسد تحذر من -هجو ...
- الرئيس التركي ينعى صاحب -روح الروح- (فيديوهات)
- صدمة بمواقع التواصل بعد استشهاد صاحب مقولة -روح الروح-
- بابا الفاتيكان يكشف: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق عام 2021 ...
- كاتدرائية نوتردام في باريس: هل تستعيد زخم السياح بعد انتهاء ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - ميس إيجيبت وجدل العلاقة بين الثقافتين المصرية والعربية