|
سرّ فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات المغربية
زكرياء الفاضل
الحوار المتمدن-العدد: 3579 - 2011 / 12 / 17 - 01:54
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
يتحدث الكثيرون عن فوز "العدالة والتنمية" في الانتخابات التشريعية المغربية، ويعلّلون ذلك بشعبية هذا الحزب السياسي ذو المرجعية الإسلامية بالرغم من اعتراف السلطة الرسمية بالبلاد وإعلامها الرسمي و"الكاري حنكو" (المأجور) أن أكبر التيارات الإسلامية بالمغرب، من حيث العدد وبالتالي من حيث الشعبية، هي جماعة العدل والإحسان التي قاطعت الانتخابات وأبدت من "العدالة والتنمية" موقفا لا يعبر عن تأييدها له. إذا كيف يصبح حزب، تراجعت شعبيته في 2007 ولا يعد أكبر التيارات الأصولية بالمغرب، أكثر شعبية في ظروف الاحتقان السياسي وموجة الاحتجاجات الساخطة على الأنظمة، التي تعمّ البلاد خصوصا وأن كاتبه العام أبدى من المواقف السياسية المعادية للحراك الشعبي المغربي ما يكفي لصد الناس عنه؟ فالاحتجاجات الشعبية المنتشرة في شتى أنحاء المغرب لا ترفض السلطة المخزنية القائمة فقط، بل وكل ما يمثلها من أحزاب وجمعيات ومؤسسات، وعزوف المغاربة عن انتخابات سنة 2007، رغم دعوة الملك شخصيا للمشاركة فيها، نموذج حي لرفض الأمة المغربية للنظام القائم ومؤسساته بما فيها الأحزاب المخزنية والجمعيات المخترعة. وحزب العدالة والتنمية إحدى هذه الأحزاب المخزنية والمؤيدة للملكية التنفيذية والمعارضة بشدة فكرة الملكية البرلمانية، والمحاربة لكل ما هو حداثي وديمقراطي أي ما تطالب به جماهير حركة 20 فبراير على اختلاف أطيافها. علاوة على أن هذا الحزب لم يقدم برنامجا اقتصاديا للخروج بالبلاد من أزمتها، واكتفى برفع شعار فضفاض وعام بخصوص محاربة الفساد دون التطرق للسبل التي سيعتمدها في حربه هذه. قد يكون دافع الأقلية التي شاركت في الانتخابات التشريعية (45% حسب المعطيات الرسمية) لتفضيل هذا الحزب دون غيره هو الدخول في تجربة جديدة مع تنظيم طالما بكى واشتكى (ظلما وبهتانا إذ هو كان حاضرا في البرلمان لسنين والجماعات الحضرية والبلديات) من عدم مشاركته آنفا في تسيير أمور البلاد. وإذا أخذنا بعين الاعتبار خيبة آمال فئات شاسعة من الشعب المغربي في الحكومات السابقة،التي لم تعمل سوى على تقديم وعود شعبوية وتكريس سياسة الاستبداد واقتصاد الريع.، فإنه فعلا قد يكون هذا الأمر دفع بالبعض للتصويت على العدالة والتنمية، لكن من الأقلية التي شاركة بالانتخابات وهي لا تصل إلى نصف الناخبين باعتراف السلطات نفسها. كما أن حصول هذا الحزب على 107 مقاعد من جملة حوالي 400 لا يمكن، في أي حال من الأحوال، اعتباره انتصارا عظيما كما تحاول وصفه وسائل الإعلام الرسمية ولسان حال الحزب جريدة التجديد. ذلك لأن عدد هذه المقاعد لا يعطيه أغلبية تمكنه من تشكيل حكومة بمفرده، بل هو مضطر للتحالف مع أحزاب أخرى، تختلف معه إديولوجيا كحزب التقدم والاشتراكية ذو مرجعية (حسب زعمه) اشتراكية علمية، علاوة على أنه قد يكون أكبر فريق برلماني بمجلس النواب، لكنه ليس الأغلبية بتاتا لا من بعيد ولا من قريب. ورغم كل الظروف التي قد تكون دفعت بالبعض (من تلك الأقلية) لمنح العدالة والتنمية صوته، يبقى هذا الخيار غير طوعيّ ومسيّر من طرف السلطة المخزنية، التي تتحايل على مطالب جماهير المحتجين في انتظار مرور زوبعة الربيع العربي. وقد اعتمدت السلطة المخزنية في عملية توجيه خيار الناخبين، بشكل لا شعوري، نحو المطلوب تكنولوجيا مستوردة من أمريكا (وتستخدم بروسيا الاتحادية أيضا) المعروفة باسم هندسة توجيه الناخبين وهي قسمان: 1 – هندسة أفقية وتنبني على دفع الناخبين، بشكل غير مباشر، للتصويت على المرشح، الذي تريده السلطة عبر الدعاية له والنفخ في حجمه سياسيا واجتماعيا وإعلاميا، بالشكل الذي يجعل منه بطل الساعة، مما يثير انتباه المواطنين إلى شخصه المصنوع في كواليس سلطة الدولة. هذه العملية تتم بمساعدة أساسية من الإعلام الرسمي والمأجور، وللأسف الشديد يساعد هذا الإعلام في مهمته الأقلام الشريفة، التي تقوم بالتصدي للشخصية المطبوخة في دهاليز وزارة الشؤون الداخلية، مما يعطيها، أي الشخصية، الحجم والمشروعية المطلوبين. 2 – هندسة عمودية هنا تعتمد تقنية مغايرة، حيث لا يستوظف أكبر عدد من الدعاة للمرشح فقط، بل ويستدعى عدد من الشخصيات المرموقة والمشهورة وذات نفوذ في المجتمع من فنانين ورياضيين ورجال دين (بالنسبة للمغرب كأغلبية مسلمة ساحقة هذا الدور تقوم به أئمة المساجد والزوايا الصوفية).. لحثّ الناس على إعطاء صوتهم للمرشح المطلوب بشكل مباشر (بالتأييد والدعاية له) أو غير مباشر بالتصريح العلني عن عزم هذه الشخصيات التصويت عليه. وإلى جانب هذه التكنلوجيا الحديثة تستخدم أساليب تقليدية مثل شراء الذمم بالمال والوعود، بالشغل أو المنصب في حالة النجاح، وتعبئة الجهاز الإداري المسلح بتعليمات كواليسية معينة.. انطلاقا مما سبق نعتقد بأن فوز العدالة والتنمية كان مبرمجا من طرف النظام وذلك للأسباب التالية: • تخوف النظام من الربيع العربي الذي أوجد له فرعا بالمغرب (حركة 20 فبراير)، والحركة وإن كانت معتدلة في مطالبها لحد الساعة، فإنه لا توجد ضمانات من تبنيها شعارات راديكالية مستقبلا، والبوادر بدأت تظهر لهذا التوجه في بعض المناطق • محاولة الالتفاف والتحايل على مطالب التغيير والحفاظ على الملكية التنفيذية أي السلطة الفردية التي تطبع نظام الحكم بالمغرب، والتهرب من مناقشة فكرة ملكية برلمانية وعزل السلطة عن الرأسمال. مما يعني أن النظام المغربي القائم يرفض الديمقراطية (فهو يطمح لديمقراطية بلجمة) ويتشبث بأساليب الحكم العتيقة المستمدة من العصور الوسطى، وهذا العناد المخزني قد يؤدي إلى تحولات وتطورات للوضع الراهن في اتجاه يصعب حاليا تقييم نتائجه • عدم قدرة مواجهة هذا المد الشعبي، بالنار والحديد، لما نتج عن الاصطدامات السابقة بالحراك الجماهيري من سقوط مخزي للديكتاتوريين بتونس ومصر وليبيا، ولا أحد يعرف مآل الأوضاع بسوريا. لذلك استفاد النظام المغربي من تلك التجارب واختار طريقا آخرا يتمثل في المهادنة المرغومة والاحتيال السياسي على مطالب الجماهير الشعبية واقتبس المبدأ الشيعيّ المعروف بالتقية أي النفاق السياسي ما دام يقول ما لا يؤمن به • حزب العدالة والتنمية حزب مخزني 100% وقاعدته تتكون من البرجوازية الصغرى والمتوسطة أي أن تطلعاته وطموحاته برجوازية محضة، وهو يؤيّد الملكية التنفيذية ويعارض فكرة الملكية البرلمانية ويحارب حركة 20 فبراير، منذ البداية وإلى يومنا هذا، وقبل بالدخول في اللعبة السياسية المخزنية والقيام بدور المعارضة لكن ما قد يجهله الكثيرون هو أن سيناريو تمرير أغلبية نسبية لهذا الحزب، في الانتخابات التشريعية، لم يبدأ مع الحملة الانتخابية، بل انطلق مع تنحية سعد الدين العثماني من قيادة الحزب والنجاح في تنصيب عبد الإله بنكيران مكانه، رغم أنه لم يكن يملك شعبية كبيرة داخل الحزب مثل الدكتور سعد الدين العثماني نظرا لشطحاته الهستيرية، لكن القاعدة الحزبية تريد أمرا والمخزن يريد آخرا وهو في أحزابه على كل شيء قدير. لماذا بنكيران دون الدكتور سعد الدين العثماني؟ من كان يعرف شخصية جيرينوفسكي زعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي الروسي، فإنه لن ينتابه أدنى شك من كون شخصية بنكيران هي اللائقة للقيام بالدور، الذي يريده منه المخزن المغربي. مع فارق أن الأول لا تسمح له السلطات الروسية بأكثر من 11 – 12 % من الأصوات، لأن روسيا لم تعرف رياح الربيع ولذلك لم يأت دور جيرينوفسكي بعد. بينما المغرب وجد نفسه معنيا بالتحولات التي تعصف بالأنظمة العربية رغم تغنيه بالاستثنائية، ومضطر لمهادنة العاصفة حتى تضعف. يدعم هذا الطرح استجواب وزير الداخلة السابق والراحل إدريس البصري مع الصحيفة الإسبانية "البايس"، والذي نشره الصحفيان علي المرابط وبوبكر الجامعي في أسبوعية "لوجورنال" في شهر يوليوز سنة 1999، حيث جاء في تصريحات الوزير الراحل أنّ حكومة التنواب عملية تمت مع الاتحاديين وفيما بعد سيأتي دور العدالة والتنمية. إذا عملية الانتخابات البرلمانية مسرحية تتم كتابة فصولها في كواليس السلطة المخزنية، بعيدا عن إرادة الشعب وجماهيره الكادحة. مما يدحض نزاهة الانتخابات ويضحضح أمرها ويبطل زعم القائلين بنظافة حزب العدالة والتنمية ونزاهته ويكذب زعم السلطة المخزنية في تغيير نهجها نحو الديمقراطية. هناك أمران آخران يدلاّن على شعبوية شعارات هذا الحزب الإسلامي ويؤكدان تحالفه مع خصوم الشعب الطبقيين. أما الأمر الأول فيتعلق بترشيحه لمنصب رئيس مجلس النواب شخص كريم غلاب (عضو حزب الاستقلال) المتورط في 53 قضية مرتبطة بهدر المال العام أثناء استوزاره. ويرى الكثير من المحللين السياسيين أن حزب العدالة والتنمية إنما رشحه لهذا المنصب بغية إعطائه حصانة وحمايته من يد العدالة والمحاسبة (رفعت ضده شكاية بهذه التهم سنة 2008 وبقيت دون رد فعل، ثم جددت الشكاية في السادس من الشهر الجاري وسنرى ما ستقوم به وزير العدل-وزارة العدل ستكون للعدالة والتنمية). والأمر الثاني يتعلق بالمبلغ المالي الذي حصل عليه هذا الحزب من الدولة كمنحة حكومية لدعم حملته الانتخابية قبل 25 نونبر-تشرين الثاني الماضي والبالغ، حسب تصريح الحزب نفسه، 5 ملايير سنتيم مغربية (الدرهم المغربي يساوي مائة سنتيم، والدولار الواحد، حاليا، يعادل 7 دراهم). وقد خصصت الدولة لكل الأحزاب المشاركة في الانتخابات السابقة 22 مليارا سنتيم، مما يدل على تفضيلها لهذا الحزب دون غيره ويثبت تصريحات وزير الداخلية السابق المرحوم إدريس البصري المذكورة أعلاه. لكل هذا أقول لمن يشكك في تآمر حزب العدالة والتنمية مع السلطة المخزنية بأنه عليه أن يعود للمصادر ويراجعها بنفسه. وهناك أشياء أخرى تبرهن على مخزنية هذا الحزب وتتعلق بعلاقته مع إحدى الشخصيات المغربية المخزنية، لكني سأترك هذا لموضوع لمقال آخر إن اقتضى الحال مستقبلا.
#زكرياء_الفاضل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ربيع الحياة الجديدة
-
اليسار وتحديات الربيع العربي
-
انتصار العدالة والتنمية واستراتيجية السلطة المخزنية
-
الديمقراطية في خدمة الإمبريالية لنكن حذرين
-
المهاجر
-
ليبيا ودلالات شذوذ التوجه
-
الربيع العربي والآفاق الغامضة
-
الربيع العربي في معادلة الشواذ
-
الشعب يطالب بالكرامة لا بصدقة
-
انتصار الشعب الليبي سيعطي انطلاقة جديدة للربيع العربي
-
حرب إعلامية فاشلة
-
شعب أمس غير شعب اليوم
-
Madamme Font Du Picard
-
من ذكرياتي مع الاتحاد السوفياتي
-
الفيزازي من السلفية إلى الاشتراكية أو ما دمت في المغرب فلا ت
...
-
الدولة ليست فكرة مجردة ولا جهازا فوق المجتمع
-
رسالة عاشق
-
رسالة الشعب للقصر في يوم احتفاله
-
الفيزازي والاحتيال السياسي
-
البيعة في المغرب المعاصر تزوير لإرادة الشعب
المزيد.....
-
أشرف عبدالباقي وابنته زينة من العرض الخاص لفيلمها -مين يصدق-
...
-
لبنان.. ما هو القرار 1701 ودوره بوقف إطلاق النار بين الجيش ا
...
-
ملابسات انتحار أسطول والملجأ الأخير إلى أكبر قاعدة بحرية عرب
...
-
شي: سنواصل العمل مع المجتمع الدولي لوقف القتال في غزة
-
لبنان.. بدء إزالة آثار القصف الإسرائيلي وعودة الأهالي إلى أم
...
-
السعودية تحذر مواطنيها من -أمطار وسيول- وتدعو للبقاء في -أما
...
-
الحكومة الألمانية توافق على مبيعات أسلحة لإسرائيل بـ131 مليو
...
-
بعد التهديدات الإسرائيلية.. مقتدى الصدر يصدر 4 أوامر لـ-سراي
...
-
ماسك يعلق على طلب بايدن تخصيص أموال إضافية لكييف
-
لافروف: التصعيد المستمر في الشرق الأوسط ناجم عن نهج إسرائيل
...
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|