كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 1060 - 2004 / 12 / 27 - 11:49
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
يقسم قادة بعض البلدان المجاورة بأغلظ الإيمان بأنهم بعيدون كل البعد عن التآمر ضد العراق, وأنهم يعملون كل ما بوسعهم من أجل إعادة الاستقرار لهذا البلد المستباح يومياً من أعداء الشعب من كل حدب وصوب, وأنهم يشاركون في اللقاءات التي تعقد شهرياً في مختلف العواصم العربية والإقليمية من أجل حفظ الأمن والاستقرار ومحاربة الإرهاب.
وعندما يندفع بعض الوزراء في العراق ليوجهون اتهامات صارخة وواضحة ضد المخابرات في كل من إيران وسوريا حول تورطهم بعمليات إرهابية في العراق, ينبري بعض المسؤولين في البلدين الجارين ويدعون أن مثل هذه التصريحات غبية وبعيدة عن الواقع, وأنها من صنع الخيال المريض لهذا الوزير أو ذاك ولا تستحق الرد عليها. هكذا حصل أخيراً بعد التفجيرات التي حصلت في النجف وكربلاء والموصل وغيرها وفي الوقت الذي تنوعت العمليات الإرهابية ضد الناس العراقيين في العديد من مدن العراق راح ضحيتها عدد كبير من الناس الأبرياء في بغداد وفي غيرها من المدن. ولكن السؤال المشروع هو: هل ما يدعيه العراقيون صحيحاً, بغض النظر عن مدى الاتفاق مع الأسلوب غير الدبلوماسي الذي يمارسه وزير الدفاع في توجيه تلك الاتهامات, أم أن نفي تلك الاتهامات من قبل بعض المسؤولين في هذين البلدين الجارين هو الصحيح؟
عندما كان صدام حسين وحزب البعث في الحكم, مارسا القتل ضد المئات من المناضلين عن طريق الاغتيال الجبان, سواء أكان الدهس بالسيارات في الشوارع أم عبر كاتم الصوت أم عبر إطلاق الرصاص من الخلف أم عبر الاختطاف والقتل في بيوت أجهزة الأمن والمخابرات ...الخ وإلقاء الجثث في الشوارع ومياه الأنهر لزيادة خوف الناس من "القائد الضرورة" ونظامه الدموي. ثم كان رأس النظام يقوم بإرسال ممثلي "السيد النائب ثم الرئيس وقيادة الحزب والدولة" للسير خلف جنازات المغدورين من القوى والأحزاب السياسية المختلفة, أم من بعض المجتهدين وعلماء المسلمين, أم من بين قادة حزبه. ولم يكن خافياً على الناس اسم المجرم الذي كان يقوم بهذه العمليات إجرامية المشينة بحق هؤلاء الناس. ولهذا كان الناس في أحاديثهم يقولون: "يقتلون الضحية ثم يمشون خلف جنازته!".
وهذه الطريقة المعوجة تمارس اليوم, كما يبدو, ضد العراق من قبل بعض القوى والأجهزة في بعض الدول العربية والمجاورة التي لا تختلف بقليل أو كثير عن أجهزة النظام الصدّامي. وهي بعد كل عملية كبيرة تؤدي إلى استشهاد عشرات من الناس الأبرياء تترحم على هؤلاء الموتى الأبرياء من العراقيين, ولو تسنى لها لأرسلت من يمشي خلف جنازات ضحاياها أيضاً!
قبل سقوط صدام حسين بأشهر كثيرة أدرك الدكتاتور قرب سقوط نظامه عبر الحرب التي قررت الولايات المتحدة خوضها ضده. ولهذا اتخذ لذلك عدته بهدف شن عمليات مناهضة للوضع الذي سينشأ في العراق في أعقاب سقوط نظامه. ولكن الدكتاتور لم يفكر ولم يتحرك لاتخاذ الإجراءات الكفيلة بتغيير الوضع والمعادلة لصالح الشعب العراقي من خلال البدء بحوار جدي ومسؤول مع قوى المعارضة العراقية والاستجابة لنداءات وقرارات مجلس الأمن الدولي بنزع أسلحة الدمار الشامل العراقية أو التنازل عن الحكم وتسليمها لآخرين حتى تنظم عملية انتخابات جديدة تحت إشراف الأمم المتحدة. وبالتالي قدم صدام حسين الدليل القاطع على أنه لم يكن دكتاتوراً أهوجاً رعديداً وعنيداً راكباً رأسه وإنساناً لا ضمير له ولا ذمة فحسب, بل كان مستعداً أيضاً لتدمير العراق كله وقتل المزيد من الناس إرضاءً لجنون العظمة الذي ركبه. وكانت الحصيلة واضحة تماماً, إذ أصبح العراق تحت الاحتلال وفي وضع كارثي بسبب نشاطات القوى الإرهابية. سقط الطاغية ونظامه إلى غير رجعة, ولكنه ترك أعوانه الخائبين يقاتلون بتحالف مع قوى الشر السوداء والمجرمة المماثلة لها دون أي أمل بالعودة إلى الحكم ثانية.
والآن نواجه حالة مماثلة لمواقف صدام حسين قبل سقوطه إزاء مجلس الأمن الدولي وإزاء نداءات التوقف عن التدخل في شئون العراق الداخلية وترك العراق يصفي حساباته مع قوى الإرهاب الداخلي دون إرسال المزيد أو السماح بمرور الإرهابيين عبر أراضيها إلى العراق. وهي ترفض الاتهامات الموجهة لها وتدعي عدم صوابها, دون أن تعمل شيئاً للتحقق من تلك الاتهامات والتعرف الدقيق على ما تقوم به استخباراتها وأجهزتها الأمنية والحرس الثوري الإيراني وجماعات التطوع المتطرفة, هذا على افتراض أن المتحدثين باسم هذه الحكومات لا يعرفون حقاً ما تقوم به أجهزتهم وأعوانهم في العراق. إن الاتهام سهل. كما أن التكذيب هو الآخر سهل. ولكن علينا العودة إلى الحقائق والوقائع اليومية ونشرها أمام الناس في العراق وأمام الرأي العام العربي والعالمي.
دعونا نقدم بعض المؤشرات حول ما تقوم به أجهزة إعلام وأعوان هذه النظم المجاورة في العراق, ومن حق حكومة العراق أن تطالب المسؤولين في تلك البلدان بالتحري عن صواب هذه الادعاءات وأن تعمل الكثير لإيقافها.
أمامنا تنتصب أجهزة الإعلام العربية في بعض الدول العربية والمجاورة, وبشكل خاص إيران وتركيا وسوريا, لتكرر يومياً الاسطوانة التالية: العراق مهدد في وحدة أرضه وشعبه, العراق يتعرض لمحاولات تقسيمه, علينا أن نقف لمواجهة خطر التقسيم! كل هذا الادعاء ناشئ في حقيقة الأمر من الخشية المتفاقمة لدى هذه الدول من تمتع الشعب الكردي بحقه في تقرير مصيره في العراق واختياره الطوعي للفيدرالية في إطار جمهورية عراقية ديمقراطية فيدرالية, كل هذا يحمل في طياته الخشية من أن ينتشر "وباء الحرية" على البلدان المجاورة ليرتفع صوت الشعب الكردي ثانية ويطالب بالفيدرالية في تلك البلدان, إذ ترى فيها البداية لدولة كردستانية موحدة مستقلة. إن هذه الدول مصابة بمرض الشوفينية القاتل, ولهذا فهي مستعدة لعمل كل شيء من أجل إفشال هذه المسيرة العراقية الجديدة. خاصة وأنها لا ترتبط بالفيدرالية فحسب, بل وبالديمقراطية والتعددية والحرية في العراق كله. وإذا كانت تركيا لا ترسل من يقوم بقتل العراقيات والعراقيين مباشرة بسبب علاقتها بحلف الأطلسي وصداقتها الخاصة بالولايات المتحدة الأمريكية, فإنها لا تتردد بدعم الجهود التي تبذلها الدول الأخرى لوقف مسيرة العراق الديمقراطية والجمهورية الاتحادية في العراق. وأصبحت الاجتماعات الثلاثية مترافقة مع اجتماعات حفظ أمن العراق الشهرية والزيارات بين هذه الدول متزايدة بهدف التنسيق في ما بينها بشأن العراق وكردستان العراق. أما إيران وسوريا فهما متحرران من كل قيد أطلسي أو عربي يحد من جهودهما للتآمر على ما يجري في العراق من خلال أجهزتهما الأمنية وبعض المنظمات والقوى المهيأة لهذا الغرض. هكذا تتكشف الأوراق يومياً. وما علينا إلا أن نتابعها.
دعونا نبدأ بالاعترافات التي قدمها المعتقلون العراقيون والأجانب عن دور أجهزة الاستخبارات وأجهزة الأمن الداخلي في البلدين المجاورين بأنها تقوم بدعم النشاط التخريبي وعمليات القتل في العراق وعلى نطاق يتسع من يوم إلى آخر وبصورة نوعية, رغم تقلص العدد الإجمالي الشهري لعدد العمليات, ولكن عدد القتلى في تزايد كما يبدو. وأصبحت لدى مدراء الشرطة في كربلاء والنجف ولدى وزارتي الداخلية والدفاع معلومات كثيرة ومهمة بهذا الخصوص يفترض أن تعمل الحكومة العراقية على أربعة مستويات, وهي:
• عرض المتهمين من على شاشة التلفزة العراقية ونشرها على نطاق واسع عربياً ودولياً, بعد أن تجمعت الكثير من المعلومات وثبتت اعترافات وشهادات أبرز هذه الجماعات. فالإعلام يفترض أن يأخذ مكانه في هذا الصراع الجاري في العراق.
• تقديم شكوى سريعة إلى مجلس الأمن الدولي حول العمليات الإرهابية التي تنظمها الدول المجاورة والشقيقة وتقديم الأدلة الضرورية إلى مجلس الأمن الدولي وهيئة الأمم المتحدة. ويمكن تقديم نفس الشكوى إلى الجامعة العربية ودول عدم الانحياز والمؤتمر الإسلامي وبقية المؤسسات الدولية والإقليمية والمطالبة باتخاذ ما يلزم لإيقاف هذه العمليات وتسلل الإرهابيين إلى العراق.
• توجيه اتهام من قبل الحكومة العراقية ضد حكومات هذه الدولة إلى محكمة حقوق الإنسان الدولية للجرائم التي ترتكب يومياً بحق الإنسان في العراق, وكذلك نشر المزيد من الوقائع الصحيحة والموثقة حول أعمال التدخل في شئون العراق الداخلية وتجنيد الناس للقيام بعمليات إرهابية في العراق, ونشاطها المحموم للتأثير على وجهة إقامة النظام الجمهوري الفيدرالي في العراق, والذي هو شأن من شئون العراق الداخلية وسيادته الوطنية .
• تنظيم جملة إعلامية دولية واسعة مكن خلال الأحزاب والمنظمات غير الحكومية لفضح ما يجري في العراق وإدانة العمليات الإرهابية التي تقوم بها القوى المختلفة والتدخل العربي والأجنبي في شئون العراق مباشرة.
إن إصرار بعض دول الجوار العربية وغير العربية على محاربة الوضع الجديد وتنظيم العمليات الإرهابية وإسناد القوى التي لا تريد الخير للعراق في كل الأحوال, يمكن أن يؤدي إلى وقوع أكثر من احتمال. وأن هذه الأفعال المشينة تهدف, كما تعتقد, إشغال القوات الأمريكية والبريطانية في العراق وإبعادها عن التفكير بالتدخل العسكري في شئون الدول المجاورة. ولكن سيقود هذا التدخل إلى عكس ما تعتقده سواء تم ذلك عاجلاً أم آجلا, إن واصلوا السير على هذا الدرب الخطر.
ما هي الاحتمالات التي يمكن أن تنشأ, بغض النظر عن السقف الزمني لما يمكن أن يحصل؟ أتوقع, مع عدم ارتياحي لهذه الاستنتاجات الواقعية, وأتمنى أن تكلف هذه الدول عن التدخل في شئون العراق, ما يلي:
الاحتمال الأول: توجيه الولايات المتحدة الأمريكية ضربات عسكرية قاسية جداً للقوات والمواقع العسكرية في كل من سوريا وإيران, بهدف ضرب مواقع الإرهابيين والقوى المساندة لهم والقريبة من المناطق الحدودية. ويمكن أن تبدأ العملية إزاء سوريا قبل بدئها ضد إيران. ويمكن أن تشارك في هذا أكثر من دولة تضامناً مع أمريكا وتأكيداً على وحدة المعركة ضد الإرهاب المتفاقم في العراق. وستكون الضربات جوية بالأساس وستكن مؤذية إلى حدود بعيدة وستسقط ضحايا كثيرة ويحصل خراب كبير ويتأزم الوضع في المنطقة وتنفتح شهية الإرهاب في سوريا أيضاً.
الاحتمال الثاني: تفاقم الإرهاب في العراق مما يقود إلى حصول تدخل عسكري أمريكي في سوريا قبل حصوله ضد إيران, ولكن لن تستبعد إيران من القائمة التي يمكن أن تهاجم في كل لحظة والاستفادة من قوى المعارضة الإيرانية الموجودة في المنطقة لهذا الغرض. وهذا الاحتمال هو الأضعف حالياً, إذ ليست هناك رغبة في توسيع رقع الحروب بعد أن نشبت الحرب ضد النظام العراقي. ولكن يجب أن لا يشطب هذا الاحتمال من قائمة الاحتمالات أو الخيارات المطروحة للمناقشة على الإدارة الأمريكية والبنتا?ون ووزارة الخارجية ومجلس النواب والشيوخ في الولايات المتحدة. كما أن الصحف الأمريكية وغيرها تناقش ذلك أيضاً.
الاحتمال الثالث: أن يتفاقم الإرهاب وينتشر الانفلات على الحدود وتنتقل العمليات الإرهابية إلى سوريا ولبنان وإيران والأردن وبعض دول الخليج. وبالتالي سيعم الإرهاب وستكون أوضاع البلدين الجارين سوريا وإيران ليست أحسن حالاً من العراق, ولكن هذا الإرهاب الأعمى سوف لن يقتصر عليهما بل ينتقل إلى دول الخليج وبلدان عربية عديدة أخرى. ومثل هذا التحول في الوضع سيعطي فرصة أكبر للتدخل في الشئون الداخلية لهذه البلدان في ضوء التجارب السابقة.
إن العراقيين يعيشون يومياً السيارات المفخخة والانتحاريين والاغتيالات والاختطاف للأجانب والعراقيين ونسف أنابيب النفط الخام والغاز لتعطيل الحياة العامة في العراق. والكثير من هؤلاء لا يعمل لحسابه الخاص, بل لحساب آخرين. ولا يمكن تصور استمرار هذا الوضع طويلاً دون اتخاذ الإجراءات الحاسمة. إن الاستماع للإعلام العربي والحديث عن المقاومة والمقاتلين ونشر أخبارهم اليومية والابتعاد عن نشر أخبار أخرى تحصل في العراق أيضاً ولكنها غير القتل والموت والخراب اليومي يؤكد النية المبيتة ضد العراق من جانب الدول التي تنشر هذه المعلومات ومن جانب أجهزة إعلام أخرى. وهي تعطي بذلك إشارات واضحة بأنها ليست ضد تغلغل هؤلاء الناس إلى العراق للقيام بعمليات مناهضة للعراق. لا يمكن للوثائق التي وجدت في الفلوجة أو اعترافات كربلاء والنجف أو ما يجري في البصرة من قبل القوى المساندة لإيران أو القوى الإيرانية مباشرة ليست سوى أدلة إضافية على التدخل الفظ في شئون العراق, ويأمل الإنسان أن تبادر الحكومة بنشر هذا الغسيل الوسخ على الملأ ليعرفوا, إن كان ما يدعيه المسؤولون في العراق صحيحاً, ما يجري في العرق ومن المسؤول عنه. إنها مهمة الحكومة أولاً وقبل كل شيء.
برلين في 26/12/2004 كاظم حبيب
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟