|
عندما يهرب العقل
محمد ماجد ديُوب
الحوار المتمدن-العدد: 3577 - 2011 / 12 / 15 - 16:48
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ما من شك في أن الأفكار هي وليدة ظهور خلايا الدماغ المسؤولة عن التفكيروالتي ساعدت من خلال وجودها على نقل الإنسان من المرحلة الحيوانية الصرفة إلى المرحلة الإنسانية بمعناها المتعارف عليه
إن الأفكار تترسخ في العقل البشري بشقه المضمر اللاواعي بفعل التراكم التربوي الذي يبدأ من المرحلة الجنينية في طور معين وتمتد حتى سن الخامسة أي سن دخول المدرسة وإبتداء مرحلة التعلم الواعي
أثبتت تجارب كثيرة أقيمت في دول متقدمة أن الجنين في طور معين وما بعد يبدأ في سماع كل الأصوات التي تأتيه من العالم الخارجي والتي تحمل معها الكثير من الأفكار التي تتسرب إلى لاوعي هذا الجنين وتترسخ لتشكل أول الأفكار التي ما أن يبدأ الدخول إلى مرحلة التفكير الوعي حتى تبدأ بالظهور في أقواله وأفعاله ومن أهم هذه الأفكار على الإطلاق فكرة الله
هذه الفكرة أو الكلمة التي تترسخ في لاوعي هذا الكائن بصورة طاغية وعميقة لأنها اللفظة الأكثر ترداداً على لسان البشر المحيطين به بدءأً بأمه وأبيه وهما محيطه الضيق ومن ثم تتسع دائرة التاٌير لتشمل الأسرة كلها والحارة والمدرسة إلخ .......
في الواقع هذا الترسخ لهذه الفكرة في اللاوعي هو أشبه وكما يقولون بالنقش في الصخر الصوان لذلك هي من حيث المبدأ تشبه ما يسمى في علم النفس عملية غسل الدماغ ولهذا السبب نجد أن من تربى على فكرة عقائدية محددة يكون الموت أسهل عليه من الإنعتاق منها وهذا ما ما نجده لدى المؤمنين من كل الطوائف والمذاهب
إن الخلية الحية تميل بطبعها ولعلة في خلقها لاندركها نحو الكسل الذي يستلذ به كل كائن حي وخصوصاً البشر هذا الكسل الممتع الذي يحسه بشكل قوي الكائن الحي البشري بعد ممارسته للجنس فتراه يميل إلى الإسترخاء ومن ثم النوم ولاعجب وبفعل تراكم تكرار عادة ممارسة الجنس ليلاً أن نجد هذه الحالة هي حالة شبه ثابتة عند البشر والتي لانراها عند الحيوانات الأخرى
حالة الكسل هذه تجد المثال الأكثر وضوحاً لها في عزوف الطلاب بأغلبيتهم الساحقة عن دراسة الرياضيات والفيزياء إلا مكرهين
أو في حالة الحصول على الطعام إذ ترى أن أغلبية الكائنات الحية تميل إلى الإسترخاء والنوم بعد تناول الطعام وهذه بقايا عادات متجذرة في اللاوعي من مرحلة العيش على الصيد والتي لم تزل تعيشها الحيوانات الدنيا
إن مرحلة نمو الدماغ الإنساني وتطوره بظهور خلايا الدماغ المفكرة والتي نقلت هذا الكائن الحي من المرحلة الحيوانية العامة إلى المرحلة الإنسانية بمعناها المتعارف عليه هذه المرحلة تعتبر بحق بداية لمرحلة القلق والخوف عند هذا الكائن
في هذه المرحلة بدأ هذا الكائن علاقته مع مسائل الوجود الكبرى كالحياة والموت والحرية والخلود وفلسفة خلق الوجود وتبريراته حيث لم تسعفه قدرته على التفكير سوى بالخروج من هذا المأزق بإفتراض أن هناك خالقاً لهذا الوجود بل وأخذ يتفنن في إسباغ قدرات خرافية على هذا الخالق هي في مجملها قدرات يتمناها في لاوعيه أن تكون له
إن عقدة النقص هي من الأهمية في علم النفس بمكان أنها تصبح محركاً لمجمل تصرفات هذا الكائن الحي فما من رغبة لايتم إشباعها إلا وتصبح هوة عميقة الأغوار في الذات الإنسانية يصبح من العسير أن يتم يردمها ومنها على سبيل المثال لاالحصر عقدة حب السلطة التي ما تزال إلى اليوم تكلف العالم ملايين القتلى بل وتصبح قوة خفية دافعة للسلوك الإنساني
أو عقدة حب المال والتي هي المحرك الأساس لكل الحروب البشرية على سطح هذه المعمورة والصراعات التي على ما يبدو لن تنتهي إلا بعودة الأرض التي لايسكنها سوى رجل وإمرأة لوحدهما فقط أي آدم وحواء جديدين
إن الفكرة -الله- هي الفكرة وكما أسلفنا الأشد رسوخاً في لاوعي البشر إن بسبب التراكم التربوي أو بسبب الخوف من المجهول أو بسبب الرغبة الخلود في عالم اللذات السماوي أو لكل هذه الأسباب مجتمعة لذلك نرى أن البشر هم بين أربعة أنواع
النوع الأول الذي ذهب مع فكرة إفتراض أن هناك خالقاً لهذا الوجود وبدأ يكيف نفسه مع ما دُعي تشريعات وقوانين إلهية
النوع الثاني وهو النوع الذي إكتفى بقول لاأدري
النوع الثالث الذي أقر أن الوجود أزلي فاستبدل أزلية الله بأزلية المادة
النوع الرابع هو النوع الذي يقول له وعيه أن المادة هي صاحبة الأزل أما لاوعيه فيرفض هذه الفكرة إذ مازال هذا اللاوعي متمسكاً بفكرة الله الخالق
إن النوع الرابع هو الذي مازال من حيث ظاهر الأمر يجهد في البحث والتنقيب عن الله إرضاءاً لمخزونات لاوعيه التي لايستطيع التخلص منها فهو يعرف في وعيه أن الفكرة -الله- لامعنى لها ولكنه يجهد في البحث عن أي دليل يبرر إيمانه بهذه الفكرة -الله- الذي هو بحاجة لعملية غسل دماغي للتخلص منها
عجيب أمر هذا العقل فهو لايقبل بالحقيقة الموضوعية التي تقول بأزلية المادة ولكنه يقبل بالحقيقة الإفتراضية (الوهمية )التي تقول بأزلية الله
اليست فكرة أن هناك خالقاً لهذا الوجود تلبي وتشبع رغباتنا بعد الموت تلك الرغبات التي لم نتمكن من إشباعها في هذه الحياة القصيرة نسبياً كما وأنها تمثل عملية هروب لهذا العقل لكي لايقوم بدوره في هذه الحياة فيترك كل شيء على هذا الله ؟
#محمد_ماجد_ديُوب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بعيداً عن الشعارات هذا ما يجري في الشرق الأوسط
-
التدين عبادة صادقة لله أم خوف من المجهول ؟
-
اليسار وغياب القائد التاريخي
-
الخوف من عري الجسد
-
أنسنة الله والقائد التاريخي
-
عفواً توماس فريدمان : السوريون يكتبون تاريخ القرن الواحد وال
...
-
متى ساعة الصفر ليوم القيامة في الشرق الأوسط ؟
-
زوجُكِ هو إبنك زوجتُكَ هي أمُك
-
الإنسان عارياً
-
جاذبية المرأة وجاذبية الأرض
-
ربيع أمريكا السوري وخيارات بشٌار الأسد
-
الإنسان يصنع قيده
-
إيٌاك أن تعرف الحقيقة
-
إلهكم جزٌار بَشَر
-
الإنسان مشروع وجود
-
ثلاثية الوهم : الله -الخلود -الحرية
-
المطلق المُدَمِر في عالمي السياسة والدين
-
الإله الأوٌل
-
آلهتكم ثلاثة
-
ثورات أم حرائق ؟
المزيد.....
-
وجهتكم الأولى للترفيه والتعليم للأطفال.. استقبلوا قناة طيور
...
-
بابا الفاتيكان: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق
-
” فرح واغاني طول اليوم ” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 اس
...
-
قائد الثورة الإسلامية: توهم العدو بانتهاء المقاومة خطأ كامل
...
-
نائب امين عام حركة الجهاد الاسلامي محمد الهندي: هناك تفاؤل ب
...
-
اتصالات أوروبية مع -حكام سوريا الإسلاميين- وقسد تحذر من -هجو
...
-
الرئيس التركي ينعى صاحب -روح الروح- (فيديوهات)
-
صدمة بمواقع التواصل بعد استشهاد صاحب مقولة -روح الروح-
-
بابا الفاتيكان يكشف: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق عام 2021
...
-
كاتدرائية نوتردام في باريس: هل تستعيد زخم السياح بعد انتهاء
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|