|
النمو الحضري بين النظريات والدوافع..!
سنان أحمد حقّي
الحوار المتمدن-العدد: 3577 - 2011 / 12 / 15 - 11:43
المحور:
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر
النمو الحضري بين النظريات والدوافع..! كتب الدكتور عبد الباقي عبد الجبارالحيدري مقالات رصينة متعدّدة بعضها بعد بعض على صفحات موقع الحوار المتمدن وهي مقالات تكاد تكون خلاصة لأبحاث قام بها الكاتب أو أطاريح تقدّم بها إلى مراكز جامعيّة لينال بها درجة علمية وأنا هنا وإن كنت أواخذ الكاتب على محاولاته لإقحام القارئ البسيط في دوّامة البحث الأكاديمي إذ كان عليه من وجهة نظري الخاصّة أن يوجز ويقدّم نتائج أبحاثه الأكاديميّة بشكل مبسّط وفي هذا إغناء عن الإسهاب بسبب عدم التيقّن من توفّر القارئ على التخصص العالي المناسب ومع هذا فليس بوسع المتابع على كثرة وغزارة مقالات الكاتب العزيز أن يتابعها ويعلّق عليها جميعا مرّة واحدة ولهذا السبب أفضّل أن أختار موضوع النمو وأنماط النمو الحضري للتعقيب بطبيعة الأحوال أنا أتفهّم أن الدكتور الفاضل متخصص بالنمو الحضري وتخصًه الدقيق في الجوانب الإجتماعيّة بالأساس وهذا يقع ضمن ما ندعوه أحيانا بالتخطيط الإجتماعي وليس خافٍ على القارئ الكريم أن هناك ثلاثة اختصاصات تلعب دورا كبيرا في النمو الحضري منها التخطيط العمراني (Physical Planning )والتخطيط الإقتصادي ثم التخطيط الإجتماعي وكلها تعمل بالتداخل مع بعضها وتؤثّر في النمو الحضري للمدن وقد تأخذ المدن أنماطا مختلفة في النمو كما استعرض الدكتور في مقاله ولكن تلك الأنماط جميعا تنطلق من دوافع تبدو اقتصاديّة أو عمرانيّة وهي برأي الكاتب تحدد نمو المدينة ونمط توسعها أو تحديد نموها أو انقسامها ولست أعترض على ماجاء بالمقال حول كون تلك الأنماط تتبع الأحوال الحضريّة في الجوانب الإقتصاديّة والإجتماعيّة وخصوصا الديموغرافيّة ولكنني أودّ الإشارة إلى أن هناك عوامل أخرى تتدخّل في النمو الحضري للمدن وتباين أنماطها وهي في الغالب جوانب استراتيجيّة فقد نشأت كثير من المدن بناءً على حاجات ستراتيجيّة وعسكريّة وهذا كان أحد أهم أسباب نشوء ونمو مدن مثل بغداد والبصرة والكوفة والكوت وربما أربيل أيضا فالمتطلبات الستراتيجيّة والعسكريّة أملت على السلطات إحداث مراكز توطين حضري وبالتالي تنميتها لأهداف اقتضاها الدفاع عن الدولة أو المنطقة وهناك كما نوّهت في تعليق سابق إلى أن عددا من المدن نمت وتطوّرت لأسباب دينيّة أو مذهبيّة أو حتّى بسبب وجود قبر لرجل صالح إذ سرعان ما يجتمع عدد من الأشخاص حول القبر ثم تنشأ خدمات صغيرة للزائرين وتنمو تلك المستوطنة الحضريّة شيئا فشيئا حتّى تترسّخ كمدينة لها طابعها ونمط نموها الخاص بها من جميع الجوانب العمرانيّة والإقتصاديّة والإجتماعيّة وأنا أتفهم أن اختصاص الكاتب هو التخطيط الإجتماعي لهذا فهو يتناول الأنماط المختلفة من النواحي الإجتماعيّة والديموغرافية وليس العمرانيّة ولكن تظل عوامل مضافة تعمل كما وصفنا آنفا وليس بوسعي أيضا أن أعود إلى مجموعة المصادر التي رجع لها الكاتب الموقّر بسبب ظروف التهجير التي أعيشها وهي طبعا تختلف عن الهجرة من الريف إلى المدينة التي يركّز عليها الكاتب العزيز كما أن ما يسمّيه بالغزو والتراجع يخضع في البحث لجوانب محددة ومجرّدة من دوافع أخرى نجدها أحيانا رئيسية في بلدان مثل بلادنا وهو الغزو أو الزحف لدوافع ليس لها علاقة بالعمل أو المنافع الإقتصاديّة أو بسبب أضواء المدينة بل يمكن أن يكون زحفا عشائريا أو طئفيا منظما وياخذ أشكالا وأنماطا تختلف عن غاياته المجرّدة من تلك الأهداف وكذلك موضوع أو مفهوم الإنسحاب ومن ناحية أخرى فإن مفهوم التواصل والإتصال المذكور في البحث يختلف من جوانب عدّة في عدد من مدننا فالمهم في الزحف والإنسحاب تأمين التواصل والإتصال مع المجتمع الثانوي مثل القبيلة أو الطائفة وليس من المهم وجوب الإتصال العام بسبب أن مثل هذا التواصل يحقق مبدأ الحماية الذي يقوم عليه الإلتزام القبلي والطائفي ولهذا يكون هدف التجمع الحضري أن يحقق تجمعا قبليا أو طائفيا متجانسا وتقاربا أبويا إن نمط النمو الحضري في بلداننا يأخذ في كثير من الأحيان نمط التقدّم العسكري حيث تخترق قدم إحدى المجموعات موطئا متقدما ثم تعمل على التمركز وإقامة الدفاعات لتأتي قدمة أخرى بعدها وتتقدّم عليها إلى حين إحداث مستوطنة تتوفر لها عناصر دفاعيّة كما تتوفر لها عناصر إقتصاديّة واجتماعيّة لاحقة وقد تبقى بعيدة عن التفاعل مع بقيّة مناطق المدينة تماما ، وتتعرّض المدن العريقة لموجات من الزحف أغلبها تخوض صراعا طويلا مع النمط الحضري العريق حتّى ترسّخ قيما وتقاليد هجينة تكون عبارة عن حدود الحال عند (وقف إطلاق النار)إذا صحّ التعبير ويبدأ نمو الحال القديم وفق مفاهيمه التقليديّة العريقة والجزء الجديد يحاول التمسّك بتقاليده وقد تتداخل المنطقتين الحضريتين وقد لا تتداخلان فكل هذا يعتمد على الظروف السياسيّة والإقتصاديّة وحيث أن التخطيط الإجتماعي معني بالظواهر الفوقيّة من تقاليد وقيم وأمن وسكان وغيره فإن التغيير في الجانب الإجتماعي يعتمد على قدرة المكونين الحضريين على حسم الصراع إن جميع الأنماط الموصوفة قد تكون بعيدة عن واقع النمو الحضري عندنا وقد تقترب ولكن لن نضع أيدينا على واقع النمو الحضري حتّى نكشف عن الدوافع الحقيقية للنمو لنستطيع أن نضع أيدينا على الأنماط التي تلبّي الدوافع فالجميع يفهم الهجرة من الريف إلى المدينة ولكن الهجرة أنواع كثيرة وأزعم أن أسبابها في بلادنا هي غيرها في البلدان الأخرى لأنها هجرة مخطط لها في كثير من الأحيان أو لنقل منظّمة إمّا من قبل قطاعات اجتماعية كما ذكرنا منها القبلية أو الدينيّة أو المذهبيّة أو السياسيّة أو سواها وإمّا تهجير في كثير من الأحيان يستهدف توطين مكونات اجتماعيّة تستبدل بها مكونات أخرى أو أن يكون الغرض في كثير من الأحيان إزاحة مكونات محددة من المنطقة الحضريّة فقط حتّى دون توطين مكون آخر ذلك بسبب نزاعات حول الأرض أو بسبب عداءات ونزاعات قديمة أو تاريخيّةوهذا غير ظاهر في باقي المجتمعات وإن كان يحدث أحيانا هنا وهناك ولكن ليس بالشكل الصارخ الذي يحدث في بلادنا، وهذا يرجع جزء كبير منه إلى انعدام مبادئ العيش المشترك وبسبب تحويل أيّة منافسة شريفة إلى صراع واحتراب يجوز فيه استخدام كلّ ما يتوفّر من أدوات إن عدم وجود تجمعات حضريّة لأسباب عشائرية أو طائفيّة في المدن الغربيّة يجعل الأمور عندنا أكثر تعقيدا ويمكن أن نصف ما يشابهها في المدن العالميّة الكبرى إذا صحت الإستعارة التمييز العنصري كبديل للتمركز الحضري القبلي والعشائري في بلادنا فضلا عن فعاليات التهجير القسري والتي طرأت على الواقع الحضري وأصبح لها شان مهم في تحديد نمط النمو الحضري وهذا أكبر شاهد على أن الدوافع وهي في كثير من الأحيان ليست إقتصاديّة أو عمرانيّة لها تأثير واسع على عمليات الإستيطان وتحديد نمطه ونموه ولهذا أرى بكل تواضع وعن خبرة متواضعة جدا أن كل مدينة إنما هي عبارة عن ظاهرة إجتماعيّة إقتصاديّة وعمرانيّة وجغرافيّة وديموغرافيّة تكاد تكون مستقلّة بذاتها ولها نواميس خاصّة بها تتحكّم بأنماط نموها وتطورها علينا أن ندرس كل مدينة خصوصا المدن الكبيرة لنستخلص تلك الدوافع والخصائص حتّى نتمكّن من فهم نمط نموها الخاص ولم يحن الوقت بعد لكي تكون هناك مفاهيم متكاملة مشتركة في أنماط النمو والدوافع فلكل مدينة شخصيتها وتاريخها وجغرافيتها فهي تشترك مع المدن الأخرى في أشياء وتختلف معها في أشياء كثيرة أخرى ونحن كما يقول أحد المخططين لا نملك أن نخطط للناس إلاّ ما يرغبون به فليس المخطط إلاّ صاحب مطعم يقدّم لزبائنه الطعام الذي يحبون!أو خياطا ممتازا ولكنه لا يجبرهم على أن يرتدوا ما لا يرغبون! فالمدينة كما أرى هي مسرحٌ تجري عليه جملة فعاليات إجتماعيّة إقتصاديّة وفي أحيان كثيرة فعاليات خاصّة ولكن فعّالة جدا مثل الفعاليات الدينيّة أو الثقافيّة أو الستراتيجيّة أي ذات أهداف سياسية بعيدة المدى أو أخرى وكلما ظهرت أشكال جديدة من الفعاليات كلما اقتضى الحال توفير مكان ومجال حيوي لتلك الفعاليات الجديدة على ذلك المسرح المعقّد ويكون من شأنه التأثير في باقي الفعاليات وفي مناطق المسرح المتبقية أي بكلمة أخرى تكون له تأثيرات مباشرة على أنماط نمو تلك المدينة وللحديث صلة والسلام عليكم
#سنان_أحمد_حقّي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عودة إلى الهزّات الأرضيّة !
-
لمحات وتأملات مع مقال الأستاذ وليد مهدي في البحث عن ملكوت ال
...
-
مهدي محمد علي..توأم روحي!
-
هل تلعب الجامعة العربية دورا جديدا .. !؟
-
تحكيم المباني ضد الزلازل من الجوانب التصميميّة !
-
من سمات القيادة المقتدرة!
-
تأملات تقدّميّة في ثورات الربيع العربي
-
العيافة والقيافة والفراسة والطيرة...وغيرها من طبائع العرب
-
أضواء على زوايا من علم الفلسفة الأساسي ( المنطق)!
-
شنو؟.. لعد تردونها طول العمر؟
-
من وراء الربيع العربي
-
مسافرٌ زادهُ الخيالُ
-
الذائقة العروضيّة وبحور بلا حدود!
-
أفارسيٌّ أم عربيٌّ هو ؟ أم هو خليج البصرة!
-
في الوجود والعدم..فكرة!
-
نداء! (في ضوء انعقاد مؤتمر قوى وشخصيات التيار الديمقراطي الع
...
-
ردٌّ على ردّ بشان موضوعنا بحور بلا حدود المنشور في الحوار ال
...
-
هزّة دهوك الأرضيّة ووصايا وقائيّة مطلوبة!
-
أزمة فكريّة أم نضوب فلسفي
-
بورتريت سريع للشاعرالراحل عبد الخالق محمود!
المزيد.....
-
تحليل: رسالة وراء استخدام روسيا المحتمل لصاروخ باليستي عابر
...
-
قرية في إيطاليا تعرض منازل بدولار واحد للأمريكيين الغاضبين م
...
-
ضوء أخضر أمريكي لإسرائيل لمواصلة المجازر في غزة؟
-
صحيفة الوطن : فرنسا تخسر سوق الجزائر لصادراتها من القمح اللي
...
-
غارات إسرائيلية دامية تسفر عن عشرات القتلى في قطاع غزة
-
فيديو يظهر اللحظات الأولى بعد قصف إسرائيلي على مدينة تدمر ال
...
-
-ذا ناشيونال إنترست-: مناورة -أتاكمس- لبايدن يمكن أن تنفجر ف
...
-
الكرملين: بوتين بحث هاتفيا مع رئيس الوزراء العراقي التوتر في
...
-
صور جديدة للشمس بدقة عالية
-
موسكو: قاعدة الدفاع الصاروخي الأمريكية في بولندا أصبحت على ق
...
المزيد.....
-
-;-وقود الهيدروجين: لا تساعدك مجموعة تعزيز وقود الهيدر
...
/ هيثم الفقى
-
la cigogne blanche de la ville des marguerites
/ جدو جبريل
-
قبل فوات الأوان - النداء الأخير قبل دخول الكارثة البيئية الك
...
/ مصعب قاسم عزاوي
-
نحن والطاقة النووية - 1
/ محمد منير مجاهد
-
ظاهرةالاحتباس الحراري و-الحق في الماء
/ حسن العمراوي
-
التغيرات المناخية العالمية وتأثيراتها على السكان في مصر
/ خالد السيد حسن
-
انذار بالكارثة ما العمل في مواجهة التدمير الارادي لوحدة الان
...
/ عبد السلام أديب
-
الجغرافية العامة لمصر
/ محمد عادل زكى
-
تقييم عقود التراخيص ومدى تأثيرها على المجتمعات المحلية
/ حمزة الجواهري
-
الملامح المميزة لمشاكل البيئة في عالمنا المعاصر مع نظرة على
...
/ هاشم نعمة
المزيد.....
|