|
المالكي في واشنطن : ل-ترقيع السماء العراقية-!
علاء اللامي
الحوار المتمدن-العدد: 3576 - 2011 / 12 / 14 - 11:11
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
على متن طائرة إماراتية خاصة ومستأجَرة، توجه رئيس مجلس الوزراء العراقي، والحاكم التنفيذي الفعلي للبلاد نوري المالكي والوفد المرافق له، تاركا طائرته الرئاسية وطاقمها الإيراني خلفه في بغداد. الصحافة البغدادية التي نشرت الخبر لم تتطرق إلى السبب المباشر لهذا التفصيل، ولكنّ مصادر دبلوماسية أجنبية سرَّبت إن السلطات الأميركية ربما تكون قد طلبت من المالكي عدم القدوم على متن الطائرة الإيرانية لأسباب أمنية. الزيارة ستدوم بحسب بعض المصادر يومين، وبحسب أخرى أربعة أيام، أما جدول أعمالها فحافل بالكثير: هناك قضية الحصانة القضائية للآلاف من قوات الاحتلال التي ستبقى في العراق بصفة مدربين وخبراء والتي لم تحسم بعد، مع أنّ التوجه على الأرض يميل نحو إلحاق تلك القوات بمعسكرات حلف الناتو التي تتمتع بالحصانة القضائية في العراق، ولكن هذا الإجراء يبقى مؤقتا لأن الناتو سيرحل بدوره. عدد العسكريين الأميركيين الذين سيبقون في العراق، كان موضوعا للتجاذب و التصعيد أخيرا، فقد أعلن الناطق الرسمي باسم سفارة الاحتلال في بغداد، أنّ عدد الموظفين فيها حاليا يبلغ 15 ألفا قابلا للزيادة. أمرٌ، أثار ردود فعل قوية من قبل الفرقاء السياسيين. فرئيس مجلس النواب أسامة النجيفي وصف هذا العدد بغير المنطقي، وتعهد بمساءلة الحكومة عنه في البرلمان وقوى وشخصيات سياسية مختلفة لم تتردد في اعتبار هذا الوجود احتلالا "مبرقعا بالدبلوماسية " على حدِّ تعبير أحدهم. ملف آخر مشابه، شهد تصعيدا، في ما كانت طائرة المالكي "الإماراتية" تقترب من السواحل الأميركية، وهو المتعلق بملف عقود استئجار عسكريين أميركيين لحماية ومراقبة الأجواء العراقية. بغداد كانت قد قدَّرت أنها ستكون بحاجة إلى 800 عسكري متخصص في هذا المجال، ولكن نائب الرئيس الأميركي جو بايدن زاد فرفع هذا العدد إلى 1800 عسكري حائز على الحصانة القضائية، معطيا الانطباع بأنه يعرف الدار وما فيها أكثر من أهلها! وقد تمَّ الاتفاق معه على أنّ طلبه هذا سيدرس لاحقا، ثم يصار إلى تقديم موقف نهائي منه في زيارة المالكي إلى واشنطن. أكثر ردود الأفعال حِدَّة وطرافة جاء من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الذي وصف عملية استئجار خبراء عسكريين أميركيين لحماية سماء العراق بـ " الكلاوات" والكلمة تعني "حيل للخداع"، خاتما رده على استفتاء أرسله له أحد أتباعه بهذا الخصوص بعبارة لا تخلو من الدلالات والغمز من قناة أصدقاء أميركا العراقيين، قال ( قبَّحَ الله السياسة الدنيوية المنحطة وقبح الله كل من يطلب حماية الأميركان!) هناك أيضا، ملف تسليح الجيش العراقي شبه الأعزل والأقرب إلى المليشيات، والتلكؤ الأميركي المقصود فيه، والذي تسبب بجعل العراق "منطقة ساقطة عسكريا" ومجردة من أية دفاعات جوية و بحرية وإلى حد ما أرضية، مع انسحاب آخر قوات الاحتلال. مقربون من إدارة الملف الدفاعي العراقي سرَّبوا أنّ المالكي سيحاول تحريك صفقة تتضمن شراء عشرات الطائرات من طراز "أف 16" خلال عدة سنوات. صفقة أصبحت موضع أخذ ورد بين الطرفين منذ سنتين ولم تثمر عن شيء. يرى محللون ومراقبون للشأن العراقي أنّ نجاح المالكي في التوصل، مع الجانب الأميركي، إلى حلول ملموسة في هذه الملفات العسكرية والتسليحية سيكون له مردود فعال على أداء حكومته عموما وعلى استقرار العراق أمنيا بشكل عام، إما فشله في ذلك وهو ما يتمناه ويعمل من أجله خصومه السياسيون، وتركه لسماء العراق وحدوده البرية مباحة ومكشوفة فإن انعكاساته على الأرض ستكون دراماتيكية وغير متوقعة. ملف آخر، لا يقلُّ أهمية وصعوبة عن ملف مهمة "ترقيع" السماء والمجال الجوي العراقي بالرادارات والطائرات ينتظر المالكي، ألا وهو تخليص العراق من ربقة أحكام الباب السابع لميثاق الأمم المتحدة. هذا الباب، وباعتراف الجميع، يفرَّغ أي مزاعم للسيادة والاستقلال من أي مضمون، و يستنزف المزيد من ثروات العراق التي تدفع كتعويضات عن حروب صدام حسين. لقد أفلحت الإدارة الأميركية، كما يرى محللون متخصصون أجانب بعضهم أميركيون، في استغلال هذا الملف لابتزاز العراق بواسطته ابتزازا "لا أخلاقيا" ولا تبدو له نهاية. ورغم بيانات مشجعة صدرت قبل فترة قصيرة من بان كي مون رئيس المنظمة الأممية، و لاحظت تقدما في تنفيذ العراق لاتزاماته نحو الكويت تحديدا، في ما يخص ملف المفقودين خلال حرب الخليج الثانية، فإن قلَّةً فقط من المسؤولين والمراقبين العراقيين يعتقدون باحتمال أن تعتق الولايات المتحدة رقبة العراق من هذه الأنشوطة التي تدعى " الباب السابع"! من التقديرات والاحتمالات التي ناقشها مراقبون للشأن العراقي لدى قراءتهم لتفاصيل زيارة المالكي واحد يتعلق بوجود وزير النقل العراقي المناوئ بشدة لمشروع ميناء مبارك الكويتي هادي العامري بين صفوف الوفد. فقد قدر البعض أن وجود الوزير العامري ربما يشير إلى أن ملف الميناء الكويتي كان حاضرا على طاولة المباحثات في واشنطن لا سيَّما وان الوزير العراقي المؤيد للمشروع هوشيار الزيباري سيكون موجودا أيضا، ولكنّ مراقبين آخرين استبعدوا هذا الأمر وذهب بعضهم إلى أن وجود العامري يمثل الحضور الإيراني في العراق خصوصا بعد انشقاق "منظمة بدر" التي يتزعمها علنا ونهائيا عن صفوف حزب المجلس الإسلامي الأعلى بقيادة الحكيم الابن. فريق ثالث ذهب إلى أنّ وجوده قد يتعلق بمناقشة ملف مساهمة الولايات المتحدة في تنفيذ مشروع الميناء العراقي المضاد أي ميناء الفاو الكبير الذي يحاول العراقيون بواسطته فك الحصار البحري ضد العراق وقطعه تماما عن أي طلة على بحار العالم. الناطق باسم البيت الأبيض جاي كارني قال إنّ (المالكي وأوباما سيناقشان مغادرة القوات الأميركية للعراق، وجهودنا لفتح صفحة جديدة في إطار اتفاقية الشراكة الإستراتيجية بين الولايات المتحدة والعراق.. لتحقيق الوعد الذي قطعناه بترسيخ صداقة أميركية عراقية في وقت ننهي الحرب في العراق).لعل السؤال الأهم الذي وجه صحفي عراقي إلى أوباما خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده بمشاركة المالكي فضح حقيقة تلك "الصداقة" المزعومة والمبتغاة أميركيا، كان السؤال يقول (كيف تصفون علاقة الولايات المتحدة بالعراق هل هي علاقة تحالف أم صداقة أم شيء آخر!) أوباما تفادى الإجابة المباشرة والصريحة على هذا السؤال، وقدَّم قطعة في الإنشاء الدبلوماسي وصف خلالها العلاقة بين البلدين بأنها "شاملة" ويجب أن تكون "متواصلة".أمرٌ عدَّهُ عارفون بتاريخ التدخلات والحروب الأميركية ضد شعوب العالم لا يبشر بالخير! وفي السياق، كشف المالكي بدوره عن وجود هيئة قيادية عليا لاتفاقية الإطار الاستراتيجي التي ستحكم وتنظم العلاقات بين البلدين في السنوات والعقود القادمة في ميادين كثيرة من أهمها الاقتصاد والسياسة والأمن! التعليق الذي أدلى به المالكي في هذا المؤتمر الصحفي، واعتبره مراقبون ومحللون لطمة قاسية لسياسات بوش وطريقة تعاطيه مع الموضوع السوري كان بخصوص دعوة وجهها بوش قبل أيام إلى الرئيس السوري ليتنحي عن السلطة. فقد قال المالكي إنه، وإنْ كان يؤيد طموحات الشعب السوري في التغيير والإصلاحات الديموقراطية، ولكنه (لا يحق له أن يطالب بتنحي رئيس دولة من منصبه ) وأضاف حرفيا ( لا نريد أن نلعب هذا الدور ولا نعطي لأنفسنا هذا الحق) و قد بدا الوجوم واضحا على أوباما بعد سماعه لتعقيب المالكي هذا.
وأخيرا: فبحسب بعض المراقبين فإنّ تركيبة الوفد الذي رافق المالكي ولدت خيبة أمل لدى بعض الساسة العراقيين لأنه خلا تقريبا من أي زعيم مهم من مكون العرب السنة، ولولا وجود وزير الدفاع بالوكالة سعدون الدليمي، والذي هو قيادي في تحالف المالكي "دولة القانون" أيضا، لكان الوفد حكرا على مكونين اثنين فقط هما العرب الشيعة والأكراد. شخصيات معروفة بمناوأتها للمحاصصة الطائفية قالت إن الأمر يستحق الوقوف رغم الرفض الواجب للطائفية السياسية لأنه خرج عن إطار الأخطاء السياسية المألوفة ليقع في خانة التهميش والإقصاء لمكون مهم من مكونات المجتمع كان دور كبير ورائد في بناء الدولة العراقية الحديث في القرن العشرين وهو مكون "العرب السنة"! محلل آخر عبر عن اعتقاده بأن المالكي، بهذا الوفد الذي شكله لمرافقته، يكون قد استحق النقد الذي كان يوجهه هو مستشاروه إلى بعض الزعماء السياسيين من العرب السنة أو الأكراد لكونهم لا يراعون حضور المكونات العراقية الرئيسية الأخرى، في تركيبة وفودهم فالهاشمي مثلا، كما قيل أكثر من مرة، كان يحرص على عدم إشراك أي شخص من غير العرب السنة في الوفد الذي كان يرافقه في زياراته إلى الخارج ، أما الرئيس الشرفي جلال الطالباني فقد قاد في آخر زيارة له إلى مقر الأمم المتحدة وفدا مؤلفا من السياسيين الأكراد واقتصر تمثيل الغالبية العربية على سفير العراق في الأمم المتحدة حامد البياتي! وقد قيل كلام كهذا عن زيارات رئيس مجلس النواب أسامة النجيفي وكونه يصطحب معه في زياراته إخوانه و أقاربه أمر دفع النجيفي إلى الدفاع عن نفسه علنا فاعترف بأنه كان يصطحب معه بعض أقاربه الذين يعملون لديه كمستشارين ولكن دون رواتب حكومية!
#علاء_اللامي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أشباح جورج بوش تختفي من -عين الأسد-!
-
إعادة الاعتبار العلمي لمصطلح -الثورة-
-
قانون جديد لاجتثاث البعث وتقليص المحكمة التي أعدمت صدام
-
أوان الورد في كركوك.. نصرت مردان يوثق للصحافة والقصة العراقي
...
-
مؤتمر يساريّي أميركا في العراق: ممنوع ذكر الاحتلال
-
كركوك وخيارات المستقبل: مقترحات للحوار/ج4 والأخير
-
صراعات الحكم من الشمال إلى الجنوب : بين آل البارزاني وبين ال
...
-
بانتظار زيارة جوزف بايدن ..خرائط تقسيم العراق جاهزة
-
الانقلاب البعثي في العراق: شيء لا يشبه شيئا !
-
الاستفتاء على كركوك بين الشرعية الدستورية والاستحالة العملية
...
-
الاتفاقية الأمنية : حساب السلب والإيجاب
-
العراق: ساسة العرب السُنة يقيمون للشيعة إقليمهم!
-
الدستور في قضية كركوك: هل كان عوناً أم فرعونا؟ /ج2
-
مع قتل القذافي ..العراقيّون يستعيدون إعدام صدّام
-
لتكن كركوك أنموذجا لعراق المستقبل والمواطنة الحقة !/ج1
-
الشهرستاني يدافع عن صفقة -غاز البصرة -شِل- معترفا ضمنا بعيوب
...
-
الحدث السوري بعيون عراقية
-
مجلس السياسات المستعصي
-
أسرار المشهداني لم تحرك ساسة بغداد
-
المعلم التركي والدرس الكردي -غيرالعويص-
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|