|
ذاكرة أُمّه ـ فوضى التخلف إلى أين؟
محمد الحاج ابراهيم
الحوار المتمدن-العدد: 1059 - 2004 / 12 / 26 - 10:26
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بدأ الإنسان يحلل فطريا ما حوله من مادة وما أنتج العقلُ من رؤى مرتبطة بالبيئة أحيانا وبالكون أحيانا أخرى ،فطوّر المادة التي حوله وسخّرها لخدمته ،وطّور الأفكار التي حملها على ضوء المتغيرات في العلاقات الأسرية والعائلية والوطنية والعالمية ،كل هذه أنتجت أفكارا وتطوّرت بتطور هذه الأوساط ،فالعلاقات هذه تبني نسيجا غير محدد على ضوءه تنبني السياسة بين الأفراد والجماعات والشعوب ،ونحن في منطقتنا العربية اخترنا أو بالأصح اختار لنا الأسلاف نمطا معينا من التفكير السياسي ،تم تقييمه بمعايير التقدم فكان متخلفا ،لأنه لم يستطع مواكبة الأحداث العالمية ،ولم يقرأ طبيعة العلاقات الدولية بزمنها، ولازلنا نعتمد هذه الطريقة في التفكير ،لذلك خضنا معارك وخسرناها مع الأرض التي نزعم أننا نعمل لاستردادها. إنه خطابنا الذي تميزنا به عن غيرنا من الشعوب،هذا الخطاب الذي كان تعبيرا عن فهمنا للسياسة والعلاقات الدولية ،فكان بكل أسف متخلفا كما نحن ،وما يجب معرفته اليوم بعد دخولنا الألفية الثالثة المترافق مع التطور العلمي الهائل في العالم المتقدم ،خاصة الخمس عشرة سنة الأخيرة مابين العقد الأخير من القرن العشرين وحتى اليوم هو معرفة كيف نفكر سياسيا وما علاقتنا بالتفكير السياسي العالمي ،إذ لايمكن فصلنا عن العالم الذي نعيش فيه ،والسياسة الوطنية لا تنفصل عن المشروع العالمي للتغيير ،فهناك قوى صارت تقرر أوضاع العالم بأسره ،والتقدم العلمي مشمولين به شئنا أم أبينا، لكن يمكن أن نتحول إلى مستهلكين لما ينسقه العالم المتقدم من تقنياته ،فنتحول إلى بنية تبعية بكل المعاني، وتكبر الهوة بيننا وبينه علّ هذه الهوة تشكل إدراكا أوسع لنا فنرسم مالم يرسمه الأسلاف من الناحية القانونية والحقوقية والعلمية بما يتناسب والمتغيرات العالمية المتعلقة بالبني الفكرية والسياسية والثقافية. القانون :الذي يعني التنظيم المدون الناتج عن العقد الاجتماعي للعلاقات بين الناس على أساس الحق، فيحدد هذا التدوين الفواصل في العلاقات ،إلى أن يأخذ الحق من مغتصبيه ويعيده لأصحابه على جميع المستويات المادية والمعنوية ،والدستور الذي يحدد العلاقة بين الحاكم والمحكوم ،والسؤال المهم ماهي علاقتنا بالقانون أو الدستور وإلى أي حد يقوم بحماية المظلوم من الظالم وما أسباب بقاءه على الورق دون تفعيل،وما هي أسرار احتكاره من قبل أطراف قوية في الواقع وإلى أي حد تتمتع هذه الأطراف بالقوة الفعلية المستمرة دون مواجهة الانهيار أو السقوط. حقوق الإنسان:هي الحقوق البسيطة المستندة الى الفلسفة الحقوقية الطبيعية من حاجات مادية أو معنوية، والحقوق المركبة التي تناولت حقوقا متطورة عن الحقوق البسيطة بتداخل الحقوق العالمية للبشر أينما كانوا وإلى أي شيء انتموا،وتدخل قوى عالمية سلمية مستقلة لحماية الحقوق المهضومة للإنسان في أي بقعة من بقاع الأرض ،والتي تمثلت بمنظمات حقوق الإنسان في العالم والسؤال:كيف نؤسس منظمات لحقوق الانسان في بلادنا ،وما هي برامجها ومشاريعها وأشخاصها المنغرزين في الواقع أو البازغين في تربته، وهل هي تعبير عن واقع عام أم عن حالة سياسية؟. المسألة الفكرية:وهي مشاريع تستند إلى الطريقة في التفكير ،وتتراوح هذه بين العقلانية واللاعقلانية ،هذا المجال الذي يحدد مستقبلنا في هذه المنطقة من العالم ،إذ نرى مشروعين متصارعين في منطقتنا، الأول الذي يسعى لاعادتنا للماضي البعيد والمستند إلى آلية سحب نصية بإسقاط الماضي على الحاضر وتجاهل فعل وتطور الإنسان خلال قرون من الزمن ،والثاني كما يسمي نفسه بالمشروع العلماني وهو في الحقيقة ليس أكثر من مشروع نخبوي غير فاعل في الساحة الاجتماعية،وغير قادر على تحقيق الحامل له لافتقاره الآلية الجادة التي تنتج مشروعا سياسيا معقولا ،وفي الواقع أن هذا المشروع غلبت عليه السياسة الاستعراضية وأبعدت عنه نمط التفكير غير المتناحر مع الأطراف الأخرى، التي تشكل معه البنية الفكرية والسياسية للمجتمع عبر تحقيق مصالحه المتعلقة بحياة الناس ومصالحها. يتميز المشروع العلماني بغرق أفراده في المسألة النظرية الفوقية التي أمضت عمرها في ثقافة موهومة أخذت شكل سوالف السهرات التي بنهايتها تُنسى ،هكذا كانت مشاريعنا منذ الانهيار الأول لهذه الأمة ولازال ،مشاريع يغلب عليها طابع الوهم والتوهم والتصور غير المعقول ،فننتج أعداء لنا لسنا بحاجة لعدائهم ،بل حاجتنا لمحبتهم أكثر بكثير، وهذا أساسه الاغتراب الذي وقع فيه الكثيرون من دعاة الفكر القومي والاشتراكي والديني ،الذين لم يعطوا الواقع أهمية مقارنة بالذي فعله الأوربيون المستندين إلى مقومات الثورة الفرنسية ،وما تلاها من تطور شمل البلدان الأوربية كلها تقريبا ،إذ تمّت عقلنة الدين والواقع لتنبت الحرية سيدة الإبداع. الحركة السياسية العربية بأكملها عاشت هذا الاغتراب ،ولعدم انبناءها على العقلانية لم تتمكن من عقلنه الواقع ،بل ساهمت في تذريره أكثر بإضافة السياسة للدين المنقسم بين أطراف كل واحد منهم يعتبر نفسه هو المفوض من الله وغيره محروم من كل مقومات الحياة ، أيضا وقعت السياسة في هذا الفخ ،فبدلا من أن تكون بديلا أو مُضافا إيجابيا لتحريك الواقع بالاتجاه الصحيح ،نجدها تبالغ في الشروخ فتحوّلنا من التناحر الطائفي الديني إلى الطائفي السياسي، وهذا ما هو قائم في كل الأقطار العربية دون استثناء ،وربما ظهرت في بلدان أكثر من غيرها لكن الواقع واحد،واقع التراقص في الشوارع في المناسبات دون أي تداخل نفسي معها ،أي الكذب على الذات، والنميمة المعبرة عن رفض التراقص المُمارَس أي النفاق بكل أشكاله ،تلك مصيبة ،إذ أصبحت بنية مجتمع بأكمله مُغرّبٌ بعيدٌ عن أي فعل يمكن أن يؤدي إلى خيارات أفضل مما هو قائم ،فنقول:ليس بالإمكان أفضل مما كان ، هذه المقولة التي مضى عليها عقود من الزمن عادت لتحيا من جديد ،نتيجة الإحباط الذي تعاني منه الشعوب والحكومات العربية ،لأسباب غياب الفكر الاستراتيجي السياسي والديني العقلاني المتنور ،اللذان يمكن أن يقدما مشروعا نهضويا على الصعيد الميداني يؤسس لحراك علمي سياسي مدروس على قاعدة الحرية التي تنبت الإبداع بكل معانيه ومستوياته. في موضوعي هذا لم أتطرق الى الفكر بل الى الآلية التي تنتجه وهي التفكير في الحياة والواقع ،وأرى أننا إن فكرنا بطريقة أسلم أنتجنا فكرا أفضل والعكس صحيح ،وبهذا لابد من مناقشة المؤسسات التي تنتج هذا النمط من التفكير وهي المؤسسة التعليمية والتربوية التي تنتج المؤسسات السياسية ومراكز البحث العلمي وغيرها من مؤسسات. المؤسسة التعليمية: في المدرسة تعلمنا حب الوطن ونما بنا هذا الحب، لكنه بقي حبا ولم يتطور ولم يُعقلن وبالتالي خرجنا في المظاهرات للخروج فقط ،وهاجمنا مراكز الشرطة لإعادة فلسطين((فلسطين هي لينا))وإعادة الوحدة بين مصر وسوريا،هذا الحب لم يُعد لنا شيئا من خساراتنا الكبيرة ولاالصغيرة لأنه لم يُعقلن. في المدرسة تعلمنا الأخلاق بمعناها التقليدي،وعندما وصلنا للمرحلة التي بها تعليم مختلط كناحذرين،لأننا تعلمنا أن الأخلاق مقترنة بالفتاة والمرأة ،إن سلمنا عليها مشكلة وإن تبادلنا معها الرأي مشكله وهلم جرا ،لم يعلمونا أن إلغاء الآخر جرم أخلاقي،والثقافة الجنسية فهمناها انحلالا ولم نفهمها قضية حياة ،ولم نجب على أسئلة أولادنا إلاّكذبا، لخشيتنا من الانحراف الموهوم. في المدرسة تعلمنا القراءة والحساب ودخلنا المراحل التالية بعقلية إنشائية، لا تنتج غير الحلم، فكانت أبحاثنا الأدبية والعلمية إنشائية ممُلّة ،ولم نقو على الترحال إلى العقلانية والعقلنة التي اعتمدها الغرب في ثورته التي أنتجت إبداعه المعروف. في هذه المدرسة بالذات انخرطنا بالعمل العام المعادي والمكفر للآخر دينيا وسياسيا،وفيها أيضا نشأنا نفسيا على التناقض بين التنظير والممارسة،وفيها حمل الواحد منّا في الداخل ضدّه،وتعلمنا الحلم المبني على الإنشاء الاغترابي في كل المستويات،وكانت خطوتنا الأولى في السياسة القائمة على ثقافة الإلغاء وتكفير الآخر المختلف معنا،وبعد أن كبرنا توزعنا على كل المؤسسات ببنيتنا هذه فاقدة التربية القانونية والحقوقية ،ليحل المزاج فيها أو الخضوع لمفاهيم تقليدية عدوانية تُعطي للتشفي دورا ،ومنها انطلقنا لممارسة حياتنا الفردية والاجتماعية بشكل متخلف غلب عليه طابع اللاقانونية واللاحقوقية ،وفي هذا المناخ تشكلت قوانا السياسية التي ساهمت أكثر من الدين بتزرير المجتمع وتحفيزه ضد بعضه بحجة الوطن، إذ انتقلت ثقافة الأجداد المجتهدين إلى مدارسنا التي أنشأتنا عليها ،ولم تنتقل ثقافة المرجعيات الأساسية،فكفّرنا بعضنا بعضاً وليس لنا ذنب بذلك كله،أمتنا أكثر الأمم التي تستخدم مفردة العميل والعملاء ،هكذا علمونا وزرعوا العداء بيننا ،وهؤلاء أنفسهم جاءوا ليعلمونا معنى الوطن والحزب والأمه ،هذا الثلاثي الذي أجبرونا أن نرفع رأسنا عاليا للبحث عنه في السماء والأفق ،ولم يجبرونا أن نخفض رأسنا للبحث عنه في الأرض والواقع، لقد رأينا حجم الاضطهاد في الأصول التربوية للمرأة وسميناها أسماء شتّى،ماأبرعنا في الوصف وما أضحلنا في التشريح الموضوعي غير المبني على التشفي. مراكز البحث العلمي: في العالم كله وبعد التطور العلمي الذي أصاب حتى الدجاج ،لم يبق مجتمعا إلاّ وأسّس لمراكز بحث تعني الإنسان بكل جوانبه من صحة،تعليم،ثقافة، فمن الناحية الصحية تهتم هذه المراكز بالموضوع الغذائي الدوائي،ومن الناحية التعليمية تهتم بالتربية والتعليم ومحو الأمية،ومن الناحية الثقافية تهتم بالوعي الذي ينتج متحدا نفسيا واجتماعيا بين أبناء المجتمع الواحد على أساس المواطنه. الموضوع الغذائي الدوائي: الموضوع الغذائي: الأكل والشرب هما المصدر الأساسي لحياة الإنسان،فعلى كل مجتمع أن يقوم عبر مؤسساته الخاصة بتأمين هذين العنصرين لاستمرار حياة مواطنيه مع مراقبة صلاحيتهما للتناول ،بحيث لا يترتب عليه إشكاليات تسبب الأمراض ومنها الفتّاكة ،وبالتالي عليه مراقبة مهربي المواد التي تؤذي أو تودي بصحة المواطنين ،وعلى هذا نجد أن المسألة الزراعية الحيوانية وما يرتبط بها من مختبرات والتي تحقق الحاجات الأساسية للإنسان بحاجة لإقامة هذه المراكز مع التزايد السكاني ،لتحقيق الشرط الغذائي من استخدام سليم للأرض والمواد النباتية وتطوير زراعتها بأفضل الشروط الصحية ،وصناعة الأسمدة الخالية من المواد الضارة لحياة المواطنين، لتكون مادة اقتصادية يمكن أن تساعد على الحضور الاقتصادي العالمي على أساس الفائض،أيضا للإنتاج الحيواني أهمية لاتقل عن الزراعي بالاعتماد على هذه المراكز إن وُجدت ،لتحسين هذا الإنتاج من حيث النوعية والكمية ،وتأمين الأعلاف اللازمة باستخدام الأراضي غير المزروعة والتي يمكن أن تقدم فائدة بهذا الاتجاه ،ولا ننسى موضوع المياه المنتجة عبر دراسات علمية دقيقة حتى لا نجفف نبعا بحفر بئر،وحتى نستخدم مياها غير ملوثة لابد من تحليلها في المخابر الخاصة لهذه المعلومات ،وبالتالي لابد من أن يكون المحلل متمكنا من ذلك ومن معرفة مواد التحليل اللازمة من حيث الصلاحية لهذا الاستخدام ونسبها حتى تكون نتيجة التحليل دقيقة جدا،وألفت الانتباه بهذا الخصوص إلى أن شركة((غولدن غروب)) التي قامت بعرض جهاز لتنقية المياه بحضوري ،فقامت بتنقية المياه لأكثر من مصدر وكان منظرا مرعبا أكد أن المياه التي نستخدمها تسبب أمراضا عديدة ،يمكن لبعضها أن يؤدي إلى الموت رغم أن بعض هذه العينات كانت من مياه معالجة بالكلور التي تشرف عليها البلديات. الموضوع الدوائي: المرض هو المتوعد والمهدد للصحة الفردية والعامة،ولقد رأينا في العقدين الأخيرين تطورا كبيرا في الاكتشافات لأمراض عديدة منها ما يمكن أن يؤدي إلى الموت ،والسؤال كيف يمكن التعامل مع الأمراض من قبل المجتمع وماهي استعدادات الدولة والمجتمع للتعامل مع هذه المشكلة الصعبة ،فمن البدء نقول لكل داء دواء ،وهذا يعني الاهتمام بالدواء وتأمينه بشروط معقولة من حيث التصنيع ومراعاة دخول المواطنين حتى لايتم استخدامه على حساب لقمة العيش للمواطن، وهنا تلعب مراكز البحث العلمي دورها الذي يحدد الكفاءات ومواد التصنيع المنتجة ومصادرها النباتية وغير النباتية ،والأجهزة والمعدات الخاصة بها ليتم إنتاج الأدوية اللازمة بأقل الأسعار ،مضافا لها تطوير هذه الصناعة الضرورية لحياة البشر لتشكل مردود اقتصادي وطني يساهم مع غيره ببناء القاعدة الاقتصادية لأي مجتمع كان. التعليم: ومهمته محو الأمية ونشر المعرفة عبر المدارس والجامعات ،خاصة وأن المجتمع العربي لازال يواجه الأمية التي تبلغ نسبتها 30%حسب الإحصاءات الأخيرة،ومراكز البحث العلمي تنشط باتجاه نشر المعرفة التي تطورها على ضوء المتغيرات والتطور الحاصل في العالم ،وتسعى لنشر التعليم في الأوساط الأمية بإقامة مراكز متخصصة للعمل بهذا الاتجاه ،وتطوير التعليم بدءا من مراحله الأولى وحتى الجامعه. التعليم الابتدائي:الذي يؤسس التلميذ على حب الوطن ،ويعلمه أداء الواجب بتهيئته للربط بين الحب والعمل حتى لايتغرّب عن واقعه ،فيمارس نشاطه الدراسي بطريقة حضارية دون استخدام العصا والكلام البذيء ،ولتحقيق هذا تُعدُّ مراكز البحث العلمي البرامج التربوية ،وتقوم بدورات للكادر صاحب هذه المهمة من مدرسين وموجهين تربويين لتأمين أفضل الوسائل التعليمية باستخدام الأدوات والمعدات الحديثة لإيصال المعرفة المتطورة لعقل التلميذ وإدراكه ،وتؤمّن هذه المراكز بمساعدة الدولة كل سبل الراحة للعقل المتلقي لتفاعله مع المادة الدرسية،ورسم الخطط والبرامج العملية مع المعدات اللازمة لها على ضوء توجهه، وهذا يتحقق بتوفير اختصاصيين في البحث الاجتماعي والتوجيه التربوي لمعالجة مشاكل التلاميذ وتعليمهم وتدريبهم على استخدام المفردات الوطنية كأن يقولوا: سنساهم في بناء وطننا بدلا من سنبني وطننا ليعرفوا أن هناك مواطنين غيرهم يشاركونهم هذا البناء للتأسيس لثقافة ووعي وطني. التعليم الإعدادي والثانوي: هذه المرحلة تتسم ببلوغ الطالب سن المراهقة وهذه بحد ذاتها مشكلة جيل بأكمله ،ومن هنا تبدأ مهمة المسؤولون عن هذه المرحلة بتأمين الاختصاصيين النفسيين والتربويين لمعالجة مشاكل الشباب ،إضافة للمدرسين ذوي الكفاءة العالية ،وذلك لتأسيسهم للمستقبل كطاقة علمية بكل الاتجاهات ،وعلى ذلك تقوم مراكز البحث العلمي بهذه المهام على أفضل وجه ،وبأكثر الأدوات تطورا لنقل هذا الجيل للجامعة بقوة ومعرفة علمية متطورة. التعليم الجامعي: وهذه تعتبر المرحلة الأخيرة لتخريج الشباب للانخراط في الحياة العامة بإمكاناتها التي كونتها عبر المراحل السابقة على أساس القيم والمعرفة النظرية والعملية المتناسبة مع التطور العلمي العالمي بكل الاختصاصات، وموقعنا من هذا كله أننا دونه بكثير ،حيث الدراسة النظرية البحتة هي الأساس في معظم الميادين ،والدراسة العملية نادرة مقارنة مع دول العالم المتقدم ،وهذا ما يجعل الخريج ضعيفا لدى انخراطه في الحياة العامة ،والمحزن أكثر أن فرص العمل للخريجين غير متوفرة بسبب التخطيط الخاطئ ،فتجد بطالة خريجي الجامعات العربية تهدد المجتمع العربي نتيجة حجم الاستيعاب المحدود ،وهذا موجود في كل البلدان العربية دون استثناء. الثقافــــة: إنها وعي الناس بما يحملون من أفكار عبر الموروث بشتى أشكاله ومصادره، ووعيهم بما يطرحونه من مشاريع ثقافية جديدة لتغيير أو تلقيح الوعي التقليدي نحو خلق متحد نفسي اجتماعي يُبنى على قبول الآخر ،وتقليل المسافات بين أبناء المجتمع الواحد من منطلق أن الله والوطن للجميع ،ولا فرق بين عربي وأعجمي إلاّبالتقوى، ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، ولاتهدي من أحببت إن الله يهدي من يشاء،تلك هي الأسس التي يقوم عليها الموروث الذي اعتمد الحرية أساسا للاختيار، وللدقة فإن مورّثنا الأساسي المعرفي بريء من المصادرة ومع الحرية في شتى الخيارات،لكن المجتهدون الأوائل من كل الاتجاهات وأتباعهم هم أصحاب النزعات الإلغائية في كل مامرّ على هذه الأمة من ممارسة إقصائية،وتتلمذ على أيديهم دعاة التكفير بكل معانيها الدينية والطائفية والمذهبية والسياسية والثقافية والاجتماعية والحزبية واللاحزبية. حاجة الأمة والوطن والحزب والأسرة للمتحد النفسي ماسّة جدا،لأن الجميع بحاجة للاستقرار بكل معانيه السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والحب محور بناء هذا المتحد،لكن حتى يتحقق هذا الحب لابد من العدالة السياسية التي تعطي للفرد حقه غير المنقوص بالانتماء للتيار الذي يمثل وعيه دينيا أو قوميا أو علمانيا أو أي انتماء آخر ،والعدالة الاقتصادية التي تحقق للفرد الشروط الطبيعية للعيش بكرامة مصانة في القوانين وعلى الأرض دون المساس بها بأسباب سرقة حقه من الدخل القومي وتمايز غيره عنه لهذه الأسباب ،والعدالة الاجتماعية التي تقارب التمايزات الطبقية منتجة القهر والحقد والكراهية هذه التمايزات التي أفرحت أطفالا وحرمت غيرهم منه ،والعدالة الاجتماعية تحول دون الشروخ بين البذخ والقلّ بين الرفاه والحرمان وبين التخمة والجوع بين القلق والاستقرار وبين التعاسة والسعاده. على قاعدة الحرية يتفعّل المجتمع ،ويعيش خياراته ويرسم لتحقيق مصالحه دون وصاية من أحد، وأثبتت التجربة أن الوصاية لم تحقق مجتمع العدل والمساواة ،وأن الإنابة عن المجتمع لم تفلح باتخاذ القرارات السياسية ،حيث اختزال المجتمع القسري أنتج الدولة المنفصلة عنه ،والتي لم تتمكن من تمثيله في كل المعارك التي خاضها ،فأوصلته إلى ضياعه مابين الحاضر والماضي وضيعت مؤسساته التي كانت أملا له ،كل ذلك كان بسبب انتزاع الحرية من المجتمع ،وحتى يتعافى… على قواه الحية الباقية أن تعيد النظر بعملية إعادة بناءه على أسس أفضل ،وهذا ليس مسؤولية الدولة فقط ،بل تتحمل المسؤولية مؤسساته السياسية (المعارضة والموالية)المعطلة بفعل العلاقة المتخلفة مع الفكر والسياسة ،لأن إصلاح المؤسسات السياسية من أهم المشاريع الواجب اعتمادها للتأسيس لبناء مجتمع معافى ،وهذا يبدأ من تأسيس أفراده على قاعدة الحرية في الاختيار والانتقال والقراءة والاطلاع وليس التوجيه كما كان يحدث سابقا ،إذ أن التوجيه صنع فردا متما هيا ولم يحقق فردا مبدعا ذو مشاركة فعالة في البناء وتحديدا في القواعد ،حيث قراءة الجريدة الحزبية هو المهم لدى هذا الحزب أو ذاك وهذا سقف الاطلاع لهذا العضو الحزبي ،لذلك وحتى يتحرر من الخنادق لابد من معرفة ما حولها ،وهكذا نتحرر من ثقافة الإلغاء التي ذررت متحدنا، ويبدأ الحوار بين أبناء الوطن الواحد على أساس الحوار وليس الجدال بأحكام مسبقة الذي نسميه حوارا،مؤسساتنا معطلة داخليا أكثر من تعطيلها الخارجي،لأن ثوابتها الفكرية والسياسية عفّنت أمام حركة التاريخ والزمن الذي لم ولن يتوقف ،وكل مؤسسة سياسية لا تتعاطى مع المتغيرات ستتخلف وتصبح برامجها على النمط الكهفي المنقطع ،رغم أن وجودها التاريخي كان للمساهمة في عملية البناء العام وليس الكتلي،والخيار الحر هو أساس البناء لمجتمع قصّر كثيرا وتخلف عن حركة التاريخ.
#محمد_الحاج_ابراهيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أسامة أنور عكاشة على ذمة ثقافة الإلغاء
-
أسئلة محرجة لبوش؟!
-
الأغنية الشبابية ودور الاعلام
-
حقوق الإنسان في سورية
-
علاوي… أبكى العراقيين على صدّام وأيامه
-
!!!!ماسرُّعلاج القادة العرب في الغرب؟
-
قانون الطوارئ التداولي من صدام إلى العلاوي
-
الزرقاوي في الفلوجه كأسلحة الدمار الشامل في العراق
-
بن لادن ـ أمريكا
-
المثقف السياسي بين التكفير والتحرير
-
قانون الطوارئ _ من الإستثناء إلى القاعدة
-
الإستبدادُ مقدّمةٌ للإحتلال
-
القاع النفسي للتشكيل السياسي
-
درس في الحرية والديمقراطية
المزيد.....
-
فيديو يكشف ما عُثر عليه بداخل صاروخ روسي جديد استهدف أوكراني
...
-
إلى ما يُشير اشتداد الصراع بين حزب الله وإسرائيل؟ شاهد ما كش
...
-
تركيا.. عاصفة قوية تضرب ولايات هاطاي وكهرمان مرعش ومرسين وأن
...
-
الجيش الاسرائيلي: الفرقة 36 داهمت أكثر من 150 هدفا في جنوب ل
...
-
تحطم طائرة شحن تابعة لشركة DHL في ليتوانيا (فيديو+صورة)
-
بـ99 دولارا.. ترامب يطرح للبيع رؤيته لإنقاذ أمريكا
-
تفاصيل اقتحام شاب سوري معسكرا اسرائيليا في -ليلة الطائرات ال
...
-
-التايمز-: مرسوم مرتقب من ترامب يتعلق بمصير الجنود المتحولين
...
-
مباشر - لبنان: تعليق الدراسة الحضورية في بيروت وضواحيها بسبب
...
-
كاتس.. -بوق- نتنياهو وأداته الحادة
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|