|
رؤية بهائية
راندا شوقى الحمامصى
الحوار المتمدن-العدد: 3574 - 2011 / 12 / 12 - 20:07
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أننا بحكم نظرنا إلي العالم وإلي ما يحيط بنا من الحوادث مجبورون علي ملاحظة الشواهد المتعددة علي وجود غليان عام في كل قارة من قارات الأرض يتناول كل ناحية من مرافق الحياة الإنسانية وهذا الغليان يعمل بدوره علي تطهير الإنسانية وإعدادها لاستقبال اليوم الذي فيه تتقرر وحدة البشر ويتأسس اتحاده ، ففي العالم يوجد عاملان متضادان يمكن تمييز احدهما عن الآخر إذ كل منهما يعمل في طريقه الخاص لتوجيه قواه نحو أحداث التغيير في وجه عالمنا الأرضي. ودفع هذه القوي للوصول إلي نهاية المرحلة بسرعة . أحد هذين العاملين مستقيم في جوهره بينما الثاني هادم في أساسه، الأول ينكشف في سيره الثابت عن نظام يمكن اتخاذه نموذجاً للسياسة العالمية يدنو منه العالم المضطرب المبلبل دنواً حثيثاً، بينما العامل الثاني، حيث نفوذه الداعي لأحداث الانحلال والتفكك يزداد اتساعاً وامتداداً، نراه يتجه بصورة قاسية فظيعة ويتناول بالتهديم الحواجز العتيقة التي تقوم في وجه الإنسانية سداً يحول بينها وبين تقدمها نحو هدفها المقدر . الأول عامل إنشائي يعمل بجانب دين بهاء الله الناشئ وهذا العامل بشير النظام العالمي الجديد الوشيك أن يتأسس بقوة هذا الدين . وأما قوي الهدم المقترنة بالعامل الثاني فهي تعني مدنية رفضت تلبية نداء عصر جديد. وإنها بما رفضت تتدهور في هوة الاضطراب والفناء .
وكنتيجة لهذين العاملين المتضادين نرى الجامعة البهائية المنظمة خاصة والعالم عامة يواجهان في دور الانتقال الحالي نضالاً روحانياً هائلاً ذا أهمية فائقة وآثار بعيدة المدى . ذلك لأن الروح الذي يتجلى في صورة نظم دين ناشئ قد واجه وهو يتقدم لخلاص العالم قوى سلبية شديدة إعترضته لتحقيق غاياته بالسرعة المطلوبة، علي أنه يمكن من بعض الوجوه أن يعزي تقويض وتهديم النظم العتيقة والمبادئ والعقائد البالية والتقاليد العقيمة السقيمة التي تمثلها هذه القوي إلي ما وصلت اليه من القدم والشيخوخة وفقدان قوتها ونفوذها بحكم زوال صلاحيتها . فبعضها تلاشي أمام القوة المعجزة التي انسابت من الدين البهائي في بدء ظهوره ، والبعض الآخر منها فني وانعدم كنتيجة مباشرة للمقاومة الضعيفة التي وجهتها عبثاً نحو الدين في بدء نشأته، ومع ذلك فقد تجمعت تلك القوى مرة أخرى لمهاجمة النظم التي تجلي فيها روح هذا الدين في مرحلته الثانية حيث يمتد نفوذه، ولكنها بعد نجاح قصير موهوم سوف تمنى بدورها بالهزيمة المنكرة .
أعتقد بأنه لا حاجة بي لزيادة القول عن تدهور النظم الدينية والتي يكون اٍنحلالها مظهراً عاماً للدور التكويني في العصر البهائي ... فالإسلام كنتيجة للاتجاه العلماني وكنتيجة مباشرة لإصراره علي العداء المستمر لدين بهاء الله ، قد غرق في لجة الذلة والانحطاط مما لم يسبق له مثيل في تاريخه ـ والمسيحية لأسباب ليست في مجموعها شبيهة بتلك التي عملت في شقيقتها قد طرأ عليها الوهن باستمرار وأنها تعمل في مقياس متزايد وتؤدي نصيبها في عملية إانحلال عام ، وهي العملية التي تسبق بالضرورة إعادة البناء الأساسي للجامعة الإنسانية ، ولا تقل علامات التدهور الأخلاقي ظهورا وأهمية كما هو واضح من أدلة انحطاط النظم الدينية ، ويمكن أن يقال عن الانحطاط الذي أصاب النظم الإسلامية أنه كان له رد فعل في حياة وأخلاق أفراده ، وحينما أجلنا البصر، ومهما يكن من أمر هذه النظرة العاجلة إلي أعمال وأقوال الجيل الحاضر، فلن يفوتنا مواجهة دلائل الانحطاط الأخلاقي الذي يتمثل أمامنا في الحياة الفردية للرجال والنساء ولا أقل عنها في حياتهم الاجتماعية ، ولا يبقي شك في أن انحطاط الدين كقوة اجتماعية، وما يتبع ذلك من تدهور نظمه التي هي اٍحدى مظاهره الخارجية كان السبب في تفشي هذه الشرور الخطيرة والمفاسد الشديدة، وأنه هو المسئول الأول عنها، يقول بهاء الله عز ذكره : " الدين هو الوسيلة الكبرى لنظم العالم وراحة الأمم وان ضعف عماد الدين قد قوى أيدي الجهلاء وجرأهم علي الظلم , الحق أقول أن ما أضعف مقام الدين الرفيع زاد في غفلة الأشرار ولن تكون النتيجة غير الهرج والمرج ". وفي لوح آخر يتفضل بقوله الأعز : " الدين هو نور لائح وعروة وثقي لحفظ أهل العالم ومصالحهم لأن مخافة الله تجعل الإنسان يتمسك بكل الخير ويعرض عن كل شر، فإذا أختفي سراج الدين يسود الهرج والمرج , ويتوقف إشراق نور العدل والإنصاف والطمأنينة والسلام" .
وفي مقام آخر يتفضل بقوله عز بيانه : " أعلم بأن الحكماء الحقيقيين قد شبهوا العالم بهيكل إنسان ، فكما أن جسد الإنسان يحتاج إلي قميص هكذا جسد العالم الإنساني يحتاج إلي أن يطرّز قميصه بطراز العدل والحكمة ، وأن قميصه هو الوحي الذي أعطي له من لدي الله، فلا عجب حينئذ أنه نتيجة لعناد الإنسان، وعندما يطفأ نور الدين في قلوب البشر، ويتعمد الإنسان إغفال الثوب الإلهي الموعود لطراز هيكله يتطرق الانحطاط المحزن فورا إلي حظ الإنسانية، وبتطرقه تحدث كافة الشرور التي تظهر عن قابليات النفس الغافلة ، فضلال الطبيعة البشرية وانحطاط الخلق الإنساني وفساد وانحلال النظم البشرية، كل ذلك يظهر في مثل هذا الظرف بأشد شرور وأعظم ثوران، فالخلق البشري قد فسد، والثقة تزعزعت، وأركان النظام اضطربت، وصوت الضمير الإنساني سكت، وشعور الحياء والخجل اختفي ومبادئ الواجب والمروءة وتبادل المصالح والولاء قد انعدمت، كما ينخفت بالتدريج نور السلام والفرح والرجاء. هذه هي كما ترى هي الحالة التي يتجه إليها الأفراد والنظم علي حد سواء ". ويقول بهاء الله في ندبه محنة إنسانية مخطئة : " قد لا يمكن إيجاد شخصين يمكن أن يقال أنهما متحدان قلباً وقالباً ، فعلامات الاختلاف والضغينة ظاهرة في كل مكان مع أن الكل قد خلقوا للوفاق والاتحاد ". وفي نفس اللوح يتفضل ويقول : " إلي متي تستمر الإنسانية في الغفلة ، إلي متي الظلم ، إلي متي يسود الهرج والمرج بينهم، وإلي متي يغّبر الاختلاف وجه الإنسانية ؟ أن أرياح القنوط ويا للأسف تهب من كل جانب، والمنازعات الموجبة للانقسام والمحيطة بالجنس البشري تزداد يوما بعد يوم ". أن بعث العداء الديني والبغضاء الجنسية والغطرسة الوطنية , والعلامات المتزايدة عن الاستئثار بالنفس، والشر والخوف والفسق، وانتشار الفزع والفوضى والخمور والجرائم، والتعطش والانهماك في الشئون الدنيوية والبذخ والملاهي، وضعف الكيان العائلي ، والتراخي في الإشراف الأبوي، والتفاني في الملذات ، وفقدان الاعتداد بالمسئولية الزوجية ، وما ترتب عليه من الطلاق، وفساد الغناء والموسيقي، وعدوي وفساد المطبوعات وشرور الصحافة، وامتداد نفوذ دعاة الانحطاط الذين يروجون زواج الاختيار ( المتعة ) والذين ينادون بفلسفة العراء ويعتبرون الحشمة والوقار خرافة فكرية، والذين يرفضون مبدأ النسل كغاية مقدسة أساسية للزواج، والذين يعتبرون الدين مخدراً للعالم، والذين إذا أطلقت أيديهم في العمل يرجعون بالإنسانية إلي عصور الهمجية والاضطراب فالانقراض التام ، كل هذا يبدو خاصيات بارزة لإنسانية متدهورة، إنسانية أما أن تولد من جديد أو تهلك وتنعدم . (الكشف عن المدنية الإلهية)
#راندا_شوقى_الحمامصى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
البهائية وموقفها من الفتنة والفساد
-
ليست ردة ولكن يقين إلى الامام !
-
مؤمنون يتبيَّنون المقصود وآخرون يتبعون الظاهر وخاتم النبيين
-
حوار بين زعماء الدين وأتباعهم وكتاب خاتم النبيين
-
الوصايا العشر لصنع السلام في العالم
-
الحياة فتنة وامتحان
-
ذكرى مولد مظهر إلهي(مُرسل من الحضرة الإلهية) بدين جديد-بهاءا
...
-
كيف تم تقسيم العالم بواسطة الدين ولماذا؟2-2
-
كيف تم تقسيم العالم بواسطة الدين ولماذا؟1-2
-
ومازلنا مع كتاب خاتم النبيين: الفضائل التي يتحلى بها قلب الإ
...
-
ومع خاتم النبيين و إمتيازات الكلمة الإلهية وخلاقيتها
-
وما زلنا مع كتاب خاتم النبيين والغاية الأولى لرسل الله أومهم
...
-
ومن خاتم النبيين نتابع-الانتقال من لقب نبي في سورة 33 إلى رس
...
-
استكمالاً مع خاتم النبيين و الفرق بين النبي والرسول
-
الميراث في العقيدة البهائية- أحكام الميراث
-
البشرية تتجه نحو السلام رغماً عنها
-
القضاء والقدر
-
نهج سياسي فاشل ونَظْم إلهي منقذ
-
صوت السافور-زرين تاج-قرة العين-الطاهرة أعظم امرأة إيرانية (1
...
-
صوت السافور-زرين تاج-قرة العين-الطاهرة أعظم امرأة إيرانية (9
...
المزيد.....
-
الأميرة المسلمة الهندية -المتمردة- التي اصطادت النمور وقادت
...
-
تأسست قبل 250 عاماً.. -حباد- اليهودية من النشأة حتى مقتل حاخ
...
-
استقبل تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024 بجودة عالية
-
82 قتيلاً خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
82 قتيلا خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
1 من كل 5 شبان فرنسيين يودون لو يغادر اليهود فرنسا
-
أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|