|
ثورة ولا مش ثورة؟
مجدى خليل
الحوار المتمدن-العدد: 3574 - 2011 / 12 / 12 - 08:37
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ونحن نقترب من 25 يناير،أى لم يتبقى سوى أسابيع قليلة على مرور سنة على بدء شرارة الثورة المصرية ومازال السؤال مطروحا حول توصيف ما حدث، خاصة وأن التغيرات التى حدثت حتى الآن تشكل قلقا عميقا على مستقبل مصر، حيث الخيارات التى كان يطرحها مبارك على منتقديه بأن البديل لحكمه سيكون إسلاميا أو على أحسن الفروض نظاما عسكريا قد بدأت تأخذ طريقها إلى الظهور الفعلى، حيث أختفى الثوار وبدت المنافسة بين العسكريين والإسلاميين وكلاهما يمثل خيارات بعيدة كل البعد عن الديموقراطية الحقيقية، حتى ولو كانت هناك انتخابات شكلية تأخذ بنمط الديموقراطية الصندوقية على غرار النظام الباكستانى والنظام الإيرانى ومرورا بحماس فى غزة.طبعا لا يمكن اعفاء مبارك من المسئولية عن المشهد الحالى، فهو أحد صانعيه الرئيسيين حيث رفض على مدى ثلاثة عقود أى إصلاحات حقيقية تقود مصر للديموقراطية والعدالة والشفافية والحداثة وحقوق الإنسان. على مدى أسبوعين كان ميدان التحرير مصدر ابهار والهام للعالم كله، وظهر المصريون وهم يضعون بصمة جديدة فى التاريخ، وهذا ليس بجديد عليهم فهم يصنعون التاريخ كالمعتاد كما قال رئيس الوزراء الايطالى السابق سيلفير برلسكونى، وأنفعل أوباما وطلب من الاطفال الامريكيين أن يتعلموا من المصريين، ووصل تأييد رئيس وزراء النرويج لميدان التحرير بأن قال كلنا مصريون،أما رئيسة وزراء استراليا فدعت وقتها إلى منح الشعب المصرى جائزة نوبل.وبعد ما حدث فى ميدان التحرير خرج الغرب بمصطلح الربيع العربى بديلا عن الأستثناء العربى العاصى على الديموقراطية ، ولكن بعد ما يقرب من العام تراجع التفاؤل كثيرا وحل محله القلق وعند البعض الخوف وعند مجموعة ثالثة التشاؤم وعند مجموعة رابعة الرعب من المستقبل.وظهرت مصطلحات أخرى مثل" شتاء الإسلاميين"،أو وصف ما حدث بأنه أنتفاضة شعبوية كما وصفها هنرى كيسنجر، وأخرون سحبوا لفظ الثورة واستبدلوه بكلمات مثل " هبة جماهيرية"،أو "حركة احتجاجية" أو " غضبة شعبية" أو "إنقلاب عسكرى" وبالطبع لن ينصح أوباما مرة أخرى أطفال أمريكا للتعلم من البرهومى أو الشحات أو ابو إسماعيل أو ابو جلمبوا وغيرهم من هذه الكائنات العجيبة، ولن يقول رئيس وزراء النرويج كلنا عبد المنعم الشحات فهذا شئ تأنفه النفس السوية. والسؤال هل ما حدث ثورة أم شئ آخر غير الثورة؟. رغم أن هناك تعريفات كثيرة لمفهوم الثورة إلا أننى أخترت أن امزج ما بين العديد من هذه التعريفات لأصل إلى التعريف الذى اراه شاملا لمفهوم الثورة، حيث يمكن تعريفها على أنها تغيير عميق جذرى وشامل فى الواقع السياسى والاقتصادى والاجتماعى وفى توزيع مصادر القوة وفى بنية التفكير والثقافة، وهذه التغيرات تعيد تشكيل الدولة لفترة طويلة فى المستقبل. ومن ثم فأن الثورة قد تبدأ باحتجاج أو بحرب تحرير أو بإستقلال عن دولة محتلة أو بإنفصال عن دولة كائنة أو حتى بإنقلاب عسكرى، فنظام يوليو 1952 بدأ بإنقلاب عسكرى ثم تحول إلى ثورة غيرت وجه الحياة فى مصر. وقد تبدأ الثورة فى اتجاه ويتم تحويلها إلى اتجاه آخر، حيث كانت الاحتجاجات الواسعة فى إيران عام 1979 يتزعمها اليسار والقوى الليبرالية ولكن أتجاه الثورة رسى على ميناء الدولة الدينية، وقد تبدأ الثورة ولكنها لا تكتمل مثلما حدث فى الثورة الخضراء فى إيران عام 2008 حيث تم قمعها،وقد تستمر الثورة لسنوات طويلة حتى تستقر عبر موجات ثورية متعاقبة كما حدث مع الثورة الفرنسية عام 1789، أو قد تعيد تشكيل الدولة بشكل مختلف كما حدث فى الجزائر 1962 بعد تحريرها من الاستعمار الفرنسى، المهم فى الثورات فكرة التغيير الجذرى العميق، ويبدأ هذا التغيير بالطبع بالنظام السياسى حيث يتم تفكيكه وبناء نظام سياسى جديد على انقاضه. وللعلم ليس معنى ثورة أنها تقود للأفضل، فالكثير من الثورات قادت دولها إلى الحضيض كما هو فى إيران أو الثورة البلشفية فى روسيا على سبيل المثال ولكن المغزى من الثورة هو التغيير سواء كان سلبيا أم إيجابيا. إذا طبقنا كل ما سبق على ما حدث يوم 25 يناير نصل إلى أنها ثورة لم تكتمل حتى الآن، فقد خرج الملايين إلى الشوارع لإسقاط نظام مبارك، وكان الشعار المرفوع الشعب يريد إسقاط النظام كما حدث بالضبط خلال الثورة الفرنسية، كما كانت الأمانى المستقبلية تتركز على دولة مدنية بها خبز وكرامة وعدالة اجتماعية ، هذا ما رفعه الثوار طوال أيام الثورة فهل تحقق شيئا من هذا؟. الواقع يقول لم يتحقق سوى جزء صغير جدا بإزاحة رأس النظام وبقى النظام كما هو،فإذا عدنا إلى توصيف نظام مبارك نجد أنه يتسم بستة سمات، فقد كانت دولتة عسكرية مخابراتية بوليسية ثيؤقراطية فاسدة ومستبدة، فهل تم تفكيك أى من أركان هذه الدولة الست. الاجابة قطعا بالنفى فلم يسقط أى ركن من هذه الأركان وكل ما هو حادث الآن هو صراع بين هذه الأركان على نصيبها فى النظام الجديد، فقد تم اضعاف الدولة البوليسية قليلا لصالح الدولة المخابراتية،وقد تزايدت عسكرة الدولة مع ثيؤقراطيتها فى نفس الوقت، وحل مستبدون وفاسدون جدد محل القدامى حتى ولو كان فسادهم أقل ممن سبقوهم، أما الفساد المجتمعى ذاته فقد أستمر بل وزاد كحقيقة من حقائق الحياة فى مصر. ومن هنا يمكن القول أن ما حدث يوم 25 يناير، إذا توقف عند هذا الحد بإزاحة رأس النظام وبعض من رموزه، فأن ما حدث يسقط عنه كلمة ثورة أو يمكن اعتباره ثورة لم تكتمل أو ثورة ناقصة أو ثورة مجهضة أو ثورة مختطفة،أما إذا أستمرت الموجات الأخرى للثورة حتى تستطيع تفكيك أسس نظام مبارك ثم بناء نظام جديد على أنقاضه وقتها يمكن وصفها بالثورة، وسيتبع ذلك حتما تغيرات أقتصادية وإجتماعية تكمل مفهوم التغيير الشامل المصاحب للثورات. عند هذا الحد يمكن القول بأن الكرة فى ملعب الثوار، وأن ميدان التحرير هو الحل،وأن الشباب الواعى الشجاع الذى أبهر العالم عليه مواصلة المشوار حتى النهاية. وما حدث يوم 19 نوفمبر فى التحرير كان يشكل بداية الموجة الثانية للثورة، ولهذا قوبل بعنف شديد من العسكر وبتواطئ أشد من القوى الإسلامية التى تريد الهيمنة على المشهد كله. ثورة أم إنقلاب أم ثورة منقوصة كله يتوقف على ميدان التحرير. نعم التحرير هو الحل، واستمرار الثورة هو الآمل.
#مجدى_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الصفقة السياسية المفضوحة
-
ماذا يعنى أختيار الجنزورى؟
-
العسكر والإنتخابات وأشياء أخرى
-
أهمية الإنتخابات القادمة: فى حالة عدم تأجيلها
-
خطاب عنصرى للشيخ القرضاوى
-
ماذا يقول تقرير المجلس القومى لحقوق الإنسان؟
-
ماذا يريد المجلس العسكرى من المصريين؟
-
هل يتعظون من القذافى؟
-
دروس من أنتخابات نقابة أطباء الأسكندرية
-
جريمة ماسبيرو... والعدالة الدولية
-
شهادات على مذبحة ماسبيرو(1)
-
يقظة الأقباط.. والحفاظ على الدولة المدنية
-
الحزب القبطى وإستنساخ الفشل
-
رحيق الكتب(1)
-
دانات فى كل الأتجاهات
-
11 سبتمبر: يوم لا ينسى
-
أفرجوا عن مايكل نبيل سند
-
سقوط دولة الأكاذيب
-
محاولة لإنقاذ الدولة المدنية فى مصر
-
تساؤلات حول قانون الكونجرس الأمريكىH.R. 440
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|