|
في دارة الاستاذ خضر الولي*..
وديع العبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 3572 - 2011 / 12 / 10 - 16:45
المحور:
سيرة ذاتية
في دربونة من درابين الأعظمية، وأمام بيت من صف بيوت متشابهة، طرق –أبو أحمد- الباب مرة، ومسح على جبينه قطرات العرق المتجمعة، ثم طرق مرة أخرى.. بعد قليل سمع صوت خطى تقترب.. وانفتحت الباب دون أن يظهر أحد.. قال بصوت مسموع.. - عبد الرزاق السامرائي ابو أحمد.. الاستاذ خضر الولي موجود.. - أهلا ابو أحمد.. فد لحظة.. - أهلا أم وفاء.. شلونج.. بعد قليل عاد الصوت.. ايه تفضلو - يا الله.. كَلت الحكَـ عليك قبل ما تاخذ قيلولة.. - أهلا أهلا أبو أحمد.. - السلام عليكم.. وياي الاستاذ وديع العبيدي يحب يتعرف عليك - السلام عليكم استاذ خضر - يا مرحبا بالاستاذ وديع العبيدي.. اتفضل استريح.. اهلا وسهلا.. وجه مدوّر، تعلوه عينان مشعتان وصلعة كبيرة.. كتفان عريضتان وجسم بدين.. بدت معه ذراعاه قصيرتين.. كان الاستاذ خضر الولي جالسا على كرسي وأمامه طاولة صغيرة.. لم يقم لاستقبالنا ولكنني تقدمت بعد الاستاذ عبد الرزاق السامرائي وصافحته.. كان يغطي ساقيه بملاءة بيضاء، تناسب قميصه الأبيض.. وفور جلوسنا.. اعتذر بحرج لعدم قيامه للاستقبال، لكن –أبا أحمد- استعجله الجواب بألفة واضحة بينهما.. - احنه مو غربه.. أبو الوفاء.. شوفتك كفايه.. - اهلا وسهلا أستاذ وديع.. أبو أحمد أكثر من أخ واحنه أهل من زمان.. أرجوك أعتبر نفسك واحد من عدنه.. - أشكرك أستاذ خضر.. هذا فخر لي.. تعود العلاقة الأخوية بين عبد الرزاق السامرائي وخضر الولي إلى الخمسينيات، إلى أيام عملهما المشترك في مكتب (منى للنشر والتوزيع والاعلان)، حيث أصدرا سوية يومها نشرة -مجلة- فنية تتضمن أخبار الفن والفنانين مع لمحات ولمظات شعرية وأدبية خفيفة، تتخللها نكات وطرائف من واقع الحياة البغدادية. أطلعت شخصيا على أعداد من تلك المجلة الفنية التي عدمتها الحياة الثقافية والاجتماعية في ظلّ الجمهورية. ولكن علاقة خضر الولي لا تقتصر على أبي أحمد وانما تشمل كلّ عائلته وأخوته ولذلك كان مجرى الحديث والأسئلة تتداخله الخصوصيات إلى جانب المناحي الأدبية. ويقتضي هنا القول أن للاستاذ عبد الرزاق السامرائي أربعة أخوة، ثلاثة منهم أساتذة جامعيون خارج البلاد وهم الاستاذ الدكتور يوسف عزالدين (كان يومها) في جامعة الطائف (قبل تقاعده عام 2001 واستقراره في انجلتره/ ويلز)، والاستاذ الدكتور سعدي السامرائي في هولنده والاستاذ الدكتور عبد الجبار السامرائي في ألمانيا. وله شقيق آخر في بغداد اسمه (أديب). وللاستاذ عبد الرزاق ولد وبنت، أحمد ومنى أسم بنته وتعمل طبيبة. أما الأستاذ خضر الولي الذي يحمل هوية من نقابة الصحفيين تحمل رقم التسلسل (4) بعنوان (صحفي رائد) فقد كان مراسل مجلة الورود اللبنانية في بغداد، وسبق له أصدر مجلتين ثقافيتين في الخمسينيات والستينيات، تعرضت كل منهما للغلق بقرار وقف الصحافة في حينه. بدأ الاستاذ خضر الولي حياته الأدبية والصحفية بدراسة عن فلسفة ابن رشد في أول شبابه، نشرتها له أحدى الصحف الأهلية (لا أتذكر الأسم للأسف) وكان ذلك حافزا دفعه لمواصلة الكتابة والنشر وامتهان الصحافة، حيث لم يمارس عملا غيرها في حياته. وقد كان منذ شبابه كثير السفر إلى الخارج والتردد على لبنان، حيث تعرض لحادث ألحق ضررا بساقيه، وقد خضع لعلاج استغرق سنوات من التنقل بين لبنان وألمانيا وانجلتره، لم ينفع في إستعادة ساقيه. ومنذ ذاك يسير على عكازين بعد فقدان ساقيه. والاستاذ خضر الولي متزوج من سيدة لبنانية وليس لهما اطفال. و(وفاء) هي بنت أخت زوجته تعيش معهم وهي في مقام ابنتهم. الاستاذ خضر الولي من مواليد ثلاثينيات القرن العشرين، أديب وصحفي وناشط ثقافي مثابر، بل هو أكثر نشاطا ومساهمة في الحياة الثقافية خلال نصف قرن من كثيرين يتمتعون بأطراف سليمة ولكن تنقصهم همته ومثابرته ووفاؤه. ورغم كونه متقاعدا بحسب السن، كان يعمل في جريدة الجمهورية/ قسم التصحيح، ويواصل نشر مساهماته الأدبية والثقافية في الصحافة المحلية والعربية، وله أرشيف كامل من نشرياته في جريدة العرب اللندنية قبل وفاته. كما أنه استمر في التواصل مع الأدباء وصيانة علاقاته الأدبية والأخوية بالمراسلة والتلفون دون كلل أو ملل. وقد استمرت علاقتنا بفضله، أثناء وجودي في النمسا، ويرجع له الفضل في التعريف بيني وبين الاستاذ خالص عزمي المقيم في النمسا. وكان من هواياته الشخصية إلى جانب الأدب، جمع الطوابع وبطاقات التهنئة السياحية من مختلف البلدان. وللاستاذ خضر الولي علاقات واسعة في الوسط الأدبي والثقافي العراقي، وله حضور جيد في أوساط الأدباء الشباب، ومع ذلك، فلا أعتقد أنه حظى عناية جدير هو بها، سواء على صعيد أدبي أو أنساني، عراقيا أو عربيا، يما كثير ممن ساهم في تقديمهم في الوسط الأدبي. في لقائي الأول معه، أطلعني على ملف يتضمن أوراق مكتوبة بخط اليد تتضمن سيرا ذاتية وقصائد شعرية وقصص للبياتي والسياب وكاظم جواد ومصطفى جواد والرصلفي وشخصيات أخرى كثيرة، ثم أعطاني ورقة بيضاء وقال لي.. - أطلب منك أن تكتب لي بخطك شيئا عن حياتك وبعض شعرك.. - أنا... - لقد فعلت هذا مع جميع الذين زاروني حتى الآن.. وأنت واحد منهم.. - لكني لا أعتبر نفسي شيئا بجانب هؤلاء.. - هذا للتاريخ.. من يدري ماذا يحصل يومها.. عندما كتب لي السياب والبياتي لم يكونا ما تعرفه عنهما الآن.. - سوف أكتب لك وأرسله لك.. أعدك.. - أرجو أن ترفقه بنماذج من كتاباتك.. - أفعل.. ومن محتويات أرشيفه الثقافي، معلومات عن أدباء عرب كانوا في بغداد للزيارة أو العمل والاقامة، نشر سلسلة مقالات عن حياتهم ونبذ من أعمالهم في الصحافة، ومنها جريدة العرب اللندنية، كتبت إليه خلالها جمع تلك المواد ونشرها في كتاب، اقترحت أن يكون عنوانه (ضيوف بغداد من الأدباء والرواد) معربا عن مساعدتي في هذا المشروع. وعندما أعددت ملفا عن المرأة في حياة السياب، زوّدني بمقابلات مع زوجة السياب وشقيقه، نشرت في أحد الأعداد الاولى من مجلة ضفاف الثقافية التي كانت تصدر في النمسا للفترة (1999- 2005)، كما زوّدني بنصوص شعرية للبياتي بخط يده ضمن ملف لمناسبة رحيله. ان السؤال الذي يقلقني على الدوام، هو مصير الآثار الأدبية للمؤلفين، وهم الفئة الأكثر أهمالا في مجتمعاتنا وبلداننا، وما هو دور دار الحكمة (!) والمكتبات الوطنية والقومية ومكتبات الجامعات المرموقة في حفظ تلك الآثار والاهتمام بالحصول عليها، والعمل على طبعها ونشرها طبعات أكادمية في مناسبات سنوية أو يوبيلية تخص المؤلفين، أو طبعات شعبية، مع حث الدارسين والطلبة للاهتمام بها والتواصل مع الأفكار الواردة فيها. تعددت زياراتي للأستاذ خضر الولي بعدها، في البيت أو في جريدة الجمهورية، وجاء ذات مرة إلى مقهى الزهاوي في زيارة أدبية. ولي معه مراسلات غير منشورة خلال وجودي في النمسا. في سنواته الأخيرة كان يشكو من ضعف بصره. ولم يغادر العراق، محتملا تبعات ظروف الحصار وما بعدها، شاهدا على الخراب وعلى غياب أصدقائه واحدا أثر واحد. ـــــــــــــــــــــــ • لم تكن مقهى الزهاوي ملتقى ثقافيا فحسب، وانما منطلقا لعلاقات ثقافية وزيارات لبعض الشخصيات الأدبية والاجتماعية، والتي أدرجها هنا كامتداد للمقهى والملتقى والتواصل الثقافي، لذا يقتضي التنويه!/ الكاتب
#وديع_العبيدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حامد البازي.. في مقهى الزهاوي
-
عبد المحسن عقراوي.. في مقهى الزهاوي
-
يعقوب شعبان.. في مقهى الزهاوي
-
عبد الرزاق السيد أحمد السامرائي.. في مقهى الزهاوي
-
صاحب ياسين.. في مقهى الزهاوي
-
سليم طه التكريتي*.. في مقهى الزهاوي
-
أنور عبد الحميد السامرائي المحامي.. في مقهى الزهاوي
-
د. محمد عزة العبيدي.. في مقهى الزهاوي
-
محمد حسين فرج الله.. في مقهى الزهاوي
-
مكي عزيز.. في مقهى الزهاوي
-
حقوق الأقليات في العالم العربي في ظل التغيرات السياسية
-
صورة جانبية لهشام شرابي /2
-
صورة جانبية لهشام شرابي /1
-
المنظور الاجتماعي في أدب سارة الصافي
-
وردة أوغست..
-
كلّ عام وأنت..!
-
استقبال....
-
لامُن ياؤن سين
-
((حضارة عكسية))
-
منفيون من جنة الشيطان 40
المزيد.....
-
الثلوج الأولى تبهج حيوانات حديقة بروكفيلد في شيكاغو
-
بعد ثمانية قرون من السكون.. بركان ريكيانيس يعيد إشعال أيسلند
...
-
لبنان.. تحذير إسرائيلي عاجل لسكان الحدث وشويفات العمروسية
-
قتلى وجرحى في استهداف مسيّرة إسرائيلية مجموعة صيادين في جنوب
...
-
3 أسماء جديدة تنضم لفريق دونالد ترامب
-
إيطاليا.. اتهام صحفي بالتجسس لصالح روسيا بعد كشفه حقيقة وأسب
...
-
مراسلتنا: غارات جديدة على الضاحية الجنوبية
-
كوب 29: تمديد المفاوضات بعد خلافات بشأن المساعدات المالية لل
...
-
تركيا: نتابع عمليات نقل جماعي للأكراد إلى كركوك
-
السوريون في تركيا قلقون من نية أردوغان التقارب مع الأسد
المزيد.....
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
-
بصراحة.. لا غير..
/ وديع العبيدي
-
تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|