بلعمري اسماعيل
الحوار المتمدن-العدد: 3572 - 2011 / 12 / 10 - 16:45
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تناقلت الصحف الجزائرية خبرا أسهبت أغلبها في شرح أبعاده وأثاره, مفاده قيام الرئيس بوتفليقة باءنشاء هيئة جديدة لمحاربة الفساد تحت مسمى /الديوان المركزي لقمع الفساد/ , دمجت فيه كل الأجهزة الأمنية التي تقع على مسؤوليتها و في نطاق عملها مهمة محاربة الفساد المالي و الاءقتصادي, و هي كما ذكرت تلك الصحف, المخابرات العسكرية و الشرطة و الدرك, و أوكل للديوان الجديد مهمة التحقيق و التحري في مجال الجرائم ذات الطابع الاءقتصادي و المالي, و بمعنى أخر محاربة المافيا المالية -و التي يضيف لها البعض و السياسية- في ميدانها.
وهذه ليست المرة الأولى التي يتخذ الرئيس بوتفليقة خطوة من هذا النوع, فقد سبق له قبل أشهر قليلة أن أنشأ الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد للأهداف نفسها التي قيل ءان الديوان الجديد قد أنشأ لأجلها.
و تصنف الجزائر وفق معايير المنظمات المالية العالمية من بين أكثر دول العالم فسادا و أقلها شفافية في التسيير المالي و الاءقتصادي, وهذه التصنيفات ليست جديدة فالوضع كان دوما بهذا الشكل و لكنه أخد طابعا أكثر وحشية في العشر سنوات الأخيرة, و تحديدا منذ و صول الرئيس بوتفليقة ءالى سدة الحكم في أفريل1999 , حيث أصبحت عمليات الاءحتيال المالي تأخذ شكلا كاريكاتوريا يثير التساؤل من زوايا عدة.
فالبداية كانت من الفضيحة التي سماها الوزير الأول الحالي أحمد أويحي أمام البرلمان بفضيحة القرن و هي قضية مجمع الخليفة, و التي اختلف المراقبون في تقدير حجمها المالي الحقيقي بين أربع ءالى سبع مليارات دولار خسائر تكبدتها الخزينة العمومية, أي الشعب الجزائري المفجوع في ثروته, و هذا الرقم حتى في حده الأدنى رهيب.
و ملخص الحكاية, أن شابا مستهترا في الثلاثينات من العمر يدعى عبد المؤمن خليفة, تبيّن فيما بعد أنه ابن أحد مؤسسي جهاز المخابرات و يدعى بلعروسي أسس بنكا خاصا ثم شركة طيران خاصة ثم عدد من الشركات في مجالات البناء و النقل و غيرها تحت سمع و بصر أجهزة الرقابة و ربما برعايتها, استطاع أن يحتال -ءاذا صدقنا الرواية الرسمية- على مؤسسات عمومية عتيدة بخطة ساذجة و جعلها تودع مئات الملايين من الدولارات في بنكه طمعا في نسبة فوائد فريدة من نوعها في العالم و تدعو حتى أكثر الناس سذاجة للريبة بلغت 17% و تبيّن لاحقا خلال جلسات المحاكمة التي جرت في غياب بطل المسرحية الفار ءالى لندن ءالى يومنا هذا, أن مدراء تلك المؤسسات قد تلقوا أوامر شفهية فوقية لاءيداع أموال مؤسساتهم في بنك البطل الهارب, طبعا دون الكشف عن هوية الآمرين.
و لكي يكتمل المشهد الكاريكاتوري, ظهر خلال المحاكمة أن وزارة الشؤون الدينية و الأوقاف قد أودعت هي الأخرى أمولا في البنك طمعا في أرباح ال17% الربوية.
و انتهت أطوار المحاكمة دون ءادانة أيّا من الرؤوس الكبيرة, بينما حكم بالمؤبد على بطل المسرحية الذي اختار أو اختيرت له وجهته بعناية, حيث لجأ الى بريطانيا و أنشد للقضاء هناك الموّال الكلاسيكي المأثور عن صراع الأجنحة في العالم العلوي وكيف أنه مجرد ضحية تصفية حسابات و و و, و هي حجج كافية في ميزان القضاء البريطاني لعدم تسليمه ءالى دولة تعاني أزمة شفافية ظاهرة.
و فيما طغت فضيحة الخليفة عن المشهد العام, كانت فضائح أخرى تتكشف في قطاعات مالية عديدة لم تأخد نصيبها الوافي في الاءعلام بعد أن حجبتها فضيحة القرن, لكن الفضيحة الأكبر تكشّفت بعد ذلك بسنوات قليلة و مست ما يسمى بمشروع القرن, و هو مشروع طموح لاءنشاء طريق سيّار ذو رواقين يربط أقصى شرق الجزائر بأقصى غربها, و الذي يشرف الآن على نهايته بعد تأخرات كثيرة, هذا المشروع الذي يعد ءاستراتيجيا بكل المقاييس, حجبت الأمال التي غذاها في نفوس الجزائريين بالسفر السريع و المريح بين ربوع البلاد المخازي المذهلة التي حملها معه, و التي ظهرت جلية في اختلاف التقديرات المالية للمشروع بشكل جنوني, فبينما جرى تقديرتكلفته المالية قبل الاءنطلاق بنحو سبعة مليارات دولار عادت و ارتفعت ءالى نحو تسعة مليارات و قيل يومها ءان الأمر عادي و يحدث غالبا في كل المشاريع الكبرى في العالم, ثم ذكر أن التكلفة ستبلغ الأحد عشر مليار دولار ثم ثلاث عشر ثم أربعة عشر, و تبيّن أن تلاعبات مدوخة جرت خلال السنوات التي تلت ءانطلاق المشروع من طرف مسؤولين من مختلف المستويات, جرى كشف بعضهم أمام القضاء و الاءعلام و ظهر أن عددهم أقل بكثير من فضيحة بهذا الحجم, و السؤال البديهي هو كيف أمكن لحفنة قليلة من المسؤولين التلاعب بمبالغ هائلة على مدار أعوام دون ءاثارة انتباه أجهزة الرقابة العديدة, بل و تهريب نسبة معتبرة منها ءالى الخارج.
و في الوقت الذي كانت فيه الصحف منشغلة بتحليل أبعاد فضيحة الطريق السيّار و حتى قبل أن يأخذ الموضوع حيزه الكامل ظهرت للعلن و بشكل غريب فضيحة خطيرة كان لها أثر بالغ في نفوس الجزائريين ليس لحجمها على الصعيد المالي فحسب بل لبعدها الرمزي بصفة خاصة, تعلقت هذه المرة بأكبر مؤسسة عمومية في البلاد و في ءافريقيا, و هي مؤسسة سونطراك النفطية و التي يسميها البعض البقرة الحلوب أو الأم المرضعة, و ظهر أن مديرها العام المعيّن من طرف الرئيس في هذا المنصب الحساس و الذي تسبقه و تلحقه تحقيقات أمنية معمّقة, متورط في فضائح خطيرة بالشركة وكذلك عدد لا حصر له من ءاطاراتها المقربين منه و أفراد من عائلته.
و تبيّن أن الأمر بدأ يأخذ طابع تصفية الحسابات في مستوى ما من مستويات السلطة, ليس فقط بسبب تزامن الكشف عن الفضيحتين بل أيضا لطبيعة الأشخاص الذين ذكر أنهم متورطون فيهما, ما أعاد ءالى الأذهان الحكايات التي نشأ الجزائريون على سماعها عن طبيعة الحكم في بلادهم, و سمحت هذه الأحداث و طريقة التعامل معها من طرف السلطة بترسيخ القناعة الراسخة لدى البعض عن العصابات التي تتقاسم النفوذ في العالم العلوي و المحكومة بهدنة توازن الرعب, و الذي ربما بدأ يختل بشكل ينذر بمفاجأت عديدة.
و فيما يفسر البعض التزايد الكبير للفضائح المالية كما و نوعا بالبحبوحة المالية للبلاد نتيجة الطفرة النفطية و سياسة الاءنفاق السخية يرى البعض أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد ءانكشاف لما كان مستورا من قبل ربما بسبب اختلال ما في التوازن أو اختلاف حول نسب تقاسم الغنائم, و اذا كان الأمر فعلا على هذا النحو فالتساؤل حول المغزى الحقيقي من الهيئات الرقابية الجديدة و مدى فائدتها هو تساؤل مشروع.
و ينظر البعض ءالى المسألة برمتها من زاوية الخير و الشر, فالرئيس الذي ذكر غداة تسلمه السلطة أنه ماض في تخليص البلاد من سيطرة من أسماهم بزعماء الاءقتصاد و ذكر على سبيل الشرح زعيم الحديد و زعيم الخشب.........يكون ربما قد بدأ بالفعل شن هجماته على هؤلاء الذين ذكر في السيّاق نفسه و في حشد من المواطنين أنه لايخشاهم و لكن يخشى أن يخذله شعبه ءان بقي يتفرج عليه يقاتل كما يتفرج الجمهور على المصارعين في روما القديمة.
#بلعمري_اسماعيل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟