أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - رفعت السعيد - بيزنس الإفتاء















المزيد.....

بيزنس الإفتاء


رفعت السعيد

الحوار المتمدن-العدد: 3572 - 2011 / 12 / 10 - 09:22
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



أعترف بأننى صعقت عندما سمعت حواراً جاداً بين اثنين ممن يمارسون الاستثمار التليفزيونى عبر المسابقات الشائعة التى تدعوك إلى الاتصال برقم كذا وتجيب عن سؤال تافه واعداً إياك بجائزة، صعقت لأن أحدهما قال هامساً للآخر: «الأكثر ربحاً الآن تجيب شيخ يفتى على التليفون»، وصعقت أكثر عندما شاهدت الإعلانات التى تدعوك إلى الاتصال التليفونى لتسأل فى أمر من أمور الدين، بما يلخص وبشكل فج فكرة الاتجار بالدين. لكن للإفتاء وجهه الآخر وهو تلك الفتاوى التى تتطاير من شبان سلفيين اقتحموا ميدان السياسة ويظنون أن اللحية والثياب وعدداً من الأصوات حصلوا عليها فى الانتخابات كفيلة بمنحهم حق التألق التليفزيونى فى فتاوى تمس الآن مصير مصر وشعبها، وتوحى بأنها فتاوى سوف تتحول إلى تشريعات يصدرونها من البرلمان، وسواء كان المفتى شيخاً يفتى تليفونياً هكذا مباشرة ودون رجوع إلى مراجع فقهية أو أدلة شرعية، أو كان سياسياً دخل باب السياسة من باب أن يتميز عن الآخرين، ويتعجل الإفتاء دون تعمق، فإن الأمر يدفعنا إلى محاولة فتح ملف سوق الإفتاء.

وفى البحث عن تعريف لكلمة فتوى نقرأ «الفتوى هى إحداث حكم، وهى بيان حكم الله تعالى بمقتضى الأدلة الشرعية» (الشوكانى - القول المفيد فى الاجتهاد والتقليد - صــ١١٥) وهى الإجابة عن مسألة (ابن منظور - لسان العرب جزء٥ - صـ٣٣٤٨) وأيضاً («الوسيط» فى باب فتى).

وفى القرآن الكريم «يستفتونك قل الله يفتيكم» (النساء - ١٧٦). وكان الفقهاء القدامى يضعون لكل فتوى شرحاً وافياً ثم يختتمونها بقول سديد اختفى من فتاوى زماننا هو «والله أعلم»، والفتوى تتطلب بالضرورة العلم بموضوعها ولا تجوز فتوى بغير ذلك. لكن الكثيرين يفتون فيما لا يعرفون متناسين القول الحكيم «من قال لا أدرى فقد أفتى» وناسين أن عمر بن الخطاب سئل فى القرآن الكريم «وفاكهة وأبا» ما هو «الأب» فقال «لا أدرى» وأضاف نهينا عن التفيقه. وهكذا نهى ابن الخطاب نفسه عن التفيقه ومع ذلك فالآن نجد فقهاء أو بالدقة متفيقهين يفتون فى مجالات لا يعرفون عنها شيئاً مثل موت جذع المخ، ونقل الأعضاء، أو يفتون فى السياسة دون أن يعرفوا معنى الديمقراطية والتعددية أو الفرق بين النظام البرلمانى والرئاسى، أو غيرها من المجالات، وتكتمل المأساة بأن تأتى الفتوى تليفونياً ودون مراجعة أو تدبر، وتكتمل أكثر عندما تكون مدفوعة الأجر، ويأتى آخرون من الملتحقين الجدد بركب السياسة وركب البرلمان ليصدروا من الآن فتاوى متشددة متعلقة بالخلافة وبالمرأة وبالسياحة وبالمسيحيين فيثيرون فزع الناس، مستندين إلى ما سماه د.حمدى زقزوق «مذهبيات فقهية جامدة تتمسك بحرفية النصوص الفقهية دون إفساح أى مجال لإعمال العقل الإنسانى، الأمر الذى جعل التخلف الفكرى والتقليد الممقوت يضرب بأطنابه فى عقول الأمة الإسلامية» (مقاصد الشريعة الإسلامية وضرورات التجديد - صـ١٤). لكننا إذ نعود إلى جوهر موضوع الإفتاء ومن له الحق فى الفتوى، وكيف؟ وبأى مرجعية؟ فالكثيرون من هؤلاء لا يشعرون بحقيقة الخطر، وحقيقة المعاناة، فالرجوع إلى الفتاوى القديمة فى كتب السلف هو عودة شئنا أم أبينا إلى رأى بشرى يحتمل الصواب والخطأ، لكنه يكتسى عندهم ربما بسبب القدم بقداسة لا يسمح بها الإسلام، فالفقه يتغير زماناً ومكاناً وهو خالٍ من القداسة، ونقرأ للإمام ابن القيم «من أفتى الناس بمجرد النقل من القدماء على اختلاف أعرافهم وعوائدهم وأزمنتهم وأحوالهم فقد ضلّ وأضلّ وكانت جنايته على الدين (الإمام ابن القيم - أعلام الموقعين - جزء٣ - صـ٧٨).

ونقرأ فى هذا الصدد ما كتبه د.محمد حسين هيكل قائلاً «إن البعض أضاف إلى دين الله شيئاً كثيراً لا يرضاه الله ورسوله واعتبره من صلب الدين ورمى من ينكره بالزندقة، فقد أضافت كتب السيرة ما لا يصدقه العقل ولا حاجة إليه فى ثبوت الرسالة، ولأن هذه الأقاويل قد اعتبرها البعض من صلب الدين فقد رمى من أنكرها بالإلحاد، بل إن العديد من العلماء المسلمين والشيخ محمد عبده فى مقدمتهم قد اتهموا بالإلحاد» (حياة محمد – صـ٢٩) ويقول د. هيكل «إن أقدم كتب التراث كتب بعد وفاة الرسول بمائة عام، وبعد أن فشت فى الدولة الإسلامية دعايات سياسية وغير سياسية، كان اختلاق الروايات والأحاديث بعض وسائلها فى الذيوع والغلبة، فما بالك بالمتأخر الذى كتب فى أشد أزمان التقلب والاضطراب؟ ثم «ويكفى أن يذكر الإنسان ما كابده البخارى من مشاق وأسفار فى مختلف أقطار الدولة الإسلامية لجمع الحديث وتمحيصه، وما رواه بعد ذلك من أنه وجد أن الأحاديث المتداولة تربو على ستمائة ألف حديث لم يصح لديه منها أكثر من أربعة آلاف. وهذا معناه أنه لا يصح لديه من كل مائة وخمسين حديثاً إلا حديث واحد أى بنسبة ٦.٠% « (صـ٥٤).

ويقتادنا البحث فى هذا الأمر إلى تصور بعض السياسيين الجدد الذين يخوضون فيما يمكن أن نسميه الإفتاء السياسى فيفتون فى كل شىء: السياسة - التعددية الحزبية - الديمقراطية - الليبرالية - الاقتصاد - سعر الفائدة - التأمين على الحياة - السياحة، وما يلبس الإنسان وما يأكل، يفتون فى كل شىء، وفى كل مجال يفتى هؤلاء الجهابذة الجدد وتتساقط فتاواهم حاسمة جازمة صارمة وكأنها الحقيقة المصفاة، وليست مجرد اجتهاد تقابله اجتهادات أخرى بما يستوجب التسامح مع الآراء الأخرى ومحاولة تفهمها، فلقد يكون فيها صواب أو بعض من صواب، فالمسلمون الأوائل علمونا الصفح والتسامح والإنصات للرأى الآخر، وسيدنا على عندما اتهمه الخوارج بالكفر تجاوز عن ذلك، وأذن لأصحابه أن يصلوا خلف الخوارجْ وقال: «لا تقاتلوا الخوارج بعدى، فليس من طلب الحق فأخطأه كمن طلب الباطل فأدركه» (ابن أبى الحديد - شرح نهج البلاغة - صـ٧٤)، أن كل الحجج التى يرددها السلفيون من أصحاب الإفتاء السياسى المتشدد لا تلبث أن تتساقط أمام ما ورد فى القرآن الكريم من آيات تتحدث عن الصفح والعفو والصبر والرحمة بلغت ١٢٤ آية. فما بالنا بأن أحداً لا يحاول أن يرد أحداً عن دينه، وإنما هو مجرد خلاف حول مصلحة الوطن والشعب والتزام بصحيح الدين، وهو خوف مشروع تماماً من أن تتمدد هذه الآراء السياسية المرتدية ثياباً دينية إلى إيذاء الوطن ومستقبله وأجياله القادمة.

فهل من عودة إلى الرشد؟ أو بالدقة هل من عودة إلى التراث الإسلامى الصحيح فى احترام الرأى الآخر والنظر إليه بإمعان، فقد يكون فيه بعض من الصواب، وهل يمكن الاستحمام من آثار التطرف والتشدد التى قد تخيف البعض لكنها بالقطع لا تقنع أحداً؟!



#رفعت_السعيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مرة أخرى.. هل الليبرالية كفر؟
- الإخوان - الجهاديون - السلفيون .. العلاقات المتشابكة
- محاولة لفهم ما يجرى
- هل الليبرالية كفر؟
- عن الإرهاب الإخوانى
- المتأسلمون وتحالفاتهم
- الشيخ صفوان أبوالفتح
- فلماذا أسميناهم متأسلمين؟
- عن تجديد الفكر الديني
- ومهما كان الثمن.. وكانت التضحيات سنمضي إلى الأمام
- حول تعديل الدستور - جحا الاخر
- حول تعديلات الدستور : جحا .. والجمل .. والحمار ... هل أصبح ا ...
- حول تعديل الدستور:حكاية جحا .. ولجنة الدكتورة أمال
- كائن لامحل له من الإعراب.. يتخطي القواعد ويستولي علي مقاليد ...


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح ...
- أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202 ...
- طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال ...
- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - رفعت السعيد - بيزنس الإفتاء