|
حامد البازي.. في مقهى الزهاوي
وديع العبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 3571 - 2011 / 12 / 9 - 15:51
المحور:
سيرة ذاتية
الأستاذ حامد البازي شاعر وأديب ورسام ومؤرخ من مدينة البصرة، وقد غلبت عليه صفة المؤرخ مع تقدمه في السنّ، لاهتمامه بجمع وتوثيق التراث البصري، وقد أقام عدة معارض وثائقية لتسجيل وعرض تاريخ البصرة عبر الصور والأفلام والكتب. وهو عضو جمعية المؤرخين العراقيين والعرب، وحاصل على درع المؤرخ العربي. كان يزور بغداد مرات عديدة خلال العام، سيما في فصل الصيف، هاربا من قيظ البصرة إلى هجيرة بغداد، وكان نزوله في بيت ابنته القاطنة في العاصمة، يلتقي أصدقاءه ومنهم بعض رواد مقهى الزهاوي. وكان حضوره يضفي أجواء جديدة على حياة المقهى، عابقة بأخبار البصرة وملاحظات المؤرخ ومستجدات الأيام. سنواته تتقدم في السبعين. خطواته قصيرة مثل جمله المتأتأة. في عينيه قلق شارد، منشغل الذهن على الدوام، بفكرة أو شيء يستعجل في القيام به، أو شيء يتساءل في طريقة الوصول إليه. تقدمه في السن لا يمنع حيويته ونشاطه، وقلقه وتأتأته الناجمة من تزاحم الأفكار والكلمات في اللحظة، لا تخفي روحه الشبابية واهتماماته العصرية والحديثة. يرتدي دائما بدلة (بيج) من قطعتين، وهندام أنيق مثل مذيع تلفزيوني. يغطي فروة رأسه (عرقجين) أبيض نظيف أو جديد على الدوام. لونه أسمر، وعيناه تشعان بطفولية سمحة. طوله لا يتعدى (1.7م) لكن انحناءة بسيطة في كتفه. يداه دائما أمام صدره يستخدمها أثناء الحديث، أو يضم بها كتابا أو صورة إلى صدره. له وجه مدور صغير، حليق الوجه والشارب. صوته خفيض لا يكاد يسمعه من لا يجاوره، أو يرهف السمع إليه. وفي صوته (خنة) من أثر ربو أو التهاب قصبات قديم. صديقه المقرب إليه في المقهى هو الاستاذ عبد الرزاق السامرائي، غالبا ما يخرجان لانجاز مراجعات ادارية أو زيارات ثقافية معا. وصديق الاستاذ (ابي احمد) هو صديق أصدقائه بالنتيجة، يصل خيط الود بينهم ويتبادلون السؤال والاهتمام. وللاستاذ المؤرخ ذاكرة حية وناشطة، يكتب وينشر باستمرار، ومعارضه التوثيقية تحظى باهتمام الصحافة والتلفزة سواء في البصرة أو بغداد. وكان له طموح توثيق كل منطقة من مناطق البصرة وطرز الحياة فيها قبل التغيير أو قبل التدمير، ولا أدري إلى أين وصلت جهوده وكيف آلت. في النصف الأول من عام 1991 انقطعت أخبار الاستاذ حامد البازي، وساور القلق والأسئلة جميع محبيه وأصدقائه. وصار السؤال عنه يتخلل كل لقاء أو محادثة. زاد من وطأة ذلك انقطاع خطوط التلفون خلال الضربات الجوية الأمريكية لمدة أربع أسابيع. وكان الخوف أن تتسبب نوبة قلبية أو جلطة في غياب صديق حبيب ووحيد من أهل البصرة. ومع انعدام الوسيلة كادت الأسئلة تنتهي إلى صمت. بعد مدة على نسيان الموضوع، بادرني أبو أحمد مستبشرا.. - عرفت.. - ايش.. - حامد البازي موجود - صحيح.. مبروك.. هو وين - عند بنته.. بس يرتاح شويه انشوفه.. عاد الأمل في رؤية صديقنا.. ولكن وتيرة الحياة والتجوال بين خرائب باب المعظم وأحيائها شبه المهجورة كان قد انعكس على نفوسنا واستتبع ملامح نفسية وفكرية واحباطات لم تكن بهذا السوء. حركة الشارع ليست كالسابق. والنفوس ضاقت، والأمل مات أو يكاد. اختفت محلات كثيرة. ناس كانوا هنا أو هناك اختفوا من مشهد الميدان والحيدرخانة. نسير من منطقة إلى أخرى في وسط بغداد، كأننا ننتقل من قرية إلى قرية أبعد عبر أرض مهجورة. هل حلّ يوم القيامة، هل مرّ.. أم هو في الطريق وهذه ملامح بداياته ... اخيرا التقينا الاستاذ حامد البازي.. جاء في بدلته البيج و(عرقجينه) الأبيض كالعادة. لكنه هو لم يكن كالمعتاد. لقد تغير شيء فيه.. شيء في داخله. الكمد والأسى واضحان في هيئته، وجهه، عينيه، صوته. لم يتأخر كثيرا كالعادة. ولم يرغب في التجوال أو الذهاب إلى مكان ما لرؤية أحد. كان حزينا. مشروع الزواج الذي كان يداعب خياله بعد فترة ترمل طويلة التغى. وكان عليه أن يعود سريعا إلى البصرة. البصرة كانت خرابا مضاعَفا عشرات المرات في تلك الحرب. (مدينة المدن) و(ثغر العراق) تحولت إلى أرض قفر مهجورة. هجرها أهلها وسحقت القذائف والمجنزرات بيوتها وأحياءها وانمحت ملامحها التراثية. غرباء وسماسرة اشتروا بيوتها بسعر التراب والعوائل والمحلات الأصلية اختفت. حامد البازي كان في غاية الحزن، وكنا نخشى على قلبه من حزنه وأساه. كان يحاول توثيق الماضي من الضياع، فإذا بالحاضر يتعرض للدمار أمام عينيه. ربما تمنى وهو يشهد سقوط القذائف أن تكون له قوة فيزياوية خارقة تعيد القذائف إلى نحرها أو تحرف مسارها بعيدا عن مدينته التي استأثرت بفكره ووجدانه. لندن
#وديع_العبيدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عبد المحسن عقراوي.. في مقهى الزهاوي
-
يعقوب شعبان.. في مقهى الزهاوي
-
عبد الرزاق السيد أحمد السامرائي.. في مقهى الزهاوي
-
صاحب ياسين.. في مقهى الزهاوي
-
سليم طه التكريتي*.. في مقهى الزهاوي
-
أنور عبد الحميد السامرائي المحامي.. في مقهى الزهاوي
-
د. محمد عزة العبيدي.. في مقهى الزهاوي
-
محمد حسين فرج الله.. في مقهى الزهاوي
-
مكي عزيز.. في مقهى الزهاوي
-
حقوق الأقليات في العالم العربي في ظل التغيرات السياسية
-
صورة جانبية لهشام شرابي /2
-
صورة جانبية لهشام شرابي /1
-
المنظور الاجتماعي في أدب سارة الصافي
-
وردة أوغست..
-
كلّ عام وأنت..!
-
استقبال....
-
لامُن ياؤن سين
-
((حضارة عكسية))
-
منفيون من جنة الشيطان 40
-
منفيّون من جنَّة الشيطان 39
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
-
بصراحة.. لا غير..
/ وديع العبيدي
-
تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|