|
البطالة في قطاع غزة
طارق محمد حجاج
الحوار المتمدن-العدد: 3569 - 2011 / 12 / 7 - 06:24
المحور:
ملف حول مشكلة البطالة في العالم العربي وسبل حلها، بمناسبة 1 ايار- ماي 2013 عيد العمال العالمي
منذ العصور القديمة مرورا بالعصور الوسطى إلى العصور الحديثة، ومنذ عهد المخطوطات على رق الغزال حتى تخزينها على الأقراص الصلبة ورقائق السليكون، شيدت حضارات وبادت أخرى، وتتابعت حضارات وتعايشت وفقا لأنماط اجتماعية وحضارية مختلفة حددت مصيرها. فمنها من حفر طريقه بين ثنايا الصخور الصلبة التي تكونت على مر العصور، ومنها من لم يكتب لها النجاة، فاندثرت تحت تراكمات الصخور وبين ثناياها. ولم يفُسح التاريخ مكانا في ذاكرته سوى للأمم التي سعت وراء التميز والتكامل والتكافل الاجتماعي. إن المساواة بين الجماعات والأفراد في الحقوق والواجبات لهو اللبنة الأساسية لبناء مجتمع أنساني سليم يؤسس لنسيج اجتماعي مترابط ومتين. لقد جاء الإسلام ليخلص البشرية من نظام العبودية وتملك الرقيق، فكان الإنسان "كرمه الله" كباقي السلع يباع ويستبدل في الأسواق، ويخضع العبيد لمعاملة أشبه ما تكون بمعاملة الدواب المسيرة. هذه الظاهرة السيئة استفاقت لها الإنسانية منذ الأمس القريب، فباتت الأمم تتبع ما نادى به الإسلام، وصار الحال نحو المنادى بحقوق الإنسان وضمان المساواة ومساعدة المحتاجين كأحد الإجراءات الهامة على طريق بناء مجتمع إنساني مترابط وسليم، تتوفر فيه سبل العيش والتعايش الكريم بين أعضائه على اختلاف مذاهبهم وأجناسهم وأعراقهم. وبالرغم من أنني لست من هواة لي الرقاب إلى الماضي، إلا أني وجدت في ذلك تأسيسا وتأصيلا لنواة الموضوع مكان البحث، فالفقر والبطالة ينحدران من عدة أسباب أساسهما على الإطلاق ما تم التطرق إليه عبر الأسطر السابقة ومضامينها وما ينشق عنها.
فالبطالة يقصد بها عدم وجود فرص عمل مشروعة لمن توافرت له القدرة على العمل والرغبة فيه. وقد تكون البطالة كاملة أو جزئية، فالبطالة الكاملة هي فقد الكسب بسبب العجز في الحصول على عمل مناسب رغم كونه قادراً على العمل ومستعداً له باحثاً بالفعل عنه. وقد تكون جزئية وهي تخفيض مؤقت في ساعات العمل العادية أو القانونية، وكذلك توقف أو نقص الكسب بسبب وقف مؤقت للعمل دون إنهاء علاقة العمل، وبوجه خاص لأسباب اقتصادية وتكنولوجية أو هيكلية مماثلة. إن ما حدث من أزمة اقتصادية في العام 2008م وما ترتب عليها من نتائج سيئة على جميع دول العالم، يوضح لنا أن الكون مجتمع أنساني صغير ومترابط كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر أعضاء الجسد. ومن هنا يتضح لنا أهمية التعاون والدعم والمساعدة بين دول العالم من أجل حياه اجتماعية واقتصادية أفضل. قد يكون من الصعب أن نعزو أسباب البطالة والفقر في قطاع غزة لضعف السلطات الحاكمة فيه فحسب، أو نستقي أسبابها من سلسلة تقارير إحصائية وعلمية متتابعة، مثل التقارير التي يعطيها الصندوق الأسود عقب كل فاجعة تسجل في مجال الكوارث الجوية للطيران، وذلك لأن غزة لا تسير وفق برامج تنموية مترابطة محسوبة النتائج، بل هي رهينة خطط تنموية خارجية تتسم بعدم الاتزان لتركيزها على جوانب وإهمالها لعدة جوانب أخرى، ما يخلق حالة من عدم الاتزان في التنمية الشاملة لقطاع غزة، ناهيك عن تذبذب الدعم الخارجي المرتبط بالحالة السياسية والأمنية الفلسطينية. لأن الحالة في قطاع غزة أشبه ما تكون بالعفوية والاتكالية، بمعنى أن المصير الاقتصادي والأمني والسياسي إلـــخ.... يستند إلى عدة عوامل خارجية، يكاد يكون تأثيرنا فيها إن لم يكن معدوم فهو ضعيف. أولى هذه العوامل الاحتلال الإسرائيلي ، ولا أبالغ في القول أن هذا الاحتلال هو الشماعة التي نعلق عليها خيبة آمالنا في عدة أمور، إلا انه ركيزة أي نتائج متوقعة في المستقبل القريب أو البعيد. فالحصار المفروض على قطاع غزة، ومنع الصادرات الفلسطينية من مطارحة الصادرات العالمية في الأسواق العالمية، يؤدي إلى نكسة في جميع المجالات المعتمدة على هذا المضمار، وما يزيد الحالة توحلا وشللا في الإنتاج، منع إدخال أي معدات لبناء المصانع أو فتح أي مشروع إنتاجي لرفع الحالة الاقتصادية في غزة. ناهيك عن القصف الإسرائيلي للورش والمصانع وشبكات الكهرباء ومحطة توليد الكهرباء الـــــــخ...أضف إلى ذلك الاجتياحات الإسرائيلية المتكررة التي تهدف إلى تدمير البنية التحتية للمجتمع الفلسطيني. وإن صح التعبير فإن أي محاولة تنموية في قطاع غزة لا يمكن بشكل من الأشكال أن تستمر إلا بغض طرف عن ذلك من الجانب الإسرائيلي. أما كارثتنا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية فتكمن في الانقسام الفلسطيني، لعدم وجود حكم أحادي القطب يهتم بالتطوير والبناء، بل تصعب الأمور وتتشتت الجهود بوجود ازدواجية سلطوية هدفها الطعن في جهود الطرف الآخر، وتحطيم ما يسعى إليه غريمه الطرف الآخر إن صح التعبير. ويبقى الشعب بين هذه التجاذبات كالضحية التي يمتص دمها، وتأخذ جثثه كواجهات لمحالات الجزارين، ليتباهوا بحجم الكتل اللحمية التي في مخزونهم الحركي. إن الاحتلال والانقسام نواتان لمشتقات كثيرة انبثقت من كلاهما بشكل أحادي في حين، وكنتيجة لتفاعلهما في حين آخر، وبالتالي لا يمكن لنا حصر هذه النتائج والعوامل السلبية التي أنهكت المجتمع الفلسطيني في جميع المجالات. أن 45.5% كنتيجة حقيقية لنسبة البطالة في قطاع غزة تلخص وتجسد الحالة الفلسطينية في القطاع، وتوفر علينا كميات كبيرة من الحبر والورق لتوضيح الأمور ونقل الصورة والمعاناة. إن مجتمع في بدايات العام 2012 تصل فيه نسبة البطالة إلى 45.5% لهو تجسيد لواقع مرير ووصمة عار على جبين الإنسانية ومدعو الإنسانية، لإهمالهم لشعب يتصارع منه 45.5% في معارك أحادية الجانب مع الجوع ونقص الموارد الأساسية الدنيا للحياة، ليوفر له العيش تحت سقف يسد الحاجات الأساسية لساكنيها. [email protected]
#طارق_محمد_حجاج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الخريف العربي وموسم مزدوجوا الجنسية
-
الصحافة والإعلام
-
وين ولا… وين يا هلس…وين يا واطي... لغة الترحيب بين الشباب في
...
-
لولا جهود السيد الرئيس لما تمت الصفقة
-
من مقولات الكاتب طارق محمد حجاج
-
الرد على مقال السيد ناصر اللحام (..لو حصلنا على دولة جيد جدا
...
-
الدولة الإسرائيلية من المنظور الإسرائيلي
-
رسالة معلقة بعلم الوصول للسيد نبيل العربي الأمين العام لجامع
...
-
ما هو استحقاق سبتمبر وما هي الخطوات التي ستتخذ لنيل الاعتراف
...
-
رسالة دعم للسيد الرئيس محمود عباس بشأن استحقاق أيلول
-
في محاولة لإيقاظ المشاعر الوطنية
-
هل يتحول رئيس السلطة الفلسطينية إلى بن لادن جديد ؟!!
-
المصالحة الفلسطينية بين الواقع والمأمول
-
وظيفة البعثة الدبلوماسية لمنظمة التحرير الفلسطينية
-
تبادل التمثيل الدبلوماسي بين الدول
-
الاجراءات المطلوبة لتحويل فتوى محكمة لاهاي الى قرار دولي فاع
...
-
الجزيرة والشارع العربي والأهداف الاستراتيجية الاسرائيلية من
...
-
رؤية شاملة لإنهاء حالة الإنقسام الفلسطيني
-
لا جدوى من المفاوضات ولا مفر منها
-
المشهد الفلسطيني الحالي لا يملك سوى رحمك الله يا ياسر عرفات
المزيد.....
-
هوت من السماء وانفجرت.. كاميرا مراقبة ترصد لحظة تحطم طائرة ش
...
-
القوات الروسية تعتقل جنديا بريطانيا سابقا أثناء قتاله لصالح
...
-
للمحافظة على سلامة التلامذة والهيئات التعليمية.. لبنان يعلق
...
-
لبنان ـ تجدد الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت
...
-
مسؤول طبي: مستشفى -كمال عدوان- في غزة محاصر منذ 40 يوما وننا
...
-
رحالة روسي شهير يستعد لرحلة بحثية جديدة إلى الأنتاركتيكا
-
الإمارات تكشف هوية وصور قتلة الحاخام الإسرائيلي كوغان وتؤكد
...
-
بيسكوف تعليقا على القصف الإسرائيلي لجنوب لبنان: نطالب بوقف ق
...
-
فيديو مأسوي لطفل في مصر يثير ضجة واسعة
-
العثور على جثة حاخام إسرائيلي بالإمارات
المزيد.....
|