|
من اجل ربيع يساري قادم
مالوم ابو رغيف
الحوار المتمدن-العدد: 3567 - 2011 / 12 / 5 - 19:28
المحور:
ملف - حول دور القوى اليسارية والتقدمية ومكانتها في ثورات الربيع العربي وما بعدها - بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن 2011
من اجل ربيع يساري قادم
مالوم ابو رغيف
فوز الإسلاميين في انتخابات تونس ومصر يضعنا أمام تساؤل محير عن طبيعة الثورات التي اجتاحت المنطقة، تلك الثورات التي اصطلح على تسميتها بـ{الربيع العربي}. فمن غير المعقول إن تثور الشعوب ضد استبداد واستعباد الأنظمة الديكتاتورية ثم تنتخب بعدها استعباد واستبداد الأحزاب الإسلامية!
ألا يمثل هذا نوع من العبثية الصبيانية وحالة من عدم النضوج السياسي والثقافي؟
هل يثور العبد على مالكه ويخاطر بحياته من اجل إن يكون مملوكا لسيد آخر أو من اجل الحصول على حريته؟
إن الجواب على هذا السؤال يقودنا إلى خلاصة لا بد وان تكون صحيحة هي إن الثوار، الذين انتفضوا وغامروا بحياتهم ومستقبلهم من اجل الخلاص لا يمكن إن يكونوا هم أنفسهم الذين انتخبوا أحزاب التخلف الإسلامية.
إن ذلك يعني بان جماهير الثورة هي ليست جماهير الانتخابات أو ليس جزء من تلك التي ساهمت بإيصال مرشحي الأحزاب الظلامية إلى البرلمان.
وإذا كانت المشاركة في الثورة تتطلب إفرادا وجماعات واعية ومدركة لمعنى الثورة ومعنى الحرية وترفض أي شكل من أشكال العبودية، فان المشاركة في الانتخابات حق متاح للجميع، للواعين ولغير الواعين للامين والجهلاء وللذين لا يدركون المصلحة إلا من خلال الحاضر وليس ما سيسفر عنه المستقبل.
وبما إن أغلبية الشعوب العربية هي شعوب في أغلبيتها أمية ليس فقط بمجال الكتابة والقراءة ولا بمجال السياسية، بل بمجال المعرفة العامة إذ إن الدولة الشمولية لم توفر للشعوب حرمتها من إمكانيات التواصل والاتصال مع العالم المتقدم بحقوقه وعلومه وديمقراطيته، وست عليها سبل نيل المعلومات وتحصيل المعارف وحرمت عليها حرية المناقشة وحجرت عليها في سجون المحرمات الفكرية والدينية. لذلك كان تعتقد ان تصويتها للإسلاميين هو تصويتها لله العادل الذي بيده إسعادها وتحقيق مطالبها ومعاقبة ظالميها
إن أغلبية الشعوب العربية تقبع سجينة في زنازين الدين والتحجر الفكري والقيود الاجتماعية، أنها مثل السجين الذي يفضل البقاء في سجنه ويخاف من تبعات الحرية ومواجهات تحدياتها. لذلك احد المهمات الكبيرة المناطة بالقوى اليسارية هي في تحرير العبيد من زنازين الأفكار الدينية وتحريرهم من أوهام أشباح الخوف التي تستوطن مخيلاتهم عن جهنم وعذاب القبر.
القوى اليسارية هي قوى واعية وفعالة ومثقفة وحية ومتوثبة، من طبعها الثورة على القديم وعشق الحرية، هي موجودة في كافة فعاليات ونشاطات الإنسان الثقافية والفنية والنقابية، هي محرك ديمقراطي يدفع بالإنسان إلى الأمام ولا يجره إلى الخلف أو يعرقل مسيرته مثل ما يفعل المحرك الديني الذي أصبح عائقا ومكبلا للثورة ومانعا وكابحا لها عن تحقيق أهدافها المرفوعة في خضم معركة الحرية والديمقراطية والمساواة.
لا نعتقد بان ثورات الربيع العربي كانت ممكنة لولا التقدم الحضاري والتقني عبر صفحات التواصل الاجتماعي. ليس بالخطأ إن أطلق عليها اسم ثورات الفيسبوك، فالمكون الأساس فيها هم الشباب المثقف الواعي الذي يرتبط بالانترنت ويلم بالعديد من اللغات ويبحث عن حريته وكسر قيوده و يشعر بآدميته.
بينما نتائج الانتخابات وسيطرة الإسلاميين هو مظهر من مظاهر تفشي الجهل في الغالبة من الشعوب العربية والاسلامية.
لذلك ولكي يكون الربيع يساريا ولكي لا تكون نتائج الانتخابات متناقضة مع مقدماتها، لكي تكون متوافقة مع جوهر هبات الشعوب الثورية، اعتقد إن على الأحزاب اليسارية التخفيف من تناقضاتها السياسية والأيدلوجية والبحث عن طرق ووسائل للتعاون فيما بينها من اجل نشر ثقافة علمانية تحتوي على الجديد الذي يلاءم العصر، الذي يتوافق مع ميول الشباب وطموحاتهم في كافة المجالات.
لقد كانت الأفكار اليسارية منتصرة عندما كانت مشبعة بأفكار التجديد على كافة المستويات الثورية والفنية والإبداعية، لم تكن يوما جامدة،لم يكن طابعها الجمود، بل كان طابعها التحدي والتجديد.
إن الأفكار الجامدة التي تخلوا من الحياة والتي تميل إلى سكب الدموع على إطلال القديم لا يختلف اصحابها عن الإسلاميين الذين يبكون على سلفهم الغابر ويندبون حظهم العاثر.
على الأحزاب والحركات اليسارية إن تنشر مفاهيم الحرية والعدالة الاجتماعية والأفكار الفلسفية ومناقشة المشاكل الاجتماعية وانتقاد ومواجهة أي مظهر من مظاهر التخلف أكان مظهرا دينيا أو عشائريا أو قبليا أو سياسيا.
اعتقد إن مهمة الأحزاب والمنظمات والنقابات اليسارية الآنية هي في تحويل اليسار إلى حركة شعبية. وعندما نقول شعبية فان ذلك يعني عدم اقتصار النشاط اليساري على المجالات السياسية والنظرية والمطلبية، بل يجب إن يشمل هذا النشاط الغناء والتمثيل والسينما والصحافة والانترنت والمهرجانات الشعبية ، إن تشمل هذه الحركة اليسارية كافة مجالات الحياة.
من المفيد إن نذكر إن الأصوات النسائية في معظم انتخابات الدول العربية تذهب في معظمها للإسلاميين، انتخابات الكويت مثلا، وبعد إن سمح للمرأة بالمشاركة في الانتخابات، ومع إن الإسلاميين كانوا هم الذين يقفون ضد حق المرأة في الانتخابات، إلا إن النساء، ولأنهن ضحايا الجهل والأمية السياسة والتبعية للرجل، أعطت ألأغلبية من النساء أصواتهن للإسلاميين، فزاد عدد مقاعدهم في البرلمان وقويت شوكتهم، وهذا الأمر صحيح أيضا في العراق وفي تونس وفي مصر.
إن ذلك يعني إن على القوى اليسارية إن تبذل قصارى جهودها نحو تثقيف النساء بحقوقهن وتفضح أي محاولة لاستغلالهن وتكسر قيود عبوديتهن والتي هي القيود الدينية والعشائرية.
إن ذلك يتطلب إن تضخ الأحزاب والقوى اليسارية بالدماء الجديدة في القيادات الحزبية، فلقد أصبحت وجوه رؤساء الأحزاب مثل وجوه القادة الشموليين، يبقون في مناصبهم لا يغادرونها إلا عندما يداهمهم مرض الخرف فيجبرهم على التقاعد أو عندما يدب في ابدانهم الضعف بحيث لا يقون حتى على التفكير.
من الملاحظ أيضا هو إن نسبة النساء في المراكز القيادية في الحركات اليسارية نسبة ضئيلة، لذلك يجب إن تسعى الأحزاب اليسارية إلى اشراك اكبر عدد من الكوادر النسائية في مراكزها القيادية. كما يجب إبراز النشاطات النسائية اليسارية وان تحتل هذه النشاطات المراكز الأولى في الإعلام اليساري.
لقد لعبت الحوار المتمدن دورا طليعيا ليس في نشر الفكر اليساري والتحرري فقط، بل في إثارة جدال والصراعات الفكرية حول أهم المحاور التي تمثل جوهر الصراع الفكري في الوقت الحاضر أكان بما يخص الدين أو بما يخص ثورات الربيع العربي او الفكر الانساني والماركسي. إن النموذج الحضاري الذي تعكسه مؤسسة الحوار المتمدن هو نموذج يجب إن يحذو حذوه عند تأسيس الحركة اليسارية التي يجب إن لا تكون انعكاسا لفكر مشلول يعاني من عدم الحركة، حبيس القوالب والقعود الطويل في نفس المكان، إنما متعددة المنابر، متعددة الآراء، تتجادل وتختلف من اجل الوصول إلى الأفضل وليس من اجل تحقيق مكاسب فئوية أو حزبية ضيقة.
في الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن نزف لها أجمل التحيات ولـ القائمين عليها والساهرين على إنجاحها والمتفانين في نشر ثقافة الفكر اليساري الإنساني نتمنى لهم النجاح والسعادة ومزيد من التألق والتفوق.
#مالوم_ابو_رغيف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل يمكن تعايش الثقافتين العلمانية والاسلامية؟
-
احتجاج جسد عاري
-
الديمقراطية الإسلامية العجيبة في العراق
-
الاسلام والقذافي وصدام
-
الصخب الإعلامي والإسلامي
-
القوميات بين الواقع والطموحات.
-
هل تخلع الشعوب الاله كما خلعت الحكام ؟
-
من الديمقراطية إلى الإسلام در.!!
-
دولة الدين القائد
-
هل سكب بشارالأسد الماء على لحيته؟
-
هل يمكن للشيوعي ان يكون مسلما؟
-
الدولة السنية والشيعة والتاريخ.
-
الاخلاق والاسلاميون
-
رئيس الجمهورية وأحكام الإعدام
-
قمع واساليب دكتاتورية لحكومة تدعي الديمقراطية
-
الاحزاب الاسلامية والثورة المصرية
-
العالم يقف احتراما لشعب مصر.
-
تجربة الفساد العراقية الرائدة
-
شكرا شعب تونس
-
الإرهاب كفكرة إسلامية مقدسة
المزيد.....
-
حلقت بشكل غريب وهوت من السماء.. فيديو يظهر آخر لحظات الطائرة
...
-
من ماسة ضخمة إلى أعمال فنية.. إليك 6 اكتشافات رائعة في عام 2
...
-
بيان ختامي لوزراء خارجية دول الخليج يشيد بقرارات الحكومة الس
...
-
لافروف: أحمد الشرع وصف العلاقة بين موسكو ودمشق بالقديمة والا
...
-
20 عامًا على تسونامي المحيط الهندي.. إندونيسيا تُحيي ذكرى كا
...
-
من أصل إسباني أم إفريقي أم شرق أوسطي؟ كيف يعرف المقيمون الأم
...
-
مستشار خامنئي: مسؤولون أتراك حذروا إيران من إثارة غضب إسرائي
...
-
الحكومة المصرية تفرض قيودا على استيراد السيارات الشخصية
-
-الإمبراطور الأبيض-.. الصين تكشف عن أول طلعة جوية لطائرة من
...
-
الجيش الإسرائيلي: القضاء على قياديين 2 في -حماس-
المزيد.....
المزيد.....
|