|
التناقض بين الفكر والسلوك في الاسلام السياسي
قاسم حسين صالح
(Qassim Hussein Salih)
الحوار المتمدن-العدد: 3566 - 2011 / 12 / 4 - 17:45
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يقصد بالتفكير هنا، الآراء والمعارف والقيم والمباديء والتصورات التي يمتلكها الانسان بخصوص نفسه والآخرين والأحداث والكون ..في الأبعاد الزمنية الثلاثة،الماضي والحاضر والمستقبل.ويقصد بالسلوك ،التصرف أو الفعل الذي يقوم به الانسان ويمكن ملاحظته من الآخرين.اما الاسلام السياسي فليس المقصود به هنا الجماعات الاسلامية التي انتشرت في البلدان العربية وافغانستان وباكستان..انما الأحزاب أو التيارات الاسلامية التي تستلم السلطة السياسية المسؤولة عن ادارة شؤون الناس ،او تلك التي يكون لها دور فاعل فيها. وفي السيكلوجيا، فان الانسان السوي المتوازن المقبول من الآخرين هو الذي يتسق تفكيره مع سلوكه..اي أن يكون هنالك توافق او انسجام بين ما يحمله من آراء، معتقدات،قيم.. وبين السلوك الذي يتصرف به ،وبخلافه فانه يحصل تناشز بين الفكر والسلوك. فالموسيقار الذي يحمل عوده ويعزف عليه وهو يمشي في الشارع ،يبدو سلوكه مقبولا للآخرين،فيما التصرف نفسه يبدو نشازا لهم ان صدر من رجل دين على رأسه عمامة.واستغراب الناس هنا واستهجانهم لتصرف رجل الدين هذا ناجم عن ان السلوك لا يطابق الفكر.
من هذا المثال البسيط وتوضيح المقصود بالفكر والسلوك ،صار لدينا تصور مشترك عن موضوع هذه المقالة التي شخّصت في عنوانها وجود تناقض بين الفكر والسلوك لدى الاسلام السياسي الذي هو في موقع السلطة.ومن حق هذا الاسلام أن يسأل: كيف؟ وأين؟..ونجيب بالآتي: ان دستور الاسلام هو القرآن الكريم..سواء كان في تركيا،ايران،السعودية،مصر ،تونس ، العراق..فهو مرجعهم وان اختلفوا في التطبيق.وكما في الدساتير المدنية مواد يلتزم بها الجميع،الحاكم والمحكوم،فان في القرآن الكريم(آيات)يكون الألتزام بها أقوى والاحترام لها مطلقا.فلنتفحص بعض آيات ( مواد) دستور الاسلام. هنالك ثلاث آيات في ثلاث سور تنّبه الناس ،الحاكم والمحكوم، الى أن الحياة الدنيا (لعب ولهو):" اعلموا انما الحياة الدنيا لعب ولهو-الحديد،20"."وما هذه الحياة الدنيا الا لهو- العنكبوت،64"."وكما الحياة الدنيا الا لعب ولهو –الانعام،32". ونبّه الى ان الحياة الدنيا قصيرة وانها "زينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد" ،وانها"متاع غرور". وأعطى الأفضلية لحياة الآخرة ،وبشّر من يؤمن بها بالخلود.."وان الدار الأخرى لهي الحيوان ان كانوا يعلمون"،"وللآخرة خير لك من الأولى "،"وللدار الآخرة خير للذين يتقون".وقارن بين الحياتين في حديث للنبي (ص):"والله ما الدنيا في الآخرة الا مثل ما يجعل أحدكم اصبعه في اليمّ،فلينظر بم يرجع"..أي أن ما يحصل عليه الانسان من الدنيا ليس أكثر من الماء الذي يحمله الأصبع من البحر.وحذّر من تغرّه الدنيا بملذاتها والذين يكنزون الذهب والفضة بعذاب شديد. ان هذه الشواهد من دستور الاسلام "القرآن الكريم" هي أفكار ،معتقدات،قيم، أخلاق..يحملها المؤمنون بالاسلام ويجسدونها بافعال أو سلوك ..فهل هذا حاصل في الاسلام السياسي؟.اعني ..هل يتطابق سلوك او افعال الحاكم او المسؤول المنتمي الى حزب او تيار اسلامي مع هذه الأفكار التي نصّ عليها دستور الاسلام؟ ان واقع الحال يشير الى العكس..فكثير من هؤلاء الذين هم في السلطة ،فاسدون ماليا وكانزو ذهب وفضة وملايين الدولارات في بنوك غير اسلامية! ،وبيوت وشقق فاخرة في دول غير اسلامية اشتروها بعد ان صاروا في السلطة،ومنحوا أنفسهم رواتب وامتيازات خيالية وايفادات فيها تبذير للمال العام.وصاروا يتصرفون بسلوك يعكس حبهم للدنيا وكأنها هي الحياة الأبدية،وبينهم من خلق "جنته" في الدنيا ..يعيش فيها برفاهية تاركا الرعية ..المسؤول عنها تعيش في الجحيم.ويطلّ عليهم عبر شاشات التلفاز بوجه ريّان وبآخر موديل أوربي على ناس يعدّونه سبب جوعهم وعوزهم..دون ذاك الخجل الذي نعهده في المسلم!..مع أنه كان قد خبر ذاك الجوع والعوز. ولتحليل حالة هؤلاء الحكّام والمسؤولين من تيارات الاسلام السياسي نقول، ان علم النفس المعرفي يرى ان الأفكارالتي يحملها الفرد هي التي تحدد سلوكه،وأنها تعمل كدوافع محرّكة للسلوك .فان كان سلوكه متسقا..منسجما مع أفكاره ،فانه يعيش حالة الاستقرار النفسي وراحة العقل والضمير وقبول الآخرين واحترامهم له، وان حصل تناقض..تضاد بينهما فانه يعيش حالة التنافر او التناشز المعرفي..التي تعني التعارض بين ما يعتقد به الفرد وبين ما يفعله..ينجم عنها،بالتبعية، توتر نفسي ليس بمستطاع الجهاز العصبي تحمّله الى ما لا نهاية..فيبحث عن حلّ لخفض هذا التوتر يكون واحدا من ثلاثة: - اما أن يغير أفكاره(معتقداته) - او ان يغير سلوكه - أو ان يبحث عن معلومات جديدة يغير فيها اما الأول أو الثاني.
ويفيدنا الواقع الحياتي باستبعاد الحلّ الثاني،بدليل ان كثيرين بين الحكام والمسؤولين من الاسلام السياسي لم يعمدوا الى تغيير سلوكهم ليكون منسجما ..متسقا مع الأفكار التي تضمنها دستور الاسلام " القرآن الكريم".ولا نعني بهذا ان يتحولوا زهادا،فالدين الحق انما جاء لنفع الناس في دنياهم وآخرتهم ،بل ان يكونوا في الأقل مثل عبد الكريم قاسم وسوار الذهب،وأن يكون المعيار لما هو ضرورات وأهواء..هو كلام الله الموثّق في قرآنه. وبموجب هذه الحتمية النفسية فانه يبقى لدينا حلاّن،اما تغيير الأفكار او البحث عن معلومات جديدة. ان تغيير الحاكم او المسؤول الاسلامي لأفكاره (معتقداته) مستبعد أيضا،ليس فقط لأنه مؤمن بها ،بل ولأنه يفقد السلطة التي وصل اليها بهوية هذه المعتقدات.هذا يعني انه لا حلّ يخفض لديه التوتر النفسي سوى البحث عن معلومات جديدة تغير في الأفكار أو السلوك أو كليهما. والتحليل السيكولوجي يوصلنا الى استنتاجين: الأول: انه ينظر الى نفسه أنه كان قد ضحى وتعرّض هو وعائلته وأقرباؤه الى اضطهاد نظام دكتاتوري وسلطة استبدادية كانت تطلب رأسه،وان ما حصل عليه من نعيم بوصوله الى السلطة هو استحقاق وليس منّة من أحد ولا غمط حق لأحد.وانه ملتزم بتأدية اركان الدين..الصلاة والصوم والحج،وأنه يستغفر ربّه بعد كلّ صلاة وافطار وحجّة تحسّبا لذنب او تقصير او اساءة أو ما يعدّه الآخرون جريمة ،اضطرته السلطة الى ارتكابها،وأن الله غفور رحيم. والثاني:ان سيكولوجيا الخليفة تعمل في لاشعوره بآلية نفسية تخرّج له الأمر بأنه امتداد للخليفة..وأن خلفاء الدولتين الاسلاميتين الأموية والعباسية عاشوا حياة مرفهة وخيالية، وأنهم يجزون يوم الحساب على أعمالهم لا على حياة الرفاهية والنعيم التي عاشوها، وأن ما يعيشه الآن من حياة الرفاهية لا يساوي عشر ما عاشه (أفقرهم!).
ان هذا الصنف الذي حللناه ،كان قد شخصّه مصدر موثّق..مصدّق هو رجال دين محترمون،يتسق سلوكهم وتصرفهم مع افكارهم ومعتقداهم،وينتمون الى مرجعية دينية موقرة، اذ وصفوا كثيرين منهم،علنا، بأنهم حيتان ولصوص في أخذ المال الحرام..وهي جريمة كبيرة يدينها دستور الأسلام (القرآن الكريم) ويعدّ مرتكبها بعذاب أليم لاسيما اذا كان هذا المال الحرام يخص رعية هو مسؤول عنها ..لأن فيها خيانة أمانة أيضا. والمفارقة ،أن ربيع العرب (سيسلّم) السلطة الى اسلام سياسي ،بين حكّامه الكثير من هذا الصنف،والكارثة أنهم يأتون ..عبر انتخابات ديمقراطية!.
#قاسم_حسين_صالح (هاشتاغ)
Qassim_Hussein_Salih#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ثورات العرب..وربيع الاسلام السياسي
-
العرب ..وسيكولوجيا الانتقام
-
أفعى الفساد
-
ثورات العرب..والاسلام السياسي
-
نفاق المثقفين
-
الكليات الأهلية..وضمان الجودة
-
انتحار..دموع!
-
مشهد مقتل القذافي ..وسيكولوجيا الانتقام
-
الغطرسة..والسلطة
-
الوضع النفسي للعراقيين..في خطر
-
الفساد العراقي ..في متلازمتين
-
المثقفون ..والسكتة القلبية!.
-
التحقير الجنسي..في شعر مظفر السياسي
-
ثلثا العراقيين..مغيّب وعيهم !
-
ثقافة نفسية(47):الاكتئاب..كيف تتخلص منه
-
ثقافة نفسية(46):فيروس الاكتئاب النسائي
-
ثقافة نفسية(45):انموذجان سلبيان..الرافض والمتردد
-
الناصرية ..الشجرة الطيبة
-
نقاط التفتيش..وتوظيف العلم
-
من عالم البغاء. قصة حقيقية تصلح لفلم سينمائي مميز
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|