|
حول الإصلاح في سورية: رؤية من الداخل
منذر خدام
الحوار المتمدن-العدد: 1056 - 2004 / 12 / 23 - 11:40
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
حول > د. منذر خدام بتاريخ 1/12/2004 نشر السيد عماد فوزي شعيبي، في جريدة الحياة، مقالاً بعنوان << الإصلاح في سورية:رؤية من الداخل>>، يكاد يكون نموذجا للخطاب التضليلي الذي اعتاد السيد شعيبي على تذكيرنا به من وقت لآخر. فمنذ البداية ينبهنا السيد عماد إلى أنه لا يهدف من مقاله<<الدخول في سجال حول المسألة الداخلية في سورية>>، لأنه يعتقد سلفاً أن أية مساجلة معه لن تخرج عن منحى<<التناول الشخصي والتأملي والانتقامي والعدواني>>. حسنا هو يعرف قدر نفسه، والموقع الذي وضع نفسه فيه، وأحاطه بسياج من التعالي والادعاء. من هذا الموقع، كان من الطبيعي والمنطقي، أن ينظر السيد شعيبي إلى<< كتابات بعضهم(والبعض هنا له مدلول الكل في المقالة التي نحاورها) عن الإصلاح في سورية>>،على أنها تولد <<الشعور بالأسى>>، لأنها تحلق عاليا في <<التنظير المتعالي والتوهم>>، وبصفتها كذلك فهي لا يمكن أن تصدر إلا عن <<يأس أو وتر أو تخيل>>. وباعتبار أن السيد شعيبي لا يقدم لنا، على عادته، نموذجا عن مثل هذه الكتابات المتعالية المتوهمة الصادرة عن أناس تملكهم اليأس أو الوتر أو التخيل، لنتأكد من مصداقية أحكامه، فلنا الحق أن نعتبر أحكامه العامة هذه تمثل تكثيفا لنمط من التفكير المتعالي، الذي يفتقد ليس فقط إلى المعطيات( وهو مدير مركزها..)، بل يفتقد إلى المتابعة، والمسؤولية. إن أحكامه التقريرية التي ملأت صفحات مقالته المشار إليها، هي أقرب إلى الشطحات الفكرية، التي يتوهم العقل المنتج لها، بأنه يبدع فكراً، يقارب مشكلات، يقدم حلولاً، في حين، هو في حقيقته، ليس أكثر من راكب موجة ليثقلها، إنه من أولئك الذين تحدث عنهم السيد الرئيس بشار الأسد في إحدى مقابلاته، ونعتهم بالانتهازيين، الذين لا هم لهم سوى ركوب مسار التغيير لإعاقته، وإرباكه، وحتى إفشاله إذا استطاعوا إلى ذلك سبيلا. السيد شعيبي لا يريدنا أن ننبش في الماوراء، بل أن نقرر مباشرة أن السيد الرئيس بشار الأسد يمتلك<< إرادة حقيقية...للتغيير ولدخول العصر>>.و بدون هذه ال"ينبغي" التي تقدمت جملة السيد شعيبي التقريرية هذه،نعلم جيداً،(وربما سمع بذلك السيد شعيبي) أن المعارضة الوطنية الديمقراطية في سورية، تقر بأن خطاب القسم قد عبر عن رؤية للتغيير والتحديث لدى السيد الرئيس، وعلى أثرها أزهر ما أصبح يعرف بربيع دمشق. بل أن السيد الرئيس الراحل حافظ الأسد وفي أخر خطاب له أمام مجلس الشعب، كان قد عبر عن رؤية إصلاحية شاملة، حتى ظن المراقبون، في حينه، أن السلطة تكاد تنقلب على ذاتها. ومرت السنوات، وازدادت المشكلات، وتشابكت، وتعقدت، وتم وأد ربيع دمشق. ربما هي <<حسابات الرغبات>> التي لا تطابق دائما <<حسابات الواقع>>، هذا الواقع الذي لا يريدنا، السيد عماد، أن ننبش فيه لنسائله، لماذا أصبح خارج العصر؟من هو المسؤول عن جعله ينتمي إلى ما قبل العصر، ولماذا؟ وكيف؟. أي لكي نفهمه، نشخص مشكلاته، ننتج تصورات عن الحلول الممكنة لها، تؤسس لسياسات ولبرامج للتطبيق، وبالقياس إليها يتم تجميع القوى والوسائط الضرورية للنجاح، وهي كبيرة ومتوفرة في المجتمع، ولا تحتاج إلى عناء كبير لرؤيتها، بشرط توفر إرادة للرؤية مختلفة، وأغلب الظن أن السيد شعيبي يفتقر لها في مركز معطياته. يتحفنا السيد شعيبي باكتشافه العبقري، بان الرئيس الأسد، وفي<< حالة نادرة جداً في العمل السياسي>>، هو<<رأس السلطة وزعيم المعارضة في آن>>.وتأصيلا لاكتشافه هذا، فقد ابتكر مفهوما جديدا للمعارضة، بعيدا عن <<اعتراضات بعضهم>>،(بل نكاية بالجميع، وبكل العلوم السياسية في الدنيا)، ممن<<يتوهمون الملكية الحصرية للمعارضة، ولا يفهمونها إلا مناهضة مطلقة للسلطة، أو سعياً لتداولها>>(انتباه: مناهضة مطلقة للسلطة)، بأنها<<نقد للأخطاء وبرامج للتغيير، ومعرفة بالمعطيات الدقيقة وامتلاك الأدوات>>، <<ووحده الرئيس الأسد من لديه كل العناصر السابقة>>. أعتقد جازماً أن الرئيس الأسد أكثر واقعية وتواضعا مما يقوله السيد شعيبي عنه. أليس هو القائل: لا أملك عصا سحرية لحل كل المشكلات، وطالب الجميع بأن يتحملوا مسؤولياتهم. لكنه العقل الانتهازي عينه الذي أشار سيادته إلي أصحابه في أكثر من مناسبة. يروى في المأثور التراثي ما معناه، أن النبي محمد(ص) نهى أحدهم عن الكذب، فقال له الشخص المعني: يا رسول الله أنا أكذب لك وليس عليك. فقال له النبي: الكذب هو الكذب في الحالتين، فانته عنه. ويبدو أن السيد شعبي قد اكتشف حدة المفارقة في تخصيص السيد الرئيس وحده بامتلاك<<كل العناصر>> التي يتكون منها مفهومه الخاص للمعارضة، فاستدرك قائلا: بأنه <<لا يعرف مسؤولاً في الدولة>>، لا يسمع منه<<نقداً>> أعنف مما يسمعه من <<المعارضة الخارجية>>(انتباه: المعارضة الخارجية). وإن هؤلاء جميعهم<<هم المعارضون الذين لديهم المعطيات والأدوات>>، ومن لا يعرف<<المعطيات>> حسب السيد شعيبي<<لا يستطيع أصلا أن يقدم سوى النقد>>، وبالتالي لا يمكن أن يكون معارضاً. وهكذا إذا؛ المعارضة هي في السلطة، إنها السلطة والمعارضة وقد اندمجا في مفهوم السيد شعيبي. بعبارة أخرى إنها إرادة الإصلاح وموضوعه في الوقت ذاته. لكن السيد شعيبي يتساءل مستدركا، في موضع آخر من مقالته،<< من المُصلح ومن الذي سَيُصلَح، إذا كان المصلح الذي-غالبا- ما يوكله الرئيس بالإصلاح يحتاج إلى إصلاح>>، وهكذا، وبشطحة من شطحاته، المشهود له بها، يعود ليؤكد خلو الوطن من المصلحين باستثناء السيد الرئيس. ثم متى كان المجال مفتوحاً<<لمشاركة الجميع>> في مشروع التغيير،علما أن جميع قوى المعارضة الوطنية الديمقراطية على اختلافها حاولت تقديم تصوراتها عن الإصلاح الممكن والضروري لسورية، ولم تنصب نفسها<<بديلا تعارضيا مع الدولة>>(انتباه: الدولة وليس السلطة)، وهي تمتلك من المعطيات الحقيقية، والإرادة القوية، والرغبة في المساهمة في إنقاذ الوطن، بل وتسامت فوق كل الجراح لتطرح المصالحة الوطنية، غير أن كل الأذان السلطوية قد سدت دونها فلم تسمع، بفضل نظام التضليل الوطني، والقائمين عليه من المنتفعين والمرتكبين. يعترف السيد شعيبي بأن سورية تعاني من سلسلة من المشكلات المتداخلة المتراكبة، غير أن المجتمع السوري، حسب السيد شعيبي يفتقر إلى الإمكانات البشرية لحلها، فالمجتمع السوري عموما<<إما محشو بإمكانات سطحية معلبة بشهادات ورقية(عابرة للجامعات)، أو انه مجتمع بلا نجاحات أو كفايات>>. ومع أن الواقع ليس كما يصوره السيد شعيبي، فهو لم يصل إلى هذه الدرجة من السوداوية، فكان الأجدر به أن يتساءل عن السياسات والبرامج والممارسات التي جعلت البلد<<محشواً>> بحملة الشهادات الورقية، لكي يجد الحل في بديلها. أليست هي عينها سياسات تبعيث التعليم في جميع مراحله، كجزء من عملية أشمل لتكوين السلطة الأمنية،وترسيخ دعائمها؟ مع ذلك وحسب العديد من الدراسات والإحصاءات(التي فلتت من قبضة مركز معطيات السيد شعيبي)، فإن البلد لا يفتقر إلى الكوادر المؤهلة، بل هو غني بها، وعلى مختلف المستويات، ومنهم الكثير من البعثيين الوطنيين والشرفاء، هذا عداك عن عشرات الآلاف من الكوادر والخبرات السورية في المهاجر، والتي تتوق للعودة إلى الوطن للمساهمة في بنائة. وإن الوصول إليهم ممكن وسهل. لكن ذلك يتطلب مناخات سياسية وقانونية مختلفة، ونهجا مختلفاً. يعلم السيد شعيبي، بلا شك، أنه لا يمكن تعين أي عامل في الدولة من مرتبة آذن وحتى مرتبة وزير، بدون المرور عبر الفلترات الأمنية، للتأكد من مطابقة مواصفاته لمعاييرها، والتي قلما تأخذ في عين الاعتبار مستوى التأهيل والخبرة والنزاهة، بل الولاء والعلاقات الشخصانية..الخ. وحتى يكتمل إحكام غلق الأبواب أمام أية إمكانية للبحث عن رجالات الإصلاح في سورية وكفاياته، فإن تلك الكفايات التي استثناها السيد شعيبي(من نفيه للجنس)، فهي إما في <<الظل يصعب الوصول إليها>>، أو هاجرت إلى <<الخارج أو الداخل حيث شُحنت ضد الدولة>>(انتباه:شُحنت ضد الدولة= الخارج)، أو أنها<<لا تعرف شيئا عن المعطيات السائدة>>. باختصار لا أمل يرجى، وإنه لمضيعة للوقت التفكير في الخروج مما نحن فيه، وإنجاز الإصلاح والتغيير بسواعد وعقول أبناء الوطن، فهناك مشكلة حقيقية مع <<المقِّيم قبل المقّيم>>، مما يجعل مجتمعنا غير قادر على <<الخروج من الدوران في الدائرة إلى الحلزون الذي يرفعه درجة>>. أليس من العبث والحالة هذه، اقتراح السيد شعيبي القاضي بضرورة <<البحث عن الكفايات النادرة والمتفوقة والخام وزرعها بعد تأهيلها>>؟ من سيقوم بعملية البحث عن هذه الكفايات؟ ومن سوف يؤهلها؟ ومن سوف يزرعها؟ وفي أية تربة؟(التساؤل الأخير أغلب الظن، لا يخطر ببال السيد شعيبي). ألم يقل السيد شعيبي: هناك مشكلة مع المقَّيم قبل المقّيم؟ أم هي محاولة يائسة لغلق جميع الأبواب في وجه أية إمكانية للإصلاح من الداخل، وبالتالي لا يبقى أمامنا سوى الاستعانة بالخارج. ومع افتراضنا أن السيد شعيبي ليس عضوا في الحزب الأمريكي السوري(عنوان مقالة للسيد رجاء الناصر)، فإن الاستعانة بالخبرات الفرنسية أمر حاصل منذ بعض الوقت، واغلب الظن أنها لن تفيد شيئا بالطريقة التي يتم الاستعانة بخبراتها. وحتى لا نتيح الفرصة للسيد شعيبي ليتهمنا بأننا لم نقدم سوى النقد(مع أن النقد كما نفهمه هو تشخيص وتجاوز)، وكنا في العديد من مقالاتنا ودراساتنا عرضنا وجهة نظرنا لإعادة بناء بلدنا، والخروج به من الماقبل عصر إلى العصر، ليس من الحكمة تفصيل القول بها في هذا المقام، لذلك سوف أكتفي بالإشارة إلى أن المدخل الصحيح للخروج من الوضع المأزوم الذي نحن فيه، ليس هو المدخل الاقتصادي، كما يتصور السيد شعيبي، وهو مدخل كانت قد جربته السلطة ولم ينجح، وبالطبع ليس هو المدخل الإداري الذي تركز عليه السلطة في الوقت الراهن، بل المدخل السياسي. فبدون حل المسألة السياسية في البلد، لا يمكن استنهاض القوى المجتمعية المختلفة للدفاع عن مصالحها، والدخول بها في مساومات تاريخية، تخلق بدورها ديناميكيات جديدة للتغير والتطور. وعسى أن لا يضيع وقت أخر، نحن بأمس الحاجة إليه، قبل أن تهتدي السلطة إلى هذا المدخل الوحيد الممكن واقعياً للإقلاع بعملية الإصلاح والتغيير والتحديث. لعقود خلت كان المتحدثون في مهرجاناتنا التي كنا نعقدها بمناسبة أو بغير مناسبة، يحرصون على الإشارة إلى مقام الرئاسة بعد كل جملة، أو عدد من الجمل، لكي يصفق لهم الحاضرون. لقد كبرنا أيها السيد شعيبي، وأصبحنا نفكر بصوت مسموع، لذلك لم تعد تنطلي أضاليلك، وأضاليل أمثالك علينا، التي تبثونها متلطين وراء مقام الرئاسة الذي نكن له كل الاحترام والتقدير.
#منذر_خدام (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الديمقراطية ذات اللون الواحد
-
هواجس لتطوير التعليم العالي والبحث العلمي في سورية
-
القوانين الاستثنائية في سورية
-
نحو وحدة وطنية قائمة على التنوع
-
نحو رؤية وطنية ديمقراطية للإصلاح
-
لجان إحياء المجتمع المدني في سورية والمسؤولية التاريخية
-
سياسة كسب الأعداء
-
المياه العربية: الأزمة، المشكلات، والحلول
-
أربع سنوات من عمر العهد الجديد: ما لها وما عليها
-
نحو نقد للمعارضة لا يخدم الاستبداد
-
أثر الاستبداد في الحياة السياسية السورية
-
أنا سوري ما نيالي
-
(بمثابة موضوعات لحزب سياسي) د-منطق التاريخ والبديل الديمقراط
...
-
د(بمثابة موضوعات لحزب سياسي) منطق التاريخ والحياة السياسية ف
...
-
د (بمثابة موضوعات لحزب سياسي) الوضع الداخلي والمهام المطلوبة
...
-
د - (بمثابة موضوعات لحزب سياسي) الوضع الداخلي والمهام المطلو
...
-
ج- بمثابة موضوعات لحزب سياسي- الوضع العربي والمهام المطلوبة
-
ب - (بمثابة موضوعات لحزب سياسي) طبيعة العصر والمهام المطلوبة
...
-
أ - بمثابة موضوعات لحزب سياسي
-
كيف ينظر بعض السوريين لما حدث في مساء 27/4 في دمشق
المزيد.....
-
مدفيديف: الناتو منخرط بشكل كامل في الصراع الأوكراني
-
السعودية.. إحباط 5 محاولات لتهريب مئات آلاف حبوب -الكبتاغون-
...
-
مصر.. الداخلية تكشف تفاصيل واقعة مصرع عامل دليفري بعد تداوله
...
-
اليونيفيل: إصابة 4 جنود إيطاليين من قوات حفظ السلام في جنوب
...
-
محمود الهباش: وجود إسرائيل في غزة لن يكتسب شرعية مهما طال
-
مشاركة عزاء للرفيق رؤوف الحباشنة بوفاة جدته
-
من هو الكاتب بوعلام صنصال وما مصيره منذ وصوله للجزائر؟
-
خبير عسكري: الاحتلال يستهدف مربعات سكنية بسبب تعثر عمليته ال
...
-
هل اكتشفت أم محمد هوية الواشي بنصر الله؟
-
قوات الاحتلال تقتحم جنين ونابلس واعتداءات للمستوطنين في الخل
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|