|
وقفة تأمل.. تفضي لإعادة بناء.. من اجل تفعيل دور اليسار
صباح كنجي
الحوار المتمدن-العدد: 3567 - 2011 / 12 / 5 - 19:14
المحور:
ملف - حول دور القوى اليسارية والتقدمية ومكانتها في ثورات الربيع العربي وما بعدها - بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن 2011
وقفة تأمل.. تفضي لإعادة بناء.. من اجل تفعيل دور اليسار
1ــ هل كانت مشاركة القوى اليسارية والنقابات العمالية والاتحادات الجماهيرية مؤثرة في هذهِ الثورات؟ و إلى أي مدى؟
من خلال متابعتي للأحداث منذ انطلاقتها الأولى في تونس ومن بعدها في مصر وليبيا واليمن وسوريا والعراق/ كردستان والبحرين .. التمست وجود دور مؤثر للقوى اليسارية فيها مع الأخذ بطبيعة الحدث كونه انتفاضة جماهيرية واسعة تشترك فيها كافة القوى، وأهدافها التي حددت بالخلاص من أنظمة الاستبداد والمطالبة بتشكيل دولة المؤسسات المدنية والديمقراطية وتحقيق التنمية وضمان الحريات وغيرها من المطالب التي رُفعت تدل بشكل عام عن مسار تقدمي ثوري للأحداث سيزيل أنظمة الاستبداد ويزيحها، لكنها ليست بمستوى ثورة في التعريف الكلاسيكي، ولا تنطبق عليها مواصفات الثورة، لهذا سأنطلق عند الإجابة من الأخذ بنظر الاعتبار الفرق بين المفهومين.
هذا هو محور الصراع في المرحلة الراهنة، وبهذه الشعارات نفسها يتقدم الآخرون بما فيهم القوى الإسلامية أيضاً للمساهمة في التغيير وتحقيقه ولو عملنا مسحاً لطبيعة القوى المشاركة في صنع الأحداث لوجدنا مساهمات متباينة لليسار تختلف من بلد لآخر..
ففي تونس تميز الوضع بمشاركة فاعلة لليساريين من شيوعيين وماركسيين مستقلين واليسار اللبرالي والقوى والشخصيات العاملة في مجال حقوق الإنسان واتحاد الشغل ورابطة اليسار العمالي التروتسكية وحزب العمل الوطني الديمقراطي، في الوقت الذي كان حزب العمال الشيوعي يعاني من مشكلة احتوائه من قبل النظام السابق في عهد بن علي، ومن ثم انزلاقه للتنسيق والتعاون في مرحلة حرجة مع الأصوليين، ولا ننسى الدور النشط لليساريين المستقلين في الأوساط الجامعية الذي برز بشكل واضح في الانتفاضة التونسية لكنه لم يتحول إلى عمل سياسي منظم لأسباب مختلفة، وعموماً هو دور مؤثر لا يمكن إغفاله وتناسيه.
يمكن التأكيد أن اليسار التونسي عانى وما زال يعاني من التشتت ويحتاج إلى المراجعة النقدية ووقفة تأمل توحد جهوده وطاقاته، ليتحول إلى بديل فعلي أو على الأقل جزء من البديل المنتظر، لتعميق وتوجيه مسار الأحداث اللاحقة لصالح القوى الشعبية، والأمر يحتاج إلى صيغة من صيغ إعادة البناء، تشمل الأحزاب والمؤسسات والمنظمات اليسارية كمقدمة ضرورية لإعادة إحياء دورها و تفعيله وتطويره..
في مصر كانت المشاركة متميزة، ظهرت من خلال الدور المباشر للكثير من المثقفين والفنانين التقدميين، وبرزت أسماء شبابية لامعة، كانت فاعلة منذ الساعات الاولى، تمثلت في شخصيات نزلت للميدان في مقدمتها الفنانة المعروفة محسنة توفيق و نواره الشيخ إمام والفنان خالد الصاوي والمخرج خالد يوسف.. وكانت العودة لأجواء الشعر والمسرح الملتزم والغناء الثوري الذي جاءت ذروته في أغنية يا مصر هانت وبانت كلها كم يوم للرائع مصطفى محمود...
هذه النشاطات الثقافية والفنية التي رافقت مسار الأحداث وزينت ساحات التحرير ناهيك عن النشاط الدؤوب لمفكرين وسياسيين ومثقفين معروفين نشطوا في مجال الدعاية الفكرية وعبر محطات التلفزيون برز فيهم الشاعر احمد فؤاد نجم والناقدة فريدة النقاش و السعداوي ورفعت السعيد وتنظيمه. يبقى الدور الفاعل في التجربة المصرية لما يمكن أن نصفه دون مبالغة بقوى اليسار الالكتروني الذي لعب دوراً منظماً ومحركا ً ازدادت فاعليته مع تطور الأحداث وتفاعلها وهي ظاهرة تستحق التوقف عندها والاستفادة منها وعموماً فان اليسار المصري بحاجة هو الآخر لإعادة النظر في الكثير من مواقفه وأساليبه..
آن الأوان للشيوخ أن يفسحوا المجال للشبيبة في تأدية دورهم ولا يجوز الاستمرار في طرح زعامات تقليدية كرفعت السعيد الذي يقترب من التسعين مع تقديري العالي له ولزملائه الشيوخ الثوريين، وعليهم أن يكتفوا بالإرشاد والتوجيه وإبداء الرأي، أما دور الزعامة والقيادة فقد أصبح للشباب ولا يجوز التمسك بالمواقع على حساب حاجة التغيير التي تشمل فيما تشمل ضرورة تجديد الفكر والحركات السياسية اليسارية في مصر كضرورة من الضرورات المرحلة الجديدة المعقدة..
أما اليمن فكانت نشاطات الحزب الاشتراكي اليمني جزءً مهماً من قوى التغيير وهكذا الحال بالنسبة إلى سوريا حيث لعبت القوى اليسارية دوراً فاعلاً في المشاركة، وبرز دور المناضل رياض الترك وعدد من المثقفين الشيوعيين السابقين من أمثال الكاتب ميخائيل عيد وميشيل كيلو وإبراهيم اليوسف والسجين السابق وداعية حقوق الإنسان هيثم المالح وعدد من الممثلين والفنانين الذين يحسبون على اليسار لا أريد أن اعدد أسماؤهم بسبب الأوضاع السائدة في سوريا الآن لكن بالإمكان الإشادة بموقف الفنان الرائع سميح شقير الذي واكب الحدث من أول أيام درعا بأغنيته المشهورة (يا حيف أنا سوري) التي ساهمت في تأجيج الموقف وشحنت الجمهور بالمزيد من العواطف الثورية لمواجهة استبداد السلطة بالرغم من خضوع وخنوع قيادة الأحزاب الشيوعية في سوريا إلى الاندماج في السلطة وتكوينها حالة مقززة في العمل السياسي تعكس هبوطاً وانحطاطاً في العمل سيدينه التاريخ، ولن يغفر لمن سار في هذا النهج وبقي مرتبطاً بالاستبداد، هذا شيء مؤسف يعكس جانباً من أزمة اليسار في عدد من البلدان العربية ينبغي الاعتراف بها وإقرارها دون خوف أو تردد، أما الأحزاب الكردية التي لها دور مؤثر فأنها في الغالب ذات توجهات يسارية معروفة وقد تقدم الصفوف فيها الدكتور عبد الباسط سيدا كممثل رسمي للأحزاب الكردية في صفوف المعارضة وهذا تطور مهم في الوضع السياسي السوري في مجال التعامل مع ممثلي الأحزاب الكردية التي يصعب تجاوز دورها المهم في عملية التغيير الجارية في سوريا في هذه المراحل المعقدة والمحتدمة التي ستفضي لزوال ورحيل نظام البعث المقيت لا محالة في المستقبل القريب ...
في العراق بدأت الاحتجاجات بمشاركة واضحة للشيوعيين والتيار الديمقراطي والقوى الماركسية واليساريين في العاصمة بغداد وعدد من المحافظات وكردستان ويشكل التيار الديمقراطي المفصل الرئيسي في المواجهة..
لكنه تيار في طور التكوين والنمو ويحتاج للكثير من المراجعات كي يتخلص من حالة الشرذمة والصراعات اللا مجدية وأيضاً يحتاج لنمط جديد من آليات العمل دون أن تحشر فيها الوجوه السياسية والأسماء ويفتعل لها قادة اثبتوا فشلهم في قيادة أحزابهم..
وعندما تحركت النقابات العمالية في العراق للمساهمة والمشاركة سرعان ما تحركت الدولة العراقية والحكومة بشخص الوزير حسين الشهرستاني لمواجهة وإجهاض دورها واتخذت إجراءات صارمة شملت انتزاع مكاتب ومقرات اتحاد العمال.. هذا يدفعنا لتقصي الدوافع واستخلاص الدروس والعبر والبحث عن الوسائل الجديدة كي لا يتكرر تدخل الدولة ويسفر عن إعاقة دور النقابات.. بالرغم من أن دوافع الانتفاضة في العراق والمشاركة فيها تختلف عن بقية البلدان بحكم وجود حكومة يشترك فيها أكثر من طرف سياسي نشأت بفعل نتائج انتخابية أسفرت عن مساومات وصفقات سياسية بصيغ توافقية تبقى الشعارات المطلبية لتوفير الخدمات ومحاسبة اللصوص ومكافحة الفساد واستبدال المسئولين الفاشلين في أولويات المطالب الشعبية..
وعموما في العراق يمكن الحديث عن حالة تراجع في الوسط السياسي اليساري لأسباب كثيرة مع استمرار ظاهرة التشتت والتشرذم في الوسط الشيوعي من جهة الذي يشهدُ تنظيمات وأسماء متعددة بينها الحزب الشيوعي العراقي الذي يمرُ بأزمة بنيوية لم تسفر إلى اليوم عن حالة تغيير في نهجه ولا تنسجم نتائج الانتخابات المخيبة للآمال، حيث لم يفز حتى بمقعد واحد في البرلمان، مع شعبيته وتاريخه وحجم جمهوره..
وتتحمل قيادة الحزب الراهنة المسؤولية التاريخية في هذا المجال بحكم عدم وضوح نهجها السياسي في هذه المرحلة ولجوئها لتشتيت قواها بين المركز وكردستان في قائمتين متنافستين يعكس جهلا في التعاطي مع المرحلة العلنية. الحالة اليسارية في العراق بحاجة إلى مسألتين مهمتين تتعلق الأولى بتركيز الشيوعيين وتجميع نشاطهم لتوحيد التيارات والمنظمات الشيوعية كخطوة وهدف لا بد منه في هذه المرحلة..
والمسألة الثانية نشوء وتشكيل التيار الديمقراطي في العراقي الذي يمكن أن يكون الشيوعيون جزء منه.. هذه الضرورة التاريخية لدور التيار الديمقراطي الواسع يفهمها البعض بشكل معكوس ليجعلها جزءً متمماً للنشاط الشيوعي ويسعى لاحتوائها تحت مظلة الحزب الشيوعي العراقي..
هذا نهج الخاطىء يعرقل نمو التيار الديمقراطي ولا يساهم في حل الأزمة التي تعصف بالشيوعيين الذين يتمسكون بالأساليب والصيغ التقليدية في العمل..
وفي هذا السياق... هناك ضرورة لان يراجع الشيوعيون الكثير مما له علاقة بطبيعة المرحلة، وحاجة المجتمع للتغيير، والمبادرة لتحويل الحزب إلى حزب ديمقراطي شعبي، يعبر عن الأمل الاجتماعي في هذه الحقبة، التي تفرز المتغيرات التي تطال الفكر والممارسة والنهج السياسي وشكل وتركيبة الأحزاب برؤية سياسية منفتحة تأخذ بنظر الاعتبار المصلحة الحقيقية للطبقات الشعبية المسحوقة في المجتمع، الذي تعرض للتشويه البنيوي، اخذين بنظر الاعتبار نسبة البطالة وأعداد المعوقين والأيتام والأرامل، ناهيك عن المتغيرات في المجال الزراعي واختفاء طبقة الفلاحين وتدمير الطبقة البرجوازية ووجود أكثر من مليون 700 ألف عسكري ومجند تابعين لوزارة الدفاع والداخلية، التي أصبحت شريحة واسعة ومؤثرة .. ناهيك عن الأعداد الهائلة من العاملين في مؤسسات الأحزاب من الذين يتقاضون الرواتب والامتيازات في كردستان والعراق... خاصة المنضوين في صفوف الأحزاب الدينية الذين باتوا يشكلون شريحة جديدة مستعدة لأداء دور مناهض للحريات في المجتمع.. دور مكمل لنهج القمع والاستبداد الديني المهيمن على السلطة والمال في العراق بدعم وغطاء إقليمي ودولي.. بما فيها أمريكا والغرب الذين دخلوا في صفقات مع ممثلي هذه التيارات الأوصولية، التي توظف الدين في السياسة في العراق الآن.
2- هل كان للاستبداد والقمع في الدول العربية الموجه بشكل خاص ضد القوى الديمقراطية واليسارية دوره السلبي المؤثر في إضعاف حركة القوى الديمقراطية واليسارية؟
بالتأكيد ساهمت أنظمة الاستبداد المتخلفة في إضعاف وعرقلة نمو ونشوء القوى الديمقراطية في المنطقة، وتتحمل الجزء الكبير من المسؤولية في هذا المجال ..
لكن لا يجوز أن لا نرى الوجه الآخر للموضوع.. الذي يتعلق بآلية عمل ونشاط القوى اليسارية والديمقراطية نفسها.. التي يشوبها الكثير من العيوب بعضها ناشيء من طبيعة التكوينات القبلية للمجتمعات الشرقية.. بالإضافة إلى الاستبداد تحتكمُ هي الأخرى لمفاهيم البداوة والقبيلة ومنطق ومورثات الميثولوجيا الدينية الذي يشكل الجزء الأكبر من قوام ثقافتها، ويجعلها رهينة صراعات داخلية غير واعية لا تفضي للتغيير، تساهم في خلق حالة قمع مزمنة في الوسط اليساري أضاعت الجهود وأسفرت عن تشكيل تنظيمات تتحكمُ بها قيادات فوقية سخرت مع الأيام هذه الأحزاب والمنظمات لصالح نزعاتها الشخصية، تربعت في قمة الهرم لتدير الصراعات الاجتماعية، بصيغ تفضي للمساومة مع الأنظمة المستبدة بحجة مواجهة الامبريالية العالمية ومؤامراتها، لتكون النتيجة المساهمة في تزييف الواقع وتزييف الوعي الاجتماعي لعقود مضت، ما زالت مخلفاته متواجدة وتشكل حالة صعبة تعيق نمو وتطور القوى الديمقراطية، ولا تسهل مهمة إنجاح الخطوات التي أخذت تسير خارج إطار تنظيماتها لتعلن نفسها حالة جديدة.
اعتقد أن هذه المسألة تتطلب منا الجرأة للخلاص من الماضي المعيق أولا.. ومن ثم الجرأة والجرأة ثانية في مواجهة الواقع الجديد والتصدي للمعضلات الناشئة التي تفرض وتتطلب دوراً فاعلا لليسار واليساريين في الصفحات المقبلة من التاريخ القادم، الذي بدأ ينشأ في خضم تشابكات معقدة ناجمة من حالة عسر الولادة التي تتحكمُ فيها أكثر من جهة وتتفاعل فيها المؤثرات الداخلية والخارجية.
ما يهمنا في هذا الطور هو تنمية المؤثر الداخلي الذي تكون بدايته التوجه لإعادة البناء وتشكيل الأحزاب والتكتلات السياسية على أسس جديدة وبصيغ ملائمة تنسجم مع معطيات المرحلة وتسهل من مهمة التقدم للأمام وتطور الفكر ولا تعيقه....
أحزاب ومنظمات تمارس النقد بجدية وتكفل حرية إبداء الرأي وتتبنى الديمقراطية وتجعلها من أساس تكوينها وبنيانها التنظيمي الفاعل ليصبح النواة المحركة للمجتمع وتوسيع وتعميق المفاهيم الديمقراطية في مؤسساته.
3- هل أعطت هذه الانتفاضات والثورات دروساً جديدة وثمينة للقوى اليسارية والديمقراطية لتجديد نفسها وتعزيز نشاطها وابتكار سبل أنجع لنضالها على مختلف الأصعدة؟..
نعم أعطت دروساً في غاية الأهمية، شملت كافة المجالات، أولها ضرورة التمعن بطبيعة المرحلة، وتداخل العوامل الدولية والإقليمية الذي يفرض متغيرات سريعة وعاصفة، تطال البناء التحتي للمجتمعات ناشىء من تداخل الهجمة الشرسة للقوى والشركات التي تتحكم بمفاصل الاقتصاد المعولم في هذه الحقبة، التي تسعى وتحاول فيها بعض مؤسسات رأس المال التفرد بالعالم وافتراس الآخرين، مما يؤدي لحالة تدمير وخراب ومن ثم إعادة بناء وتشكيل قوام البلدان، تفرز نمطاً جديداً من الطبقات لا ترتبط بالإنتاج بتلك الصيغ والأواصر التقليدية..
تخلق وتؤسس لتحالفات دولية تعتمد على مؤشرين واضحين يكشفان تنسيقاً وتحالفاً غير عادياً بين من يقود المؤسسات المالية الدولية، والمتحكمين بقوى الإسلام السياسي، في عدد من البلدان العربية والشرق أوسطية، تتناغم خطواتها بشعارات ديماغوجية تسهل لها الأمر في الدخول لمشروع إعادة البناء في المرحلة الديمقراطية الجديدة، التي نشهد بداياتها الراهنة وهي تسارع الخطى في طرح بديلها.. وهذا درس لمن يعتبر نفسه يسارياً وديمقراطياً وعلمانياً ويبقى متشبثاً في حدود شعاراته الطبقية ومفاهيمه الأيديولوجية..
أن مسار حركة التاريخ والمجتمع تفضي لنتائج مغايرة لا يفيد معها النواح والبكاء على الماضي.. بل الإجابة على تساؤلات خطيرة..
من قبيل هل بقي لليسار واليساريين دوراً في هذا المنعطف؟.. ما هو هذا الدور؟.. أين نقف من حركة التاريخ؟ وفي أي اتجاه نسير؟.. ما جدوى التقوقع عند الشعارات والمفاهيم الأيديولوجية؟... والأهم.. الأهم هل هناك من بديل؟.. ما هو هذا البديل؟.. وبالتالي كيف ننميه ونجعله فاعلا يحقق التغيير الذي نسعى إليه.. لا المتغير المفروض علينا ونحن صاغرون!!..
في هذا المجال ثمة مؤشر آخر يستوجب أن نتوقف عنده يتعلق ببنية الأحزاب والتنظيمات التقليدية مقارنة بحركة الشارع ونمو القوى المحتشدة في الساحات يفضي للجديد من أشكال وسبل العمل يتجاوز نمط التشكيلات التقليدية الهرمية السرية والعلنية التي كانت تعتمد على البناء الهرمي..
نعم انتهى زمن الخلايا واللجان الحزبية التقليدية وبتنا في عصر الثورة التكنولوجية والإعلام المباشر من فضائيات وانترنيت، أمام حالة جديدة تساهم في خلق صيغة مباشرة من التعامل والتنسيق الجماهيري تتجاوز الكثير وتختزل الكثير..
حالة تجرف شبكات التنظيم التقليدية وتؤسس لديمومة تفاعل يومية عبر وسائل جديدة تحرك الشارع وتفرز الجديد يندفع فيها الشباب للمقدمة وتساهم فيها المرأة بجرأة.. حالة تتبنى وتخلق آليات عمل مرنة تساهم في تجاوز الشعارات وتركز على المطالب الحقيقية والخدمات وهي بمحتواها حركة تقدم واقعية تطالب بإعادة توزيع الثروات وتحقيق التنمية مشفوعة بدولة مدنية تحقق الحريات والديمقراطية، لكنها محاطة بإخطبوط قوى الإسلام السياسي الذي يوظف الدين ومؤثراته في هذه المرحلة..
لذلك ستشهد الحقبة القادمة احتدام للصراع الاجتماعي بين طرفين متناقضين في الأهداف والغايات يتبنيان آليات مشتركة تفضي للتحكم لصناديق الاقتراع للوصول للسلطة.. هنا سيكون أمام القوى اليسارية مهمتين الاولى تتعلق بأستراتيجية هذه القوى في مواجهة الإسلام السياسي والداعمين له دولياً وإقليمياً، وهو صراع تاريخي تتحدد معالمه بنظرتين الاولى تتشبث بالماضي وتعيد إنتاج مفاهيمه من جديد، والثانية بالمستقبل.. في هذا الإطار سيكون للإعلام والثقافة الدور المؤثر وأحياناً الحاسم.. هذا ما ينبغي أن يتداركه اليساريون اليوم....
لا ننسى أن حركة الشارع والجمهور قد تخطت الأحزاب وتجاوزتهم، وفقدَ من كان يعتبر نفسه طليعياً وقائداً دوره، كذلك الحال بالنسبة للايدولوجيا والشعارات البعيدة المدى، التي تراجعت إلى الخطوط الخلفية، وأصبحت غير مجدية.. هذا واقع جديد ينبغي الإقرار به.. لا ينفع معه النكران.. إذ أننا نواجه جمهوراً جديداً له تطلعات جديدة ومحددة..
4ــ كيف يمكن للأحزاب اليسارية المشاركة بشكل فاعل في العملية السياسية التي تلي سقوط الأنظمة الاستبدادية؟ وما هو شكل هذهِ المشاركة؟
ينبغي على الأحزاب اليسارية أن تدرك طبيعة المرحلة ومتطلباتها واستحقاقاتها والأهداف التي تصبو إليها الجماهير وتحديداً الإجابة على الأسئلة الملحة التي تدور في أذهان الناس وليس في أذهان المتؤدلجين .. هذه المهام والمطالب التي ينادي بها الناس التي تتمحور حول الديمقراطية والتنمية والخدمات وتوزيع الثروة هي المحور الراهن لحركة الجمهور وليس الشعارات والمطالب الاشتراكية أو الأهداف القومية ومحاربة الاستعمار والقضاء على اسرائيل وغيرها من الشعارات اللا مجدية..
أن التركيز على متطلبات التنمية وتوفير الخدمات ومحاسبة الفساد والمفسدين والتوجه الجاد لتجميع القوى وعدم إغفال أية جهة لها مصلحة حقيقية في التغيير عبر تحالفات تنسيقية واسعة من شأنه أن يُنشأ تياراً ديمقراطياً علمانياً واسعاً يرتبط بالجمهور العريض من الفقراء والمعدمين الذين يواجهون وعود وزيف الأحزاب الدينية واستغلالهم واستهدافهم البشع الذي تفوق بشاعته الاستغلال الطبقي.. والتركيز على محتوى الديمقراطية ومضمونها الاجتماعي لصالح تحقيق دولة المؤسسات الديمقراطية.. دولة سيادة القانون. وتحقيق الحريات وضمانتها بالموقف الحازم تجاه القوى التي تدعو لجعل الدين وسيلة من وسائل التشريع وتسعى لأسلمة المجتمع وتبني صيغ الفدراليات وتقاسم السلطة وفسح المجال الحقيقي للتكوينات الاجتماعية والفكرية للتعبير عن نفسها وضمان حقوقها المشروعة الذي يتطلب أيضاً الموقف الحازم إزاء من يدعو لوصف الدولة والمجتمع بصبغة قومية من دعاة العروبة وغيرهم بما فيهم من يتبنى شعارات الكردوية اليوم في كردستان..
التمحور في تكتلات انتخابية واسعة مطلوب لانتزاع جزء من السلطة في هذه المرحلة.. لهذا فأن جميع اليساريين والديمقراطيين مطالبين اليوم لأجل تفعيل دورهم الوقوف وقفة حساب لتقييم سياساتهم ومواقفهم السابقة واستخلاص الدروس والعبر من أجل إنشاء وتكوين حركات سياسية فاعلة ومؤثرة.. لا حل غير التوجه الجاد والفوري لإعادة البناء وتكوين الجديد المنسجم مع تطلعات الجمهور العريض من القوى الشعبية ..
5- القوى اليسارية في معظم الدول العربية تعاني بشكل عام من التشتت. هل تعتقدون أن تشكيل جبهة يسارية ديمقراطية واسعة تضم كل القوى اليسارية والديمقراطية العلمانية ببرنامج مشترك في كل بلد عربي, مع الإبقاء على تعددية المنابر, يمكن أن يعزز من قوتها التنظيمية والسياسية وحركتها وتأثيرها الجماهيري؟ ..
القوى اليسارية المشتتة تواجه منعطفاً تاريخياً يفرض عليها التفكير بخطوات عملية لأجل ترتيب أوضاعها الداخلية والتخلص من حالات التكلس التي تعيق تطورها ونموها وانطلاقها وفي خطوة أولى هي مدعوة لمراجعة أخطائها التاريخية والتخلص من ارث الماضي المعيق.. دون هذا لن يكون بإمكانها السير في متعرجات المرحلة اللاحقة.... هنا سنكون أمام معضلة بناء جديد يحتاج لأفكار متجددة ويتبع أساليب جديدة... وفي كل الوقت هي بحاجة للمزيد من التشاور واللقاءات المفتوحة.. لقاءات تنسيقية تبرمج نشاطاتها وتوحد طاقاتها وتسارع من نموها...
هذا ما يفعله الجميع من الخصوم من جميع التكتلات يجتمعون ويوحدون ويدعمون بعضهم البعض إلا اليساريين للأسف.. نشهد لقاءات إعلامية غير فاعلة لحد اليوم بسبب وجود قيادات غير فاعلة تتحكم بقوى ونشاطات اليسار في غالبية البلدان.. ودون معالجة هذا الأمر سنضيع المزيد من الفرص لصالح البقية الذين يتقدمون دون تأخير بمن فيهم الإسلاميون... قوى اليسار مطالبة بالانفتاح على بعضها وتقبل الآخر منها وليس الانفتاح على الآخر من غيرها ..
6ــ هل تستطيع الأحزاب اليسارية قبول قيادات شابة ونسائية تقود حملاتها الانتخابية وتتصدر واجهة هذهِ الأحزاب بما يتيح تحركا أوسع بين الجماهير و أفاقا أوسع لاتخاذ المواقف المطلوبة بسرعة كافية ؟
لحد الآن لا.. على سبيل المثال آخر لقاء للأحزاب الشيوعية في بيروت الذي حضره ممثلين من كافة الأحزاب الشيوعية في البلدان العربية كان اصغر مشارك فيه يتجاوز الخمسين من العمر.. وهكذا الحال بالنسبة للعنصر النسائي.. وأضيف أيضاً إلى شمول قيادات الأحزاب لتكوينات اجتماعية أوسع بات ضرورياً كل هذه تشكل ليس ثغرات في العمل السياسي بل عيوباً ينبغي معالجتها دون تأخير.
وجود الشباب في هذه المواقع يعطي الأحزاب والأفكار المصداقية والديمومة ويقربها من نبض الشارع وهمومه.. نحن في عصر التكنولوجيا والانترنيت لا يجوز أن يقودنا ديناصورات مع احترامي وتقديري لتاريخهم وسجلهم الحافل بالخيبات والانكسارات والهزائم والفشل... في مصر .. في سوريا.. في العراق.. ما زال يتربع على قيادة النشاط الثوري شيوخ من المعمرين مع تقديري العالي لهم أقول كفى يا أيها المناضلون ..اتركوها لغيركم.. أنتم تنادون برحيل الرؤساء والأنظمة المتكلسة وتتشبثون في مواقعكم وكرسي الحزب وسلطة القيادة.. تخرجون للتظاهر من اجل التغيير ولا تنتبهون لأنفسكم وأنتم في موقع القيادة منذ عقود مضت..
هل خليت؟ أم أننا نواجه حالة تناقض شيزوفرينية سياسية؟!.. مع اعتذاري من هذا الاستخدام.. نفس الشيء بالنسبة لمطالبتنا بالديمقراطية في المجتمع والدولة.. وممارستنا للقمع وخنق الحريات في أحزابنا وتنظيماتنا.. التجديد يجب أن يشمل الكل.. وجود الشباب والنساء في المواقع القيادية المؤثرة مطلوب وملح ..
أما ذوي الخبرة والتجارب فدورهم محفوظ، لا يمكن تجاوزه.. في هذا المجال احيي المناضل رياض الترك، الذي يمارس دورة في متابعة شؤون وشجون الانتفاضة السورية بوجه الاستبداد البعثي، من دون أن يكون له موقعاً محدداً في أي تنظيم بما فيه التنظيم الذي قاده ودخل بسببه السجن لأكثر من عشرين عاماً...
رياض الترك مثل ايجابي في هذا المجال يعكس نضوجاً وخبرة وتجديداً ومواكبة للحدث دون أن يتشبث بالموقع والدور القيادي وتركَ حرية الخيار للشباب وأعلنَ ذلك بصدق في أكثر من لقاء... اكرر هذا مثل يجب أن يعمم في العمل من قبل بقية الأحزاب.
في الحزب الشيوعي العراقي نرى العكس تماماً.. المؤتمر الخامس مؤتمر الديمقراطية والتجديد عام1993 الذي انتخب حميد مجيد موسى سكرتيراً له أقرت وثائقه أن لا يبقى السكرتير لأكثر من دورتين في موقعه، التي جرى التراجع عنها في المؤتمرات اللاحقة ليواصل السكرتير العام للحزب البقاء في موقعه إلى اليوم..
الشيوعيين في العراق يتوجهون بعد أيام لعقد مؤتمرهم التاسع في ضل نفس القيادة.. وهناك من يثقف ويبشر بأن لا بديل عن قيادة الحزب في شخص سكرتيره العام.. إن كان هذا صحيحاً هذه كارثة.. كيف لا يتواجد في قيادة أي حزب ثوري يتبنى تغيير المجتمع من لا يكون بديلا للسكرتير أو أي فرد في القيادة طيلة أكثر من 20 عاماً.. ماذا كنا نفعل فيها وكيف سنخلق التغيير في المجتمع إذا كنا غير قادرين على تغيير سكرتير الحزب أو خلق بديلا له لمدة عشرين عاما؟!!...
هذه واحدة من إشكاليات العمل السياسي ينبغي التخلص منها ويجب أن تسري على جميع الهيئات في الحزب والمجتمع.. المختار يبقى إلى أن يموت مختاراً والرئيس يبقى رئيساً مدى الحياة، والقائد السياسي في موقعه لمدة لا يمكن تبريرها..
هكذا تدور الأزمات وتستفحل ويكون عندها الحل صعباً والبحث عن بديل مقبول أصعب لأنها ستكون أزمة مركبة، من نمط أزمة وأزمة في البديل.. كما حدث في العراق بعد التغيير، حيث شهدنا مرحلة انحطاط سياسي ما زلنا ندفع ثمنها لأكثر من ثمانية أعوام بالرغم من سقوط وزوال الدكتاتورية...
7- قوي اليسار معروفة بكونها مدافعة عن حقوق المرأة ومساواتها ودورها الفعال، كيف يمكن تنشيط وتعزيز ذلك داخل أحزابها وعلى صعيد المجتمع؟ هذا الأمر يحتاج إلى جملة متغيرات تم التطرق إلى بعضها عند الإجابة على التساؤلات السابقة ويمكن أن أضيف إليها بعدا آخر .. يتعلق بالموروث الثقافي والاجتماعي الذي يفرض تجلياته على العمل السياسي فالنظرة الدونية للمرأة وتشابك مفهوم الأخلاق والقيم وربط ذلك وتحديده بالجنس والموقف من حرية المرأة هو مشكلة كبيرة ورثها التقدميون من حجم المؤثر الديني التاريخي على المجتمعات الشرقية الذي يمتد لعهد ما قبل اليهودية واستفحل بظهور الدين الإسلامي ونظرة المسلمين المقيتة للمرأة.. وهو أمر ينعكس على مواقف وممارسات الثوريين في مجتمعاتنا من شيوعيين ويساريين وديمقراطيين جمع هؤلاء إن وضعتهم تحت المجهر لتدقق في مواقفهم ستجدهم أنصاف شيوعيين وأنصاف يساريين وأنصاف ديمقراطيين والنصف الآخر هو الدين...
من أين نبدأ؟...
من العائلة والمدرسة والشارع والملاعب وأماكن الترفيه والعمل في الحقول والمصانع وبقية المؤسسات بما فيها الأحزاب والمنظمات السياسية.. في كل موقع من هذه المواقع يجب أن نواجه بحزم وفاعلية أية معوقات تحط من قدر ومكانة المرأة وتحد من حريتها ونشاطها ويتطلب الأمر رفض المخلفات الدينية ومكافحة الأمية.. بما فيها الأمية الحديثة التي يبشر ويفلسف لها الآلاف من الدعاة الإسلاميين الذين يرفضون التطور ويسعون لأسلمة المجتمع..
المطلوب في مواجهة هذا الأمر الخطير من القوى اليسارية والعلمانية الديمقراطية أن تفسح المزيد من الأبواب لعمل للمرأة، ومن الأولى بهم أن يبادروا لهذا في مؤسساتهم وأحزابهم ومنظماتهم... لم يعد مقبولا أن يتباهى حزب شيوعي كالحزب الشيوعي العراقي بتاريخه على امتداد ثمانية عقود مضت ولا يراجع إخفاقه وعجزه في إيصال عناصر نسائية إلى اللجان المركزية.. إلا في حالات فردية نادرة رغم.. والآن يجب أن لا تبقى تجربة تونس الوحيدة والفريدة في الموقع القيادي إذا أهملنا توريث الحزب الشيوعي السوري لوصال الفرحة بعد وفاة بكداش.. ورغم الإطالة أرى من الضروري أن يجري إفراد مؤسسة فكرية مستقلة في كل تنظيم لهذه المهمة لمتابعة دور ومكانة المرأة في المجتمع..
8ــ هل تتمكن الأحزاب اليسارية والقوى العلمانية في المجتمعات العربية من الحدّ من تأثير الإسلام السياسي السلبي على الحرّيات العامة وحقوق الإنسان وقضايا المرأة والتحرر؟
ينبغي أن نكون صريحين وواقعين عندما نتحدث عن المواجهة والتصدي لظاهرة الإسلام السياسي، ومظاهر الردة الاجتماعية والعودة للدين المنفلت الذي يدعم ويغذى من أعتى الدوائر المالية في العالم، وباتت بحاجة له في هذه المرحلة المعقدة والمتشابكة، وهي تسعى للاحتفاظ بهذا الدور لمديات لاحقة..
لو كان هذا التشخيص صحيحاً ولا أتمنى أن يكون صحيحاً سيكون من الصعب علينا تحقيق نجاحات مؤثرة في هذه المواجهة لفترة طويلة قد تمتدُ لعقود قادمة... حينها سنشهد فصولاً من القمع الديني والاجتماعي وتراجعاً في موضوعة الحريات وحقوق الإنسان.. كما يحصل الآن في العراق بالضبط.. إذ يتحالف الإسلاميون وسليلي الإقطاع ودعاة القومجية مع المؤسسات التي امتدت لتخلق حالة التغيير أو تساهم فيها منذ عام 2003 حيث شهدنا زوال النظام الدكتاتوري ووصول القوات العسكرية الأمريكية والغربية بدعم عربي وإقليمي في"تكوين وترتيب المرحلة الديمقراطية" الحالية بملابساتها المعقدة..
هنا في العراق نواجه صعوبة حقيقية في مواجهة هذا التحالف الخطير والحد من نفوذه.. على الأقل في الأعوام القريبة القادمة.. وستكون المعادلة مختلة لفترة لا يمكن التكهن بها... وبإمكان المتابع أن يشاهد ويلتقط المزيد من الأخبار غير السارة التي تطال المجتمع وتحد من حرية الناس لتشمل الملبس والمأكل والفن حيث يفرض الحجاب على المرأة ويمنع بيع الخمور وتقوض مساحة الفن والغناء والرياضة لصالح استمرار الفساد واللصوص والعصابات الإجرامية الذين يتخفون تحت سقف الدين وغطاء التقوى...
لكن بالرغم من هذا كله ليس هناك أمامنا من طريق.. إلا مواجهة هذا المد الأهوج .. لا سبيل للمساومة والتراجع.. وليس أمام قوى اليسار والعلمانية سبيلا آخر إلا استمرار المواجهة ورفض توظيف الدين في السياسة والكفاح من اجل البديل الآخر...
لن يقلب هذه المعادلة الصعبة ويحقق التغيير فيها العمل التكتيكي الآني أو الميل للمساومة.. إلا وجود ستراتيجية متكاملة بعيدة المدى تؤسس لعمل ممنهج يشمل السياسة والتعليم والثقافة وفصل الدين عن الدولة وتحقيق التنمية عبر مراحل تحقق فيها القوى اليسارية انجازات على طريق انتزاع السلطة وتثبيت وجودها في المجتمع ابتداء من ابسط مؤسسة فيه وانتهاء بالبرلمان والمؤسسات التنفيذية والتشريعية التي من خلالها يمكن توجيه دفة التغيير وتحقيق حالة الفصل بين الدولة والدين وضمان حالة الاستقرار في المجتمع المدعومة بالمزيد من الحريات الحقيقية وتعميق محتوى الديمقراطية...
إن كان اليوم ثمة صعوبة في هذا فأن الغد سيكون كفيلا بمعالجة هذا الأمر وينبغي عدم الرضوخ لحالة اليأس والقنوط.. بل إتباع المزيد من التجديد على طريق الكفاح ودرء مخاطر تفشي الدين...
9- ثورات العالم أثبتت دور وأهمية تقنية المعلومات والانترنت وبشكل خاص الفيس بوك والتويتر..... الخ، ألا يتطلب ذلك نوعاً جديداً وآليات جديدة لقيادة الأحزاب اليسارية وفق التطور العملي والمعرفي الكبير؟
هذا أمر في غاية الأهمية وأصبح من مستلزمات المرحلة.. تتداخل مفاصله في كل لحظة مع كل خطوة نخطوها، وتفرض نفسها شئنا أم أبينا فالأجيال المواكبة للتغيير باتت تستخدم هذه التقنية.. في أوربا أصبحت جزء متمماً لمكونات السكن والحياة تقدم وتوفر خدماتها بأسعار رمزية لذلك انتشرت لتشكل وسيلة الاتصال الاولى بين البشر الفاعلين في هذه الحقبة.
تبدأ الحاجة لها في التسوق والنقل والاتصال ونشر الثقافة والعلم وأخيراً وفي زمن قياسي قصير أصبحت وسيلة لتحريك وتعبئة الجمهور وسحبهم للعمل السياسي وقد حققت حركة الاحتجاجات في أكثر من بلد نجاحات فائقة في هذا المجال تمكنت من تجاوز اطر الأحزاب والأيديولوجيات ومفهوم الطبقات وهي حالة جديدة تفترض تدقيق ملامحها واستقراء معالمها واستشراف مستقبلها..
الأحزاب اليسارية مطالبة بمواكبة التطور والاستفادة منها كوسيلة تعبوية تسهل نشر وانتقال المعلومة وهو ما كانت بحاجة إليه سابقاً إذ وفرت شبكة الانترنيت الحرية الكاملة لطرح الآراء وإعلانها ونشرها بحرية تامة لا يصدها مصد .. تخترق الحواجز والموانع وتصل للهدف بسهولة ويسر دون جهد أو ثمن وهذا أمر في غاية الأهمية مازالت القوى اليسارية باستثناءات قليلة متخلفة فيه قياساً ببقية القوة بما فيها الدينية التي حققت بعض النجاحات في استخدام هذه الشبكة للتواصل فيما بينها وبين جمهورها..
من هذا المنطلق أدعو الأحزاب اليسارية إلى النظر بمحتوى وحجم المنجزات التي حققها موقع الحوار المتمدن ومواكبته للأحداث والتطورات بإمكانياته البسيطة قياساً لحجم الإمكانيات التي يمتلكونها..
المشكلة عند اليساريين ليست في افتقارهم للطاقات والإمكانيات بل في زخم هائل من القدرات والطاقات غير المفعلة التي تحتاج للعمل المنظم والتحريك..
لقد تحولت هذه التنظيمات إلى معرقل يقتل ويميت الطاقات العلمية والسياسية والفكرية والإبداعية بدلا من تطويرها وهي حالة مؤسفة يمكن ملاحظتها لدى غالبية الأحزاب اليسارية اليوم التي ابتعدت ويبتعد عنها شرائح من المثقفين الذين كانوا يشكلون جزء حيوياً من نسيجها سابقاً ويتجلى هذا بشكل صارخ في تجربة الحزب الشيوعي العراقي واللبناني والسوري.. حيث تعجز قياداته بحكم السن والجهل لمواكبة تطورات التقنية في هذا المجال..
10- بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن، كيف تقيمون مكانته الإعلامية والسياسية وتوجهه اليساري المتفتح ومتعدد المنابر؟
الحوار المتمدن موقع عملاق يسير مع حركة التاريخ للأمام ويتقدم ليتبوأ ارفع شأن لدى اليساريين والعلمانيين الديمقراطيين.. يساهم في نشر المعرفة ودقة التحليل ضمن مساحة من الحرية لا يكفلها أي موقع عربي آخر اليوم.. وحافظ على نهج تعبوي تنويري واضح المعالم.. أتمنى أن يتحول إلى مؤسسة شاملة يلحق بها دار نشر مدعومة من أحزاب اليسار لتتحول إلى مؤسسة تعبوية تساهم بشكل أفضل في خلق حالة التغيير التي نسعى إليها ..
تحية تقدير واعتزاز لكل من يساهم فيه.. ابتداء من بالصديق العزيز رزكار عقراوي وبقية زملائه وزميلاته المشرفين على الموقع، والمساهمين في الكتابة إليه.. وأتمنى أن تشهد المرحلة المقبلة المزيد من الانفتاح بين القوى اليسارية التي هي بأمس الحاجة إلى تغيير خطابها ونهجها وطريقة تعاملها مع بعضها..
مع اعتذاري للقراء عن الإطالة..
#صباح_كنجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإسلام المرعب في كردستان!!..
-
سوريا .. الشعب الإرهابي وحكومة البعث الوديعة!
-
ثالوث عفيفي رواية تحاكي العقل..
-
نداء من الباحث نبيل فياض..
-
مسار الدم المراق بين أرمينيا والعراق..
-
ياسين ذكرى فراق من أجل لقاء في زمن الرعب والموت!..
-
مهمة خاصة في زمن الحرب ..
-
مجهول يشتم حكومة البعث في مقر للشيوعيين في الموصل!..
-
حوالة أبو عبود..
-
الرحيل المؤلم لعاشق الحرية..
-
حوار مع المعقبينَ على الرسالةِ المفتوحةِ..
-
شاهد على جريمة العصر سائق الجرافة الذي دفن مجموعة من المؤنفل
...
-
لقاء مع الكاتب والنصير صباح كنجي
-
رسالة مفتوحة إلى السكرتير العام للحزب الشيوعي العراقي..
-
مِنْ حَكايَا الأنفال..
-
خلف جنيب ذلك البدوي والنصير الشيوعي الأصيل..
-
أبو ظفر.. الطبيب الماهر والإنسان النادر
-
حياة شرارة .. شعلة الكفاح وجريمة السفاح..!
-
اختفاء نبيل فياض....
-
سوريا الشعب وسوريا الدكتاتورية..!!
المزيد.....
-
شاهد لحظة قصف مقاتلات إسرائيلية ضاحية بيروت.. وحزب الله يضرب
...
-
خامنئي: يجب تعزيز قدرات قوات التعبئة و-الباسيج-
-
وساطة مهدّدة ومعركة ملتهبة..هوكستين يُلوّح بالانسحاب ومصير ا
...
-
جامعة قازان الروسية تفتتح فرعا لها في الإمارات العربية
-
زالوجني يقضي على حلم زيلينسكي
-
كيف ستكون سياسة ترامب شرق الأوسطية في ولايته الثانية؟
-
مراسلتنا: تواصل الاشتباكات في جنوب لبنان
-
ابتكار عدسة فريدة لأكثر أنواع الصرع انتشارا
-
مقتل مرتزق فنلندي سادس في صفوف قوات كييف (صورة)
-
جنرال أمريكي: -الصينيون هنا. الحرب العالمية الثالثة بدأت-!
المزيد.....
|