عصام حوج
الحوار المتمدن-العدد: 1056 - 2004 / 12 / 23 - 08:37
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
-اضحك مع فايزالسايس... والليبرالية (الحيزبون)-
من الطبيعي أن نجد في كل مرحلة تاريخية مستوى معينا من الوعي, له صفة الديمومة والاستمرار نسبيا, إلى أن يرتقي هذا الوعي الإنساني إلى مرحلة أرقى في تطوره وابتكار ما هو جديد ومنسجم مع التطور التاريخي المتحرك دائما. طبعا هذه الحقيقة, تصح على السياسة أيضا, باعتبارها علما من العلوم الإنسانية, وعندما نتعامل مع السياسة كعلم, فهذا يعني إنها تتضمن فرضيات وقوانين, ومنهجا للعمل, وأسسا للتحليل, و مفاهيما, و مقولات ( الرئيس والثانوي, المقدمات والنتائج, الضرورة والممكن, الشكل والمضمون, الحامل الاجتماعي...) , واعتقد أن أي خطاب سياسي- بخلاف ذلك - مع ضرورة مراعاة تطبيقه بشكل خلاق على الظرف الملموس يعتبر لغوا لا طائل منه , و في الأفضل الأحوال يعد بمثابة نيات طيبة لا يجيد صاحبها التعبير عنها لأمر يتعلق بملكة الرؤى والتعبير لديه .
أن من الطرائف الجديدة التي تثير الأسى في الخطاب السياسي السوري الراهن,- وما أكثرها هذه الأيام!- ما ابتكره بعض دعاة الليبرالية في سوريا, نقصد الليبرالية (الوطنية), حيث أن السيد فايز السايس كنموذج لا نموذجا وفي معرض رده على مقالنا نقد (الليبرالية القوادة نجد أن الرجل) يجهد في إثبات أن المشروع الليبرالي الذي يروج له, بعيد عن الليبرالية المتوحشة المبشر بها أمريكيا, وبالتالي فهو مشروع وطني.
على الرغم من الشك الذي يراودنا إزاء مثل هذه المحاولة - سنفترض حسن النية لدى السايس وباقي بطانة الليبرالية الوطنية المزعومة- اذسنحاول معالجة هذه الموضوعة معرفيا, أي بعيدا عن الشك, مع العلم إننا في مقالنا السابق أيضا لم نخوّن أحدا, بل ناقشنا أفكارا معينة بالقياس إلى من سبقنا إلى سلوك هذا الطريق, وهذا من حقنا, وفق المفاهيم الليبرالية على الأقل !.
صحيح تماما إن المجتمع البشري شهد خلال تطوره أشكالا متعددة من الليبرالية تتعلق بمستوى التطور الاقتصادي الاجتماعي, والشرط الزمكاني الذي يحيط بالظاهرة, وواقع حاملها الاجتماعي, وموازين القوى..... والوقائع التاريخية تقول: ثمة ليبرالية تقدمية, وليبرالية مطعمة بالمالتوسية, وليبرالية أنتجت فاشية, ليبرالية عالم ثالثية أنتجت الخيانة الوطنية ( حالة مصر ), ثم مفرخة ليبراليات عديدة شكلا, ولكن جوهرها واحد هو إنها نتاج صاحب الجلالة (الرأسمال العالمي, والمحلي ) في مراحل تطوره المختلفة, وسعيه الدائم للمزيد من الأرباح مهما كانت النتائج سواء أكان على جماجم ملايين الضحايا _حالة الفاشية_ أو عبر تخفيض عدد السكان لحل المشاكل الاجتماعية _ الليبرالية المالتوسية _ .... فروع عديدة كلها تؤدي إلى الطاحون الرأسمالي, حيث الرحى التي تطحن الروح قبل الجسد, وإذا انطلقنا من هذا الاستنتاج, يحق لنا أن نتساءل: هل من حامل اجتماعي لليبرالية غير البرجوازية ؟ وبالتالي هل من برجوازية في سوريا لتكون هذا الحامل ؟ واذاكان الجواب بنعم, فإننا نتمنى أن يحدد السيد السايس نوعية هذه البرجوازية, و دورها, وعلاقتها بالقضية الوطنية ؟ وبالتالي مدى قدرتها على أن تكون راعية لقيم الليبرالية المعروفة تاريخيا حسب الظرف السوري, أم إن القيم الليبرالية عند السايس معلقة في الفراغ, ولا علاقة لها بالصراع الطبقي في المجتمع السوري ؟ إننا نعتقد وكما أوضحنا في مقالنا السابق أن الشريحة البرجوازية الوحيدة القادر على ممارسة دور ليبرالي, هي البرجوازية الطفيلية ومن ترعرع طبقيا في أحضانها من جهاز الدولة, وهؤلاء يا سيد لهم برنامجهم الواضح والمتكامل, والذي لا يحتاج إلى جدال بشأنه, ولا علاقة له بالوطن ولا بأناسه ومصالحهم, ولا بهوائه, ولا بترابه, سواء ا أراد الأستاذ فايز السايس أو لم يرد, فالقضية هنا ليست قضية إرادية, بل هي أمر واقع تحتمه المصالح الطبقية لشريحة اجتماعية واضحة المعالم والملامح والبرامج لكل من له عين ترى, وأذن تسمع, لان النوايا الطيبة لا قيمة لها في مثل هذه الحالة إذا لم تكن منسجمة مع قوانين علم الاجتماع السياسي, ومن هنا كان الموقف من الليبرالية فهي اولاتعني:
- استمرار النهب على الصعيد الاقتصادي, عبر ماكينة علاقات الإنتاج الرأسمالية الطفيلية السائدة في اقتصادنا الوطني, بما يعني ذلك تعميق التفاوت الواضح والصارخ أصلا في توزيع الثروة الوطنية, وازدياد الاستقطاب الاجتماعي, وازدياد عدد جيش الرعب, (جيش العاطلين عن العمل والمهمشين), الأمر الذي ينتج بالضرورة المزيد من الأمراض الاجتماعية التي تفتك بالبنية المجتمعية, وتطيح بالعناصر الايجابية في المنظومة الأخلاقية المتوارثة, مما يفسح المجال للارتداد إلى البنى الاجتماعية ما قبل المدنية (القبيلة العشيرة الدين الطائفة ) بصيغها المتطرفة, فالفقر هو النتيجة الحتمية لسيادة علاقات الإنتاج الرأسمالية, وهو الأب الروحي لكل مظاهر التخلف والتعصب
- وهي ثانيا غير قادرة على لعب أي دور ديمقراطي منشود, لسببين:
- إن الاستبداد هو الشرط الذي لاغنى عنه لاستمرار النهب في رأسمالية الأطراف, والليبرالية هي مشروع الرأسمالية قبل أي شيء آخر
_ إن قسما هاما من الحامل الاجتماعي آنف الذكر ترعرع في كنف جهاز الدولة الغارق في البيروقراطية, مع ان هذه الأخيرة نقيض الديمقراطية الأول, وبالتالي فان التعويل عليها من اجل ديمقراطية وطنية مزعومة, أشبه بتكليف منافق في نشر الإيمان.
أما عن الموقف من القضية الوطنية بمعنى الصراع مع العدو الخارجي, فالواقع الموضوعي يقول: إن الفصيل الصدامي في الحامل الاجتماعي سابق الذكر هو الكومبرادور, وهذا الأخير ترتبط مصالحه وبشكل لا يقبل الجدل مع مصالح الشركات العابرة للقارات, و التي هي الحاكم الفعلي والحقيقي من وراء كل الهياكل الرسمية بدءا من البيت الأبيض, ومرورا بمجلس العموم, إلى الكنيست الإسرائيلي, وهؤلاء مواقفهم معروفة من السيادة الوطنية لأي بلد كان, ومن هنا فان الكومبرادور المحلي, وبحكم مصالحه ليس فقط غير قادر على لعب دور وطني, بل هو على التضاد تماما من المصالح الوطنية.... خلاصة الكلام إن المشروع الليبرالي غير قادر على الإجابة عن أسئلة المواطن السوري سواء تلك التي تتعلق بلقمة خبزه أو حريته وقضيته الوطنية, وهذا ليس تخوينا لأحد من الذين يتبنون المشروع الليبرالي, ولكن كما أسلفنا, فالقضية ليست قضية رغبة عند هذا وذاك من السادة الليبراليين بل واقع موضوعي يحتمه ميزان القوى داخل جهاز الدولة وخارجه, وداخل البلاد وخارجها.
أسئلة برسم الليبراليين السوريين
منعا لإزالة كل لبس لابد من الحديث في ما هو ملموس, وما يجري على ارض الواقع ومن هنا نطرح بعض الأسئلة المتعلقة براهن الظرف السوري
1- ما موقفكم من عمليات الخصخصة الجارية في البلاد, والتي تقوم بها الليبرالية المعششة في أجهزة الدولة ؟
2- وما الموقف من محاولات بعضهم في نفخ الروح في الجثث الميتة_ على سبيل المثال لا الحصر-, إعادة النظر في قانون العلاقات الزراعية لصالح كبار الملاكين السابقين ؟
3- ما الموقف من تراجع جهاز الدولة عن دوره في مسائل مجانية التعليم والزاميته لصالح الجامعات الخاصة والأهلية ؟؟؟
إنها أسئلة نرى إن من الضروري الإجابة عنها لنعرف بالتالي من منا المتثاقف, ومن الذي يحاول غزو التاريخ, ومن منا افكاره شائبة.؟؟؟( رغم إنني اعرف إن في أجابتك إن تملكت الجرأة ردا منك عليك لو تعاملت مع الحقائق لا الأوهام المضللة
بقي أن نذكّر الأستاذ فايز السايس بما لم يتعلمه في جامعة هارفارد وهوان الفكر الماركسي عالميا ومحليا, أنتج المع العقول في الفلسفة والأدب والفنون والفيزياء والرياضيات وعلم الفضاء.... هل من الضروري ذكر الأسماء والوقائع ؟
اجل ليس عبثا إن يكون المتثاقف ماركس مفكر الألفية الثانية الأول, لا المثقف فايز السايس أو نبيل فياض أوجهاد نصرة أو لان الكثيرين من السذج والجهلاء,- وفي العديد من المنعطفات التاريخية- ظنوا إن الماركسية انتهى دورها, ولكن التاريخ كان يسخر من منهم ليقول كلمته التي لاكلمة فوقها,
وهي أن الماركسية باقية طالما إن موضوعها ( الرأسمال ) باق. وطالما إن هناك إقطاع يحلم أن يغدو مسلّطا على رقابنا من جديد (لاسمح الله ) !. *
#عصام_حوج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟