|
الدولة وثورة الكومونة – 2-5
أنور نجم الدين
الحوار المتمدن-العدد: 3564 - 2011 / 12 / 2 - 13:20
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
وهكذا، فكان الهدف من تدمير آلة الدولة -حسب ماركس- وإنهاء دور عسكرييها وطُفَيْلِيِّيها البيروقراطيين بصورة مسبقة، هو إفساح المجال أمام إقامة شكل جديد للإنتاج وإدارته وهو الإنتاج التعاوني الخاضع للإدارة الذاتية للمنتجين أنفسهم. وعلى عكس لينين، فحسب كارل ماركس، سيكون من المستحيل ظهور عناصر جديدة لمجتمع جديد، دون كسر مبسق للآلة الرهيبة التي تُسَمَّى الدولة، فلا يمكن تنازل الحكومة المركزية عن مكانها لإدارة المنتجين الذاتية في المدن والأرياف، دون سحق مسبق للحكومة المركزية ذاتها. هذه دروس ثورة الكومونة.
وماذا يقول لينين: " الناس الذين حشيت رؤوسهم حشوًا فقط (بالإيمان الخرافي الأعمى) البرجوازي الصغير بالدولة يستطيعون أن يروا في القضاء على آلة الدولة البرجوازية قضاءً على المركزية!" (لينين، الدولة والثورة، ص 56).
ولنرَ الآن ما دروس وتجارب ثورة الكومونة؟ فالمسألة لا تتعلق بفكرة خاصة من أفكار ماركس عن الثورة أو تأويلات لينين لمبادئ ثورة الكومونة، بل تتعلق بالكومونة ذاتها كحركة اجتماعية لها مطلب تاريخي خاص بها وهو إنهاء سيادة الإنسان على الإنسان من خلال جعل الإدارة مهمةً اجتماعية لكافة أفراد المجتمع لا سرًّا من أسرار السياسيين. ______________________________________________________________________
كومونة باريس، كارل ماركس - تعريب فارس غصوب
"كان يتوجب على جمعية المفوضين المجتمعين في حاضرة الدائرة أن تدير الشؤون العامة للكومونات الريفية في كل دائرة .. وكان لوحدة الامة أن تصبح حقيقة بتدمير سلطة الدولة المدعية بأنها تجسيد لتلك الوحدة، ولكنها كانت ترغب في أن تستقل عن الامة، مستعلية عليها، أما في الواقع فما كانت إلا زائدة طفيلية على جسم الامة. وقد كانت المهمة هي بتر أجهزة الاضطهاد البحتة التابعة للسلطة الحكومية القديمة، وانتزاع الوظائف المشروعة من سلطة تطمع بأن تكون فوق المجتمع وتسليمها إلى خدم المجتمع المسؤولين. وبدلا من أن تقرر مرة كل ثلاث سنوات أو ست سنوات، أي عضو من الطبقة الحاكمة يجب أن يمثل ويقمع الشعب في البرلمان، كان يجب على حق الانتخاب العام، عوض ذلك، أن يخدم الشعب المنظم في الكومونات ..
ان مصير التشكيلات التاريخية بوجه عام، أن تؤخذ خطأ كرد على أشكال قديمة أو حتى بائدة في الحياة الاجتماعية تشبهها مؤسسات جديدة بعض الشبه. وهكذا فان هذه الكومونة الجديدة التي تحطم سلطة الدولة الحديثة اعتبرت بمثابة بعث لكومونات العصور الوسطى التي سبقت نشوء سلطة الدولة تلك وأوجدت أساسًا لها" (ص 64).
"كان البناء الكوموني سيعيد إلى الجسم الاجتماعي جميع القوى التي امتصتها ذلك الحين الدولة الطفيلية التي تتغذى على حساب المجتمع وتشل تقدمه الحر .. لقد انطوى الوجود الكوموني بحد ذاته، وكشيء بديهي، على الادارة الذاتية للبلديات.. لقد جعلت الكومونة من ذلك الشعار الذي نادت به جميع الثورات البرجوازية، الحكومة القليلة الكلفة، حقيقة وذاك بالغاء أكبر بابين من أبواب النفقات: الجيش الدائم وسلك موظفي الدولة. وكان وجود الكومونة في حد ذاتها نفيًا لوجود الملكية .. كان لا بد أن تقوم الكومونة بدور الرافعة لتحطيم القواعد الاقتصادية التي يعتمد عليها وجود الطبقات وبالتالي السيطرة الطبقية .. ويقولون أن: الكومونة تعتزم الغاء الملكية – أساس المدنية كلها! أجل، أيها السادة، تعتزم الكومونة الغاء تلك الملكية الطبقية التي تجعل من الملكية الفردية ثروة القلة، تعتزم اغتصاب ملكية المغتصبين. كانت تريد أن تجعل الملكية الفردية حقيقة واقعية بتحويل وسيلتي إنتاج الارض والرأسمال، اللتين هما الآن، قبل كل شيء، أداتا استعباد العمل واستثماره، إلى أداتين للعمل الحر المشترك. –ولكن هذه شيوعية، شيوعية (مستحيلة)! غير ان أولئك الممثلين من الطبقات الحاكمة، -وهم عديدون- الذين اسعفهم ذكاؤهم فأدركوا استحالة استمرار الوضع الراهن طويلا، قد غدو رسل الإنتاج التعاوني الجوجين الضاجين. وإذا كان للإنتاج التعاوني ألا يبقى كلامًا فارغًا وخادعًا، إذا كان له أن يحل محل النظام الرأسمالي، إذا نظمت مجموعة التعاونيات الإنتاج الوطني وفقًا لخطة مشتركة، ووضعته تحت اشرافها هي، فوضعت بذلك حدًا للفوضى الدائمة وللنوبات الدورية التي هي القضاء المحتوم للإنتاج الرأسمالي – أفلا يكون ذلك، وهذا ما نسألكم، أيها السادة، شيوعية شيوعية (ممكنة جدًا)؟
لم تكن تنتظر الطبقة العاملة المعجزات من الكومونة. فهي لا تنوي أن تحقق، بقرار الشعب، طوباويات جاهزة متممة. هي تدرك أن عليها، لكي تحرر نفسها وتحقق ذلك الشكل الاعلى للحياة الذي يسعى اليه المجتمع الحالي بصورة لا تقاوم، بفعل تطوره الاقتصادي بالذات، أن تخوض نضالات طويلة وأن تجتاز سلسلة كاملة من العمليات التاريخية التي سوف تغير الظروف والناس تغييرًا تامًا. ولم يكن عليها أن تحقق مثلا عليا، بل أن تفسح فقط مجالا لعناصر المجتمع الجديد التي تطورت في أحشاء المجتمع البرجوازي القديم السائر إلى الانهيار" (ص 65, 66).
"وكان الاجراء الاجتماعي العظيم الذي قامت به الكومونة هو وجودها بالذات ونشاطها .. ان الاجراءات المالية التي قامت بها الكومونة، وهي اجراءات مرموقة من حيث اعتدالها وصوابيتها، ما كان ممكنًا أن تكون إلا من النوع الذي يتفق مع وضع مدينة محاصرة" (ص 70).
"بيد أن الكومونة لم تكن تدعي العصمة كما فعلت ذلك كل الحكومات ذات الطراز القديم دون استثناء. فقد كانت تنشر جميع تقارير جلساتها، وتعلن عن جميع أعمالها، وتطلع الجمهور على كل نقائصها" (ص 71).
يتبع
#أنور_نجم_الدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدولة وثورة الكومونة – 1-5
-
مهزلة الليبرالية وضرورة الاشتراكية
-
كل شيء لأجل تطوير الحركة الاشتراكية العالمية: التضامن لا الج
...
-
الأخلاق الإسلامية والأخلاق الشيوعية
-
الاشتراكية بداية التاريخ
-
نقد الأخلاق عند لينين
-
الأزمة المعاصرة في تأملات الليبراليين الأخلاقية
-
رسالة من مصر: ما الأهمية التاريخية لانتفاضة مصر؟
-
الموجة اللاحقة: إسرائيل، السعودية، الصين، وقناة السويس
-
اشتراكية لينين صورة كاريكاتورية لرأسمالية الدولة
-
رسائل من تونس: ما الخطوة اللاحقة؟
-
السيد علي الأسدي: رأسمالية الدولة
-
تونس: هُبُّوا ضحايا الاضطهاد! هُبُّوا إلى العمل المجالسي!
-
تونس: هُبُّوا إلى السماء، هُبُّوا إلى المجالس!
-
التعاونيات الشيوعية والتعاونيات الصينية
-
لينين صانع رأسمالية الدولة الاحتكارية!
-
المجالسية: من إيران عبر كردستان إلى المغرب ومصر وتونس
-
من كردستان إلى تونس: شرارة ثورة الشغيلة
-
الكومونة والسوفييتات -13: حركات التحرر الوطنية
-
رأسمالية الدولة
المزيد.....
-
النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 583
-
تشيليك: إسرائيل كانت تستثمر في حزب العمال الكردستاني وتعوّل
...
-
في الذكرى الرابعة عشرة لاندلاع الثورة التونسية: ما أشبه اليو
...
-
التصريح الصحفي للجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد خل
...
-
السلطات المحلية بأكادير تواصل تضييقها وحصارها على النهج الدي
...
-
الصين.. تنفيذ حكم الإعدام بحق مسؤول رفيع سابق في الحزب الشيو
...
-
بابا نويل الفقراء: مبادرة إنسانية في ضواحي بوينس آيرس
-
محاولة لفرض التطبيع.. الأحزاب الشيوعية العربية تدين العدوان
...
-
المحرر السياسي لطريق الشعب: توجهات مثيرة للقلق
-
القتل الجماعي من أجل -حماية البيئة-: ما هي الفاشية البيئية؟
...
المزيد.....
-
الاقتصاد السوفياتي: كيف عمل، ولماذا فشل
/ آدم بوث
-
الإسهام الرئيسي للمادية التاريخية في علم الاجتماع باعتبارها
...
/ غازي الصوراني
-
الرؤية الشيوعية الثورية لحل القضية الفلسطينية: أي طريق للحل؟
/ محمد حسام
-
طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و
...
/ شادي الشماوي
-
النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا
...
/ حسام عامر
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
/ أزيكي عمر
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
المزيد.....
|