أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف - حول دور القوى اليسارية والتقدمية ومكانتها في ثورات الربيع العربي وما بعدها - بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن 2011 - خليل كلفت - الحوار بين الثورة والواقع















المزيد.....


الحوار بين الثورة والواقع


خليل كلفت

الحوار المتمدن-العدد: 3567 - 2011 / 12 / 5 - 19:51
المحور: ملف - حول دور القوى اليسارية والتقدمية ومكانتها في ثورات الربيع العربي وما بعدها - بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن 2011
    


مقدمة

أعتقد أن القوى اليسارية والتقدمية لم تشارك فقط في الثورات الأخيرة في عدد من البلدان العربية بل كانت هى التى مهدت لها وأطلقت شرارتها ونزعت فتيل تفجيرها وقادتها واستمرت بها إلى الآن بعناد متواصل وبطولة حقيقية. وبطبيعة الحال لم تتحول الشرارة إلى ثورة إلا بعد انضمام عشرات الملايين من بنات وأبناء الشعوب العربية. وفى مصر لم تشارك قوى الإسلام السياسى فى الثورة إلا لفترة قصيرة (أسبوعان لا أكثر بين 28 يناير و 11 فبراير وحتى فى هذه الفترة القصيرة تركت قيادات الإسلام السياسى ميادين التحرير جميعا وانصرفت إلى التفاوض المحموم مع نظام مبارك ورجاله وبالأخص مع عمر سليمان حتى قبل حدوث الانقلاب العسكرى الذى أطاح بمبارك) وكان ذلك بمنطق انتهازى يتمثل فى الحصول على الشرعية والاعتراف بهم من جانب السلطة وبهذا خانوا الثورة وحاربوا كل نضالاتها ومبادراتها ونضالات الطبقة العاملة ومختلف المهن بعد ذلك وإلى الآن. والحقيقة كما تقولون أن النتائج التي أفرزتها هذهِ الثورات إلى الآن صبّت إلى حد ما (بل إلى حد كبير للغاية) في مصلحة قوى الإسلام السياسى وحركتها في الشارع العربي (وبالطبع فى احتمالات تأليف الحكومات كما يحدث فى تونس الآن واحتمالات الوضع الملتبس فى ليبيا. وأعتقد أن السر وراء هذا هو أن الثورة لا تأتى بشيء جديد مقطوع الصلة بالماضى السابق على الثورة، بل تأتى فتحقق تيارات وقوى كانت ماثلة بالفعل قبل الثورة. والشيء الإيجابى الوحيد والكبير حقا للثورة هو تسييس الشعوب العربية بصورة تدريجية وارتفاع استعداد هذه الشعوب للنضال الطبقى، السياسى والاجتماعى، إلى القمة، وبناء الديمقراطية من أسفل التى ينبغى تطويرها وتطوير نضالاتها بصورة متواصلة. وتأتى الثورة مما سبقها بشيء إيجابى واحد يتمثل فى الثورة ذاتها بنضالاتها التى يمكن أن تحقق الكثير فى عدد من المجالات فى المدى المرئى. وتنبع الثورة من المجتمع السابق عليها بالمعاناة التراكمية الهائلة للشعوب التى تخلق تطلُّعا هائلا إلى الخلاص وإلى مستقبل أفضل من العدالة والحرية والكرامة، هذه المعاناة التراكمية الهائلة التى يمكن أن تتحول عندما تجد أمامها ثغرة مفتوحة أو شرارة ملتهبة إلى ثورة شعبية هائلة. وكل ما نجده الآن أمامنا من إيجابيات حقيقية للثورة إنما جاءت من الماضى، من معاناة الشعوب طويلا للفقر والقهر والاستبداد والفساد مما جعل المجتمع العربى حاملا بثورة نتيجة للتطلع بلا أمل ظاهر إلى العدالة والديمقراطية والحرية. أما قوى الإسلام السياسى فقد حققت نجاحاتها بفضل قوتها العددية والتظيمية وتحجُّرها الأيديولوچى الذى كان من السهل أن يتفاعل ويندمج مع بيئات شعبية بائسة نتيجة الجهل والفقر والمرض. ولعل من المؤكد أن الحل الأمنى البالغ القسوة الذى انتهجه نظام عبد الناصر والنظامان اللاحقان فى مواجهة الإخوان المسلمين والشيوعيِّين، بعيدا عن حل التفاعل الفكرى فى المجتمع على أساس الحرية والديمقراطية، كان عاملا أساسيا فى ازدياد قوة ونفوذ الإخوان المسلمين والسلفيَّين وبالأخص فى عالم ثالث وعالم عربى يتراجعان بسرعة هائلة نحو مصير مجهول رغم ظواهر محدودة قد تعطى انطباعا خاطئا بغير ذلك. لقد أضعف الحل الأمنى الشيوعيِّين أيضا غير أنه يضاف إليه نجاح الكثير من محاولات الاحتواء من جانب نظام عبد الناصر بالذات. وتمثل عامل فى غاية الأهمية فى تفسخ وتدهور وتراجع اليسار عالميا وما كان من سقوط الدول المسماة بالاشتراكية والأحزاب المسماة بالشيوعية. وإذا كان تراجع العالم الثالث والحل الأمنى فى البلدان العربية بلا استثناء وتراجع الفكر الماركسى على المستوى العالمى قد أضعفا اليسار والشيوعية (وإن كانت العلمانية تزداد رسوخا بفضل خصائص ما يسمى بجيل الألفية وبفضل ثورة التكنولوچيات المتقدمة للمعرفة) فإن تراجع العالم الثالث لم يضعف الإسلام السياسى بل قوَّاه على العكس من ذلك لأن هذا التراجع الاقتصادى والاجتماعى والفكرى للعالم الثالث والعالم العربى كان يؤدى بصورة منطقية تماما إلى تقوية التراجع المادى والفكرى نحو بؤس الحل الدينى (فى مختلف الديانات) والقَبَلى والطائفى الأمر الذى خلق بصورة تراكمية إلى رسوخ هذا الحل الوهمى الذى لا يحمل بشارة حقيقية بل يؤدى إلى الخراب العاجل. أما تغيير الحكومات فشيء سلبى تماما: حزب النهضة الإسلامى وحكومته وجمعيته التأسيسية فى تونس (وبالمناسبة فإن الوضع الجديد فى تونس ليس مبشرا حتى إذا توقعنا كما نرى الآن بعض التنازلات فى سبيل علاقات جيدة مع الغرب)، والاحتمالات الإسلامية فى ليبيا المجهولة التى نحتاج إلى محلل سياسى ليبى يقوم باكتشافها. وإذا نشطتنا ذاكرتنا فهذا هو المصير الطبيعى لثورات العالم الثالث إذ تقفز نخبة أو أخرى على السلطة بعد الثورة، كما شهدنا فى إيران بثورتها السياسية الشعبية الهائلة وبجمهوريتها الإسلامية. لقد حدث هذا أيضا فى ثورات البلدان الصناعية المتقدمة حاليا. والسياق التاريخى العام بالغ الأهمية: هناك سياقان تاريخيان لثورات العصر الحديث. كان هذا السياق فى ثورات البلدان الصناعية الحالية يتمثل فى الثورة السياسية فى سياق ثورة اجتماعية. والمقصود بالثورة الاجتماعية فى العصر الحديث هو التحول الاقتصادى الاجتماعى التراكمى الطويل من الإقطاع إلى الرأسمالية، وهو التحول الذى سبق الثورات واستمر لزمن طويل بعدها. وكانت هذه الثورات تأتى بطبقة جديدة هى البرچوازية (بوصفها السلطة الطبيعية للنظام الرأسمالى) إلى السلطة السياسية. أما ثورات العالم الثالث الذى حل محل المستعمرات وأشباه المستعمرات السابقة فهى ثورات سياسية فى سياق التبعية الاستعمارية وهنا تجيئ الثورات وتذهب وتبقى التبعية الاستعمارية وتبقى الرأسمالية التابعة. ولا مانع من بعض التنازلات أمام الديمقراطية التى تفرض نفسها لفترة تطول أو تقصُر. ولا تنتقل السلطة السياسية إلى طبقة جديدة كما توحى عبارة السلطة السياسية، وإذا كنا نصف هذه الثورات بالثورات السياسية فذلك لأنها تعبِّر عن رفض السلطة السياسية وليس لأن طبقة جديدة تأتى لإقامة سلطتها السياسية الجديدة. وإذا نجح العالم الثالث فى معركة البقاء بشبه معجزة وجاءت ثورة اشتراكية ذات صباح جميل بعيد للغاية فإنها ستقرر عندئذ ما إذا كانت تريد أن تكون ثورة أم دولة. وتنطوى مقدمة الحوار المتمدن لهذه الحوارات على أسئلة متعددة وسأتناولها بالطبع فى سياق الحوار مع الأسئلة.


1ــ هل كانت مشاركة القوى اليسارية والنقابات العمالية والاتحادات الجماهيرية مؤثرة في هذهِ الثورات؟ و إلى أي مدى؟
1: إجابتى على هذا السؤال بالإيجاب. فبالفعل جاءت مبادرات التمهيد للثورة ثم مبادرة تفجيرها وإطلاق شرارتها ثم قيادتها ومبادرات الاستمرار بها وبنضالاتها وبموجاتها اللاحقة، وليس مجرد المشاركة فيها، من قوى يمكن وصفها بصفة عامة بأنها قوى ديمقراطية وليبرالية تقدمية وعمالية ويسارية وشيوعية واستقلالية بمعنى معاداة السيطرة الاستعمارية، ومناهضة والعولمة، ومناهضة الحروب الجديدة الأمريكية والغربية والإسرائيلية ضد شعوب المنطقة (العراق ولبنان وفلسطين) وجوارها المباشر (أفغانستان وپاكستان) بتواطؤ وتعاون وتحالف حسب الأحوال مع دول المنطقة العربية. ولم تكن بوجه عام قوى منظَّمة فى منظمات أو أحزاب تحمل مثل هذه الأسماء أو يمكن وصفها بمثل هذه الصفات غير أن جانبا مهمًّا من هذه القوى كانت عناصر تنتمى إلى حركات ومنظمات بل أحيانا إلى أحزاب ولكنْ بوصفها شبابا متمردا على قيادة أحزابها كما رأينا بوضوح تام فى حالة حزب التجمع الوطنى التقدمى الوحدوى قبل وبعد الثورة. وبالطبع لم تكن هناك قرارات من منظمات أو حركات أو أحزاب بالتمهيد لثورة أو تفجيرها. وتتميَّز ضمن هذه القوى مجموعات وتيارات لا حصر لها نشطت باستخدام الفيسبوك واستهدفت بصورة مباشرة القيام بعمل مباشر جريئ هائل وواسع النطاق فى شكل مظاهرات فى مختلف أنحاء البلاد احتجاجا على التمديد للرئيس المخلوع مبارك وتوريث نجله وضد الاستبداد والفساد وللمطالبة بالعدالة الاجتماعية للطبقات العاملة والشعبية. وسرعان ما تطورت تلك الاحتجاجات إلى ثورة سياسية شعبية شاملة عندما تدفق عشرات الملايين من أبناء الشعب على الميادين والشوارع فى مصر من أقصاها إلى أقصاها. وسرعان ما تطورت شعاراتها التى تبلورت فى شعار إسقاط النظام وما يرتبط عضويا بهذا الشعار من أهداف ومطالب وشعارات. وبكل هذا اكتسبت الاحتجاجات طابع الثورة السياسية الشعبية وطابع الصراع الطبقى. وكانت الثورة بطبيعة الحال عفوية تلقائية بمعنى أنها لم تكن قرارا اتخذته مجموعة من المنظمات والحركات والأحزاب السياسية مهما اتخذت قرار تفجيرها مجموعات وتيارات شبابية، فلم يكن يخطر ببال هذه المجموعات والتيارات ذاتها أنها تفجر فى تلك اللحظة ثورة سياسية شاملة ومهما تكن قد مهدت على مدى أعوام قبل إطلاق شرارة الثورة. ولم تكن تلك المجموعات والتيارات المتعددة فيسبوكية فقط بل كانت أيضا فى الشارع والميدان فى كل مناسبة احتجاجية. والثورات الشعبية بعكس الانقلابات العسكرية إنما تكون فى كل مكان وزمان عفوية ومفاجئة ولا يتنبأ بموعدها الدقيق أو التقريبى أحد. وإذا التفتنا إلى "القوى اليسارية والنقابات العمالية والاتحادات الجماهيرية" كما جاء فى صيغة السؤال من حيث "مشاركتها" فى الثورة وبصورة "مؤثرة" فإننا نجد أنفسنا هنا أمام التناقض الكبير الذى لا يمكن تفاديه بين القيادة والقاعدة فى مختلف الحركات والأحزاب. فقيادات النقابات العمالية عندنا قيادات مندمجة فى النظام فى إطار الدولة الإدماجية (الكورپوراتية) وهى تعبِّر عن نفوذ الطبقة الحاكمة والنظام الحاكم داخل الطبقة العاملة بعيدا عن التعبير عن مصالح الطبقة العاملة فى مواجهة النظام الحاكم. ومن هنا نجد القيادات مع النظام والثورة المضادة ونجد أقساما من القاعدة فى قلب الاحتجاج والثورة. وقيادات الأحزاب متعاونة وتفاوضية فى علاقتها مع النظام وتنجح أو تفشل فى استمالة قاعدتها إلى هذا الحد أو ذاك حسب الأحوال. وفى حالة الثورة يتسع فى الحال نطاق هذا التناقض فتذهب القيادة فى اتجاه والقاعدة فى اتجاه آخر حسب درجة تماسك الحزب من حيث أيديولوچيته وبرنامجه (وعلى سبيل المثال فإن الانقسام تجلى حتى فى حالة جماعة الإخوان المسلمين الأكثر تنظيما والأشد تحجرا من حيث أيديولوچيتها. فقد تعددت أحزابها السياسية فى ظاهرة بدأت حتى قبل الثورة بفعل النضالات التى كانت جارية آنذاك فى سياق التمهيد للثورة من الناحية الموضوعية وتفاقمت هذه الظاهرة بعد الثورة وبالأخص بين قيادات الجماعة وحزب الحرية والعدالة من جانب وشباب الإخوان من جانب آخر وينطبق الشيء ذاته على السلفيِّين). وعلى هذا سرعان ما ذهبت أحزاب إلى التفاوض مع نظام الرئيس المخلوع ثم مع نظام رجال الرئيس بالقيادات التى ظلت تسير وراء الطغمة العسكرية الحاكمة فيما ذهبت أعداد من القيادات المتوسطة والقواعد إلى "ميادين" التحرير فى مختلف أنحاء مصر. ومن الجلى أن هذا ينطبق بوجه عام على الأحزاب والحركات والتيارات التقدمية واليسارية والديمقراطية والليبرالية اليسارية بوجه عام فقد اختلف الاتجاه فى كثير من الأحيان بين القادة والقواعد. وسؤال المدى يطرح مدى العمق والجذرية وكذلك المدى الزمنى لاستعداد القوى المعنية بمواصلة الثورة وبالطبع فإن السؤالين مترابطان. وكانت القوى التقدمية بوجه عام، رغم تنوع مشاربها وتلاوينها، فى الطليعة دائما فى قيادة الثورة ومظاهراتها واعتصاماتها وتأييد احتجاجاتها الواسعة المسماة بالفئوية للعمال والعاملين فى كل مراحل الثورة ولهذا كانت تكسب قلب الشعب فيما كانت قوى الثورة المضادة المتمثلة فى المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية والإسلام السياسى والأحزاب القديمة والجديدة لليبرالية اليمينية و"أحزاب" الحزب الوطنى المنحل تخسر بحكم سياساتها ومواقفها قلب الشعب. وإنْ كان من الواضح الآن أن خسارة قلب الشعب لم يقلِّل مطلقا من قوتها الانتخابية الكاسحة إلى الآن فالقلب غير الواعى فى مجتمع يسيطر عليه الفقر والجهل والمرض وبصورة خاصة فى ريفنا الفلاحى الذى لم تمتدّ إليه الثورة على نطاق واسع بعد. على أن هذا لا يقلِّل من القوة الحقيقية للقوى التقدمية واليسارية والديمقراطية التى مهدت للثورة وفجرتها وقادتها واستمرت بها فى كل تجلياتها فهذه القوة لا تُحسَب بأعداد الثوار التقدميِّين وحدهم بل بالقوى العمالية والشعبية التى صارت مصالحها تلتقى مع استمرار هؤلاء الثوار التقدميِّين بالثورة. ولهذا استطاعوا وحدهم بعيدا عن كل القوى المباركية والمحافظة والإسلامية وبدون مشاركة أىّ أطراف أو فصائل منها قيادة موجتين ثوريتين هائلتين من موجاتها فى 8 يوليو و 11 نوڤمبر فى مسار عنيد وباسل من قيادتهم للنشاط الثورى كله طوال الفترة السابقة.


2- هل كان للاستبداد والقمع في الدول العربية الموجه بشكل خاص ضد القوى الديمقراطية واليسارية دوره السلبي المؤثر في إضعاف حركة القوى الديمقراطية واليسارية؟

2: لا جدال فى أن استبداد وقمع الدول العربية ضد القوى الديمقراطية واليسارية شارك بسهم راجح فى إضعاف حركة ومجرد وجود هذه القوى. ومنذ الانقلاب العسكرى فى 23 يوليو 1952وجهت العهود والنظم والحكومات المصرية المتعاقبة قمعا لا هوادة فيه بكل أنواع الأسلحة: قبل كل شيء بسلاح المواجهة الأمنية بالمعتقلات والسجون وفى كثير من الأحيان لفترات طويلة واجه فيها الشيوعيون وغيرهم حتى التعذيب والقتل والسَّحْل ولكنْ أيضا بالحرب الفكرية بلا هوادة وكذلك بالمحاولات الناجحة فى كثير جدا من الحالات للاحتواء.


3- هل أعطت هذه الانتفاضات والثورات دروساً جديدة وثمينة للقوى اليسارية والديمقراطية لتجديد نفسها وتعزيز نشاطها و ابتكار سبل أنجع لنضالها على مختلف الأصعدة؟

3: أرجو أن تكون هذه القوى فى وضع يسمح لها بالاستفادة بدروس الثورات. وكان من الطبيعى ألا نتوقع أداء أفضل من الأداء الحالى بعد عقود من التراجع المتواصل لهذه القوى سواء بسبب عامل القمع المتواصل أم بسبب الأزمة العامة لليسار والماركسية فى العالم وهى أزمة من النادر أن تكون قد أفلتت منها أىّ منظمات أو تيارات أو قوى ماركسية فى العالم. ومع تطور الثورة والاستفادة من دروسها بصورة متزايدة يبقى الأمل وإنْ كان لا ينبغى أن نتوقع أن يكون هناك تطور دراماتيكى يقلب الصورة بسرعة. ذلك أن الماركسية تعيش أزمة فكرية بالغة العمق، ليس عندنا فى العالم العربى فقط وإنما فى كل مكان فى العالم وذلك بعد أن أخفتها زمنا طويلا الأوهام بشأن الطبيعة الحقيقية للاتحاد السوڤييتى والدول المسماة سابقا بالاشتراكية. كما أن تطور القوى اليسارية والماركسية لا يكون إلا من خلال الاندماج فى الحركة العفوية والتطور الفعلى للصراع الطبقى، ولا يستطيع أحد "اختراع" هذه الحركة. وهناك بالطبع حالة العالم الثالث الذى بدأ منذ عقود يهبط من الجانب الآخر من التل فى مواجهة أخيرة مع معركة البقاء، مجرد البقاء.


4ــ كيف يمكن للأحزاب اليسارية المشاركة بشكل فاعل في العملية السياسية التي تلي سقوط الأنظمة الاستبدادية ؟ وما هو شكل هذهِ المشاركة ؟

4: أعتقد أن المشاركة الأساسية هى المشاركة فى تطوير الثورة وهذا هو ما يحدث إلى الآن ولا أعتقد أنها ستتوقف. وكما نعلم جميعا: يسقط نظام استبدادى ويحلّ محله نظام استبدادى آخر فخلف كل قيصر يموت قيصر جديد. وقيصرنا الجديد تشكيلة من العسكر والإخوان والسلفيِّين والليبرالية اليمينية والحزب الوطنى الذى يدير مصر كلها من مواقعه الإدارية القيادية. وتتمثل المشاركة اليسارية والماركسية أثناء الثورة وبعد ذلك فى العمل على خلق ديمقراطية من أسفل من خلال معارك الثورة والعمل على تطويرها بعد ذلك وبناء أحزاب ومنظمات وحركات سياسية متماسكة؛ وهذا وحده هو ما يمكن أن يجعل النظام الاستبدادى الجديد مقيَّدا أكثر من النظام الاستبدادى البائد. وهذه الديمقراطية من أسفل التى هى الثمرة الحلوة، الوحيدة، لمثل هذه الثورات الشعبية ستبقى موضوعا لصراع كبير بينها وبين النظام الاستبدادى الجديد الذى يعيد بناء نفسه الآن. وبالطبع فإن حقيقة أن التحالف الاستبدادى الجديد الذى يتكوّن من قطاعات متنوعة تنتمى جميعا اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا إلى الطبقة الرأسمالية العليا تفتح بابا للأمل فى استفادة القوى الثورية من التناقضات فى صفوف العدوّ وكذلك فى الاستفادات المتنوعة المحتملة من درس بليغ تقدمه الثورة لهذه الطبقة الرأسمالية العليا: درس العواقب الوخيمة للتمادى فى الفساد والاستبداد. وبالطبع فإن هذا التمادى لا يقتصر على العالم العالم العربى والعالم الثالث فالأزمات التى يعيشها الغرب ترجع أيضا إلى الفساد كذلك الذى أدى مباشرة إلى الأزمة العقارية فى أمريكا وما تلاها من الأزمة المالية والاقتصادية فى مراكز الرأسمالية وفى مقدمتها مركزها الأول. وبالطبع فإن هذا الفساد هو الابن الشرعى فى الغرب للمبدأ الاقتصادى الرأسمالى المتمثل فى تحقيق أقصى الربح فتكون النتيجة تجريف الأساس الاقتصادى لحياة كريمة للشعوب. والاستبداد الأكثر شمولا هو المسيطر على هذه البلدان الصناعية التى تعقدت وسائل استبدادها وسيطرتها على الشعوب حيث تنتصر فى الانتخابات الپرلمانية والرئاسية تلك القوى التى تملك المال والإعلام والسلطة: إن الديمقراطية فى المجتمع الطبقى منذ أثينا إلى اليوم مجرد أسطورة لا واقع لها. ولا تقتصر الديمقراطية من أسفل المنشودة على عدد من الحريات والحقوق: التظاهر والاعتصام والإضراب والعقيدة وعدم التمييز بين المواطنين على أساس الدين أو النوع أو اللون أو الإثنية والتعبير والصحافة والنشر واستقلال القضاء وغير ذلك على أهميتها الحاسمة كأسلحة وحيدة لنضال الطبقة العاملة والطبقات الشعبية، بل يمتد جنبا إلى جنب مع الممارسة الفعلية التراكمية لهذه الحريات والحقوق إلى مستويات من العدالة الاجتماعية وتوفير حياة كريمة للمواطنين من خلال أجور عادلة مرتبطة بالأسعار والغلاء والتضخم ورعاية صحية حقيقية ونظام تعليمى متقدم وغير ذلك.


5- القوى اليسارية في معظم الدول العربية تعاني بشكل عام من التشتت. هل تعتقدون أن تشكيل جبهة يسارية ديمقراطية واسعة تضم كل القوى اليسارية والديمقراطية العلمانية ببرنامج مشترك في كل بلد عربي, مع الإبقاء على تعددية المنابر, يمكن أن يعزز من قوتها التنظيمية والسياسية وحركتها وتأثيرها الجماهيري؟

5: لسنا إزاء تشتت القوى اليسارية فحسب بل إزاء منظمات أو تيارات أو مجموعات يسارية كلٌ منها ضعيف أو غير متماسك. ولا شك فى أن جبهة يسارية ديمقراطية وعلمانية واسعة وببرنامج مشترك فى كل بلد عربى، مع الإبقاء على الاستقلال الحزبى والتنظيمى والفكرى والبرنامجى لمكوِّنات هذه الجبهة، من شأنها أن تعزز قوة اليسار وأن يطور نضاله. وكان هذا مطروحا ولا يزال. على أن الخلافات السياسية تقف حجر عثرة فى طريق تكوين مثل هذه الجبهة (على سبيل المثال، الخلافات داخل اليسار المصرى بين القائلين بالمشاركة والقائلين بالمقاطعة فى الانتخابات الپرلمانية والرئاسية امتدادا لاختلافات من الناحية الفعلية فى متابعة أحداث الثورة أو المشاركة فيها).


6ــ هل تستطيع الأحزاب اليسارية قبول قيادات شابة ونسائية تقود حملاتها الانتخابية وتتصدر واجهة هذهِ الأحزاب بما يتيح تحركا أوسع بين الجماهير و أفاقا أوسع لاتخاذ المواقف المطلوبة بسرعة كافية ؟

6: لا شك فى هذا فقد كان الشباب: الشابات والشبان، هم الذين أطلقوا شرارة الثورة فى كل مكان فى العالم العربى، كما أن المتابع لتطورات الثورة يلاحظ مدى سرعة استجابة الثوار لها، وعلى سبيل المثال: سارع ثوار ميادن التحرير فى كل مصر إلى تحويل استخدام القوة المفرطة فى صباح السبت 19 نوڤمبر إلى موجة ثورية جديدة واسعة النطاق فى نفس ذلك اليوم، وهى موجة تظاهرات واعتصامات ومسيرات وهى كلها مستمرة إلى الآن.

7- قوي اليسار معروفة بكونها مدافعة عن حقوق المرأة ومساواتها ودورها الفعال، كيف يمكن تنشيط وتعزيز ذلك داخل أحزابها وعلى صعيد المجتمع؟

7: بالفعل هذه حقيقة جديدة فرضت نفسها وبالفعل صارت المرأة مكوِّنا أساسيا ليس فقط فى النضال الثورى وعلى أوسع نطاق فى بلدان الثورات العربية الراهنة جميعا بل كذلك كمكوِّن رئيسى فى الأحزاب الجديدة فى مصر إلى الآن بالتأكيد فى بلدان الثورات العربية جميعا.


8ــ هل تتمكن الأحزاب اليسارية والقوى العلمانية في المجتمعات العربية من الحدّ من تأثير الإسلام السياسي السلبي على الحرّيات العامة وحقوق الإنسان وقضايا المرأة والتحرر ؟

8: هذا الخطر قائم بطبيعة الحال وفى مواجهته تعمل القوى اليسارية والماركسية والعلمانية على الاستمرار بالثورة وتطويرها. وسواء سُمح للإسلام السياسى بتشكيل الحكومة فى مصر أم لا فإن الشرعية التى اكتسبتها قوى الإسلام السياسى بفضل مشاركتها القصيرة والانتهازية فى الثورة صارت تُضاعف الآن من خطر كان قائما أصلا منذ وقت طويل.


9- ثورات العالم أثبتت دور وأهمية تقنية المعلومات والانترنت وبشكل خاص الفيس بوك والتويتر..... الخ، ألا يتطلب ذلك نوعاً جديدا وآليات جديدة لقيادة الأحزاب اليسارية وفق التطور العملي والمعرفي الكبير؟

9: لا جدال فى أن الثورات التكنولوچية الهائلة خلال العقود الأخيرة: علم وتقنية معالجة المعلومات بالكمپيوتر، الإنترنت، الفيس بوك، التويتر، التليفون المحمول، الفضائيات، كانت أسلحة الثوار فى التمهيد للثورة وفى الاستمرار بنضالاتها ومن المنطقى تماما أن تستخدم كل القوى السياسية من الآن فصاعدا ثمار الثورات التكنولوچية فى نضالاتها القادمة.


10- بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن، كيف تقيمون مكانته الإعلامية والسياسية وتوجهه اليساري المتفتح ومتعدد المنابر؟

10: أولا ألف مبروك وعقبال مائة سنة. ولا جدال فى أن الحوار المتمدن يلعب دورا كبيرا فى التفاعل الفكرى والسياسى بين قوى اليسار والعلمانية ونظرا لأن هذه القوى هى التى مهدت للثورة الراهنة فى العالم العربى وفجرتها وقادتها واستمرت بها يمكن القول إن الحوار المتمدن أسهم بجدارة بنصيب مهم فى التمهيد للثورة وفى تطورها إلى الآن. وسيكون لهذا أثر إيجابى بالغ الآن وفى المستقبل. وإذا كنا نتحدث عن جبهة يسارية وعلمانية واسعة فى عالمنا العربى فلا شك فى أن الحوار المتمدن هو المنبر الحقيقى لمثل هذه الجبهة وهى أداة مهمة من أدوات خلقها.
خليل كلفت
1 ديسمبر 2011



#خليل_كلفت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مطالب وأهداف الموجة الثورية الراهنة
- موجة 19 نوڤمبر 2011 الثورية الجديدة
- مرة أخرى حول مقاطعة الانتخابات الپرلمانية والرئاسية فى مصر
- الاحتجاجات المسماة بالفئوية جزء لا يتجزأ من الثورة
- مقاطعة الانتخابات الپرلمانية والرئاسية من ضرورات استمرار الث ...
- مذبحة ماسپيرو تضع الثورة أمام التحديات والأخطار الكئيبة
- مقدمة خليل كلفت لترجمته لكتاب: -كيف نفهم سياسات العالم الثال ...
- ثورة 25 يناير 2011 طبيعتها وآفاقها تقديم للمؤلف خليل كلفت
- كتاب: النظام القديم والثورة الفرنسية
- الثورة المصرية الراهنة وأسئلة طبيعتها وآفاقها
- الديمقراطية .. ذلك المجهول!
- خواطر متفرقة من بعيد عن الثورة العربية
- الحزب الحاكم القادم فى مصر
- الحرب الأهلية فى ليبيا ... تحفر قبر نظام القذافى
- لا للتعديلات الدستورية الجديدة (بيان) بيان بقلم: خليل كلفت
- يا شعب مصر ... إلى الأمام ولا تراجع ... التراجع كارثة
- لا للتعديلات الدستورية فى مصر
- مفهوم النحو (مقدمة عن العلم وموضوعه ( مقدمة بقلم: خليل كلفت ...
- المادة الثانية من الدستور المصرى الدائم (دستور 1971) والعلاق ...
- بين الثورة السياسية والثورة الاجتماعية مقدمة خليل كلفت لترجم ...


المزيد.....




- الإدارة الأمريكية توضح جهودها لـ-تهدئة التوترات- بين تركيا و ...
- عائلات فلسطينية ترفع دعوى على الخارجية الأمريكية بسبب دعمها ...
- نهاية أسطورة الاستبداد في المنطقة
- -ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني ...
- -200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب ...
- وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا ...
- ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط ...
- خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد ...
- ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها ...
- طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا ...


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ملف - حول دور القوى اليسارية والتقدمية ومكانتها في ثورات الربيع العربي وما بعدها - بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن 2011 - خليل كلفت - الحوار بين الثورة والواقع