أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - زياد حميدان - ما بين الثورات العربية والثورات المضادة إسلام سياسي “علماني”















المزيد.....


ما بين الثورات العربية والثورات المضادة إسلام سياسي “علماني”


زياد حميدان

الحوار المتمدن-العدد: 3563 - 2011 / 12 / 1 - 14:20
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    



ما بين اللحاق بركب ثورة الشعوب كغيرها من القوى السياسية والأيديولوجية والاصطفاف مع الثوار، وبين الانكفاء للخلف والالتحام العضوي مع القوى المضادة للثورة، تواجه قوى الإسلام السياسي، وخاصة حركة الإخوان المسلمين، اختبارا حقيقا لخيارتها على نحو ما، وهو ما سيكشف عن حقيقة تموضع غالبية تلك القوى على أرض الواقع دون مواربة، ولعل الاختيارات التي ستأخذها قوى الاسلام السياسي ستعكس أهم تجليات أزماتها البنيوية الراهنة والتي تتعرض الآن لاختبار جدي في ظل حالة الاستقطاب والطحن الإستراتيجي الذي يجري بين جبهة الممانعة والمقاومة ممثلة بقوى المقاومة العربية وفي طليعتها حزب الله والمقاومة الفلسطينية مستندة إلى إيران وسوريا وروسيا والصين وعدد من الدول التي تناهض سياسة الهيمنة الغربية على المنطقة والعالم هذا من جانب، ومن جانب آخر جبهة الهيمنة التي تقودها الولايات المتحدة بالتحالف مع القوى الرجعية في المنطقة والقوى الليبرالية السياسية والاجتماعية التابعة مدعومة بالاصطفاف الأوروبي وإسرائيل .

ان قوى الاسلام السياسي وان انطلقت من نفس الخلفية الايديولوجية إلا انها تتمايز فيما بينها لدرجة تقترب من التناقض أحيانا على صعيد مرجعياتها الايدولوجية ومواقفها السياسية، موقف متشدد لدى القاعدة والحركات السلفية الجهادية أو التقليدية كما هو حال الوهابية، حيث تشترك كلها في اتخاذ مواقف ماضوية رجعية على صعيد العودة بالتاريخ إلى الوراء سياسيا واجتماعيا وثقافيا، فيما تتمايز على صعيد علاقتها بالسلطة حيث تشتبك مكفرة لكل النظم القائمة في العالم العربي، فيما تتناقض الوهابية من حيث كونها منبعا يمد النظم الرجعية بالشرعية الدينية.

على الجهة الاخرى تقف تيارات وان تمايزت على صعيد الايديولوجيا الدينية إلا انها تشترك وتتخندق في نفس المعسكر المقاوم كما هو حال حزب الله وحماس والجهاد الاسلامي في فلسطين، دون ان تقطع مع عمقها القومي الذي تراه مكملا لهويتها الايديولوجية الاسلامية، خلافا للسلفية التي لا ترى إلا الاسلام هوية ومرجعية بحسب تأويلاتها للاسلام.

وبين هذا وذاك تتوسط قوى الاسلام المعتدل متمثلة بحركة الاخوان المسلمين التي تناهض الانظمة القائمة على قاعدة العمل السلمي، فيما تحاول الوقوف في الوسط من حيث الموقف من المقاومة او معسكر الهيمنة الغربي وحلفاؤه من الانظمة والقوى الرجعية في المنطقة.

لقد قام ربيع الثورات العربية بكسر الثنائية المغلقة في المجال السياسي العربي ما بين الاستبدادا والاسلام السياسي طوال عقود أمام شعوب العالم العربي، فإما أن تبقى تحت نير الاستبداد أو تستبدله بنماذج "متشددة" من قوى الإسلام السياسي، وهنا كانت حركات مثل القاعدة وطالبان والسلفية الجهادية تنتصب أو تنّصب للتخويف، غير ان الربيع العربي بثوراته عمل على اسقاط أنظمة استبدادية قمعية منهياً عصر سلطة الاستبداد المطلق في العالم العربي إن جاز التعبير، فيما أثبت أن قوى الإسلام السياسي ليست الوارث الوحيد لأنظمة الاستبداد وإن كانت أهم القوى الفاعلة والاكثر تنظيما خلال العقود الأخيرة، ومع هذا فالفرق ما بين قطبي الثنائية أن الأول قد نفي من التاريخ والواقع أو على أحسن تقدير يتجه نحو الانحدار ولكنه يهرول مرعوبا للبحث عن توازنات وتحالفات وإعادة تموضع في المشهد الجديد ، في حين بقي الثاني يحاول إعادة موضعة ذاته في المشهد كرقم صعب وكبير!!

إن أي محاولة لمقاربة المشهد المعقد والشائك قد يحتاج إلى عمق ودقة وإبقاء الباب مفتوحا على حركة الواقع وذلك بسبب سرعة تغير المشهد وتداعياته، ومع هذا فإن الاحداث المتفاعلة على الساحة العربية برهنت ان الثورة في تونس ومن ثم في مصر وغيرها من الاقطار العربية قد فاجأت الشعوب العربية نفسها والأنظمة التسلطية ناهيك عن قوى الامبريالة العالمية المهيمنة على المنطقة متمثلة في الولايات المتحدة والغرب عموما إلى جانب أسرائيل، لقد شكلت الثورات مفاجأة رغم كونها حتميات تاريخية لكونها تبزغ حين تكتمل شروطها أو تتوفر البيئة الملائمة لها فتحدث على شكل طفرات لتنهي أنظمة الطغيان، وما ان استفاقت اطراف المعادلة المعادية للثورات من هول الصدمة حتى بدأت عملية الاحتواء من خلال المال، فصل السياسة عن الحريات، تشكيل اصطفافات جديدة، مد الجسور مع القوى الصاعدة، التدخل العسكري، تشجيع الاستنزاف الداخلي عبر تشويه التناقضات( دينية، طائفية، اجتماعية)، احتضان القوى المضادة داخليا وإقليميا، ومع أن عملية الاحتواء لا زالت تعرقل مسيرة الثورات دون ان تجهضها كما هو الحال في تونس ومصر واليمن والبحرين فقد نجحت في حرف مسارها في ليبيا وتعمل جاهدة على فبركتها في سوريا.

اما على الجهة الاخرى فنجد قوى تقدمية مرتبكة لا تملك حتى اللحظة القدرة على إعادة بناء ذاتها واستراتيجياتها ، فيما نرى القوى الإسلامية التي توصف بكونها " الأكثر تشددا وتطرفا" كالقاعدة تراوح ما بين المراقبة مكتوفة الأيدي دون أن تدعي بأن لها الفضل في هبوب الثورات وإن تفاخرت بأن حربها على الغرب شكلت إسهاما ما، في حين تهرول "القوى الوسطية" من أجل اللحاق بركب الثورة كغيرها من القوى، وحيثما نجحت الثورة بإزاحة نظام تنتصب لاقتسام حصتها من كعكعة السلطة كما هو حاصل في تونس ومصر، فيما يشي المشهد بتواطئها في ليبيا وسوريا مع أجندات إقليمية ودولية، في ذات الوقت تخرج الوهابية من وكرها كرأس حربة للأنظمة المعادية للثورات، دون إغفال أزمة تواجهها تيارات ما يعرف بلواء المقاومة كحزب الله وحماس التي تواجه معضلة الاختيارات ما بين الثورات وشعوبها وبين التحالفات الاستراتيجية التاريخية.

بموازاة ذلك كله يعلن إسلام سياسي " علماني " تركي عن دوره في المنطقة بثقل الثورات نفسها مقدما نفسه أنموذجا يحتذى وطارحا نفسه كقيادة إقليمية بل وعالمية على صعيد " الامة الاسلامية"، المتتبع للدور التركي في المنطقة منذ هبوب الربيع العربي، يلمس كيف رمت تركيا بكل ثقلها وأوراقها، بدءً من دعم غزة المحاصرة والثورات وإعلان عداء لإسرائيل، دون أن نأخذ مثلا قضية أسطول الحرية وكذلك زيارة اردوغان لمصر، لربما يمكننا القول فيما يتعلق بالمثال الثاني ان اردوغان جاء بكل رمزية وظلال "الخليفة أو السلطان" التركي لمصر لا لشيء إلا ليقول انه علماني مسلم، وبغض النظر عن ردود الفعل العلنية فقد يهمس البعض أن خيبة الأمل المعلن عنها من قبل قوى الإسلام السياسي وخاصة الإخوان المسلمين يعتمل تحت رمادها شوق مكبوت لن يجرؤ على الإعلان عن نفسه بنفس الكلمات، وان كانت تباشير ذلك تلوح من خلال رفض العلمانية مضمونا ومصطلحا واستبدالها بمصطلح الدولة المدنية على الرغم من أن كلا المصطلحين يشيران إلى نفس المعنى بدرجة أو أخرى.

وعليه يمكن القول أن قوى الإسلام السياسي في حالة اصطفاف أو استقطاب على ثلاثة محاور.. القاعدة المنهكة والتي ثكلت رمزها .. تراقب بعد أن شاركت بفاعلية في مهمة إنهاك الأمريكان لعقد من الزمن..الإخوان المسلمون المصعوقون مثل الكثير من القوى السياسية في العالم العربي مع ميزة كونها الأكثر تنظيما على أكثر من صعيد.. تشارك في الثورات بمستويين الأول يقف في صف الثورة المعلنة على النظام واسرائيل وامريكا بدرجة ما أو هكذا تبدو الصورة للبعض، ودور آخر في سوريا ضد النظام القومي السوري، اما المحور الثالث فهو قوى الوهابية السلفية التي تتحرك وفق مشروع احتواء الثورات العربية بوضوح كما هو الحال في كثير من الازمات التي افتعلت في تونس ومصر ناهيك عن دورها في لبنان والبحرين.

بالضرورة فان قوى المقاومة كحزب الله او التي تراواح ما بين المقاومة والسلطة كحماس، بحاجة لحسم أمرها والاعلان الصريح عن اختياراتها الاستراتيجية، هكذا اعلن حزب الله اما حماس فما زالت تلتزم الصمت.

لقد ظهر جليا لقوى الامبريالية العالمية ان القوى الجاهزة للانقضاض على السلطة بعد الثورات والأوفر حظا هي قوى الإسلام السياسي.. وهي قوى بحاجة للاحتواء، لذلك كان اختيار القوى العالمية المناهضة للثورات يذهب إلى قوى الاسلام السياسي الأقل تشددا والاتفاق معها على المرحلة القادمة، لن نحاربكم إذا كنتم حلفاء لنا امام إيران الشيعية أو على الأقل لن تكونوا أعداء، والثمن كونوا في السلطة بل واحكموا إن استطعتم، الأحداث ما زالت في سياق هذا السيناريو في تونس ومصر وليبيا فيما المغرب تسير على هذا النحو مسبقا وكل ما جرى هو فوز أكبر للاسلامين في الانتخابات التشريعية التي جرت بعد الاصلاحات الدستورية التي أطلقها الملك محمد السادس، غير ان الاهم هو ان تلك القوى الاسلامية متمثلة في الاخوان والسلفيين قد أظهروا ان هذه الصفقة قد ابرمت، لينقلب عدوها الاكبر أمريكا إلى صديق، متخلية بذلك عن عقود من أيديولوجيا العداء مع الغرب لصالح فوزها في السلطة لمجابهة الخطر الشيعي المفتعل في ايران والتطرف الاسلامي كما هو حال القاعدة.

غير أن المخاوف من ان تنقلب هذه القوى مستقبلا على "أعدائها الاصدقاء" كما فعل بعضها مثل القاعدة وطالبان، أو أن لا تكون هذه القوى مؤثرة بشكل فاعل في ساحاتها، وبالتالي لن تكون حليفا يعول عليه، هنا يتطلب مشروعا ممنهجا من خلال اسلام سياسي "علماني" مقبول من الجميع، يجري تفريغه من ثورية "ضارة"، والجواب لدى تركيا العلمانية التي يقودها حزب اسلامي ورئيس وزراء يصف نفسه بالعلماني، ليكتمل المشهد من خلال ترؤس تركيا الباحثة عن دور لها في المنطقة لكل تلك القوى الاسلامية الفائزة بالسلطة، ما يبقي الحال كما هو عليه من حيث استمرار الهيمنة الامريكية والغربية على المنطقة وبقاء الرجعية العربية في دول الخليج، فليس صدفة أن معظم فروع حركة الإخوان المسلمين تخوض الانتخابات الآن في أكثر من بلد عربي تحت اسم (حزب العدالة والتنمية) أو شيء شبيه بذلك أو قريب منه.

هنا يمكن اعتبار قوى السلفية أداة للتحكم في قوى الاسلام المعتدلة واهمها الاخوان المسلمين، فإن ذهبت لاعتدال اكبر ودون دفع فاتورة ذلك لامريكا ينفلت لجام السلفية من يد وكلاء أمريكا في المنطقة .

بهذا ذهبت القوى الامبريالية إلى أن لا مناص من التعامل مع قوى الاسلام السياسي، وأن الحل يكمن في توريطها فيما تسعى إليه منذ عقود.. الفوز بالسلطة، فهي الوحيدة القادرة على تجريد قوى الاسلام السياسي من سلاحها الاخطر وهو الايديولوجيا، فبدون أيديولوجيا السماء والجهاد تصبح قوى الاسلام السياسي بالمجمل بلا أظافر وعارية من أدوات المواجهة مع العدو، فيما تنكشف امام جمهورها الذي لا يرى أنها تمتلك قدرة التخويف والترهيب من هول الانتقام الالهي ان هم شقوا عصى طاعتها.

القاعدة

وجدت القاعدة إمكانية الحركة في ظل الانشغال بالصدمة من الثورات، فتحركت في وقت مبكر في اليمن، حيث تتوفر لها امكانية النشاط، فيما عززت نشاطها في الصومال رغم عدم تحقيق مكاسب حقيقية، وفي اليمن أعلنت القاعدة عن نفسها وتحركت في استقلالية تامة عن ثورة الشعب اليمني، فيما التزمت الصمت حينما انسلت في صفوف ثوار ليبيا، اما خليفة بن لادن فما كان منه الا ان كرر الخطابات التي تبارك الثورات، امام مشاهد الثورة التي لا علاقة لها بمشروع القاعدة الايديولوجي المتشدد، فيما تبرز التساؤلات عن حقيقة الدور الذي لعبته وتلعبه قوى القاعدة في اليمن وخدمة لاجندة من؟ إلى ذلك يبقى ان نقول ان مشروع القاعدة قد انتهى بمجرد بدء حركة الثورات العربية وليس لنجاح حرب أمريكا على ما تسميه "الارهاب".

الإخوان المسلمون

أكثر تلك القوى التي تقدم نفسها وسطية كتحفظ على مصطلح ليبرالية ورافضة للعلمانية كالإخوان المسلمين لم تكشف عن فهمها وقناعتها بأن الديمقراطية هي أكثر من لعبة انتخابات، هنا يشي بل يصرخ المشهد بما هو خلاف لذلك، حيث نرى القوى الإسلامية الأكثر "يمينية أو رجعية" وتحديدا "السلفية الوهابية " تلعب الدور الأهم من حيث كونها الحليف الأوثق للثورات المضادة والأنظمة الداعمة لها على كافة الصعد، ومن جهة أخرى تلعب دور المكبح لتلك القوى التي تسمى نفسها معتدلة ووسطية وأشهرها الإخوان المسلمون من حيث الانعتاق من منظومة أفكار الإسلام السياسي التقليدي في العالم العربي.

يحرص الاخوان المسلمون بطبيعة الحال كأي قوى سياسية على انتهاز الفرصة التاريخية ليضعوا قدمهم في السلطة وهذا لن يتأتي دون الاستناد لقاعدتهم الأكثر اتساعا وشعبية والمرتبطة بخطابها المحافظ و"السلفي" مهما قالوا أنه منفتح او معتدل أو "حداثي" وهنا تقف الوهابية السلفية بالمرصاد كيكبح الإخوان لحين اقتسام الكعكة ولعلها تمعن في الانطلاق نحو ليبرالية مشابهة للتركية دون إغفال الخصوصيات.

ما قاله الغنوشي للتايمز اللندنية أن النهضة إن وصلت للسلطة في تونس لن تمنع الخمور او تمنع النساء من ارتداء البكيني يمثل رسائل ما، ولكن هل هذا كاف من حيث تقديم تصور شامل عن البرنامج الذي ستقدمه النهضة للمجتمع التونسي الحداثي المعاصر، فيما تبقى قوى الاخوان في جدل ساذج له مبرراته حول الدولة التي يطمحون لها، فهل هي علمانية ام مدنية، ومع ان المحتوى في كلا المصطلحين متقارب إن لم يكن هو ذاته عن الكثيرين، إلا أن تراثا من معاداة العلمانية حتى على مستوى المصطلح يجبر الاخوان على اختيار مصطلح آخر وهو الدولة المدنية، ان التصرف بهذه العقلية وان كان سيحفظ قواعد الحركة الشعبية الا انه سيجعل انكشاف الحركة امام الجمهور امرا ِأشد وطأة في المستقبل.

الفهم الكلاسيكي للثورة يعني أنها أيضا ثورة على العقل والثقافة السائدة، ما يعني التحرر من فكرة التسلط جملة وتفصيلا وليس فقط الانعتاق من قمع وتسلط السلطة الحاكمة، وإن كانت تلك الأنظمة تجسد تجليا ماديا ورمزيا لتسلط مكثف يجمع بين ثناياه قمعا ثقافيا وفكريا، حيث تصبح الايديولوجيا والدين من أدواته الاشد حدة عند الحاجة..، ولهذا نرى أن الثورات العربية لم تكن على السلطة فقط بل وعلى أدواتها أيضا، فهل تعي الحركات الإسلامية ذلك، لربما نظرا لدراماتيكية وتسارع الأحداث بقيت تمارس وعيا استنفذ قبل هذه الثورات، فيما دقت بيدها اول مسمار في نعشها حين اعلنت عن حلفها المشئوم مع اعداء الامة العربية لقاء فوزها بالسلطة.

قوى السلفية

بالضرورة تتمايز قوى السلفية من سلفية تقليدية متحالفة مع السلطة مثل الوهابية المتحالفة مع النظام الملكي السعودي، والسلفية الجهادية التي ناصبت النظم الاستبدادية العداء والاقرب لفكر القاعدة، ومع هذا ومنذ اللحظات الاولى للثورات انبرت قوى السلفية التقليدية بكل قوة تتغنى بسقوط الانظمة والحرية وعن تصورها للمجتمع الاسلامي الذي ستبنيه بشرعية الانتخابات بعد ان فشلت خيارات السلفية الجهادية أو وقوع الفتن بسقوط الانظمة، ثم ما لبثت ان بدأت تتحرك في مدارات أصبحت مكشوفة للعموم تعبر عن ماهية أهدافها ومن يقف وراءها، ففي مصر لوحظ ان اي تحرك قبطي يطالب بحقوق مهضومة وبدولة مدنية لكل مواطنيها نجد أن من يتصدى له هم السلفيون الذين يخشون على "هوية مصر الاسلامية"، في حين أن مجرد عرض فيلم على قناة فضائية تونسية يعرضها لقمع غير مسبقوق من السلفيين الذين يخرجون كفزاعات، مما يثير تساؤلات حول الدور الذي تضطلع به السلفية وخاصة الوهابية ، كيف يمكن ان يثق الجمهور التونسي او العربي بالقوى الإسلامية ان كانت منذ اللحظة الاولى للتخلص من القيود التي حجرت العقل العربي لعقود طويلة تاتي الآن لتفرض نفسها بحيث تكفر وتحلل ما تشاء باسم الدين، ما يعني انسلاخ القوى المعتدلة اكثر عن خطابها التقليدي نحو علمانية تركية مقبولة من جماهيرها الماخوذة بالسلطان العثماني اردوغان.

اما السلفية فسرعان ما تذوب مع تسارع السيناريو السابق، وكلما اتضح دورها، حيث لم يعد مقبولا ان تبقى الوهابية السلفية اداة الشرعية للسلطة، فمثلا يهب العاهل السعودي ليقول ان المرأة هي امه واخته وزوجته وان خلق منها.. وليقرر على حين غرة حق النساء في الانتخاب مربكا حلفاؤه الذين يرون دوما ان قرارات ولي الامر منسجمة مع الشريعة التي قالوا انها تحرم ذلك قبيل لحظات..، ان الصور بشموليتها قد تكون مخيفة الا انها تحتمل ولادة لمشروع - إن قدر له ان ينضج - اسلاما سياسيا يخلع عنه جبة الدين والشريعة، في مقابل اسلام مهلهل منكشف الظهر على صعيد دوره السياسي الرجعي المناهض لمصالح الامة لحساب طغم متسلطة فاسدة تخدم اسيادها في الخارج كما هو حال مشيخيات الخليج، التي تستخدم القوى السلفية أداة مبتذلة لمهاجمة قوى المقاومة والتحريض عليها مثل حزب الله في لبنان، والتحريض على ايران وكذلك ضرب الحراك في البحرين.

يحسب للحبيب بورقيبة ومن بعده زين العابدين بن علي المخلوع تكريسهما ثقافة ما في تونس، حتى وإن كانت علمانية مشوهة بصورة ما، لكنها مع ذلك بلورت الوعي التونسي فهل يمكن الارتداد عن ذلك للخلف بكل سهولة..هنا دور يأتي دور حزب النهضة، صحيح أن ما قاله الغنوشي عن الحجاب والمايوه إيجابي ولكن هل هذا كاف؟ الا يجب تطرح قوى الاسلام السياسي الوسطية الآن رؤى ما حول علاقاتها بالدولة والسلطة والدين، لعلها بحاجة لمساعدة تركية وان كانت غير مستوعبة او ليست مجانية.

ختاما.. وبقدر اختلاف الواقع التونسي من حيث حجم هيمنة حركة النهضة عن واقع مصر الذي يشكل الاخوان المسلمون فيه رقما اساسيا أكثر وضوحا تبرز المفارقات، ففي الوقت الذي يؤسس التونسيون لنظام سياسي عبر انتخابات المجلس التاسيسي نرى الجماعة الإسلامية وجماعة "الدعوة السلفية" وحزب الكرامة تنضم لجماعة الإخوان المسلمين بعيد سقوط مبارك للمساومة ليقولوا نعم للتعديلات الدستورية عوض بناء دستور جديد..مساومات لا تبشر بخير من حيث البراغماتية التي تثير شكوكا مشروعة في مبدئية ما تطرحه قوى الاسلام السياسي حول تقبلها لمبادئ الديمقراطية وفهم العلاقات الاستراتيجية في المنطقة، قامت القاعدة بمحاربة الغرب ولكن هل كانت على قاعدة نهوض حداثي للعالم العربي، هنا يجد الاخوان ان مهمتهم عصيبة وعصية ولكنها ممكنة...إن تم النجاح على صعيد الخيارات السياسية الاستراتيجية في المنطقة واختيار المعسكر الصحيح، لعل نجاح النظام في سوريا في اجهاض المؤامرات لاسقاطه سيصحح مسار تلك الثورات وما انتجته من نظم سياسية تبنى على أولية القومية العربية قبل كل شئ بعد ان صعدت القوى الاسلامية إلى سدة الحكم، ولهذا نرى الدور التركي يرمي بثقله للاطاحة بالنظام العربي القومي الاخير، فبوجود القومية العربية في دمشق الشام لن تجد تركيا موطأ قدم لها، ولا سبيل للمنطقة إلا من نافذة الاسلام، ولكن أي إسلام؟؟ يبدو ان قوى الاسلام السياسي الابرز قد قررت واتخذت قرارات حاسمة باتجاه تحالف دنس " الضرورات تبح المحظورات" مع أعداء الامة إلى حين، وان كانت هذه القرارات بطبيعتها استراتيجية لا مجال للمناورة فيها، لهدف الاستيلاء على السلطة بكل ما يلزم من تخلي عن جبة الاسلام للارتماء في جبة العلمانية التركية بكل ما يتطلبه ذلك من اثمان. لقد روي عن عبد الملك بن مروان الذي يعد أحد اشهر خلفاء بني أمية أنه كان من فقهاء المدينة واكثرهم تلاوة للقرآن، أنه حين اتاه خبر توليه الخلافة من عاصمة الامويين في دمشق الشام، اغلق المصحف الذي كان يقرأ فيه وقال" هذا آخر العهد بك"...



#زياد_حميدان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
- الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
- معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
- طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
- أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا ...
- في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
- طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس ...
- السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا ...
- قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
- لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا ...


المزيد.....

- افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار ... / حاتم الجوهرى
- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب
- اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد ... / علاء هادي الحطاب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - زياد حميدان - ما بين الثورات العربية والثورات المضادة إسلام سياسي “علماني”