|
صاحب ياسين.. في مقهى الزهاوي
وديع العبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 3563 - 2011 / 12 / 1 - 14:19
المحور:
سيرة ذاتية
صاحب ياسين.. في مقهى الزهاوي كنت قد أصدرت مجموعتي الشعرية الأولى يومها وأهديت بعض نسخ منها لأصدقاء المقهى، حينها سألني الأستاذ الصديق عبد الرزاق السيد أحمد السامرائي.. هل قدمت نسخة للأستاذ صاحب؟.. وكنت جالسا قريبا منه. عندها أخرجت نسخة جديدة وبدأت في كتابة سطر اهداء كالعادة المتبعة عندنا، وقلت للأستاذ.. أصدرت مجموعة شعرية جديدة وأحب اهداء نسخة لك.. فجاوبني بابتسامة أبوية دافئة.. - مبروك.. يسعدني أن أقرأ لك.. - الأستاذ صاحب.. - صاحب ياسين.. توقف القلم بين أصابعي لحظات.. ولا أعرف ماذا دهمني عند سماع الأسم.. ياما قرأت من شعره وسبحت في عوالمه ووددت أن ألتقي به عن قرب.. صاحب ياسين.. أكملت تسجيل بقية الاسم ولكن بمحبة عميقة.. ووضعت بين يديه الكتاب وصافحته كأني في محراب مقدس.. بينا كان يتصفح الكتاب استغرقت مع نفسي في عالمه الشعري.. وفكرت أن أصحو وأعود إلى توازني اللائق لأعرف كيف أبدأ الحديث معه.. عبّرت له عن سعادتي باللقاء وحاجتي للاستماع إلى شهادته عن تلك المرحلة المبكرة والحرجة في حركة الشعر العراقي.. صاحب ياسين.. نظارة سوداء تخفيان عينين نرجسيتين.. وملامح متغضنة هادئة عقب صراع طويل مع الذات.. مع الداخل.. هو صامت منصت بعمق.. تشعر وأنت تنظر إليه أنه يكتب قصيدة أو يعالج فكرة أدبية.. يرتدي قميصا أبيض بنصف كم.. يعقد ذراعيه أمام صدره.. في جيب قميصه الصيفي صورة ورقة مطوية وقلم.. يبتسم قبل أن يتكلم.. يبدو كأنه فقد كثيرا من وزنه.. طوله يقارب (1.7م) عريض الكتفين، له مهابة في جلسته.. وقفته.. عند مسيره.. يذكرني منظره الزاهد بالشاعر الفيلسوف ميخائيل نعيمة.. سألته عن الصحافة الثقافية في الأربعينيات وما تلاها.. عن حركة الشعر الحر والسياب وحسين مردان.. يتكلم بهدوء.. وكأنه يغرف من أرشيف ذاكرة.. يرسم صورة ماض وملامح شخصيات ما زالت تتحرك أمام عينيه المتأملتين وهو يتحدث بهدوء منساب.. وفي شعره كان أقرب للمدرسة السورية وشعر المهجر اللبناني. متعلقا بالأوزان الخفيفة والتفعيلات القصيرة من مجزوء الأبحر. وهو إلى جانب الاستاذ محمد عزة العبيدي شكلت الطبيعة والمرأة بأبعادها الفلسفية والرومانسية طابعا عاما لأدبه. وما أحرى مثقفينا وناشرينا الأصلاء الالتفات لجمع ونشر أعمال هؤلاء الرواد وسواهم من رموز الثقافة العراقية الأصيلة في القرن الماضي. عمل الاستاذ صاحب ياسين في الصحافة الأهلية العراقية أيام العهد الملكي، وكان عمله مثل طبعه وشخصه مطبوعا بالهدوء وعدم التنقل بين جريدة وأخرى. وقد أتاح له العمل الصحفي الثقافي أن يكون شاهدا على يوميات ثقافة العراق ومثقفيه وسياسييه، دون أن يكون طرفا أو محورا فيها. فالثقافة العراقية وريثة تركة ثقيلة من التخندق السياسي والمذهبي والعرقي والطائفي والبلداني. ومع ظهور الدولة الحديثة كان الاستعمار الانجليزي محور المعيارية الثقافية والسياسية، مؤيد للانجليز أو معارض لهم، مؤيد للملكية أو معارض لها. ومن خضم تلك الملابسات وظهور تيارات سياسية حديثة تطورت المعيارية إلى شيوعي أو معارض للشيوعية (ملكي)، ليتطور لاحقا إلى تصنيف (شيوعي/ قومي)، (شعوبي/ بعثي- ناصري) ، (مثقف/ رجعي)، (اسلامي/ علماني- ملحد). ان مآل الشخصية العراقية والثقافة العراقية الآن حريّ بالتفاتة إلى عيوب الاحترابات الاجتماعية والشخصية والتبجح بالمذهبيات لنحر الهوية الوطنية واعدام النسيج الاجتماعي العراقي في التافه والمبتذل من أنماط التفكير أو ملاحقة دعاوى لا تستحق الوجود. بالمقابل، لم يستطع العقل العراقي حسم أية إشكالية سياسية أو اجتماعية خلال المسيرة الدائبة لتطور أنماط ومسميات المعيارية المذهبية، والتي شكلت منذ البدء وللآن غيابا تاما لمفهوم الوطن وتأسيس الوطنية. بعبارة أخرى، ان الانسان العراقي ومجتمعه، الذي انتذر قبل أربعة عشر قرنا لدفع فاتورة صراع علي ومعاوية/ الحسين ويزيد، مما شكل تدميرا للعناصر الوطنية الأصيلة وإشاعة معايير احترابية دخيلة، ما زالت تتراكم وتغلي مؤدية إلى مسخ الهوية الوطنية ومسخ الشخصية العراقية على مذبح الصراع بين العرب والعجم، السنة والشيعة، الاسلام والعلمانية. وفيما كان العراق وانسانه معروفا بالثقافة والذكاء صار رمزا للجهل والانحطاط. في تلك المقهى، وعبر زجاج الواجهة، كان الرواد المتقاعدون متفقين في رفضهم لفكرة الحرب بين العراق وايران، ورافضين لتقديم ملايين الشباب العراقي على مذبحها، ورافضين للوضع عموما والكثير من تفاصيله. لكنهم كانوا مشمولين بقانون التقاعد الوطني رغما عنهم. ولم يكن متاحا لكثيرين منهم أن يفتكر أو يقترف تسجيل صفحة من مذكراته أو ذكرياته الشخصية أةو العائلية أو سيرته الثقافية، أو أي شيء يمكن أن يشي بوطن، يخاف حكامه من صوته. ما أحوجنا اليوم إلى أرشيف الذاكرة العراقية.. إلى أولئك الذي كانوا لما يزالوا يفكرون بطريقة صحيحة ونظيفة، لم تلوثهم المذاهب والأيديولوجيات والطوائف.
#وديع_العبيدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سليم طه التكريتي*.. في مقهى الزهاوي
-
أنور عبد الحميد السامرائي المحامي.. في مقهى الزهاوي
-
د. محمد عزة العبيدي.. في مقهى الزهاوي
-
محمد حسين فرج الله.. في مقهى الزهاوي
-
مكي عزيز.. في مقهى الزهاوي
-
حقوق الأقليات في العالم العربي في ظل التغيرات السياسية
-
صورة جانبية لهشام شرابي /2
-
صورة جانبية لهشام شرابي /1
-
المنظور الاجتماعي في أدب سارة الصافي
-
وردة أوغست..
-
كلّ عام وأنت..!
-
استقبال....
-
لامُن ياؤن سين
-
((حضارة عكسية))
-
منفيون من جنة الشيطان 40
-
منفيّون من جنَّة الشيطان 39
-
منفيون من جنة الشيطان38
-
الاتجاه الاجتماعي في أدب يوسف عزالدين
-
منفيون من جنة الشيطان37
-
منفيون من جنة الشيطان 36
المزيد.....
-
واشنطن تتهم إيرانيا بالتخطيط لقتل ترامب
-
ترامب يستعين بالكلاب الآلية لتعزيز حمايته (فيديو)
-
الخارجية الإيرانية: اتهام طهران بالسعي لاغتيال مسؤولين أميرك
...
-
تحديث.. فرز الأصوات بين ترامب وهاريس بالارقام والعدد الإجمال
...
-
لقطات دارمية لانفجار مفاجئ لسيارة يتسبب بأضرار بمنازل ومركبا
...
-
كيف نساعد أطفالنا في التغلب على التوتر؟
-
خطة شاملة لوقف ذوبان -نهر يوم القيامة الجليدي-
-
ضفادع تشيرنوبل تتكيف مع الإشعاع دون التأثير على الشيخوخة أو
...
-
ديلي ميل: النظام العالمي الجديد لترامب وخططه
-
مستشار سابق في البنتاغون يؤكد موقف ترامب من زيلينسكي فور نفا
...
المزيد.....
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
-
بصراحة.. لا غير..
/ وديع العبيدي
-
تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|