أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - اليونيسكو والثقافة بالمقلوب















المزيد.....

اليونيسكو والثقافة بالمقلوب


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 3562 - 2011 / 11 / 30 - 19:34
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



يصحّ القول إن وراء كل مشكلة ثقافية هناك مشكلة سياسية، والعكس ليس صحيحاً، فحقل السياسة حتى إنْ كانت خلفيته ثقافية، فإنها تعكس واقع المصالح، لاسيما الاقتصادية والاجتماعية، إزاء القضايا والأحداث، سواءً على صعيد السياسات الداخلية، وعلى درجة أكبر في السياسات الدولية . ولعل مثل هذا الاستنتاج ينطبق على الكثير من القضايا العقدية، سواء في جانبها الثقافي، أو في خلفياتها السياسية التي تعبّر عن صراع أو اتفاق المصالح، الأمر الذي يتحدد في ضوئه “فن الممكن” كما يقال، باعتباره أحد أوجه التعبير عن السياسة وتوازناتها .

وإذا كانت منظمة اليونيسكو، إحدى منظمات الأمم المتحدة، المختصة بالتربية والعلوم والثقافة، فإنها ليست بعيدة عن السياسة، فهي في صلب الصراع السياسي المحتدم في العلاقات الدولية، باعتبارها حقلاً من حقول الدبلوماسية الدولية على مدى عقود من الزمان، ولا يتعلق الأمر بحقبة الحرب الباردة وتضاد الأيديولوجيات وقطبية الإعلام وأساليب الدعاية السوداء فحسب، بل إنها حتى بعد انهيار النظام الاشتراكي، لاسيما منذ سقوط جدار برلين في نوفمبر/ تشرين الثاني ،1989 استمرت على المنوال ذاته، خصوصاً بصعود قطب أساسي متنفذ ومهيمن، ليس على سياسات وبعض توجهات اليونيسكو حسب، وإنما على السياسة الدولية بشكل عام .

وإذا كانت القضية الفلسطينية قد وجدت طريقها إلى أروقة الأمم المتحدة منذ أواسط السبعينات بشكل مكثف، فقد كانت منظمة اليونيسكو أيضاً أحد أوجه هذا الحضور الجديد، ويبدو أن توجّه السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس (أبو مازن) للحصول على عضوية كاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة، والتقدّم بطلب رسمي في سبتمبر/ أيلول 2011 لا يزال ينتظر الإجراءات الرسمية لعرضه على الجمعية العامة، قد انتقل إلى اليونيسكو كذلك على نحو أكثر حدة .

ولعل السبب الأساسي في الدبلوماسية الفلسطينية الجديدة العودة إلى المجتمع الدولي، هو ضغط الواقع بعد وصول اتفاقيات أوسلو لعام 1993 إلى طريق مسدود منذ عام ،1999 حيث كان من المفترض المباشرة في ما سمّي بمفاوضات الحل النهائي، لكن تعنّت “إسرائيل” وتراجعها عن “التزام” لم يكن يحظى بالإجماع الفلسطيني والعربي ولو بحدّه الأدنى، دفع الأمور إلى المجهول، ناهيكم عن ارتفاع حجم القمع والإقصاء والعدوان والحصار .

وبعد أن سدّت جميع المنافذ اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الثانية في 28 أيلول (سبتمبر) عام ،2000 ولم تنفع لاحقاً اتفاقية واي ريفر وخريطة الطريق، حيث استمر “الإسرائيليون” سادرين في غيّهم وقاموا بقصف وتخريب المطار الفلسطيني ومحاصرة الرئيس الراحل ياسر عرفات، وفي ما بعد شن العدوان على غزة بعد حصارها الذي لا يزال مستمراً منذ عام 2007 حتى الآن، ولكن نتائج عدوان أواخر عام 2008 وأوائل عام 2009 جاءت بما لا يرضي “إسرائيل” مثلما كانت نتائج عدوانها على لبنان عام 2006 .

الغريب أن واشنطن حذرت الأمم المتحدة من قبول فلسطين عضواً كامل العضوية، وزعمت أن عضويتها مشروطة باتفاق مع “إسرائيل” التي هي في الواقع لا تريد أي اتفاق أو حل، بما فيها حلّ أوسلو المطعون فيه، وهو حل لا يشمل سوى 22% من الأراضي الفلسطينية التي كانت بموجب قرار التقسيم رقم 181 لعام 1947 من حصة الدولة الفلسطينية المنشودة، ناهيكم عن رفض “إسرائيل” للقرار 194 لعام 1948 الخاص بحق العودة .

لقد بادرت واشنطن بالضغط على منظمة اليونيسكو لمنع قبول دولة فلسطين، وعندما أصبح الأمر خارج سيطرتها قامت بإيقاف مساهمتها المالية البالغة نحو 80 مليون دولار سنوياً . ولعل هذه الخطوة تذكّر بخطوة أخرى اتخذتها الولايات المتحدة بحق اليونيسكو حين قاطعتها عام 1984 واستمرت في هذا الإجراء حتى عام،2003 ومثل هذا الموقف يمكن أن يمثل “تهديداً” للأمم المتحدة في ما إذا وافقت على عضوية دولة فلسطين التي تحظى حتى الآن باعتراف 126 دولة منذ إعلان الجزائر في عام ،1988 وفي الواقع فإن الخطوة الأمريكية الاستباقية ليست سوى ابتزاز جديد تحاول واشنطن تطويع المنظمة الدولية من خلاله .

لقد كان الاعتراف بدولة فلسطين عضواً كامل العضوية في منظمة اليونيسكو هو اعتراف بواقع أليم وبظلم تاريخي لحق بالشعب العربي الفلسطيني وهيئاته وممثليه، وآن الأوان لتصحيحه على أقل تقدير، في حين تتطلب مبادئ العدالة الدولية التعويض عن الغبن والضرر المادي والمعنوي الذي لحق به جرّاء إبعاده عن الأروقة الدولية، لاسيما من عضوية المنظمات الدولية، خصوصاً منذ أواسط السبعينات، حين عملت منظمة التحرير الفلسطينية على إقامة علاقات وثيقة مع أوساط كثيرة دولية وغير دولية لتأكيد حقوق الشعب العربي الفلسطيني، لاسيما حقه في العودة وتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة، أي كيان سياسي يعبّر عنه وخصوصاً في المحافل الدولية .

ومن مبررات قرار الرئيس الأمريكي باراك أوباما بخصوص اليونيسكو، قرار سابق اتّخذه الكونغرس قبل عقدين من الزمان يقضي بالامتناع عن تمويل أية منظمة أو أنشطة دولية تمنح الفلسطينيين عضوية فيها، الأمر الذي يطرح سؤالاً مشروعاً، وماذا لو تم قبول فلسطين في الجمعية العامة أو في منظمات الأمم المتحدة الأخرى، مثل المجلس الاقتصادي والاجتماعي ومحكمة العدل الدولية والوكالة الدولية للطاقة الذرية ومنظمة الصحة العالمية وغيرها؟ فهل ستنسحب الولايات المتحدة منها جميعاً وتعلّق عضويتها أو تمتنع عن تمويلها؟ ولعل مثل ردود الفعل تلك ستبدو أقرب إلى الاستهتار وشكل من أشكال المراهقة السياسية من جانب دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن، وعليها مسؤوليات كبرى بموجب ميثاق الأمم المتحدة .

لقد وضع قرار إدارة أوباما بخصوص الاعتراف بدولة فلسطين، الأمم المتحدة كلّها في حرج، باستثناء “إسرائيل”، التي كانت هي الأخرى قد هددت المجتمع الدولي، بل قامت فعلياً وميدانياً بارتكاب جرائم جديدة تضاف إلى جرائمها التاريخية بحق العرب والفلسطينيين بالقيام بعمليات انتقامية، فأقدمت على الشروع ببناء نحو 2000 وحدة سكنية استيطانية في القدس والضفة الغربية، وامتنعت عن تحويل الأموال العائدة إلى السلطة الفلسطينية للضغط عليها والإمعان في إيذائها معنوياً وخنقها اقتصادياً، ثم قامت بعملية عسكرية في قطاع غزة بحجة منع إطلاق الصواريخ على المستوطنات “الإسرائيلية” .

ولم تكتف “إسرائيل” بذلك، بل ارتفعت بعض الأصوات داخلها بالدعوة إلى إلغاء السلطة الفلسطينية، والتحضير لعدوان جديد قد لا يكون بعيداً عن تقليم أظفار حزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينية، بالترافق أو بالتعاقب في مغامرة قد تبدو صعبة، لكن طبول الحرب التي يتم استحضارها، وتتم بإشراف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه إيهود باراك، تجعلها غير مستحيلة، كرد فعل ضد الهجوم السلمي الفلسطيني، وقد تصل إلى حد مهاجمة إيران لتدمير مفاعلاتها النووية بالتنسيق مع واشنطن أو لوضعها أمام الأمر الواقع، ف”إسرائيل” لا تستطيع العيش من دون حروب أو مغامرات، وأكثر ما يزعجها بل يقضّ مضاجعها هو السلام العادل، حتى إن كان بحدّه الأدنى .

لقد شعر الرئيس الأمريكي بوطأة قراره “غير الحكيم”، وهو ما دفعه إلى الحصول على استثناء من الكونغرس بشأن الموضوع، لكن اللوبي الصهيوني داخل الكونغرس وخارجه لا يزال قوياً ومؤثراً، الأمر الذي ستضطر إدارة أوباما إلى مراعاته، سواءً بخصوص سياستها إزاء اليونيسكو أو غيرها من المنظمات الدولية التي تلوّح لها بأكثر من عصا .

ومن جهة أخرى فإن “إسرائيل” لا تزال تتشبث بسياساتها الثقافية الداعية إلى الإقرار بيهودية الدولة، أي “نقائها”، الأمر الذي يعني استبعاد الفلسطينيين، وهم أهل البلاد الأصليون الذين يؤلفون حالياً نحو 20% من سكانها، خصوصاً وهي تريد تغيير الهوية بالكامل أو طرد من يبقى متشبثاً بهويته، ناهيكم عن منع الفلسطينيين من حق العودة، ولعل ذلك يمثّل صورة الدولة الفلسطينية التي تريدها “إسرائيل” حسب مقاساتها، وهي في الواقع ليست أكثر من “بلدية”، أو “شعبة إدارية” في إحدى الوزارات، وليس دولة لها جيش وشعب وحكومة وسيادة في إطار حق تقرير المصير .

إن السياسة الثقافية ل”إسرائيل” إزاء “الصراع الشرق أوسطي” وحقوق الشعب العربي الفلسطيني، وهي الجزء الأكثر سوداوية وعنصرية من استراتيجيتها المدعومة من واشنطن، لاسيما في المحافل الدولية، تجعلها يوماً بعد آخر أكثر انفضاحاً إزاء المشترك الدولي والمجتمع الإنساني، كلّما أصبحت على المحك، وما التصويت في اليونيسكو لمصلحة عضوية دولة فلسطين، إلاّ التعبير الأكثر كثافة بإدانة الثقافة العنصرية الاستعلائية، التي تقف بالمقلوب ضد حقوق الإنسان، وهو ما أدانته نحو ثلاثة آلاف منظمة في ديربن (جنوب إفريقيا) في المؤتمر الدولي ضد العنصرية العام 2001.



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بانتظار بايدن
- الفدرالية العراقية والكثبان المتحرّكة
- الدرس التونسي: القطيعة والتواصل
- ما بعد الانسحاب الأمريكي من العراق!!
- جدل دستوري عراقي وغواية الانقلاب العسكري
- بغداد واشنطن: انتبهوا الوقت ينفد!
- صناعة الدستور
- الأردوغانية: زواج كاثوليكي بين الإسلام والعلمانية
- إسرائيل- والمياه
- مشكلة المياه العربية
- سمفونية الرحيل- عبد الرحمن النعيمي الرجل الذي مشى بوجه الريح
- الحق في الماء
- سورية :هل لا يزال طريق التسوية التاريخية سالكاً!؟
- العقدة اليمنية وما السبيل لحلها؟
- في رحيل عبد الرحمن النعيمي
- بالمر جولدستون.. أَيُّ مفارقة وأَيُّ قانون؟
- أسئلة الثقافة والسلطة: اختلاط الزيت بالماء
- ثروات العراق: عقود ملتبسة ومستقبل غامض!!
- إرهابيون أشرار وإرهابيون أخيار!
- في وداع عبد الرحمن النعيمي : حين يجتمع العقل والحكمة والصدق


المزيد.....




- -عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
- خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
- الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
- 71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل ...
- 20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ ...
- الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على ...
- الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية ...
- روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر ...
- هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
- عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز ...


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - اليونيسكو والثقافة بالمقلوب