|
سليم طه التكريتي*.. في مقهى الزهاوي
وديع العبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 3562 - 2011 / 11 / 30 - 19:23
المحور:
سيرة ذاتية
سليم طه التكريتي*.. في مقهى الزهاوي إلى جانب الحائط المنتهي في داخل (الأوجاغ) تستند (قنفتان) متجاورتان. الأولى منهما تبدأ عند بداية الواجهة الزجاجية العريضة للمقهى، والتي يحتلّ رأسها الاستاذ محمد حسين فرج الله المحامي عادة، ويترك المحلّ فارغا في غيابه. أو بداية (القنفة) الثانية المجاورة لها، فيشغلها في العادة شخص هادئ نادر الكلام، وقليلا ما يشترك في الأحاديث الدائرة. يسند أحد مرفقيه على ذراع (القنفة) وبالأخرى يداعب (مسبحة) صغيرة –ثلاث وثلاثين حبّة-. نظراته تمتدّ مستقيمة نحو الأمام، أي نحو نقطة في وسط شارع الرشيد المقابل عبر الواجهة الزجاجية، وهو من محله يقطع ثلثي مساحة المقهى بالطول، فيما تقع البوّابة على يسار النظر في نقطة متوسطة. حول عينيه تنتشر غضون متقلّصة ترتفع إلى ما فوق الحاجبين ومساحة الجبهة، وذلك بأثر محاولته تركيز النظر. يرتدي قميصا نصف ردن مع بنطال عادي تكشف عن لياقة أدبية تتحاشى المبالغة. وجه بيضوي ذو بياض، حليق الوجه والشارب، متواضع في جلسته، بسيط في كلامه الذي لا يتعدى جملة أو جملتين قصيرتين ذات مضمون اخباري أو تعليق موجز. الاستاذ سليم طه التكريتي ليس طويل القامة، لا يتعدي طوله (1.65م)، يسير بتثاقل، مع ميل واضح للبدانة. كان حضوره المقهى مرة أو مرتين خلال الأسبوع، ولأن حضوري كان متأخراً فبالكاد كنت أصادفه، لبعض الوقت. الأستاذ سليم طه التكريتي من رواد الصحافة العراقية المميزين، وفي هذا المجال ادخلت صفة ربما لم يتنبه كثيرون إلى المغزى وراء معناها. تلك الصفة هي الشمول بنظام تقاعد الصحفيين، والتي على أثرها أدخل رهط كبير من الأسماء في باب (صحفي متقاعد). ان الجانب المادي للقانون سمة ايجابية بغض النظر عن مبلغ راتب التقاعد، واحتساب العمل الصحفي خدمة وظيفية إسوة بالعاملين في خدمة الدولة (قانون ضمان وتقاعد العمال والموظفين)، لكن الجانب الآخر المتعلق بالصفة المهنية والأخلاقية للوظيفة، تأثرت سلبا بهذا القانون. فعلى الرغم من التضخم العددي في حجم العاملين في الصحافة العراقية، تم إزاحة أعداد كبيرة من أجيال الصحافة المخضرَمة من التفاعل الأيجابي لمهنية العمل الصحفي. ان الكادر الصحفي العراقي في السبعينيات والثمانينيات لا يخرج في أقدم رموزه عن فترة العهد الجمهوري الثاني وما بعدها. فيما احتشدت الساحة بكم من الشباب خريجي الصحافة الجدد، بل أن عددا غير قليل من العاملين في وسائل الاعلام الورقية والاذاعية، كانوا لما يزالوا من الطلبة أو منتسبي التخصصات الفنية واللغوية. بمعنى آخر، تم اختزال فئة كبيرة تحت طائلة التصنيف/ التهميش السياسي بنسبتهم للحكم الملكي وملابساته السياسية. وكأن التاريخ السياسي وتدرجاته يمكن أن تختزل بعملية قيصرية جائرة وبغير دماء. لماذا جرى إبعاد كتاب وصحفيين عراقيين خارج العملية الصحفية لمجرد علاقتهم الجيلية بالحقبة الملكية، خارج دائرة الرأي والمشاركة؟.. المحامون كانوا يهتمون بصفحة اعلانات المحاكم في الصحف العراقية سيما اعلانات جريدة العراق وجريدة الجمهورية أو القادسيّة –صدرت في الثمانينيات-. والبعض يهتم بصفحات التراث والفن، وذلك عقب تنبيه خاص من الكاتب لمتابعة موضوع مثير للاهتمام. أي أن قرار التهميش السياسي والمهني انعكس في الجانب الآخر بنوع من تحاشي التلامس المباشر مع صحافة الراهن والعاملين بها. وهو ما أعتبره أحد فجوات النسيج الاجتماعي في الوطنية العراقية. على الجانب الآخر، كانت أسماء محدودة تتقارب مع بعض رواد مقهى الزهاوي (جيل المتقاعدين)، وكان لهؤلاء ترسّبات متراكمة من سوء المعاملة المهنية والمحاذير الأمنية والسياسية كما سبق في موضوع الأستاذ مكي عزيز، -وهو ليس الوحيد في هذا المجال-، فكانوا يتجنّبون المشاركة أو الادلاء بأي رأي للصحافة. وفي الغالب كان تجنب الصحفيين الشباب العاملين في مؤسسات الاعلام، للاشتباه في كونهم من عناصر الأمن والمخابرات أو وكلائهم. ومن تلك الأسماء كان الصحفي هاتف الثلج الذي ظهر اسمه يومذاك، وكان له برنامج اذاعي قصير يتضمن (مقابلات على الطريق) وفي جانب التراث ثمة مأزق المقارنة بين الماضي والحاضر، مما قد يوحي بظلال سياسية. لم أعرف الاستاذ سليم طه التكريتي صحفيا، ولكني عرفته مترجما رصينا وحاذقا وذلك عبر مجموعة من الكتب المهمة جدا.. - رحلتي إلى العراق- جيمس سلك بكنغهام- مط أسعد- بغداد 1968 - ثلاثة ملوك في بغداد- رتشارد دي غوري- ترجمة وتعليق- بغداد- 1969 - مجموعة دراسات نقدية عن محمد مهدي الجواهري- لهادي العلوي وجبرا ابراهيم جبرا وداود سلوم وابراهيم السامرائي وفوزي كريم وسليم طه التكريتي وهاشم الطعان / 1969 - الحياة اليومية في بلاد بابل وآشور- جورج كونتينو- ترجمة بالاشتراك مع برهان عبد التكريتي- دار الرشيد- 1979 معظم هذه الكتب تعالج موضوعة التاريخ السياسي والاجتماعي العراقي المعاصر أو امتداداته وجذوره. وحتى في الكتاب المتعلق بشخصية الشاعر الرائد محمد مهدي الجواهري، كانت المداخلة من باب التاريخ والمذكرات الشخصية أو السيرة الذاتية، أكثر منه تقييما أدبيا أو نقدا سياسيا. ورغم ذلك حاولت بعض القراءات المشوّهة الانحراف بالموضوع، وتحميل الكاتب وزر أمراض وأخطاء سياسية متأخرة، مما يدخل باب الخندقة السياسية –قبل الغزو الأمريكي- أو الطائفية –عقب الغزو-. لم يستسلم الأستاذ سليم طه التكريتي لنظام التقاعد الصحفي (مهنيا/ سياسيا) وانما استمرّ في العطاء والابداع عبر مجال مهم وزاخر آخر، هو مجال الترجمة. وهو -كما سبق القول- مترجم رصين حاذق من الوزن الثقيل، ويلحظ اهتمامه بالتخصص والمنهجية التي التزمت باب التاريخ السياسي، كما يتضح من عناوين ترجماته أعلاه. لم يعتزل المترجم الحياة السياسية والراهن العراقي المباشر، وانما تناول الواقع من خلال التعليق والترجمة وتحليل خيوط النسيج الأصلية في التاريخ العراقي عبر التاريخ من أيام بابل وآشور خلال القرون الوسطى حتى النصف الأول من القرن العشرين وفجر الجمهورية في العراق. ان دراسة التاريخ هي الطريق الصائب لفهم الراهن. وتأسيس الحاضر لا يقوم بالقطيعة مع الماضي. أن أحد وجوه المشكلة الوطنية هي الفقر الثقافي بتاريخ الوطن وعدم التوقف عند مفارز حركة التطور الاجتماعي والاقتصادي، وافرازاتها في نسيج حركة الحياة الراهنية. شخصيا اعتبر دراسة التاريخ العراقي مقدمة لازمة لدراسة الاستاذ حنا بطاطو القيمة عن العراق والحركات السياسية والاجتماعية الفاعلة فيه. وديع العبيدي لندن في الثلاثين من نوفمبر 2011 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ • لقب الاستاذ سليم طه التكريتي يعود إلى حقبة الحكم الملكي العراقي ولا صلة له بصفة حكام العراق في عهد البعث (1968- 2003)، مما يقتضي التنويه ونبذ الالتباس.
#وديع_العبيدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أنور عبد الحميد السامرائي المحامي.. في مقهى الزهاوي
-
د. محمد عزة العبيدي.. في مقهى الزهاوي
-
محمد حسين فرج الله.. في مقهى الزهاوي
-
مكي عزيز.. في مقهى الزهاوي
-
حقوق الأقليات في العالم العربي في ظل التغيرات السياسية
-
صورة جانبية لهشام شرابي /2
-
صورة جانبية لهشام شرابي /1
-
المنظور الاجتماعي في أدب سارة الصافي
-
وردة أوغست..
-
كلّ عام وأنت..!
-
استقبال....
-
لامُن ياؤن سين
-
((حضارة عكسية))
-
منفيون من جنة الشيطان 40
-
منفيّون من جنَّة الشيطان 39
-
منفيون من جنة الشيطان38
-
الاتجاه الاجتماعي في أدب يوسف عزالدين
-
منفيون من جنة الشيطان37
-
منفيون من جنة الشيطان 36
-
منفيون من جنة الشيطان35
المزيد.....
-
عمرو دياب سيواجه المحكمة في واقعة صفعه لمُعجَب
-
استئناف مرفوض.. تأكيد حكم ابتدائي يقضي بسجن مواطنة روسية أمر
...
-
ماذا يحدث في مرتفعات الجولان؟ تفجيرات لم تقع منذ حرب 1973
-
إسرائيل تفتح معبر مساعدات إلى غزة امتثالا لمهلة أمريكية
-
توقيف فتى بألمانيا بتهمة التخطيط لتنفيذ هجوم بدوافع إسلاموية
...
-
هل تستولي إسرائيل على الضفة الغربية؟
-
الجيش الأوكراني في محنة.. وسائل إعلام غربية تكشف حقيقة الوضع
...
-
حزب الله: قرار الجيش الإسرائيلي الانتقال للمرحلة الثانية من
...
-
السنغال: رئيس الوزراء عثمان سونكو يدعو للانتقام لأنصاره بعد
...
-
42 مليون دولار تعويضا لثلاثة عراقيين عُذّبوا في أبو غريب
المزيد.....
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
-
بصراحة.. لا غير..
/ وديع العبيدي
-
تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|