|
حكايات من شنكال 28
مراد سليمان علو
شاعر وكاتب
(Murad Hakrash)
الحوار المتمدن-العدد: 3562 - 2011 / 11 / 30 - 08:29
المحور:
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر
حكايات من شنكال (28) (28) مطر ... حلبي . للمطر مواسمه وأيام زمان عندما كان يأتي موسم الأمطار يخرج الصغار فرحين لاستقبال أول الغيث ... يتراكضون ويرقصون ويغنون ... يا مطر إهطلي إهطلي فالعصافير أكلت قمحك ... " بارانى ببار ببار جووكا كه نمى ته خوار ... " ولا يخفى إن الأغنية كانت مرتبطة بشكل مباشر بزرع الحبوب ( الحنطة والشعير ) في المنطقة . ولم يكن الاحتفال بقدوم المطر يقتصر على الأطفال في الشمال فكان للجنوبيين أيضا أغانيهم ... مطر مطر شاشا ... على بنات الباشا مطر مطر حلبي ... على بنات الجلبي وقد وظف أغنية الصغار الفلكلورية هذه الشاعر الخالد السيّاب في قصيدة رائعة . وإذا ما تأخر المطر عن موعده في عام ما يسرع الأطفال وبتشجيع ومشاركة من الأهالي إلى اختيار طفل مرح ليلبسوه ملابس رثة وغريبة وصنع شوارب ولحية من شعر المعز أو صوف الغنم ويقومون بالرقص والغناء حواليه ويدورون به من بيت لآخر يطلبون الطحين وفي بعض الأحيان عندما تغفلهم ربّة البيت ترشقهم بالماء وهي لعبة ممتعة أشبه ما تكون بتعويذة لأبعاد النحس والحظ السيئ عن السنة والدعوات لسقوط المطر ليعمّ الخير الجميع . ولكن مواسم المطر غيّرت مواعيدها عندنا شيئا فشيئا فاختفى الزرع والمزارعون واختفت معها بعض من تقاليدنا وفلكلورنا الجميل والأصيل في حوض جبل شنكال. وأرجو أن لا يفهم من هذا إن المطر قد قاطعنا وغادرنا للأبد فهو يزورنا ويسقط بغزارة ولكن ليس في مواعيده المعتادة يأتي خلسة بعد فوات الأوان مما نتج عن تأخره المستمر موسم بعد آخر اختفاء المراعي أيضا فعزف الناس عن تربية الأنعام ورمى الرعاة عصيهم على مضض مثلما حلّ زملائهم الفلاحين أحزمتهم وأنطقتهم وباتوا يتحسرون على أيام زمان وخير أيام زمان مثل موسم الحصاد في عام 1988 مثلا . يسقط المطر بغزارة وسرعة وكأنه هارب من أحضان الغيوم المثقلة بهموم شنكال وقرى شنكال ويتمخض عن غزارة وشدة وشوق المطر سيول لتدمّر ما تبقى من بيوتنا الطينية وطرقنا الترابية وينهى بذلك جميع معزوفات ليالي المطر الهادئة الرتيبة ولا يطيب العزف والجنجنة إلا بوضع إنجانة أو طاسه من الفافون لتحلو السهرة مع التنقيط المستمر ولاشيء يضاهي تلك المتعة سوى العذاب الذي ابتكره الجيش الفيتنامي ضد أعدائهم من الأسرى الأمريكان حيث كان يثبت رأس الأسير ويعلق فوقه برميلا يحتوي ماءا ويجعل القطرات تتساقط برتابة واستمرار على رأسه مما يجعله يفقد صوابه بعد دقائق ويعترف بما يمتلك من معلومات . تجربة مثيرة نعيشها كل سنة في بيوتنا دون أن نقع في الأسر والحمد لله بل تتكرر مرات ومرات في الموسم الواحد وحلاوة عذابها تكمن في وجود أكثر من خرم وشق في السقف فتضع دولكة بلاستيكية تحت إحداها وطاسه فافون تحت الأخرى وربما طاجن استيل في مكان آخر وهكذا تتنوع الرنات ... واسمع التقسيم أيها الساهر المحظوظ وأطلق الآهات ولتكن القفلة الأخيرة لأغنيتك ساخنة لترضى عليك روح أم كلثوم فالليل طويل والأنغام بعدد النجوم المختبئة وراء الغيوم الحاقدة وما عليك سوى اختيار الكلمات المناسبة وكن مطمئنا فالجالغي سيرافقك دائما وصحبتك ستكون أحلى من المربعات البغدادية وسوالف المرحوم الياس قولو ... وإذا كانت زوجتك من النوع الذي تلعن اليوم الذي رضت بك زوجا فيه وإن أصبت بخيبة أمل في صبر زوجتك التي لا تضاهي صبر زوجة النبي أيوب فقد يحالفك الحظ آخر الليل وتؤلف سيمفونية لا تقل عن صخب السيمفونية الخامسة لبيتهوفن الأطرش . أخي ونور عيني ... ربّما سدّت أمامك كل الطرق واقفلت بوجهك الأبواب فإياك وذرف دمعة أمام أطفالك الذين يرتجفون بردا لأن سقف بيتك يتكفل بذلك في كل مزنة وإياك أن تضعف أمام زوجتك التي تتضور جوعا فقدم لها بعض الأحلام وتذكر فصل الصيف ليطمئن قلبك كما أطمئن قلب كريف كرتو الذي زاره في ظهر يوم من أيام رمضان في منتصف القرن الماضي وبعد السلام والترحيب الحار أشعلوا له نارا ليتدفأ وبعدها جلبوا لكرتو غداءه المكون من خبز شعير وبصلة حمراء حارة من الحجم الكبير وسماقا وبعض الملح ... وطبعا طاسة ماء فضرب كرتو البصلة بكفه وأخذ يفركها بالسماق ويرش عليها الملح وبدأ يأكل بنهم وتلذذ وكلما بلع لقمة يشرب رشفة ماء ويتمطق فبدا لعاب كريفه يسيل وقال له : بس يصير وقت الفطور سآكل أنا أيضا بصلا وسماقا فرد عليه كرتو ... يا كريفي العزيز عند الفطور سنقدم لك ديكا مطبوخا فاطمئن كريف كرتو وصبر حتى وقت الفطور ... والآن الدور عليك يا رجل ما هي إلا ثلاثة أشهر ويزورك الدفء ثانية ثم الصيف وستلعب مع العقارب من جديد . مراد سليمان علو [email protected]
#مراد_سليمان_علو (هاشتاغ)
Murad_Hakrash#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بتلات الورد 12
-
بتلات الورد 11
-
حكاية من شنكال
-
بتلات الورد 10
-
حكايات من شنكال 26
-
الأنسان
-
حكايات من شنكال 25
-
بتلات الورد 9
-
حسن دربو / قصة قصيرة
-
بتلات الورد 8
-
سارق البقرة
-
حكايات من شنكال 24
-
بتلات الورد / 7
-
حكايات من شنكال 23
-
بتلات الورد / 6
-
حكايات من شنكال 22
-
بتلات الورد / 312
-
حكايات من شنكال 21
-
بتلات الورد /5
-
حكايات من شنكال 20
المزيد.....
-
لحّن إحدى أغانيه الأيقونية.. محمد عبده يرثي ناصر الصالح بحفل
...
-
فرنسا: بايرو يعلن أنه سيلجأ للمادة 49.3 من الدستور لتمرير مش
...
-
مباشر: عمليات عسكرية إسرائيلية جديدة في الضفة الغربية وأربعة
...
-
مشاهد منسوبة لأحمد الشرع في سجون العراق.. هذه حقيقة الفيديو
...
-
هل تتحول العلاقة بين ترامب والسيسي إلى -فاترة- بسبب غزة؟ - ن
...
-
تبادل الاتهامات بين روسيا وأوكرانيا بشأن قصف مدرسة في كورسك
...
-
إسرائيل تُعيّن إيال زامير خلفا لهاليفي.. ماذا نعرف حتى الآن
...
-
فيدان: ندعم بيان القاهرة حول مواجهة مشروع تهجير الشعب الفلسط
...
-
مراسلتنا: المستوطنون حرقوا مسجدا بالضفة الغربية ومطالب فلسطي
...
-
الشـرع يصل إلى الرياض في أول زيارة خارجية
المزيد.....
-
-;-وقود الهيدروجين: لا تساعدك مجموعة تعزيز وقود الهيدر
...
/ هيثم الفقى
-
la cigogne blanche de la ville des marguerites
/ جدو جبريل
-
قبل فوات الأوان - النداء الأخير قبل دخول الكارثة البيئية الك
...
/ مصعب قاسم عزاوي
-
نحن والطاقة النووية - 1
/ محمد منير مجاهد
-
ظاهرةالاحتباس الحراري و-الحق في الماء
/ حسن العمراوي
-
التغيرات المناخية العالمية وتأثيراتها على السكان في مصر
/ خالد السيد حسن
-
انذار بالكارثة ما العمل في مواجهة التدمير الارادي لوحدة الان
...
/ عبد السلام أديب
-
الجغرافية العامة لمصر
/ محمد عادل زكى
-
تقييم عقود التراخيص ومدى تأثيرها على المجتمعات المحلية
/ حمزة الجواهري
-
الملامح المميزة لمشاكل البيئة في عالمنا المعاصر مع نظرة على
...
/ هاشم نعمة
المزيد.....
|