|
الربيع العربي ومدى قدرته على إنتاج عملية ديمقراطية 2/2
ضياء الشكرجي
الحوار المتمدن-العدد: 3561 - 2011 / 11 / 29 - 16:14
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ولنرجع إلى دوافع مناوءة تلك الأنظمة، ولنأخذ العراق مثالا، ونخص في أمثلتنا حقبتين كنموذجين لتقريب الفكرة، ألا هما العهد الملكي، ثم الحقبة البعثية. فكل من التيار اليساري والتيار القومي والتيار الوطني كان يناوئ النظام الملكي، بالدرجة الأولى لكونه مواليا أو تابعا (عميلا) للغرب، ولبريطانيا على وجه الخصوص. يضاف إلى اليسار دافع آخر هو ارتباطه الإيديولوجي بالمعسكر الاشتراكي كأحد طرفي ثنائية القطبين المتصارعين في إطار الحرب الباردة، لكن لا ننس أن عهود الاستعمار المباشر، ثم غير المباشر للغرب كان عاملا مهما في كراهة الشعوب والقوى الوطنية المناضلة له؛ هذا كله مما أدى كما مر ذكره إلى الانفصال النفسي عن البيئة المنتجة للديمقراطية وثقافة الحداثة، ولكن غير المبرأة من جهة أخرى من الوقوع في الازدواجية. فإذا ما تناولنا اليسار، فكان الدافع الأساسي لنضاله ضد العهد الملكي، عداءه للغرب، بحكم إيديولوجيته الماركسية، وأيضا بحكم انتمائه إيديولوجيا وولاءً للشرق الشيوعي الذي يمثل أحد النقيضين المتخاصمين في الحرب الباردة بين قطبي الغرب الرأسمالي والشرق الاشتراكي، ولكون العهد الملكي كان ينتمي إلى القطب النقيض بحكم علاقته ببريطانيا، وبحكم معاداة النظام الملكي للشيوعيين، كمعاداة بالوكالة عن الغرب، مما جعله يوجه آلة القمع بشكل رئيس إلى اليسار. أما معارضة اليسار للنظام البعثي، فبسبب العداء المستحكم بين الشيوعيين وعموم الوطنيين واليساريين من جهة، والبعثيين وعموم القوميين من جهة أخرى في عهد الزعيم عبد الكريم قاسم، ثم ما مارسه البعثيون عام 1963 من قمع ضد الشيوعيين، وإن كان الأخيرون قد دخلوا في فترة معهم في جبهة وطنية وقومية، لا نريد أن نخوض في تقييمها هنا. أما الإسلاميون فعندما انطلقوا في تحركهم ضد النظام البعثي، كان مشروعهم هو ما أسموه بأسلمة المجتمع، بمعنى تحويل المجتمع من مسلم بالهوية إلى إسلامي على جميع الأصعدة، هذا المشروع الذي تكون آخر مراحله إقامة الدولة الإسلامية، ثم جاء عامل آخر لنضالهم أو (جهادهم)، وأعني بالذات الإسلام السياسي الشيعي، ألا هو أنهم اعتبروا نصرة جمهورية إيران الإسلامية تكليفا شرعيا، ألا هو الدفاع عن (بيضة الإسلام) ضد قوى (الكفر)، سواء انعكس ذلك إيجابا أو سلبا على الشعب العراقي، بل حتى على مشروعهم الإسلامي للعراق آنذاك، ولذلك لم يكن يذكر صدام من قبلهم إلا بتوصيفه بـ(صدام الكافر)، وليس (الديكتاتور) إلا في مرحلة متقدمة، لعله في التسعينات، حيث تغير خطابهم قليلا، بعدما دخلوا في عمل تنسيقي مع قوى المعارضة الأخرى غير الإسلامية، ولو غنهم كانوا يصرون في البداية على أمرين في البيانات المشتركة، البدء بالبسملة، وتجنب إيراد مفردة (الديمقراطية). وفيما يتعلق الأمر بالإسلام السياسي في عموم جزء العالم ذي الأكثرية المسلمة يمكن القول بأنه شهد بشكل خاص عنفوانا في الحماس واتساعا في الانتشار في الأوساط الشعبية - لاسيما المتدينة أو ذات العواطف الدينية - في أرجاء ذلك الجزء من العالم، بعد الثورة الإسلامية الخمينية، وتأسيس دولة ولاية الفقيه، وذلك حتى في أوساط الإسلام السياسي السني المتقاطع بدرجة أو أخرى مع الجمهورية الإسلامية كدولة للإسلام السياسي الشيعي. ثم كانت حقبة هيمنة الطالبان في أفغانستان، ثم نشوء تنظيم القاعدة، ودخول الوهابية بعدما تسيست هي الأخرى. دون الخوض في درجات التشدد أو التطرف أو الإرهاب، أو درجات الاعتدال والعقلانية والوسطية النسبية لقوى الإسلام السياسي، فإن هذا التيار تحول منذ نهاية العقد الثامن من القرن المنصرم إلى قوة سياسية ثالثة في المنطقة، إلى جانب التيار اليساري والتيار القومي العربي، فيما يتعلق الأمر بالمنطقة العربية على وجه الخصوص. واليوم لدينا تيار رابع تزداد أهميته وانتشاره وتأثيره بالتدريج، ألا هو التيار الليبرالي الحداثوي. ولكن تجدر الإشارة بأن حتى تيار اليسار الثوري تحول إلى يسار ديمقراطي، ومن هنا حدث تقارب بين التيارين الديمقراطيين العلمانيين الرئيسين، أي اليساري والليبرالي، حيث نستطيع القول إن اليسار اقترب من الليبرالية باعتماده للحرية - باستثناء الجانب الاقتصادي - بما يتطابق مع الحرية بمفهومها الليبرالي، كما إن التيار الليبرالي قد اقترب من اليسار، باعتماده العدالة الاجتماعية أكثر فأكثر. الذي أريد أن أخلص إليه هو أنه هناك اليوم فهم جديد للحرية، ففي الوقت التي كانت تعني الحرية في القرن السابق التحرر من التبعية الأجنبية عبر إسقاط أنظمة الحكم المرتبطة بالغرب، والموصوفة بالعميلة، وإحلال نظام وطني بديل، وإن لم يقم على أسس ديمقراطية، فكان هناك قبول بالديكتاتور الوطني أكثر بكثير من العميل الديمقراطي. بينما نجد أنفسنا اليوم أمام فهم حداثوي للحرية، بمعنى الديمقراطية، والالتزام بمواثيق حقوق الإنسان، وصيانة الحريات العامة والخاصة، واعتماد مفهوم المواطنة والدولة المدنية الدستورية، والمساواة في الحقوق، لاسيما فيما يتعلق الأمر بالمرأة، والأقليات الدينية والقومية، دون أن نكون قد استطعنا أن نحوّل كل ذلك إلى ثقافة عامة غالبة في المجتمع. وبسبب انبعاث الثقافة الجديدة للحرية والديمقراطية والدولة المدنية الحديثة، لاحظنا في أحداث ما سمي بالربيع العربي دور الشباب، وتجاوز هؤلاء الشباب الأحزاب التقليدية، إذ كان الشباب على الأعم الأغلب هم أصحاب المبادرة في تحريك الشارع العربي، عبر استخدام تقنيات الاتصالات الحديثة، دون أن ننفي دور ومشاركة الأحزاب الديمقراطية. لكن سرعان ما ركب الإسلام السياسي موجة حراك الربيع العربي، وأعد العدة بقطف ثمارها، وسينجح في ذلك في أكثر من بلد، ولفترة تطول أو تقصر، ولا يبعد أن يخطف ذلك عقودا من عمر الشعوب، ومن عمر عملية التحول الديمقراطي. لذا فهناك مخاوف جدية وخطر حقيقي يهدد المشروع (الحلم) أو يؤخر تحقيقه لسنوات أو عقود قد تبلغ نصف قرن، أو أقل بقليل أو أكثر وما نتائج الانتخابات في تونس ثم المغرب ثم مصر إلا تأكيد لهذه المخاوف. وهنا أكرر ما سبق وذكرته في مقالات ومحاضرات وتصريحات إعلامية أخرى، ألا إن المنطقة ومشروعها الديمقراطي واقعان بين نارين؛ نار الديكتاتورية ونار الإسلام السياسي. لا أدري من ابتكر مصطلح (الربيع العربي)، ولكن هذا التوصيف يجعلني أستوحي منه صورة لمرور المنطقة بالفصول الأربعة. هذا يعبر عن خشيتنا وتوقعاتنا في ألا يكون الربيع ربيعا ثابتا، بل ربيعا قلقا وموقتا، يعقبه صيف ساخن، بكل حراراته الشديدة والمزعجة، والتي هي حرارة وسخونة الحماس الإسلاموي، وحرارة وسخونة الصراع السياسي، وتكون قوى الإسلام السياسي في ذلك الصيف الساخن هي صاحبة السبق والتفوق، لكن ارتفاع سخونة الصيف العربي، سيؤول إلى مرور تلك القوى المتشددة بخريفها وشيخوختها، بعدما ستنفر منها الجماهير، ويتشكل وعي جديد، ولكن قد تؤدي خيبة الأمل عندئذ إلى شتاء بارد، مقترن ببرودة وسبات سياسيين. ولكن سرعان ما سيطل من بعد ذلك الشتاء ربيع جديد، سيكون ربيعا راسخا هذه المرة، ذلك برسوخ الوعي الديمقراطي، ورسوخ الثقافة الديمقراطية، وبالولادة الجديدة لديمقراطية حقة ستكون هي الأخرى راسخة، بعد كل أوجاع الطلق لتلك الولادة لديمقراطية على أساس علماني هذه المرة، ينسحب فيها الدين إلى دائرة الشأن الشخصي، ويمثل صورة من صور علاقة الإنسان الفرد بربه، دون إقحامه في الشأن العام، وفي شؤون الدولة. أخيرا أقول وفي ضوء نظرية الفصول الأربعة، إن المخاوف والمخاطر الكبيرة والجدية التي أشرنا إليها لا تبرر أبدا وبأي حال من الأحوال تأجيل المباشرة بمجازفة تدشين الديمقراطية.
#ضياء_الشكرجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الربيع العربي ومدى قدرته على إنتاج عملية ديمقراطية 1/2
-
الديمقراطية والإسلام .. متنافيان – إجابة على تعليقات القراء
-
إجاباتي على أسئلة الحوار المتمدن
-
الديمقراطية والإسلام .. متعايشان أم متنافيان 2/2
-
الديمقراطية والإسلام .. متعايشان أم متنافيان 1/2
-
لماذا تضامن العراق (الديمقراطي) مع ديكتاتوريات المنطقة
-
دعوة تشكيل الأقاليم ما لها وما عليها
-
هادي المهدي القتيل المنتصر
-
الشرقية تسيء إليّ مرة أخرى بإظهاري محاضرا دينيا في تسجيل قدي
...
-
حول التيار الديمقراطي العراقي مع رزكار عقراوي والمحاورين
-
ليكن التنافس حصرا بين العلمانية والإسلام السياسي
-
علاوي - المالكي - جزار التاجي - الخزاعي - ساحة التحرير
-
عملية التحول الديكتاتوري والشباب الأربعة وهناء أدورد وساحة ا
...
-
حكومتنا تتقن فن تصعيد غضبنا إلى السقف الأعلى
-
ضياء الشكرجي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: الإسلامي
...
-
مصانع الإرهاب: الفقر، الجهل، الدين
-
سنبقى خارج الإنسانية طالما لم نتفاعل إلا سنيا أو شيعيا
-
سنبقى خارج الزمن طالما سنّنّا وشيّعنا قضايا الوطن
-
المالكي والبعث و25 شباط ومطالب الشعب
-
بين إسقاط النظام وإصلاح النظام وإسقاط الحكومة
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|