أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نضال نعيسة - أضغــاث أحـــلام















المزيد.....

أضغــاث أحـــلام


نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..

(Nedal Naisseh)


الحوار المتمدن-العدد: 1055 - 2004 / 12 / 22 - 09:31
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


اكتشفنا حين ذهب بنا قطار العمر بعيدا, أن معظم أحلامنا الجميلة الشخصية والعامة والإنسانية ماهي إلا سراب وآل ببلقعة وبرق خلب. ولم تكن سوى أضغاث أحلام وخرابيط وترهات لا يحلم بها الا المعتوهين و البلهاء والسفهاء. وإن عملية وأد جماعية كبرى لأحلام بريئة قد حصلت, أين منها مذابح ومقابر "الحردون" المعمد بمئات الوصايا العفلقية الشريرة والكافرة. و عبارة "أضغاث الأحلام" التي نحن بصددها ,وهي لب الموضوع, قد وردت في القرآن الكريم اكثر من مرة وفي غير سورة. ففي سورة الأنبياء قال تعالى: (بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر فليأتنا بآية كما أرسل الأولون).وفي سورة أخرى (وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث). وفي سورة يوسف(قالوا أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين). والضغث هو المفردة, وتعني قبضة من اليباس أو الرؤيا التي لا يصح تأويلها ,أي الخرابيط والهلوسات والتهيؤات غير الواقعية او المنطقية البلهاء.
الحالمون كثر, والأحلام منها ما هو جميل, ومنها ما هو مرعب. وفي عصور قبائل وعشائر البطش والطيش الظلامي والاستبدادية الشمولية الجاهلية في الألفية الثالثة أضحت الأحلام, وبفضلهم, كوابيسأ وخلبيات لا تبرح الصدور والعقول الباطنة منها والظاهرة والمستترة. وقد تمت مصادرة الأحلام كليا, ووأدها جماعيا, وحصرانتاجها,وبيعها, ونقلها, وتوزيعها,وتداولها, والمتاجرة بها وتوريثها إلا "بكوبونات" رسمية, وبموافقة المخابرات, وبطانة السلطان بكل غيها وعهرها وسلبطتها وبلطجتها وساديتها لأنها محرمة بفتوى ثوروية خرقاء. وبلغت هذه القبائل البدائية المنحطة من التخلف والتزمت والغلووالفجور مبلغا لم تبلغه أية مخلوقات عبر تاريخ البشرية الطويل. وهذا ربما هو السر الدفين وراء هذا السبات العميق,والغيبوبة الكبرى, والإغفاءة الأبدية الطويلة, والتهالك, والخرف, والهذيان البدائي المخزي, والصارخ والفاقع الساطع. لأن الإنجازات الكبرى عبر التاريخ بدأت بأحلام صغيرة وبريئة سرعان ما رأت النور وصارت واقعا معاشا في آفاق النور ورحاب الحرية والإنسانية. فالأخوين رايت مثلا ظلوا يحلمون بالطيران إلى أن أصبح الحلم حقيقة وحلقوا في الفضاء لأول مرة لثوان ليست بكثيرة وانطلق الحلم الصغير إلى حلم اكبر ووصل الى ما نحن عليه الآن. وبعد أن كانت الأحلام كبارا عظاما وناصعة الألوان أضحت تافهة وصغيرة ودنيئة وداكنة السواد.فمن باحث عن فتوحات في العلوم والطب والآداب واختراعات واكتشافات في الآفاق والمجرات, وعواصم النور ومنابع الألق الوهاج, إلى منبش عن فتات وبقايا وفضلات ولقيمات مغمسات بالذل والدم والعار في الأزقة والزواريب والحارات, في مدن الصفيح الخرساء.
ويتمنى معظم النائمون, والشاردون, والغافلون, والمنومون قسرا والمغيبون عن الوعي من بطون, وأفخاذ, وسيقان, وكواحل, وأتباع تلك القبائل الظلامية الغاشمة والجائرة أن يناموا نومة أبدية سرمدية واحدة لا صحو منها ولا قيام وبدون أية أحلام.وهي بكل الأحوال أفضل من المهانة والضيم والجور الذي يلاقونه وهم في كامل وعيهم ليتخلصوا من هذه الرؤى المخيفة واللامعقولة.والحلم جميل حين يكون طبيعيا وعاديا ,لكنه يتحول الى وهما قاتلا حين يكون مرضيا.ونتيجة لهذه الأخفاقات الدائمة والأحلام الموؤودة أصبحت لازمة الأحلام عندنا هي الأضغاث فقط, ولم تعد الأحلام وردية قط ,بعد أن سرقت حتى الأحلام الصغيرة وأصبح الجميع يعيش بحالة كابوس جماعي مرعب وقاتل. لصوص كبار ومحترفون خبراء أتوا على كل شيء بما فيه الاحلام وراحة البال. وكثيرا ما يكون الأنسان في أحلام جميلة ليصحو في الصباح وهو يستمع للمعلقات الإجترارية المعروفة التي تبثها الأبواق الاستهبالية, الاستغفالية, التسطيحية الهبلاء. أو, وهو يعانق وسادة بالية من مخلفات المرحومة جدة أبيه, طيب الله ثراها, بعد أن كان محلقا في حلمه الدافىء مع روبي أو نعومي الهيفاء.
وحين كانت اللعبة الجميلة, والطفلة البريئة" رولا" تحلم ب "بابا نويل" وتنطق بهذا اللغط المرفوض أصوليا, سمعها ذلك الطالباني العابس المتزمت تسرح في حلمها الجميل فزجرها ونهرها بقسوة, ومات الحلم الوردي في العقل الباطن الصغير, ثم انهال عليها بوابل من المواعظ عن المحرمات. فأصبحت حتى الأحلام محرمة وبحاجة لمن يفتي بها ويحللها ويفذلكها .فهناك أحلام حلال, وأحلام, كما اصبح معلوما ,حرام منكرات. ولو حلمت بأحلام مشاغبة فيها ثرثرات, ولا تروق لكتبة السلطان فعليك بدفع كفارات نقض الاحلام الثورية الرعناء. وقد تحول الرعايا المساكين وأحلامهم, بعد سلسلة طويلة من الحرمانات والفرمانات الثورية, ومراسيم هائجة, وقرارات بمنع الأحلام "البرجوازية" الدنيئة,الى قطيع من الواهمين الشاردين الساهمين الهائمين الضائعين الحيرانين والفقراء المنكوبين, والمسجلة أسماؤهم فقط في وكالات الغوث الدولية ومنظمات الصليب والهلال الاحمر الإسعافية. وبعد النكسات الكبرى والإحباطات المتعددة وعمليات النصب الإلتفافية والدورانية بالجملة والمفرق التي تعرضوا لها وبكل مكر ودهاء.

والأحلام , حسب التفسير الفرويدي لها , هي ماتم كبته وضغطه من العقل الظاهر إلى العقل الباطن أثناء الوعي, كون العقل لا يقبل هذه الأحلام لعدم واقعيتها واسترساليتها واستفشارها وحماقتها في بعض الاحيان.وحين ينام العقل الواعي الظاهرويغفو, يتحرك العقل الباطن ويسرح ويمرح وتظهر على السطح الهارب من الرقابة العقلية الصارمة الخيالات المكبوتة اثناء الوعي وتتحول الى أحلام. وهناك أحلام كبيرة و أحلام صغيرة و أحلام بريئة و أحلام إجرامية وشريرة .وأما أحلام اليقظة فهي الشرود والسرحان و"التوهان" وأنت بكامل الوعي. وهي حالات نفسية فيها الكثير من الرغبة في الفرار من الواقع المزري المعاش. وهناك أحلام وطنية وأحلام شخصية, وغالبا ما" تذوب" الأحلام الوطنية أمام الأحلام الشخصية عند العربان وسياسييهم الأفذاذ النجباء, ولا تعود موجودة لا في العقل الظاهر ولافي العقل الباطن برغم السبات المزمن الطويل. ومن أشهر قصص الأحلام الوطنية والعرقية التي تحققت في القرن العشرين كان حلم مارتن لوثر كينغ في خطبته النارية اللاهبة التي ألهبت السود في عموم أمريكا بجملته الشهيرة في خطبته العصماء( I have a dream). وتحققت رؤياه وحصل السود على حقوقهم ,لا بل ترقوا ووصلوا الى وزارة الخارجية والترشح لرئاسة الولايات المتحدة نفسها متمثلة بكولن باول وجيسي جاكسون على التوالي والاستراتيجية الأمنية كوندي الصارمة السمراء.

واخطر أنواع الأحلام وأشدها ضررا وإيلاما, هو الأحلام السلطوية والتركيعية والتطويعية, والاوهام الامبراطورية والتوسعية التي أدت, ودائما,الى كوارث ومآس على الجميع. ولقد أثبت التاريخ مرارا ان كل الحالمين بالسيطرة والتركيع والتطويع, قد فشلوا وازدادت رغبة الآخرين المركعين والمكبلين والمأسورين ايضا بتحقيق أحلامهم ومهما كانت الأثمان. ورأينا كيف انهارت امبراطوريات الخوف, وسقطت جدران الامن, وتهاوت قلاع التحجروالرعب التي كانت مهمتها حبس و مصادرة الأحلام . وذهبت مع أوهامها الى عالم النسيان. وكيف أصبح جنرالات وأساطين الأمن بكل نياشينهم وبذاتهم الماريشالية الزائفة والساقطة, فارين ومطاردين وفي أكثر من مكان ومنهم من ينتظر,مذعورا إلى الآن, إلقاء القبض عليه إن عاجلا أو آجلا, ولم تنفعه معه كل عربداته ورقصه الأمني , ولم يستطع تحقيق أمنه الشخصي فما بالك بأمن وسلامة الآخرين والأوطان؟ ولعل ماحصل في أغنى الدول وأكثرها خيرا وخصوبة والتي حلم بعض الواهمين بأنهم يعيشوا منذ ألف واربعمئة سنة الى الوراء,وشردوا وسرحوا في حلمهم الكابوسي, وحين استفاقوا من رقادهم الدهري المديد, اكتشفوا أن الحلم الكبير لم يكن سوى تهيؤات مريضة ورخيصة, وحولوا البلاد والعباد الى حالة مزرية وكئيبة, واستيقظوا على حقيقة واحدة وهي أنهم في زنازين انفرادية موحشة وظلماء. ولم تكن إلا أضغاثا من الأحلام.ورأى الجميع كيف انهار حلم الدولة الطالبانية المرحومة, تاركا وراءه مجموعة من الهائمين الشاردين السرحانين في حالة من اللاشعور واللاوعي الهيجاء.

وبرغم كل ما حصل من حالات فورة الأحلام التسلطية الفاشلة والمهزومة, التي غدت أوهاما وكوابيسا, خرابيطأ فيما بعد,هناك من لازال يحلم بلبس العمامات, في بلاطات فيها من الغلمان, والخصيان, والنسوان, والجواري, وسبايا الغزوات, والحروب الانكشارية الاستعبادية الكارثية الحمقاء. وبجانبه السيافون, وحملة البلطات, وكثير من البلغاء, ووأدة الاحلام الكبار,من تجار الكلمة وسدنة الأصنام وعبدة الدينار. ويطلق حملات العلاقات العامة المكشوفة في مدن النور التي يحلم بتدميرها حين تستفيق من أحلامها الوردية البيضاء, لينقض عهد الأمان معها وتضاف الى قائمة كوابيسه السوداء.وتراه يسوق لباليات من الأفكار ومستحيلات من الأوهام و"الزعبرات" التي ماتت واندثرت منذ زمان وزمان . ويمارس عمليات التنويم المغناطيسية الشاملة لتبرير, وتشريع, وتسويق الوساوس, والهواجس المخادعة السقيمة والعقيمة بأشكال حديثة ورؤى "حضارية",وهو في الحقيقة ,في غفوة وغيبة كبرى أين منها غفوات أهل الكهف النيام. وما هي أيضا وفي الواقع إلا أضغاث أحلام ورؤى خلبيات وسرابات فوق الرمال يحلمها المرضى والواهمون الراقدون التعساء .
ومع اشتداد الأصوات وعلوها, والزعيق, والنواح, والنباح, والبكاء, والعواء, وأزيز الطلقات, وهدير الطائرات ,والانفجارات, والسعار, والهيجان ,والغليان, والفوران, لم يعد أحد يهنأ في المنام, و أصبحت كل الأحلام الفردية, والجماعية, والعامة أضغاثاً وخزعبلات وخربطات , وأحلام يقظة جوفاء, لأنه مامن أحد قادر على النوم في هكذا أجواء.

وتصبحون – كالعادة -- على كوابيس من الأضغاث.

أضغاث الأحلام.........لاتحلموها.

نضال نعيسة صحفي سوري مستقل



#نضال_نعيسة (هاشتاغ)       Nedal_Naisseh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البــدون
- الأمـــــوات
- -هرطقات عربنجية-
- صـــــــح النوم يامو
- يوم للذكرى
- المعصومون
- الحضاريون الجدد
- اللعب في الوقت الضائع
- الحوار المتمدن ........عفوا
- الثورة العالمية الثالثة
- سوق عكاظ .........الالكترونية
- اللعب مع الكبار
- الحلقة المفقودة في حلقة الاتجاه المعاكس
- الفرق الضالة..............سياسيا
- 2-2العلمانية والجهل
- شموليات القهر الجاهلية في الالفية الثالثة
- مثلثات الموت القادمة
- اوهام الاصلاح المستحيلة
- العلمانية والجهل
- مجتمعات الاقصاء الشامل


المزيد.....




- صدق أو لا تصدق.. العثور على زعيم -كارتيل- مكسيكي وكيف يعيش ب ...
- لفهم خطورة الأمر.. إليكم عدد الرؤوس النووية الروسية الممكن ح ...
- الشرطة تنفذ تفجيراً متحكما به خارج السفارة الأمريكية في لندن ...
- المليارديريان إيلون ماسك وجيف بيزوس يتنازعان علنًا بشأن ترام ...
- كرملين روستوف.. تحفة معمارية روسية من قصص الخيال! (صور)
- إيران تنوي تشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة رداً على انتقادات لوك ...
- العراق.. توجيه عاجل بإخلاء بناية حكومية في البصرة بعد العثور ...
- الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا استعدادا لضرب منطقة جديدة في ضا ...
- -أحسن رد من بوتين على تعنّت الغرب-.. صدى صاروخ -أوريشنيك- يص ...
- درونات -تشيرنيكا-2- الروسية تثبت جدارتها في المعارك


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نضال نعيسة - أضغــاث أحـــلام